خشية إتلافه من الاحتلال.. مقدسيون يسابقون الزمن لقطف ثمار الزيتون
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
القدس المحتلة- يرتبط الفلسطينيون ارتباطا وثيقا بشجرة الزيتون، ففضلا عن البعد الديني للشجرة لورود ذكرها في القرآن الكريم، أصبحت رمزا لتمسك الفلسطيني بأرضه وصموده، ورمزا للقضية الفلسطينية، كما أنها عامل للتوحد والتقريب بين أبناء الشعب المشتت بفعل الاحتلال وإجراءاته ومنغصاته.
ورغم تعرض شجرة الزيتون لممارسات الاحتلال من تجريف وتدمير واقتلاع وحرق، إضافة لاعتداءات المستوطنين على الأرض وشجرة الزيتون، فقد ظلت شامخة أبية، تبعث السرور في قلب ناظريها، وتنتظر أن ترد الجميل لمن زرعها، وتقدم له ثمرها، الذي يشكل مصدر دخل لغالبية الأسر الفلسطينية.
ومع انتصاف أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يجدد الفلسطينيون حبهم لشجرة الزيتون، وبحلول ساعات الصباح الأولى يبدأ أفراد العائلة في التجمع والتحضر لممارسة تراثهم القديم بقطف ثمار الشجرة المباركة، يدفعهم حبهم لأرضهم، وانتظارهم بفارغ الصبر للدخل الذي سيعود عليهم منها، الكل يشارك في هذه المناسبة الجميلة من صغار وكبار ونساء وشبان، وكل واحد منهم ينظر إليها نظرته الخاصة التي تداعب عقله وعواطفه.
لكن الأمر لا يبدو كذلك عند عائلة سُمّرين من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، وتحديدا في حي وادي الربابة، حيث تقع أرض العائلة ضمن دائرة الأراضي المستهدفة من قبل سلطة الطبيعة والبيئة والجمعيات الاستيطانية.
عائلة سمرين استعجلت قطف ثمار الزيتون قبل أن تصلها أيدي الاحتلال والمستوطنين (الجزيرة) قطاف مبكروبدأت عائلة سمرين بقطف ثمار زيتونها قبل تساقط الأمطار، بعكس ما تفعل في الموسم كل عام، نظرا لاعتداء عُمال دائرة الطبيعة والبيئة الإسرائيلية على أشجار زيتونها، إذ قاموا بقص جذع واحدة من 12 شجرة يصل عمر أكبرها إلى 300 عام وأصغرها ما يقارب 100 عام.
رافقت الجزيرة نت العائلة خلال عملها في قطف الزيتون، حيث اجتمعت صغارا وكبارا في حي وادي الربابة وأحضرت معها ما تحتاجه من أدوات لجني الثمار.
اتجهنا نحو الحاجة أم موسى سمرين بينما كانت تستظل تحت إحدى شجرات الزيتون يرافقها أصغر أحفادها أدهم، وحفيدتها سلوان التي أطلقت عليها هذا الاسم لحبها بلدة سلوان التي ولدت وكبرت وترعرعت فيها.
تقول أم موسى "سنويا نأتي لجد الزيتون (أي قطفه) من أرضنا بعد أن تهطل الأمطار الأولى، ولكن حتى الآن لم تهطل (…) الشباب مجازون من أشغالهم بسبب وجود الأعياد اليهودية، فاستغللنا الإجازة بجد الزيتون، جد الزيتون يحتاج لشباب وأيدي عاملة، وأنا لا أستطيع بمفردي".
وتستذكر أم موسى موسم القطاف قديما: "زمان كانت أمي وعمي وزوجته يأتون لجد الزيتون، ولكن جميعهم توفوا الله يرحمهم، اليوم آتي أنا وأولادي وأحفادي".
وتضيف: "زمان الكل كان يساعد في العونة (المساعدة) وجد الزيتون، ويحضرون وجبة الإفطار والغداء بالأرض، والكل يكون فرحان".
العائلات المقدسية تجد المتعة في الاجتماع بموسم قطف ثمار الزيتون (الجزيرة) تعب ومتعةوتعبر الحاجة أم موسى عن حبها لقطف الزيتون قائلة إنه "أجمل موسم نجتمع فيه بالعائلة، هو موسم متعب، ولكنني أرتاح فيه، ما في أطيب من تذوق الإنسان ثمار جهده".
