السودان (حطام الدولة دولة الحطام)!!
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسلامويون اعملوا في الدولة معاولهم لمدة ثلاثة عقود ليحيلوها الي حطام. اما لغم المليشيا الذي زرعوه، فاحدث انفجاره تناثر حطام الدولة في كل مكان.
فهذه الحرب الوحشية بقدر ما اثبتت قصور وعي قادة الجيش ومن قبلهم استهتار الكيزان، الذين صنعوا هذه المليشيا وقدموا لها كل الدعم والرعاية، بقدر ما اكدت ان المليشيا هي اخطر واقذر تشكيل مسلح علي كيان الدولة وسلامة شعبها.
كما ان تواجد الكيزان والمليشيا في دولة، فهو قبل كل شئ اعلان عن مدي الفوضي والانهيار الذي بلغته الدولة. ولسوء الحظ اجتماع هشاشة الدولة مع تسلح اطراف السلطة وارتباط وجودهم ومصالحهم بذات السلطة، هو ما لم يوضع في حسبان الثورة والثوار والطبقة السياسية.
وعموما، ومنذ استيلاء الكيزان علي السلطة، احدثوا قطيعة كاملة مع ماضي الدولة ومستقبلها. لينتج عن ذلك فضاءان، فضاء تشغله السلطة، وتُبتذل فيه السياسة الي مجرد اداة دعاية وتزييف وتبرير، وفضاء سياسي يشغله المعارضون ويتطلعون من خلاله لحيازة سلطة شرعية. وما يؤسف له ان الفضاء الاخير هو اصلا امتداد للفضاء السياسي القديم (احزاب ونقابات ومجتمع مدني وثورة ومطالب ديمقراطية واجتماعية..الخ) الذي اصبح عمليا غير موجود إلا كاشباه سياسة واشباح سياسيين!
وغالبا جزء اساس من المعضلة يرجع الي ان تسلط السلطة بنسختها المقدسة والارهابية التي تبناها الاسلامويون، هي امتداد لارث تاريخي مديد كانت السلطة فيه مطلقة. بل كان هنالك حالة البداهة للتعايش معها إلا من بعض التمردات النادرة، وإلا كيف نكون جزء من مملكة الحيوانات؟ بمعني ان تحجيم السلطة وفرض الرقابة عليها وخضوعها للدستور، والاهم مشاركة المحكومين طواعية في تحديد نوعية السلطة وانضباطها ومسؤوليتها وغيرها من مكتسبات الدولة الحديثة، هي اصلا طارئة علي التاريخ الانساني المفعم بالاسي. ولذا الوصول اليها يحتاج لتضافر عوامل عديدة (ثقافية واجتماعية واقتصادية وتاريخية...الخ) مما لا يتاح لمعظم دول الجنوب بتفاوت مقاديرها وحظوظها وابتلاءاتها بالانقلابات. والحال كذلك، يبدو ان دعاة الثورة والتغيير والجذري علي وجه الخصوص هم الاقل دراية بمتطلبات التغيير والتحديات التي تجابه الثورات! والعكس صحيح ان فضاء السلطة الذي يعتمد القوة والعنف ليس بمستغرب ان يتصدره العقائديون والجيوش والمليشيات والحركات المسلحة! لكل ذلك جل ما فعلته الثورة كفعل رومانسي يتطلع للحياة المشتهاة، هو افساح المجال للحركات المسلحة ومليشيا آل دقلو للتمدد في الفراغ الذي احدثه ضعف سلطة الاسلامويين وتضعضع هيبة الجيش.
المهم، رغم التداخل الذي يحدث بين الفضائين، سواء من خلال اغراء السلطة لبعض المعارضين، او من خلال اختراقها للفضاء المعارض، إلا ان هذا الفصل يبدو انه لم يوضع في الاعتبار عند مواجهة الاسلامويين. واكبر دليل علي ذلك وكما سلف ذكره، ان قيام الثورة كذروة سنام العمل المعارض، لم تحصن الفاعلين السياسيين من توهم ان السياسة لها قصب السبق، كما سبق وحدث في ثورتين سابقتين. ودون ان يدور بخلدهم ان فضاء السلطة السائد والمزود بانياب مسلحة ليس في وارد اي قوي سياسية او مدنية او ثورية مجابهته، ناهيك ان يتأسف البعض علي مشاركة العسكر وكأن هنالك مندوحة عن ذلك! او كأن السياسة هي شئ آخر غير مهارة وعي الواقع وكيفية التعاطي معه والحفاظ علي الدولة والارتقاء بها وحماية المواطنين وخدمتهم في كافة الظروف. اي هنالك مسافة بين الفضائين يستحيل قطعها ضربة لازب.
