نجاة عبد الرحمن تكتب: البريكس وإعدام الدولار
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
تعاني دول العالم الثالث من هيمنة الدولار الأمريكي على الأسواق العالمية، مما أضر باقتصادها نتيجة التضخم الذي نتج عن قيام الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة على الدولار عدة مرات، و كانت نتيجته عدم استقرار الأسواق و المؤسسات الاقتصادية نتيجة ارتفاع التضخم بنسب مبالغ بها.
وجدت عدد كبير من الدول ضالتها في الانضمام لمجموعة البريكس، التي أصبحت تهدد عرش الدولار الأمريكي، خاصة بعد إتجاه مجموعة البريكس لإصدار عملة موحدة يتم التعامل بها خلال التعاملات التجارية بين الدول، مما يسهم في إنعاش اقتصاد دول عدّة، تضررت من جرّاءِ اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية ثم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
تأسست مجموعة البريكس عام 2009 بدعوي من الصين و البرازيل و انضمت إليهم روسيا و الهند، ليكونوا الدول المؤسسة لمجموعة البريكس، ثم توالت الانضمامات إليهم من جنوب أفريقيا خلال عام 2010 وإثيوبيا و دول شرق أسيا و المملكة العربية السعودية و مصر و الإمارات العربية المتحدة، لتكتسب مجموعة البريكس قوة داعمة لمواجهة عرش الدولار الأمريكي و الحد من هيمنته على 58% من حجم التجارة العالمية، و الحد من تحكمه في اقتصاد و أنظمة دول عدّة أصبح مرهون انتعاشه و بقائها باستقرار الدولار.
انضمت مصر رسميا لعضوية مجموعة البريكس في 1 يناير عام 2024، للخروج من عباءة الهيمنة الأمريكية و تحكم الدولار في الاقتصاد المصري و مساهمته في رفع معدلات التضخم لأعلى مستوى لم تشهده مصر من قبل، و الذي انعكس في النهاية على الأسرة المصرية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل مبالغ فيه للغاية، رغم جهود الدولة المصرية للحد من التضخم و الحفاظ على استقرار الأسعار.
سوف تستفيد السوق المصرية من عضوية مجموعة البريكس بشكل كبير، منها: زيادة حجم التبادل التجاري، و زيادة الاستثمارات الأجنبية، زيادة حجم الصادرات المصرية و غزو أسواق جديدة، توطين الصناعات الوطنية المصرية، تخفيف الضغط على الدولار و أتاحه الفرصة للمنتجين و المصنعين في التوسع و غزو الأسواق و زيادة حجم صادراتهم، و الحد من الخسائر التي لحقت ببعض المصنعين و المنتجين بسبب تضخم الأسعار بسبب أزمة الدولار.
والأهم من ذلك استقرار العملة المحلية المصرية و عودة انتعاش الجنيه المصري، مما ينعكس على أداء المجموعة الاقتصادية و تحقيق عوائد التنمية التي ستعود على المواطن بالنفع و يبدأ يشعر بأهمية المشروعات التنموية العملاقة، التي لم يشعر بها حتى الآن بسبب التهام النقد الأجنبي تلك العوائد، بل عادت عليه في شكل تضخم مبالغ فيه.
وبالتالي يساهم ذلك في الاستقرار السياسي، و إحباط أي محاولات للهدم من قبل العناصر الإيثارية الحاملة للفكر الهدام التي وجدت ضالتها في ظل التضخم و موجة الغلاء التي تجتاح الأسواق المصرية.
فضلا عن تأثير استغناء أغلب دول العالم و من بينهم الدول الاقتصادية الكبرى مثل الصين و تركبا و البرازيل و الهند و دول شرق آسيا عن التعامل بالدولار خلال التبادل التجاري فيما بينهم و الصادرات و الواردات، على الاقتصاد الأمريكي الذي قد يتهاوى نتيجة الاستغناء عن الدولار، الذي يستمد قوته من فرض التعامل بعملته على 58% من حجم التجارة العالمية، و الذي يضعف بدوره النفوذ السياسي للهالة الأمريكية، و التي ستنعكس بالطبع على القضية الفلسطينية و دعمها الكيان الصهيوني.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مجموعة البریکس
إقرأ أيضاً:
حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب
في عامها الثالث، لم تعد الحرب في السودان حدثًا عابرًا يُروى بين فقرات الأخبار، بل تحولت إلى نسيج يومي يُحاك من أشلاء الذكريات والجراح. صارت واقعًا يُعاش بكل ثقله: بيوتٌ تتهاوى كأوراق الخريف تحت دوي المدافع، وأطفالٌ يلهون فوق ركام مدارسهم، كأنهم يتحدون فكرةَ أن الطفولة لا بدّ أن تكون بريئة. هنا، لم يعد هناك فاصل بين الخاص والعام؛ فكل دمعة تسقط في بيت ما تُعد جزءًا من نهرٍ من الأحزان يغمر الأمة. الأحياء تتحول إلى خرائب، والأسواق التي كانت تعج بالحياة تصمت إلا من صدى الخطى الثقيلة لقدامى الجوعى.