عن أول رشفة من زيت الزيتون بعد عصره تقول بلهجتها العامية "بِشهّي، الزيت بكون متل (مثل) السمن، أفضل من الذي يباع في الأسواق".
وتعمل أم موسى على فرز الزيتون وترتيبه وفركه بالملح والليمون وتخليله كزيتون، أما المتبقي فتُرسله إلى المعصرة الوحيدة في القدس ليتحول لزيت وتوزعه على أولادها وأحفادها وللمحبين قائلة "الله يحط (يضع) فيه البركة".
وتشير المواطنة المقدسية إلى ضعف الموسم هذا العام، موضحة أن "الزيتون السنة على الشجر قليل، ولكن لا نتركه بنجمعه للزيت، الحمد لله". وتتساءل "لمين نتركه؟!" وفي الوقت ذاته تُجيب: "المستوطنون يا بنتي سرقوا الثمر قبل أن يأتي موسم القطف، نزلوا كسروا أشجار وأغصان الزيتون".
وتعيش أم موسى المعاناة منذ زمن، فمنذ عامين استولت دائرة الطبيعة والبيئة على أرض الحمراء كانت العائلة تستأجرها من بطريركية الروم الأرثوذكس لزراعتها منذ عام 1928 بعقد متجدد سنويا.
تحدثنا أم موسى بحسرة عن آخر موسم لقطف الزيتون قبل استيلاء سلطة الطبيعة والبيئة على الأرض "آخر مرة جدينا فيها الزيتون عملنا 4 صناديق من الزيت (…) كان زيتونها طيب".
وتضيف أن نفسيتها تتعب ويصيبها الإعياء كلما رأت ثمار الزيتون تتدلى من الأغصان، مشيرة إلى محاولاتها المستمرة مع ابنها شعيب لاستردادها "أرض الإنسان عرضه والذي يفرط بعرضه يفرط بأرضه (…) نحن لن نترك أراضينا".
أشجار زيتون معمرة بحي وادي الروبابة في بلدة سلوان (الجزيرة) استرداد قريبأنهينا الحديث مع الوالدة واتجهنا إلى ابنها شعيب سمرين لنعرف أكثر عن قضية تلك الأرض ومحاولات استعادتها، فقال "اليوم الملف بالمحكمة العليا، إن شاء الله نسترد ولو جزءا منها، هذه الأرض من رائحة أجدادي، ووالدي آدم سمرين قضى حياته فيها مع والدته ووالده وأخيه".
"أرض الحمراء تعتبر جنة سلوان، مزروعة بكل أنواع الثمار التي خلقها الله ومساحتها تقدر بـ5 دونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع) وكانت تسقى من عين سلوان الكنعانية (…) لما أمشي بجانبها أحاول عدم النظر إليها (…) لدي قناعة إذا لم نستردها اليوم سنستردها في زمن قادم" يقول شعيب.
وعن موسم قطف الزيتون يستذكر شعيب "زمان كل أهالي وادي الربابة كانوا يتفقون على يوم واحد وساعة واحدة لبدء موسم قطف الزيتون، أنا تعلمت من جدي ووالدي، واليوم، أنقل ما تعلمته لأولادي ولأولاد أشقائي وشقيقاتي".
ويوضح شعيب "السنة الزيتون جودته ضعيفة، وعادة ننتظر هطول مياه الأمطار الأولى أو حتى بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ولكن في السنوات الأخيرة نبدأ بموسم جد الزيتون قبل ذلك إثر محاولات سلطة الطبيعة والبيئة السيطرة على الأراضي".
ويوضح أن المستوطنين وجيش الاحتلال يعتدون على الأرض وأشجار الزيتون، إذ "يكسرون أغصان الشجر ويرمون ثمار الزيتون على الأرض، ليمنعوا وجودنا في الأراضي (…) لا يريدون أي وجود عربي بالأراضي، يريدون أن يدخلوها هم بسلام دون إزعاج أو مساءلة من مالكي تلك الأراضي".
وعن شعوره في موسم قطف الزيتون، يعبر المواطن المقدسي "كأن الإنسان يذهب في رحلة استجمام، يروّح فيها عن نفسه من متاعب الحياة، يستريح فيها بجلسة تحت إحدى أشجار الزيتون في أحضان طبيعة حي وادي الربابة".
