سودانايل:
2025-03-10@15:12:30 GMT

حرائق النزاعات وغياب الإطفائي

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

(1)
حمل ما حصل عام 1958 بين السودان ومصر من الدلالات ما هو جدير بالتمعّن، وبفهم إسقاطاته على الواقع الماثل في المنطقة العربية.
في ذلك العام آلت إدارة البلاد إلى الحزب الذي ظلّ يرفع شعار السّودان للسودانيين، وهو الحزب السوداني الأبعد من مصر، وتراجع الحزب الذي رفع رايات الاستقلال منذ 1956 عن سدّة الحكم، وهو الحزب الأقرب لمصر (حكومةً ومؤسّساتٍ)، وعرف بأنه حزب الاتحاديين.

طالبت الإدارة الجديدة من مصر ألا تقف أمام اعتماد دائرة انتخابية في مثلّث حلايب وشلاتين باعتباره أرضاً سودانية. ادّعت مصر أن المثلّث ضمن حدودها، واختلفت دولتا وادي النيل.
لم يفلح وزير الخارجية السوداني في حينه، محمد أحمد المحجوب، الذي راهن على صداقته مع الرئيس جمال عبد الناصر، في أن يقنع مصر بالتنازل عن ذلك الادّعاء. استأذن المحجوبُ ناصرَ، خلال لقائهما في مكتب الأخير الرئاسي، أن يسمح له بمهاتفة سفير السودان في الأمم المتحدة، ليقول للسفير بعدها جملة واحدة: "قدّم الشكوى". تلك قصة النزاع الذي نشب بين دولتي وادي النيل، وبقي ماثلاً إلى الساعة بينهما.

(2)
وللمراقب أن يسأل لِمَ لم يتقدّم السودان بشكواه إلى الأمانة العامّة لجامعة الدول العربية، ولجأ مباشرة إلى الأمم المتحدة؟... إن الإجابة تُختصَر في ملاحظتَين. أولاهما أن السودان هو تاسع دولة تلتحق بالجامعة، ويدرك تمام الإدراك هيمنة مصر على شؤون أمانة الجامعة، بوجود أمينها العام وقتذاك المصري. وثانيهما أن الجامعة لا تملك من الآليات والوسائل ما تفضّ به النزاعات التي قد تنشب بين أعضائها.
لعلَّ هذه الأحدوثة الدبلوماسية تفسّر بعض جوانب النزاع الذي نشب بين حكومة الأمر الواقع في السودان، وحكومة دولة الإمارات. لقد اتهمت تلك الحكومة الإمارات بالتدخّل السافر في الحرب الداخلية، الدائرة بين قيادة القوات المسلّحة السودانية الحالية وقوات الدعم السريع المصنّفة مليشيا عسكريةً خرجت على سلطة الدولة القائمة. وبادرت حكومة الأمر الواقع السودانية (بغض النظر عن شرعية ادعائها) بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضدّ الإمارات، والحكومتان تتشاركان عضويةَ منظّمات إقليمية لم يلجآ إليها، مثل جامعة الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي، وسواهما. وبدا أمر ذلك التجاوز طبيعياً ولم يثر أيّ تساؤل، لأن هاتيك المنظّمتَين، وسواهما من منظّمات، أقلّ حضوراً للمبادرة بالتوسّط الجادّ، وإن عبّرتا عن أمنيتهما وقف ذلك التلاسن بين دولتَين شقيقتَين. وبالنظر مليّاً لتقييم قدرات ونيات التوسّط، سيرى المراقب أن جامعة الدول العربية ما زالت تُعاني خللاً هيكلياً وعجزاً تواصل منذ تأسيسها عام 1945، فلم تتمكّن من بناء قدرات فاعلة لحلِّ (وفضِّ) النزاعات التي تنشأ بين أعضائها.

(3)
الناظر إلى تاريخ النزاعات والخلافات العربية، لا يرى أيّ فعالية تذكر لجامعة الدول العربية، رغم حضورها السابق قبل المنظّمات التي نشأت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لا حاجة لنعدّد النزاعات والخلافات والحروب التي مرّت في المنطقة خلال العقود الثمانية الماضية. يكفي أن نقارن أوضاع الجامعة العربية بأوضاع المنظّمة الأفريقية، وكثير من دول المنطقة عضو في المنظّمتَين. للاتحاد الأفريقي فعالية أعلى بكثير من فعّالية الجامعة. ولمجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي صلاحياتٍ واسعةً تشمل جوانب تشاورية ملزمة، مثلما تملك القدرة عبر لوائحها في فرض عقوبات جزائية، في إطار حلِّ (وفضّ) النزاعات.