الأمهات، بوجوهٍ نحتتها رياح اليأس، يُجدنَ فنَّ الصبر، بينما يتساقط الأقرباء والأصدقاء كأوراق شجر في عاصفة لا تنتهي.
في هذا المشهد الكابوسي، تبرز الكتابة كفعلٍ مُقاوِم، ليست مجرد أداة لتوثيق الألم، بل محاولة لإنقاذ الذات من الغرق في العدم. يكتب المثقفون بحبرٍ مخلوط بالتراب والدم، مسجلين تفاصيل البيوت التي انمحت، وأسماء الأحبة الذين صاروا ظلالًا في ذاكرة المدينة.
اليوميات التي يسطرونها ليست سردًا بطوليًا بقدر ما هي همساتٌ يائسة لاستعادة شيء من الإنسانية المهدورة. تصبح الكتابة بيتًا مؤقتًا، هشًا لكنه يقاوم السقوط، يحمل بين سطوره عبق الأيام الماضية ورائحة المقاومة.
الكتابة كوثيقة اجتماعية- بين التاريخ والوجع
لا تقتصر هذه النصوص على الرثاء، بل تتحول إلى وثائق تُجسد تداخل التاريخ مع المأساة؛ فهي تسجل تحول الوطن إلى شتات، والمستقبل إلى لغزٍ مُظلم. الكاتب هنا ليس مراقبًا من برج عاجي، بل هو ابن الأرض الذي يعيش تحت القصف، يكتب بألمٍ عن جاره الذي اختفى
وعن السوق الذي تحول إلى مقبرة جماعية. النصوص تكشف كيف صار "الوطن" فكرةً هاربة، بينما يختزل الواقع معاناة البحث عن رغيف خبز أو زجاجة ماء.
من الاستثناء إلى القاعدة- الحرب كحالة دائمة
في ذهن المثقف السوداني، لم تعد الحرب استثناءً، بل جزءًا لا يتجزأ من الهوية. يقول الكاتب أمير تاج السر: «نحن أبناء الحروب المتراكمة، نعرفُ صوت الرصاص أكثر من صوت الموسيقى»، معبرًا عن واقعٍ عاشه وجيله منذ طفولتهم في وطنٍ حُفر في ذاكرة الألم.
وقد أضاف الناشر العربي على غلاف إحدى الروايات عبارة "الحياة تستحق النشيد رغم قسوتها"، وهي ليست دعوة لتفاؤل ساذج، بل تأكيدٌ على إيمانٍ بأن الفن يعد آخر حصون الكرامة. وكأن صوت المثقفة البريطانية هيلينا كينيدي، حين تحدثت عن النزوح كجريمة ممتدة
يجد صداه في واقع الأسر السودانية التي تعيش التهجير كحالة متوارثة عبر الأجيال.
الخراب كوجهٍ للوطن- لماذا تصبح الحرب "معقولة"؟
وهنا يطفو السؤال الأقسى: كيف يصبح الدمار مألوفًا؟ قد تكون الإجابة في استبدال لغة الثورة بلغة التأمل، أو في تحول الألم إلى رفيق يومي. المعقولية هنا لا تعني الاستسلام، بل اعترافًا بفشل الخطابات الكبرى.
إذ أن المثقف الذي كان يرفع شعارات التحرر صار يكتب ليُثبت أنه ما زال حيًا، كأنه يردد روح محمود درويش عندما قال: «أنا لستُ لي، أنا وطني يكتبني»، مما يحوّل الكتابة إلى فعل أخلاقي، محاولة لإنقاذ المعنى من براثن العبث، وصرخة ضدّ التطبيع مع القتل.
ما بعد الكلمات- هل تكفي الكتابة؟
رغم كل هذا، تظل الحقيقة المرة أن الكتابة لا توقف الرصاص، ولا تُعيد الطفل إلى أمه. ففي الوطن الذي يموت فيه الإنسان، تموت معه الكلمات أحيانًا. لكن المثقف لا زال يكتب، لأن الصمت يعد خيانة، ولأن الحكاية لم تنتهِ بعد.
كما تقول الروائية بثينة خضر مكي: «نحن نكتب لنُثبت أننا لم ننزلق بعد إلى حافة الوحشية»، لتظل هذه النصوص، رغم دمويتها، بمثابة البذرة الأخيرة لشتلة أمل أو على الأقل شهادةً على تمسك شعبٍ برواية معاناته.
حين تصير الكلمات دمًا
في النهاية، يبقى المثقف السوداني حائرًا بين شقين- شاهدٌ على المأساة وضحيةٌ فيها. يرتجف قلمه ولكنه يرفض السقوط، إذ إن الحرب قد تسرق الأوطان لكنها لا تستطيع سرقة الكلمات التي تُخلّدها.
وكما كتب شابٌ عاقل في يومياته تحت القصف: «إذا متُّ، ابحثوا عني في كتبي».
أعلموا أيها القتلة- نحن الباكون على واقع اليوم ، ولكن من خلال الألم نصنع المستقبل.
zuhair.osman@aol.com