(1)
حمل ما حصل عام 1958 بين السودان ومصر من الدلالات ما هو جدير بالتمعّن، وبفهم إسقاطاته على الواقع الماثل في المنطقة العربية.
في ذلك العام آلت إدارة البلاد إلى الحزب الذي ظلّ يرفع شعار السّودان للسودانيين، وهو الحزب السوداني الأبعد من مصر، وتراجع الحزب الذي رفع رايات الاستقلال منذ 1956 عن سدّة الحكم، وهو الحزب الأقرب لمصر (حكومةً ومؤسّساتٍ)، وعرف بأنه حزب الاتحاديين.
لم يفلح وزير الخارجية السوداني في حينه، محمد أحمد المحجوب، الذي راهن على صداقته مع الرئيس جمال عبد الناصر، في أن يقنع مصر بالتنازل عن ذلك الادّعاء. استأذن المحجوبُ ناصرَ، خلال لقائهما في مكتب الأخير الرئاسي، أن يسمح له بمهاتفة سفير السودان في الأمم المتحدة، ليقول للسفير بعدها جملة واحدة: "قدّم الشكوى". تلك قصة النزاع الذي نشب بين دولتي وادي النيل، وبقي ماثلاً إلى الساعة بينهما.
(2)
وللمراقب أن يسأل لِمَ لم يتقدّم السودان بشكواه إلى الأمانة العامّة لجامعة الدول العربية، ولجأ مباشرة إلى الأمم المتحدة؟... إن الإجابة تُختصَر في ملاحظتَين. أولاهما أن السودان هو تاسع دولة تلتحق بالجامعة، ويدرك تمام الإدراك هيمنة مصر على شؤون أمانة الجامعة، بوجود أمينها العام وقتذاك المصري. وثانيهما أن الجامعة لا تملك من الآليات والوسائل ما تفضّ به النزاعات التي قد تنشب بين أعضائها.
لعلَّ هذه الأحدوثة الدبلوماسية تفسّر بعض جوانب النزاع الذي نشب بين حكومة الأمر الواقع في السودان، وحكومة دولة الإمارات. لقد اتهمت تلك الحكومة الإمارات بالتدخّل السافر في الحرب الداخلية، الدائرة بين قيادة القوات المسلّحة السودانية الحالية وقوات الدعم السريع المصنّفة مليشيا عسكريةً خرجت على سلطة الدولة القائمة. وبادرت حكومة الأمر الواقع السودانية (بغض النظر عن شرعية ادعائها) بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضدّ الإمارات، والحكومتان تتشاركان عضويةَ منظّمات إقليمية لم يلجآ إليها، مثل جامعة الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي، وسواهما. وبدا أمر ذلك التجاوز طبيعياً ولم يثر أيّ تساؤل، لأن هاتيك المنظّمتَين، وسواهما من منظّمات، أقلّ حضوراً للمبادرة بالتوسّط الجادّ، وإن عبّرتا عن أمنيتهما وقف ذلك التلاسن بين دولتَين شقيقتَين. وبالنظر مليّاً لتقييم قدرات ونيات التوسّط، سيرى المراقب أن جامعة الدول العربية ما زالت تُعاني خللاً هيكلياً وعجزاً تواصل منذ تأسيسها عام 1945، فلم تتمكّن من بناء قدرات فاعلة لحلِّ (وفضِّ) النزاعات التي تنشأ بين أعضائها.
(3)
الناظر إلى تاريخ النزاعات والخلافات العربية، لا يرى أيّ فعالية تذكر لجامعة الدول العربية، رغم حضورها السابق قبل المنظّمات التي نشأت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لا حاجة لنعدّد النزاعات والخلافات والحروب التي مرّت في المنطقة خلال العقود الثمانية الماضية. يكفي أن نقارن أوضاع الجامعة العربية بأوضاع المنظّمة الأفريقية، وكثير من دول المنطقة عضو في المنظّمتَين. للاتحاد الأفريقي فعالية أعلى بكثير من فعّالية الجامعة. ولمجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي صلاحياتٍ واسعةً تشمل جوانب تشاورية ملزمة، مثلما تملك القدرة عبر لوائحها في فرض عقوبات جزائية، في إطار حلِّ (وفضّ) النزاعات.