ما زالت جامعة الدول العربية تعاني خللاً هيكلياً منذ تأسيسها، فلم تتمكّن من بناء قدرات فاعلة لحلّ النزاعات بين أعضائها

للأسف! بقيت جامعة الدول العربية غارقة في عجزها، من دون أن تطوِّر ميثاقها القديم، وأن تصلح حال هياكلها، ويكون لها جسم يعنى بالسِّلم والأمن، يُتوافق على صلاحياته، فتكون للجامعة قدرات حقيقية لإطفاء حرائق النزاعات بين أعضائها. إنَّ تاريخ جامعة الدول العربية، قد تعزّز عبر النزاعات والحروب التي شهدتها المنطقة في العقود الماضية، باعتبارها سلسلة من دورات العجز وانعدام الفعّالية والجلوس في مقاعد المتفرّجين، يشكّلون ظاهرةً صوتيةً لا غير.

(4)
فيما تتناسل الخلافات والنزاعات في منطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا، مقارنةً بالمناطق الأخرى في أنحاء العالم، فللمرءِ أن يتساءل لم تخفت أصوات الحكمة ويعلو الصراخ الإعلامي، وتتراجع الحكمة والمساعي الأخوية الحميدة أمام جاهلية عشائرية؟
لا عجب أن التصعيد بين دولتَين شقيقتين يبدو تسابقاً نحو توسيع دوائر الخلاف، بما يتيح تدخّلاً من أصابع أجنبية، لا تهتم بتداعيات تلك النزاعات والحروب قدر اهتمامها بتحقيق ما تجني من مكاسب سياسية أو اقتصادية، معلنة أو خفية. ما نرصده من حرص على النواحي الإنسانية لحرب يقول المنخرطون في أتونها إنهم سيقاتلون مائة عام أو أكثر إن دعت الحال، ولا يدركون من سفه قولهم أن التصعيد لن يكون في صالح أيٍّ من الطرفين المتقاتلين، بل هو لصالح عدوّك أيها المغترّ بغطرسةٍ جوفاء. ما يظهر من رؤى حول حرب السودان الداخلية هـو تراجع جهود وسطائها للتسوية وإيقاف الحرب، في مقابل التركيز الماكر في النواحي الإنسانية، من ستر جثامين الضحايا وعلاج الجرحى وإطعـام الجوعى. ذلك ديدن الطامعين في حرب السودان، وفي حرب غزّة، وفي أيّ حرب أخرى ينصبون في أطرافها لتزداد أصوات الناخبين فيصيروا رؤساء في بلدانهم، ووكلاء عنهم يقومون بالأدوار الخسيسة نيابة عنهم، فيتحكّمون بمصائر ضعفاء العالم. لا دورَ حقيقياً يُرى لإطفائي يسعى جادّاً لإيقاف الحرائق، بل هي لعبة أممية، يخسرها الضعفاء ويكسبها الأقوياء.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جامعة الدول العربیة بین أعضائها

إقرأ أيضاً:

وزيرا خارجية مصر: منظمة التعاون الإسلامي تتبنى الخطة العربية بشأن غزة  

 

 

القاهرة - أكّد وزيرا خارجية مصر والسودان السبت 8مارس2025، أنّ منظمة التعاون الإسلامي تبنّت، في اجتماع طارئ لوزراء الخارجية في جدّة، الخطة العربية لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، لمواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لوكالة فرانس برس بعد الاجتماع "بالتأكيد إنه أمر شديد الإيجابية أن يتبنّى الاجتماع الوزاري الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي الخطة المصرية... التي أصبحت الآن خطة عربية إسلامية".

وأضاف أنّ الخطوة المقبلة تتمثّل في أن "تكون الخطة خطة دوليّة، من خلال تبنّي الاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية كاليابان وروسيا والصين وغيرهم للخطة... هذا ما سنسعى إليه، ونحن لدينا تواصل مع كل الأطراف بما في ذلك الطرف الأميركي".

بدوره، أكد نظيره السوداني علي يوسف الشريف أنّ "هناك اتفاقا تاما بين كل الدول المشاركة على تبني الخطة العربية".

وتابع "كان هناك بعض المواقف التي تطالب بتشدّد أكثر تجاه إسرائيل، وهذا ليس اختلاف ولكنه طلب بمواقف أقوى".

وأثار ترامب صدمة وغضبا عندما اقترح الشهر الماضي سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمّرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد ترحيل السكان البالغ عددهم 2,4 مليون إلى مكان آخر، خصوصا مصر والأردن، من دون خطة لإعادتهم.

تبنّى القادة العرب خلال قمة طارئة في القاهرة الثلاثاء خطة طرحتها مصر لإعادة إعمار غزة تلحظ عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. لكنّ وزارة الخارجية الأميركية قالت الخميس إن الخطة المصرية بشأن غزة "لا تلبّي تطلّعات" ترامب.