ولكأن القدر سخر من اخراج القوي السياسية علي ضعفها من المشهد، عبر عنف الانقلاب البرهاني الحميدتي، بتآمر كيزاني ورعاية مصرية ودعم اماراتي. لينفجر الصراع داخل قوي الانقلاب متعدد الرؤوس متنافر التوجهات متضارب المصالح.
فالمليشيا التي قويت شوكتها العسكرية وتوسع نفوذها الاقتصادي وفتحت نفاج علي العلاقات الخارجية المستقلة عن رقابة الدولة. كل ذلك جعل السلطة هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي البقاء وحماية المصالح. خاصة وان اي اوضاع طبيعية كفيلة بحلها واخراجها من المشهد دون حمص، لتناقض وجودها مع بقاء الدولة وانشطتها المعادية للمجتمع.
وعليه، ومنذ اللحظة التي اصبحت فيها هذه المليشيا القذرة جزء من تكوين السلطة وتوازن القوي العسكرية، اصبحت العملية السياسية برمتها ليست معقدة فحسب، ولكنها مخاطرة قابلة للانفجار في اي لحظة! وبذلك لم يكن مطلب حل الدعم السريع صحيح، فهذا ما لا تنتطح فيه عنزان، ولكن الاشكالية كان في الكيفية؟ بحيث ان اي محاولة ضغط كما يشتهي الجذريون والثوار، هي لعب بالنار من حيث لا يعلمون! وذلك ليس بسبب ما تحوزه من قوة مهولة وقوات موازية للجيش وتمكنها من المواقع الاستراتيجية فقط، ولكن لاستعدادها لارتكاب كافة الفظائع بدم بارد، وقبل ذلك لتجردها من كل ما يمت للوطن وانسانه بصلة، اضافة لارتزاقها وارتهانها للخارج. وقد كانت مجزرة فض الاعتصام مجرد بروفة لما يحيق بالوطن واهله، وكذلك تهديدات حميدتي واخيه علي الملأ من مجرد المس بوجودها او مصالحها! وهو ما لم يتاخر طويلا بعد اندلاع الحرب العدمية، التي كانت تعد لها المليشيا منذ وقت مبكر، لان التآمر جزء من طبعها الذي خرجت به من رحم الاسلاميين ملوك التآمر. وهذا تحديدا سبب مهادنة قوي الحرية والتغيير لهذه المليشيا الخطيرة، والوصول بها لمحطة الاتفاق الاطاري، كافضل الحلول السيئة لمعالجة قضية شبه خاسرة (تمكن المليشيا وحذرها وقدرتها علي المباغتة). وبتعبير آخر ليس هنالك من امكانية للتخلص من مليشيا تم اعدادها اصلا للتصدي للحركات المسلحة والمعارضين اولا، وللتصدي للجيش اذا ما انحاز للثورة او احد اجنحة الاسلامويين ضد قائد الجيش ثانيا. اما ما فات علي هؤلاء واولئك هو طموحات المغامر حميدتي للاستفراد بالسلطة باي ثمن. والحال كذلك، مع وصول المليشيا مرحلة الندية مع الجيش، اصبح وجودها كارثة والتخلص منها عنفا كارثة اعظم.
وهذا بدوره يرجعنا مرة اخري لثنائية الفضائين (سلطة وسياسة) وتعمق التباين بينهما، بوجود مليشيا الجنجويد داخل فضاء السلطة السائد والمنحرف اصلا. وكيف ان فضاء السلطة بعد هذا التوسع والسطو، اضاف للسيطرة والارهاب نزعة وحشية وهمجية ونهبوية لا تحدها حدود، ليُطرد فضاء السياسة والحياة المدنية من الباب العريض. اما بعد اندلاع حرب السيطرة المنفردة وزيادة وحماية المصالح داخل فضاء السلطة، لم يقُد ذلك لتحطيم الدولة وحياة المواطنين فحسب، ولكن الاسوأ انه لا يضع اعتبار لهما من الاساس! اي الاصل هو السلطة، والدولة والشعب مجرد ملحقات ثانوية، بل في حالة المليشيا هي جزء من محفزات القتال بين جنودها الاوباش. وهذا بدوره ما خفض من قيمة المواطن ومكانة الدولة، لتتحول هذه الحرب الوحشة لواحدة من اقذر الحروب في كل العصور، نتيجة لعدم اكتراثها بالمدنيين والبنية التحتية للدولة!