ما زالت جامعة الدول العربية تعاني خللاً هيكلياً منذ تأسيسها، فلم تتمكّن من بناء قدرات فاعلة لحلّ النزاعات بين أعضائها
للأسف! بقيت جامعة الدول العربية غارقة في عجزها، من دون أن تطوِّر ميثاقها القديم، وأن تصلح حال هياكلها، ويكون لها جسم يعنى بالسِّلم والأمن، يُتوافق على صلاحياته، فتكون للجامعة قدرات حقيقية لإطفاء حرائق النزاعات بين أعضائها. إنَّ تاريخ جامعة الدول العربية، قد تعزّز عبر النزاعات والحروب التي شهدتها المنطقة في العقود الماضية، باعتبارها سلسلة من دورات العجز وانعدام الفعّالية والجلوس في مقاعد المتفرّجين، يشكّلون ظاهرةً صوتيةً لا غير.
(4)
فيما تتناسل الخلافات والنزاعات في منطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا، مقارنةً بالمناطق الأخرى في أنحاء العالم، فللمرءِ أن يتساءل لم تخفت أصوات الحكمة ويعلو الصراخ الإعلامي، وتتراجع الحكمة والمساعي الأخوية الحميدة أمام جاهلية عشائرية؟
لا عجب أن التصعيد بين دولتَين شقيقتين يبدو تسابقاً نحو توسيع دوائر الخلاف، بما يتيح تدخّلاً من أصابع أجنبية، لا تهتم بتداعيات تلك النزاعات والحروب قدر اهتمامها بتحقيق ما تجني من مكاسب سياسية أو اقتصادية، معلنة أو خفية. ما نرصده من حرص على النواحي الإنسانية لحرب يقول المنخرطون في أتونها إنهم سيقاتلون مائة عام أو أكثر إن دعت الحال، ولا يدركون من سفه قولهم أن التصعيد لن يكون في صالح أيٍّ من الطرفين المتقاتلين، بل هو لصالح عدوّك أيها المغترّ بغطرسةٍ جوفاء. ما يظهر من رؤى حول حرب السودان الداخلية هـو تراجع جهود وسطائها للتسوية وإيقاف الحرب، في مقابل التركيز الماكر في النواحي الإنسانية، من ستر جثامين الضحايا وعلاج الجرحى وإطعـام الجوعى. ذلك ديدن الطامعين في حرب السودان، وفي حرب غزّة، وفي أيّ حرب أخرى ينصبون في أطرافها لتزداد أصوات الناخبين فيصيروا رؤساء في بلدانهم، ووكلاء عنهم يقومون بالأدوار الخسيسة نيابة عنهم، فيتحكّمون بمصائر ضعفاء العالم. لا دورَ حقيقياً يُرى لإطفائي يسعى جادّاً لإيقاف الحرائق، بل هي لعبة أممية، يخسرها الضعفاء ويكسبها الأقوياء.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جامعة الدول العربیة بین أعضائها
إقرأ أيضاً:
من هو مسعد بولس؟.. نسيب ترامب الذي اختاره ليكون مستشاره للشؤون العربية والشرق الأوسط
اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يوم الأحد، مسعد بولس ليكون مستشاراً رفيعاً للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط.
وُلد مسعد بولس في لبنان، حيث ينتمي لعائلة أرثوذكسية يونانية، وانتقل إلى ولاية تكساس الأميركية في سن المراهقة، حيث التحق بجامعة هيوستن، وحصل على شهادة في القانون، وأصبح مواطناً أميركياً.
تقول الدكتورة مليحة فياض عن مسعد إنه «ابن رضيّ لوالديه، يتردّد دائماً للاطمئنان على والدته. وعندما مرض والده الذي رحل قبل نحو 12 سنة، كان لافتاً في عنايته به، لتأمين كل احتياجاته وراحته. إنه مثال للابن البارّ، وهذا أمر يكبّر القلب، وزاد من محبة وتقدير محيطه له».
التقى ابن مسعد (مايكل)، وابنة ترمب (تيفاني) من مارلا مابلز الزوجة الثانية لترمب، في جزيرة ميكونوس اليونانية، في نادي الممثلة ليندسي لوهان، وفقاً لما ذكرته مجلة «بيبول» في عام 2022.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، تزوج مايكل بولس، نجل مسعد بولس، وتيفاني ترمب في حفل كبير في منتجع ترمب «مار آلا غو» في فلوريدا، بعد خطبتهما في حديقة الورود بالبيت الأبيض خلال فترة ولاية ترمب الأولى.