وينهي حديثه قائلا "ما أتذكر في حياتنا اشترينا زيتا أو زيتونا؛ كله من ثمر الأرض الموجودة، الحمد لله، الله لا يحرمنا من هذه النعمة، هذه الأرض -استولى عليها اليهود أو لم يستولوا- إن شاء الله تبقى لنا دائما".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات ثمار الزیتون قطف الزیتون على الأرض قطف ثمار موسم قطف أم موسى
إقرأ أيضاً:
النص الكامل لعظة راعي الأبرشية مار بطرس قسيس خلال قداس ليلة عيد الميلاد بحلب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال راعي الأبرشية مار بطرس قسيس في عظة الميلاد والتي القاها خلال القداس في كاتدرائية مار أفرام السرياني بالسليمانية بحلب:
الأحباء الكهنة والشمامسة وأعضاء المجالس الملية واللجان والمؤسسات وعموم أبناء الأبرشية الموقرين
نعمة لكم وسلام من الله أبينا يسوع المسيح إلهنا ومخلصنا.
إنها ليلة الميلاد المجيد، الليلة التي تحققت فيها أولى خطوات الوعد الإلهي بأنَّ نسل المرأة يسحق رأس الحية. الليلة التي تصالحت فيها السماء مع الأرض بميلاد المخلص الذي سيرفع خطيئة العالم. الليلة التي رنمت فيها طغمات الملائكة نشيد الظفر معلنة مد جسر العبور، عبور البشر من الأرض إلى السماء، وعبور النعم والبركات من السماء إلى الأرض.
ولكن الأهم ضمن هذه النعم والبركات التي حصلنا عليها بميلاد رب المجد، معرفتنا الحقة بأن الله يحبنا، كما عبر عن ذلك يوحنا الرسول في رسالته الأولى قائلاً: "بهذه أُظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به".
محبة الله لخليقته، أيها الأحبة، هي طبيعة الله الحقيقية، لأن الله محبة.
وقد تجلت هذه المحبة للإنسان منذ البدء بأن هيأ له أفضل الظروف لكي يعيش حياة هانئة وسعيدة، في سلام وخير، مع الآخر، طبيعة كان أو مخلوقات. ولكن سرعان ما ظل الإنسان عن طريق الله ساقطاً في فخ الكبرياء المقيت وخاضعاً لإرادة الشرير ابليس.
ومشت الإنسانية في ظل الخوف والموت زماناً طويلاً، وما كانت تقدم لنفسها إلا مزيداً من السقوط والانحدار، وكأنها تقوم بإفناء نفسها. فأتى الميلاد. ميلاد الكلمة يسوع المسيح. وفي الحقيقة، فإن هذا العمل العظيم هو لائق بدرجة فائقة بصلاح الله. لأنه إذا أسس ملكٌ مدينةً، ثم بسبب إهمال سكانها حاربها اللصوص، فإنه لا يهملها قط، بل ينتقم من اللصوص ويخلّصها لأنها صنعة يديه وهو غير ناظر إلى إهمال سكانها، بل إلى ما يليق به هو ذاته.
هكذا وبالأكثر جداً، فإن كلمة الآب كلي الصلاح، لم يتخلّ عن الجنس البشري الذي خُلق بواسطته، ولم يتركه ينحدر إلى الفناء، بل أبطل الموت الذي حدث نتيجة التعدي، بتقديم جسده الخاص. ثم قوَّم إهمالهم بتعاليمه، وبقوته الخاصة أصلح كل أحوال البشر.
في هذا يقول القديس أثناسيوس في كتابه تجسد الكلمة: "أنه لم يكن ممكناً أن يُحوِّل الفاسد إلى عدم فساد إلا المخلص نفسه، الذي خلق منذ البدء كل شيء من العدم. ولم يكن ممكناً أن يعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلا الذي هو صورة الآب. ولم يكن ممكناً أن يجعل الإنسان المائت غير مائت إلا يسوع المسيح الذي هو الحياة ذاتها. ولم يكن ممكناً أن يُعلِّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلا الكلمة الذي يضبط الأشياء وهو وحده الابن الوحيد الحقيقي".