والمفارقة ان من كان يشكل هاجس للقوي السياسية ويقض مضجع الثوار ويؤرق الحادبين علي الوطن، اي وجود مليشيا الجنجويد وكيفية التعامل مع معضلتها؟ هو عينه ما كان يُقابل بالاستخفاف من قبل خبراء الجيش وينكره قادته ويقلل من اهميته الاسلامويون! ليصبح هو نفسه ما يعذب الجيش وداعميه من الاسلامويين والمصريين وكيفية القضاء عليه، بعد فشل الانقلاب واشتعال المعارك الوجودية بين الشركاء؟! ونتيجة لتآمر قادة الجيش وتواطؤه كمؤسسة قبل الثورة وبصورة اشمل بعدها، تضخمت هذه المعضلة لتتحول الي كارثة وجودية تستهدف بقاء الدولة، وهو ما يجعل حسمها عسكريا امر بالغ الصعوبة، وحتي ولو تم ذلك سيكون بكلفة انسانية ومادية باهظة. وفي ذات الوقت اذا تم اي اتفاق مع المليشيا وهو امر بالغ الصعوبة بدوره، سيجعل المشكلة قائمة، ناهيك عن طابع الغدر والتآمر الذي يسم قائد المليشيا (تجربته مع هلال والبشير والبرهان والحركات المسلحة وقبلهم جميعا الثورة الي اتاحت له الصعود الي سدة السلطة). إلا بالطبع اذا تم الاتفاق بضمانات دولية محكمة، وجزء اساس منها عودة الفضاء السياسي ليعمل بكامل طاقته علي حساب الفضاء السلطوي. اي اجراء قطيعة مع قطيعة الكيزان لتستقيم احوال البلاد والعباد. وكل ذلك للاسف اثبتت التجارب والفرص المهدرة انه يندرج في باب الامنيات دون حصول معجزات! والسؤال بعد كل هذه الكوارث التي تتعرض لها البلاد واهلها من قبل المليشيا الوحشية، هل علم قادة الجيش والكيزان الآن، عواقب الاستهتار بالسلطة والاستخفاف بمطالب القوي السياسية والتلاعب بالامن القومي؟ اشك في ذلك؟!
ومن هنا تنبع مأساة شعب شاء القدر ان تهبه الطبيعة ثروات وخيرات تسيل لها لعاب الطامعين، مع التوافر علي نخبة سياسية تفتقر للحكمة والنضج وحكام يفتقدون للمؤهلات، ونخبة عسكرية تترك واجبها وتتصدي لما لا يعنيها، وتاريخ مثقل بالترسبات النفسية السيئة مع تشكيلات اجتماعية معقدة ومتعددة تشكل بيئة خصبة للاستنفار علي اسس جهوية وعرقية، ومختبر لايديولوجيات ذات اليمن واليسار، وجوار لدولة تضع نصب اعينها مصالحها علي حساب مصلحة البلاد مستفيدة من احساس دونية يتملك من يتقلد حكم البلاد بالبندقية! حتي وصل بنا المطاف ان يتحكم في البلاد ومصير العباد، قادة الجيش المغرورين والكيزان الفاسدين والمليشيا الهمجية. وبالطبع هؤلاء ليس غير جديرين بالحكم او لهم معرفة بفنون ادارة الدولة او علاقة بمصالح المواطنين فحسب، وانما يجسدون الذئاب التي تتربص بموارد الدولة واحكام القبضة علي اهلها.
وفي كل الاحوال ومع استمرار الحرب وارتفاع وتيرة الانتهاكات، اصبح واضح للعيان، انه ليس هنالك وجه للمقارنة بين الجيش والمليشيا الهمجية. اي الجيش غض النظر عن الموقف منه، إلا انه جزء من تكوين الدولة الحديثة، عكس المليشيا التي تعبر عن انحراف حدث داخل الدولة. ورغم الكوارث الي سببها الجيش للدولة بانزياحه عن واجبه وافساده للسلطة بعد تورطه فيها، إلا ان البديل عن اخطاء الجيش لا يمكن ان تكون المليشيا باي شكل من الاشكال!
