قررت لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالميّة للشعر، التي يَمنحُها سَنويًّا بيت الشّعر في المغرب بشراكة مع مُؤسّسة الرّعاية لصندوق الإيداع والتدبير وبتعاوُن مع وزارة الثقافة، منح الجائزة للعام 2024، في دورتها 17، إلى الشاعر البحريني قاسم حدّاد، « تتويجًا للدّور الذي اضطلَعَتْ به قصيدَتُهُ في التّصدِّي للتقليد برُؤيةٍ مُستقبليَّة تَنتصرُ لمَحبّة الحَياة ولتَرسيخ الحُرّيّة ولطاقةِ اللغة على الإبداع المُتجدِّد والمُجَدِّد »،

وتكوّنت اللجنة، هذه السّنة، من عميد كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالمحمدية عبد الحميد بن الفاروق رئيسًا، ومن الأعضاء: الشاعرة وفاء العمراني، الكاتب والصحفيّ المصريّ سيد محمود، الشاعر نجيب خداري، الشاعر منير السرحاني، والشاعر حسن نجمي الأمين العام لجائزة الأركانة العالميّة للشعر.


وحسب تقرير اللجنة، فقد تفاعَلتْ قصيدَةُ الشاعر قاسم حدّاد، مُنذ سبعينيّات القرن الماضي، مع أُفق الشّعر العربيّ المُعاصر، وعبْرَ هذا التّفاعُل أسْهمَتْ على نحوٍ رياديّ في تَحْديثِ الشّعر بمنطقة الخَليج، وفي استنباتِ ما يُحْدِثُ الصّدوعَ في قِلاعِ التقليد ويُحَرِّرُ اللغةَ والإنسانَ والحياةَ مِن سُلطة الخَنق والتّقييد. وقد حرَصتْ قصيدةُ الشاعر قاسم حدّاد، وهي تُشيعُ ضَوءَ هذا التّحرُّر، على بناءِ إيقاعِها الخاصّ داخل المَشهَد الشعريّ العربيّ، مُنصِتةً في مُختلفِ أطوارها، لِنَبْض زَمنها وللمَعرفة الشعريّة في الآن ذاته، ومُنتصِرَةً دومًا للحُلم والأمَل والحُبّ والحُريّة، من دُون أنْ تَكُفّ عَنْ تجْديدِ ذاتِها وتَجديدِ السّبُل التي تقودُ إلى الشِّعر.
ويَنطوي مسارُ قاسم حدّاد الشِّعريّ على رُؤى معرفيّةٍ تَرتَسِمُ في المُنعَطَفات التي شهدَتْها قصيدتُهُ وهي تُرسي شِعريّتَها، وتُجَدِّدُ لُغتَها، وتُوَلِّدُ المَعنى من النّفاذ إلى آلامِ الحياة وآمالِها وإلى أسرار الذّات وأسرار العلاقات الإنسانيّة. لقد شكّل الحَفْرُ الدّؤوبُ عن الشِّعريِّ المُوجِّهَ العامّ لهذه المُنعطَفات، التي جَسّدتْ، بمُختلف رُؤاها، وعيًا بالتّجديد نُسغًا للفِعل الكتابيّ، ووعيًا بما يَتطلّبُه هذا التّجديدُ مِن تَوسيعٍ لحَيّز الحرّيّة في الكتابة وبالكتابة.
تبعًا لذلك، شَقّت قصيدةُ الشاعر قاسم حدّاد دُروبًا عديدةً في أراضي القوْل السّامي، حتّى صارَتْ هذه الدّروبُ، بتَعدُّد تحقّقاتها، السِّمَةَ المُميِّزةَ لشِعريّة هذه القصيدة؛ فمِن تَوْسيع حِصّة الحواسّ في بناء شِعْرٍ مُتحرِّر مِنَ التجريد إلى تَمْكينِ عوالمِ الجَسد من صَوغ المَعنى، ومِنْ تَوليد الشِّعر الصّامت في ثنايا « الأخبَار » إلى استجلاءِ شعريّة الأشياء، ومِنْ ترسيخ حَيويّة اللون في تَمديدِ المساحات البَصريّة داخل القصيدة إلى الكتابة اعتمادًا على مُسَوّداتٍ شعريّة، ومِنْ بناءٍ يُعوِّلُ على التّفعيلة إلى بناءٍ يَستثمرُ تفاعُلَ الشعريّ والسّرديّ أو يتجاوَزُ البناءَيْن معًا، تَرتَسِمُ بَعضُ الدُّروب التي شقّتها قصيدةُ الشاعر قاسم حدّاد، جاعلةً الشِّعرّيَّ أكبرَ مِنْ كُلّ شكلٍ كتابيّ.
ولمْ يُمَكّن الشاعر قاسم حدّاد أيَّ صيغةٍ مِنْ صِيَغ الشّكل الكتابيّ مِن أنْ تَنغلِقَ في مُنجَزه الشّعريّ ولا أنْ يَتحدّدَ هذا المُنجَزُ بها ولا أنْ يَتماهَى فيها الشّكلُ بالشّعر. ظلّ الشّكلُ الكتابيّ، في تَجربة قاسم حدّاد الشعريّة، مُتجَدِّدًا بتَجَدُّد الأراضي الشّعريّة التي تَنفتحُ عليها التجربة، خاضعًا دَومًا للشِّعريّ ومُتوَلِّدًا منه، لا مُوَجِّهًا له بصُورة قبْليّة، فكان الأُفُق الذي يَنبثقُ مِن داخل التجربة هو ما يُمَكِّنُ الشَّكلَ من صيغَةِ تَحَقّقه.
في المُنجَز الشِّعريّ لقاسم حدّاد، لا يُقابِلُ الشّكلُ الكتابيُّ المَعنى كما في الثنائيّة التّقليديّة. الشّكلُ، في هذا المُنجَز، صيغةٌ مِن صيَغِ تَحقّق الشّعريّ. لذلك تَنطوي أطوارُ القصيدة، في مسار قاسم حدّاد الكتابيّ، على وعي الشاعر بأنّ القولَ السّامي أكبرُ مِنَ الشّكل. وهو ما يُفسِّرُ المُنعَطفات التي شَهدَها الشّكلُ في هذا المَسار.
ثمّة، في قصيدة الشاعر قاسم حدّاد التي تَخلّقتْ مُنذُ « بشارةِ » التّصدّي لقلاعِ التقليد، قبَسُ أمَل يَشعّ مِنْ دُون تفاؤُل مُفرط؛ قبسٌ خافتٌ يَلمعُ مُتراقصًا من داخل رُكامِ اليأسِ السّميك الذي يَتقوّى في سَيرُورَةِ الحياة الحديثة، لكنّهُ قبَسٌ عنيدٌ، يَصونُ عنادَهُ مِن ثقةِ الشّاعر في طاقةِ القول الشّعريّ.