لذا أيها الأحبة، ليس لنا نحن الترابيون إلا أن نشكر الرب الإله على افتقاده لبشريتنا الضعيفة بهذا الخلاص العظيم الذي قدمه لنا ونحن لسنا بمستحقين. ولنعمل على أن يكون جوابنا له فعلاً يعكس إدراكاً لدعوتنا ورسالتنا في هذه الحياة. كما أرادنا هو أن نكون: ملحاً للأرض ونوراً للعالم وخميرة للعجين. ليس في شرقنا العزيز فقط. بل في كل أنحاء الأرض. حيث الشهادة لمحبة الله للعالم يحتاجها العالم بأجمعه، كل العالم، ووصيته الأخيرة لنا كانت "أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم". فلنكن رسلاً حقيقيين لرسالة المحبة الخالصة والباذلة التي سلمنا وعهدنا إياها نحن المخلصين باسمه القدوس.
في الأسابيع الأخيرة شهدت سورية الحبيبة تغييراً جذرياً في نظامها الذي حكمها لأكثر من خمسين عاماً. هذا التغيير كان أشبه بزلزال بشدة عالية جداً، وكان من الممكن أن نعيش اليوم أياماً وتجارب قاسية على كل المستويات. إلا أن رحمة الله ومحبته لنا خففت بأكبر قدر من أثره المدمر. فكان تغييراً سلساً ولم يتم رصد حالات مؤلمة إلا ما ندر. أما ارتدادات هذه الزلزال فهي التي نعيشها اليوم وننزعج من حصول بعض التعديات أو التجاوزات في غير منطقة من الوطن. ولا أود أن أطلق التوصيفات جزافاً على بعض هذه الممارسات، إلا أننا نقول باختصار بأنها لا تبني الوطن الذي نحلم به. لذا يجب أن نرفضها ونستنكرها بشدة ونعمل على وأدها في مهدها.
لا يجب أن تنتهي فقط هذه التعديات، وإنما يجب على كل واحد فينا أن يتطهر ويتغير. يجب علينا أن نقوم بهذه النقلة النوعية للأمام، رافضين الاستمرار بكل ما اعتدنا القيام به من ممارسات وكل ما كنا نقوم به راضين أو مرغمين، مشاركين بذلك في فساد السلطة والمجتمع.
نعم أيها الأحبة، أمامنا اليوم فرصة ذهبية قد لا تتكرر. والفرص التي تعطى للشعوب ليست بكثيرة. أمامنا فرصة حتى نثبت لأنفسنا قبل الآخرين، بأننا شعب يحب الحياة، وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة. باننا شعب مؤمن، وإيماننا يقودنا إلى فعل الخير والفضيلة. بأننا شعب صابر وقد آن أوان افتقاده ونشله من سقطته.
ولننظر جميعنا للأطفال والشبان، أي بلد نود أن نورثهم، وأي مجتمع نحلم أن يعيشوا به. لنؤسس للأجيال القادمة قاعدة وطنية إيمانية إنسانية، بعيداً عن الاختلافات التي لم ولن تزول، ولكننا نستطيع فعل شيء واحد، ألا تكون هذه الاختلافات سبباً أساسياً لخلافات ونزاعات بين أبناء هذا الوطن.
بلدنا فيه من الفقر والبطالة والجوع والجهل والفساد الشيء الكثير، أكثر مما تتحمله أية دولة في العالم مهما عظمت، وهو موروث قديم جديد، لن نستطيع ولا يجب أن نقبل بالاستمرار فيه. ولذلك نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لفترة من الأمن والسلام والاستقرار، حتى نعالج كل هذه المشاكل وغيرها ونصل إلى واقع أفضل لبلداتنا ومدننا وبشكل عام لوطننا. إنها بحق مسئولية الجميع.