واذا كانت كل المليشيات هي اشكالات للدول، فان مليشيا الجنجويد هي الاسوأ علي الاطلاق. فناهيك عن اسس تكوينها كاداة قذرة مخصصة للادوار الاكثر قذارة، واعتمال قيم الارتزاق والعمالة والنهب والسلب داخلها لتعمل كمحرك ومحفز لمقاتليها، إلا انها مليشيا شبه عائلية وقبلية بشكل صريح، ويقف علي راسها، بل تخضع له بصورة كاملة، مجرم شبه امي، بل اقرب للصعلوك التافه (رويبضة) الذي يكلله الجهل (علة كل الشرور كما ينسب لسقراط)، يتطلع لحكم البلاد بقوة السلاح ودعم اشرار الخارج، الطامعون في موارد البلاد وموقعها الاستراتيجي.
لذلك ممارسات هذه المليشيا القذرة والانتهاكات الفظيعة في حق الابرياء التي دابت علي ارتكابها كجزء من منهجية عملها، والابادات الي تتورط فيها مجانا ومن دون ادني حساسية او فائدة تجنيها منها. جعلت هذه المليشيا بوحشيهتا غير المسبوقة، من نوعية جرائمها التي تقشعر منها الابدان، بل الشيطان نفسه يتقزز من قذارة وانحطاط مقاتلي هذه المليشيا البربرية! وكأنها (فلاش باك) ينقل البلاد من العصر الحديث الي عصر محاكم التفتيش ومطاردة الساحرات! فمن يصدق ان وسيلة التفاهم في اماكن سيطرتها هي الاعتقال والبطش والتشريد، اما علاج الشكوك فهي الاستباحة والقتل! بل من كان يظن مجرد ظن، ان يمر علينا زمان، نشاهد ونسمع فيه اصدار اوامر بالقتل علي مدن وقري وعرقيات باكملها، ومن فورهم يشرعوا في التنفيذ! ورغم ان احداث اردمتا في الجنينة ما زالت طازجة في الذاكرة، ويصرون علي انكارها، إلا انهم بكل بساطة لا ينفكون يمارسون ذات الهمجية والابادة في حق مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، او صراع السلطة بين المتقاتلين. بل مواطني الجزيرة بالذات هم ضحايا لخذلان الجيش، الذي سلمها للمليشيا من غير خسائر وسط مقاتليها، وهو ما يبطل اي مبرر ولو شكلي لهذه الفظائع!
اما التحجج برفض الجيش للتفاوض او تصعيد المعارك كسبب للتمادي في الانتهاكات، فهي حجة اقبح من الذنب! لان المواطن المدني بقدر ما هو غير مسؤول عن هذه الحرب وما يحدث فيها، فهو كذلك ليس مسؤول عن رفض التفاوض. كما ان الانتهاكات التي تمارس في حق المدنين ليس لها اي تاثير علي سير المعارك او هزيمة المليشيا او تسليم قياداتها للجيش. اي هي مجرد فش غبينة او وسيلة جبانة وعاجزة لتحميل المواطن البرئ عواقب الفشل. وهذه مرحلة من الانحطاط والقذارة يصعب ان يصلها بشر في الوجود، ان لم تشكك في بشريته نفسها (شكل بشر وروح خبيثة حاقدة متعفنة شيطانية كارهة للبشر والحياة).
بل فعائل هذه المليشيا الهمجية، شكلت قبلة حياة للكيزان، ليعودوا الي المشهد بقوة، بقدر الضرر البليغ الذي الحقته بتقدم، لدرجة تشويه صورتها وحشرها مع المليشيا في ذات المربع. ومن اقدر من الكيزان علي تشويه السمعة والاصطياد في المياه العكرة!
المهم، مليشيا علي هذا المستوي من الوحشية والانحطاط، تجعل مسالة الوصول معها لحلول وسط تثير السخرية والاحباط رغم كراهة الحرب، وكأن فعائلها العدوانية احراج للمنادين بوقف الحرب، وامتهان لدماء الضحايا وتسليم بالهمجية، مع العلم ان الجيش يتحمل كامل المسؤولية بوصفه مسؤول عن حماية كامل البلاد.
والحال كذلك، هذه المليشيا وبفعل هكذا انتهاكات يندي لها الجبين، تقتل ما تبقي من هامش سياسة وقوي سياسية ومستقبل سياسي. اي وكما حطمت ما تبقي من الدولة وحياة المواطنين، فهي كذلك تعمل بفاعلية علي تحطيم الفضاء السياسي، الذي يعول عليه لعقلنة الحلول وايقاف هذا الجنون الذي يخوض فيه المتقاتلون.