وصدرَت للشاعر قاسم حدّاد أعمالٌ شعريّة عديدة، منها: البشارة، 1970، خروج رأس الحُسين مِن المُدن الخائنة، 1972، الدّم الثاني، 1975، قلبُ الحُبّ، 1980، القيامة، 1980، شظايا، 1981، انتماءات، 1982، النهروان، 1988، يمشي مخفورًا بالوعول، 1990، عُزلة الملكات، 1992، أخبار مجنون ليلى (بالاشتراك مع الفنّان ضياء العزاوي)، 1996، قبر قاسم، 1997، علاج المسافة، 2000، أيقظَتْني الساحرة، 2004، « لستُ ضيفًا على أحد، 2007، طرفة بن الوردة، 2008، ثلاثون بحرًا للغرَق، 2017، المنسيات، منسيات الآلهة، 2023.
ولم يَكُف الشاعر قاسم حدّاد، بمُوَازاة مع كتابته الشّعريّة، عن التقاطِ ما يَفيضُ عن كتابةِ القصيدة، وإخضاعِه للتّأمُّلِ الفكريّ، عبْرَ سلسلة مِن المقالات والكُتب النّقديّة.

 

كلمات دلالية الشاعر البحريني قاسم حدّاد جائزة الأركانة العالميّة للشعر

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الش عری حد اد ا الش کل

إقرأ أيضاً:

نجم الهنعة

لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.

واليوم نتحدث عن نجم الهنعة، وهو أحد الأنجم التي كان لها دور كبير في الثقافة العربية، حيث يعد أحد منازل القمر، وهو المنزل الرابع عشر من منازل القمر الثمانية والعشرين، كما استخدموه في تحديد بعض المواسم الزراعية والتغيرات المناخية، فنجد أن طلوعه ارتبط ببدء اشتداد الحرارة، ولأنهم يلاحظون البيئة من حولهم ويرصدون التغيرات في حركة الحيوانات بسبب اختلافات درجات الحرارة، فقد لاحضوا أن الأفاعي تخرج من جحورها بالتزامن مع طلوع هذا النجم، وهذا من الثقافة الشعبية عند العرب القائمة على الرصد والملاحظة. معنى هذا الاسم كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أنه يقصد به: الجزء البارز أسفل حلق البعير.

ويبدأ هذا النجم الظهور في السماء من 3 يوليو تقريبا وكان طلوعه مؤشرًا لبدء بعض الزراعات الصيفية وحصاد المحاصيل، وقد استخدموا هذا النجم أيضا كجزء من نظام الأنواء لتحديد الأوقات المناسبة للزراعة والسفر والصيد.