كما أنها مسئولية الجميع الوصول إلى المصالحة الحقيقية بين مكونات هذا الشعب. فما فعله النظام السابق لم يفعله باسم طائفة معينة ولم يحل ظلمه وقمعه على طائفة دون الأخرى. فكلنا عانينا الأمرين وكلنا ضحايا للعهد البائد. ولكننا اليوم ولكي نبني وطننا، لا بد من المصالحة والمسامحة المتبادلة. لا الانتقام أو العدالة الانتقائية. هذا ما علمنا إياه يسوع بقوله لنا:
"يا ابت اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يعملون"
"لا تقاوموا الشر بالشر"
"يا رب كم مرة يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسبع مرات؟ لا أقول لك سبع مرات بل سبعين مرة سبع مرات"
"من منكم بلا خطيئة فليكن أوّل من يرميها بحجر"
"ولكن إن جاع عدوك فأطعمه، وإذا عطش فاسقه، لأنك في عملك هذا تركم على هامته جمرًا متقدًا"
آيات كثيرة تتكلم عن المسامحة والمصالحة، هذا لأنها الطريق الوحيدة التي تقود إلى بناء المجتمعات التي عانت ما عانيناه. وفيها فرصة قوية لكي تقود المخطئ إلى التوبة الحقة. فيرجع عن أعماله الظالمة ويقوم بالتكفير عن أفعاله المشينة بتعويض ضحاياه عما افتعله بهم. لذلك نحن المسيحيون لا نتشفى بالظالمين ولا نطلب الانتقام منهم. بل نصلي من اجلهم حتى يُسكن الرب روحه في عقولهم وأفكارهم فتتقدس أفعالهم ونواياهم.
هذا وقت الصلاة والتضرع أيها الأحبة. في السابق صلينا كثيراً من أجل حاجات متنوعة. أما اليوم فالصلاة هي من أجل أن يُنقّذ هذا البلد من أيدي أعدائه وأعوانهم. من أجل أن يهيأ الرب الإله لسورية حكاماً صالحين ويخافون الله. من أجل كل من ضحى ويضحي لخير هذا البلد واستقلاله وسيادته على أراضيه. من أجل أن يستطيع الواحد منا أن يقبل الآخر كما هو ويضع الواحد منا يده بيد الآخر لبناء هذا الوطن، الذي يتسع للجميع ويحتاج لجهود الجميع "ولنا هذه الثقة أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا".
أيها الأحبة: نحن ككنيسة سريانية أرثوذكسية نفتخر بأننا من أصل هذه الأرض المباركة. كنا وما زلنا وسنبقى فيها. لغتنا قوميتنا حضارتنا عبادتنا قديسونا، بل وحتى إلهنا المتجسد هم من هذه الأرض. نحن منها وهي منا. فيا سورية القلب والروح. يا معشوقة المغتربين وغرام المقيمين. ويا أرض القداسة والقديسين. لن نبخل عليكي بأي جهد حتى تستعيدي عافيتك وتعودي لتكوني منارة الشرق. برسالتك الأرضية والسماوية. رسالة المحبة والأخوة والسلام بين كل الناس.
وقلناها سابقاً ونكرر، لنا الفخر بأن مطران وراعي هذه الأبرشية هو الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، الشخصية الدينية والوطنية، الذي قدم ذاته رخيصة من أجل هذا البلد ومواطنيه. ناطقاً بالحق في زمن غابت فيه الأصوات المنادية بالعدالة والمساواة والتحرر. بخطفه حاولوا اسكات صوته، ولكن بقيت رعيته تنادي باسمه في كل المنابر راجية إطلاق سراحه وتحريره من أسره. واليوم ونحن نذكره من جديد، نصلي من أجله كما فعلنا دائماً كي يعود لنا سالماً ومعه سيادة المطران بولس يازجي والكهنة وكل المخطوفين.
أخيراً نهلل لصاحب هذا العيد المجيد كما هللت وسبحت الملائكة قائلة: "المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر". وليحل أمنه وسلامه في المعمورة أجمع وليعيد إلينا راعينا الجليل مار غريغويوس يوحنا إبراهيم سالماً، وليبارك في حياة وخدمة قداسة سيدنا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، الرجل الجبار والحكيم، الذي أرسله الله لكنيستنا ولوطننا في هذه الظروف الصعبة، نعايده ومن خلاله نعايد كل السادة المطارنة أعضاء المجمع الأنطاكي السرياني المقدس. كما ونعايد الآباء كهنة الأبرشية وأعضاء مجالسها الملية ولجانها ومؤسساتها الخدمية والاجتماعية وشمامستها وكورالاتها وكشافاتها وعموم مؤمنيها.
شملتكم العناية الإلهية بشفاعة أمنا القديسة الطاهرة مريم وجميع قديسيه وكل عام وأنتم خير.
بريخ مولوده دموران