قلة في بلدة كفرعقا اللبنانية هم الذين يعرفون صهر ترمب؛ مايكل، عن قرب، فقد وُلد ببلدته في لبنان، ونشأ بنيجيريا، ودرس في أميركا.
الأهالي في كفرعقا يُثنون على عائلة بولس، ومعجَبون بتكاتفهم، وبحرص مسعد على العودة إلى لبنان باستمرار، هو وزوجته سارة زهير فضّول، وأولادهما: فارس ومايكل وصوفي وأوريان، بعد انتقالهم للعيش في لاغوس. «يغتنمون أي فرصة ليكونوا مع العائلة» التي تصفها الدكتورة ليلي مليحة فياض بأنها «أسرة متواضعة، وأصيلة، وودودة، لا تشبه في سلوكها الأغنياء الجدد». وتضيف: «إنهم أهل خير، وأبوابهم كانت دائماً مفتوحة للجميع، ولهم مكانة عالية في قلوب جيرانهم ومحيطهم».
دور مسعد بولس في حملة ترمب
ووفقاً لمسؤولين بحملة ترمب، في تصريحات، لوكالة «رويترز»، فإن مساعدة بولس أسهمت جزئياً في فوز ترمب في انتخابات ميشيغان؛ حيث عمل على إقناع مجتمع الأميركيين من أصل عربي أو مسلم في الولاية، والذي يضم نحو 300 ألف شخص، ودعموا بايدن بشكل ساحق في عام 2020 لكنهم عارضوا سياساته تجاه إسرائيل وغزة ولبنان - بالتصويت لترمب. وقال رابيول تشودري، مؤسس مجموعة «مسلمون من أجل ترمب»: «لعب بولس دوراً كبيراً في التواصل مع الناخبين المسلمين».
أمضى مسعد بولس أسابيع في ميشيغان وبنسلفانيا وولايات أخرى ذات كثافة سكانية كبيرة من الأميركيين العرب والمسلمين، مطمئناً الجماهير، خلال اجتماعات غداء وعشاء خاصة، بأن ترمب ملتزم بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط.
و«شارك مع مسعد بولس في دعم الحملة شقيقُه ميشال الذي ذهب من لبنان، وأخته فيفيان وابنتها، ولم يتمكن الشقيق الرابع فيليب من الالتحاق بهم، بسبب انشغاله في إدارة أعماله بين أفريقيا ولبنان»، وفق ما تخبر «الشرق الأوسط» الدكتورةُ ليلي مليحة فياض، صديقة العائلة المقرّبة. ومن عادة ترمب إشراك أقربائه وأنسبائه في حملاته الانتخابية.
الطموحات السياسية
يمكن أن يوفر الدور الجديد لبولس نوعاً من النفوذ السياسي الذي لم يتمكن من تحقيقه في لبنان، وفقاً لوكالة «رويترز».
وقال مصدر لبناني، لوكالة «رويترز»، إن بولس ترشّح للبرلمان اللبناني في عام 2018 جنباً إلى جنب مع مرشحين مُوالين لـ«حزب الله»، لكنه منذ ذلك الحين لم يرتبط باستمرار بأي حزب معين.
ويتمتع بولس بجذور قوية في كل من الولايات المتحدة ولبنان. وكان والده وجده من الشخصيات البارزة في السياسة اللبنانية، بينما كان حموه من الداعمين الرئيسيين لحركة «التيار الوطني الحر»، وهي حزب مسيحي تحالف لفترة مع «حزب الله».
وقالت ثلاثة مصادر، تحدثت مع مسعد بولس في الأشهر القليلة الماضية، وفقاً لوكالة «رويترز»، إنه كان يتواصل مع أطراف من مختلف أطياف المشهد السياسي اللبناني متعدد الأقطاب، وهي خطوة نادرة في بلد يعاني انقسامات عميقة بين الفصائل على مدار عقود.
وأضافت المصادر أن اللافت للنظر بصفة خاصة هو قدرته على الحفاظ على العلاقات مع «حزب الله». ولدى بولس علاقة صداقة مع سليمان طوني فرنجية، الحليف المسيحي لـ«حزب الله» ومرشحه للرئاسة اللبنانية.
وذكرت المصادر أن مسعد بولس على تواصل أيضاً مع حزب «القوات اللبنانية»، وهو فصيل مسيحي مناهض بشدة لـ«حزب الله»، كما أن له علاقات مع نواب مستقلين بالبرلمان.