وكان عبد العاطي قال في وقت سابق إن بلاده، وهي وسيط رئيسي في محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ستسعى للحصول على دعم الدول الإسلامية لخطتها لإعادة إعمار غزة في قمة جدة "حتى تكون خطة عربية وخطة إسلامية".

وفي جدة على ساحل البحر الأحمر، أكّد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه في كلمته الافتتاحية "دعم الخطة العربية".

وأعلن طه "دعم خطة إعادة الإعمار لقطاع غزة التي اعتمدتها القمة العربية، مع التمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء في أرضه، لما تشكله من رؤية مشتركة وواقعية تستوجب من الجميع حشد الدعم المالي والسياسي اللازمين لتنفيذها، في إطار مسار سياسي واقتصادي متكامل لتحقيق رؤية حل الدولتين"، بحسب بيان صحافي لمكتبه.

وحذر طه من "خطورة الإجراءات والمحاولات الإسرائيلية المرفوضة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين".

من جهته، دعا رئيس وزراء ووزير خارجية فلسطين محمد مصطفى "الأشقاء لتكثيف الجهود لحشد الدعم الدولي والضغط الدبلوماسي والسياسي والقانوني والاقتصادي على دولة الاحتلال".

ولم يصدر بيان نهائي عن الاجتماع بعد.

- "فترة حاسمة" -

وكان محللون أفادوا فرانس برس بأن منظمة التعاون الإسلامي مستعدة لدعم الخطة العربية على نطاق واسع كبديل من اقتراح ترامب القاضي بالسيطرة على غزة.

وقالت دبلوماسية باكستانية لفرنس برس في مقر الاجتماع إنّ "الهدف الرئيسي للاجتماع هو تبني الخطة العربية".

وتابعت "إنها فترة حاسمة، والعالم الإسلامي بحاجة إلى أن يظهر متّحدا قدر الإمكان بمواجهة الخطة الأميركية".

ويُتوقّع أن تعطي القمة التي تجمع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، البالغ عددها 57 دولة، زخما للخطة العربية التي "تحتاج مصر إلى دعم واسع النطاق لها"، بحسب الخبيرة في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة رابحة سيف علام.

وقالت إنّ القمة تهدف "لمحاولة بناء تحالف موسع يرفض التهجير"، مضيفة أن الدعم الواسع أمر بالغ الأهمية للترويج لمثل هذا الحل أمام "الأميركيين والمجتمع الدولي".

وَحَّدت خطة ترامب الدول العربية في شكل نادر، إذ استضافت السعودية أيضا زعماء عربا قبل أسبوعين لمناقشة البدائل.

وأشار عمر كريم، الخبير في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، إلى أنّ اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة سيؤكد "الدور السعودي... ويعبّر بشكل أكبر عن الوحدة داخل العالم الإسلامي".

وأضاف "ستكون الدول الإسلامية الأكبر مثل إندونيسيا وتركيا وإيران حاضرة هناك، وتأييدها سيضيف مزيدا من  الزخم إلى الخطة العربية".

كذلك، أعلن القادة العرب في القاهرة إنشاء صندوق ائتماني لتمويل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، وحضوا المجتمع الدولي على المشاركة فيه لتسريع هذه العملية.

والجمعة أيضا، أعادت منظمة التعاون الإسلامي عضوية سوريا التي تم تعليقها عام 2012 في وقت مبكر من الحرب الأهلية إبّان حكم بشار الأسد.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان "يمثّل هذا القرار خطوة هامة نحو عودة سوريا إلى المجتمعين الإقليمي والدولي كدولة حرة وعادلة".

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟
  • حكايات المؤسسين (4): حكاية جيش التأسيس – الحلم الذي اقترب من أن يصبح حقيقة
  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!
  • «الخارجية»: الخطة المصرية لإعمار غزة تم اعتمادها من جميع الدول العربية
  • 4 دول أوروبية: ندعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة
  • تأييد أوروبي للخطة العربية لإعادة إعمار غزة وسط رفض لحكم حماس
  • حماس تدعو الدول والشعوب لرتفع مستوى إسنادها للمستوى الذي يمثله اليمن
  • وزيرا خارجية مصر: منظمة التعاون الإسلامي تتبنى الخطة العربية بشأن غزة  
  • بعد القمة العربية..التعاون الإسلامي تتبنى الخطة المصرية لإعمار غزة
  • لو السودان سقط في الحرب، لا قدّر الله، ح تسقط وراه كلّ الدول العربيّة، الأفريقيّة، والمسلمة