أما أذا تحدثنا عن خصائص هذا النجم الفلكية فنجد أن حجمه يبلغ 9 أضعاف حجم شمسنا، وتبلغ درجة حرارة سطحه حوالي 9,200 كلفن، وهي أعلى من درجة حرارة سطح الشمس التي تبلغ حوالي 5,500 كلفن، يبعد حوالي 105 سنوات ضوئية عن الأرض.

وقد جاء ذكر هذا النجم في كتاب الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة الدينوري فقال: "الهنعة وهي كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط، على إثر الهقعة، في المجرّة، وبينهما وبين الذراع المقبوضة، ويقال لأحد الكوكبين "الزرّ" وللآخر الميسان. وقال ابن كناسة: «إنما ينزل القمر بالتحايي» وهي كواكب ثلثة حذاء الهنعة، الواحدة منها تحياة، وقال أدهم بن عمران العبدي: «الهنعة قوس الجوزاء ترمى بها ذراع الأسد. وهى ثمانية أنجم في صورة قوس ففي مقبض القوس النجمان اللذان يقال لهما الهنعة."

وإذا أتينا إلى أشعار العرب فسنجدهم ذكروا هذا النجم في قصائدهم، فنجد الملاح العماني أحمد بن ماجد يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:

وَهَقعَةٌ مِن بَعدِها والهَنعَه

ذراعُ والنَّثرَةُ والطَّرفُ مَعَه

وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه

ما في صفاتي قطُ لك حرفه

وهذا الشاعر العباسي ابن الرومي يذكر هذا النجم وهذا يدل على ثقافته بالنجوم وموعد طلوعها فذكره الهنعة بعد الهقعة فقال:

وزعمتَ سيدَنا الأمير سما بالجود حتى صافح الهَقعه

وهو الذي أدنى مواطئه فوق الذي سميت والهنعه

ونجد أن الشاعر الأموي الأحوص الأنصاري يذكر هذا النجم فيقول:

تَعْقِصُ وَحْفاً كَأَنَّ مُرْسلَهُ

أَساوِدٌ شبَّ لَوْنَهَا جَرَعُ

عَلَى نَقِيِّ اللَيْلَتَيْنِ مَعْتَدِلٍ

لَا وَقَصٌ عَابَهُ وَلَا هَنَعُ

ومن الشعراء الذين ذكروا هذا النجم في قصائدهم نجد الشاعر الشهير أبا نواس ذكر هذا النجم في معرض مدحه لأحدهم وكان يسمى أحمد فقال أن في خديه نجم الهنعة فقال:

وَلَكِنَّ الفَتى أَحمَدَ

يَجلو اللَيلَ بِالطَلعَه

عَلى جَبهَتِهِ الشعرى

وَفي وَجنَتِهِ الهَنعَه

كما نجد الفيلسوف محيي الدين بن عربي الذي عاش في العصر الأيوبي يذكر هذا النجم في إحدى قصائده فيقول:

هَنعة الأنعام في أفلاكها

ذرعت بلدتها في الغَسَقِ

نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات

بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق

أما القاضي التنوخي فنجده يذكر هذا النجم ويقول:

كأنّما الهنعة لمّا طلعت

مقلة صبٍّ لم تبن من البكا

مقبلة على الذراع تشتكي

شكوى محبٍّ ضاق ذرعاً فاشتكى

ونجد الشاعر ابن زقاعة الذي عاش في العصر المملوكي يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:

وكذاك هقعتها تحاكي غرة

والصولجانة شبهت بالهنعة

وذراعها كذراع ليث مده

وذراعها اليَمَنىّ كالمقبوضة

مقالات مشابهة

  • مصعب الجوير يفوز بجائزة أفضل لاعب واعد في دوري روشن
  • بعد مقابلته مع CNN.. متحدث باسم حماس يرد على تهديد مبعوث ترامب للحركة
  • نجم الهنعة
  • طالب عمان الأهلية الجعفري يفوز بفضية الدوري العالمي للكراتيه “هانغزو” 2025
  • سفير المملكة ونائب رئيس الوزراء البحريني يبحثان تطوير العلاقات
  • ويتكوف: مقترحي لتمديد وقف إطلاق النار كان معقولا ورد حماس غير مقبول
  • نجم الجدي
  • نجوم النعائم
  • طلب إحاطة حول خطة الحكومة لاستغلال منطقة مربع الوزارات الحكومية
  • بالفيديو.. لحظة إطلاق القمر البحريني "المنذر" إلى الفضاء