اما بعد تحطيم الدولة وحياة المواطنين، فمن يرد معرفة مدي التحطيم والانحطاط الذي بلغته بلادنا الشقية. فاليستمع لمناصري المليشيا من سفهاء القوم، الذين بلغ بهم الحقد والقبلية والاحساس بالدونية مبلغ يثير الحنق والاسف والرثاء، وهم يتعدون انكار الانتهاكات الي تبريرها، بل والتشجيع علي توسيعها لتشمل مناطق وعرقيات أخري! والمأساة ان التشجيع علي عرقنة الحرب، يضر بعرقيات اصحاب الدعوة انفسهم خارج مناطقهم! مما يؤكد ان قائد المليشيا واسرته يتاجرون بدماء ابناء عرقياتهم من اجل طموحاتهم السلطوية، وذات الامر ينطبق علي الحاقدين، الذين يسعون لارضاء نفوسهم المريضة علي حساب بني جلدتهم، طالما هم واسرهم آمنون بعيدا عن المخاطر! فهل بعد انكشاف الطابق وظهور المستور، هنالك من يصدق ان لهذه المليشيا علاقة بالديمقراطية او الدولة المدنية او دولة 56 او دولة الشيطان الرجيم؟
لكل ما سبق وبعد تحطيم الدولة وحياة المواطنين، ووقوعهم ضحايا لصراع سلطة عدمي، وعدم قدرة الجيش علي حمايتهم. ليس هنالك من وسيلة لحماية المواطنين وانقاذ ما تبقي من الدولة، من المليشيا اولا، وقادة الجيش ثانيا، والكيزان ثالثا، والدول الاقليمية رابعا. إلا ان يضطلع المجتمع الدولي بواجبه، كما تعهد بعد فظائع رواندا من عدم السماح بتكرار جرائم الابادة. وهو ما لم يلتزم به تجاه دارفور سابقا! وهو عين ما حدث ويحدث في دارفور مجددا والجزيرة وسنار من ذات المليشيا، دون ردة فعل رادعة موازية. ومن العار بمكان ان يواجه المجتمع الدولي كل هذه الانتهاكات بذات البرود والادانات الخجولة، والمليشيا تزداد فرعنة وازدراء لكل اعراف الارض وشرائع السماء.
واخيرا
بعد جرائم الابادة التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها مليشيا الجنجويد الهمجية المتخلفة، التي اثبتت فظائعها انها ضد الانسانية والحضارة، وان منتسبيها مجرد وحوش يفتقدون للرجولة والمروءة والرحمة، وان مجرد وجود هذه المليشيا هو اعلان صريح بتحطيم الدولة وهلاك اهلها. فليس هنالك مندوحة من الاجتماع من اقصي اليسار الي اقصي اليمين علي اعتبار هذه المليشيا ارهابية، ومن ثمَّ يقع علي كافة العالم عبء القضاء عليها، لانقاذ ليس شعب السودان ولكن العالم من شرورها. واول من يقع عليه هذا العبء هو حمدوك ومن خلفه تقدم والاسلاميين والجيش والجن الازرق، وكل من يريد الاصطفاف مع الحضارة والانسانية والحياة والخير والحق والجمال في وجه المسخ المليشياوي التتري. وعليه، كل الخلافات تؤجل حتي القضاء قضاءا مبرما علي هذا الوحش المنفلت من عقاله. والله ياخذ بيد هذه البلاد واهلها الي الخلاص. ودمتم في رعايته.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الجنجوید هذه الملیشیا قادة الجیش هذه الحرب لیس هنالک هنالک من إلا ان وهو ما جزء من
إقرأ أيضاً:
مخاطر التقسيم في السودان – مآلات الصراع بين الجيش والدعم السريع
بعد مرور عام وأشهر على اندلاع حرب 15 أبريل في السودان، يبدو أن البلاد تقف أمام مفترق طرق حاسم يهدد وحدتها وسلامها الداخلي، مما يطرح تساؤلات حول سيناريوهات التقسيم كأحد الاحتمالات المتزايدة في ظل هذا الصراع. فالصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ليس مجرد مواجهة عسكرية تقليدية؛ بل هو صراع داخلي ضمن بنية نظام سياسي وعسكري متشعب الأطراف والمصالح. إذ يتمركز الصراع حول مركز قيادة المؤسسة العسكرية التي تحتكر القرار الوطني وتسيطر على السلطة والثروة، مما يميز هذه الحرب عن الحروب السابقة، ويجعلها بالغة الخطورة على استقرار السودان ووحدته.
خلفية الصراع: النظام العسكري وتعدد الرؤوس
تعود جذور الأزمة الحالية إلى التداخل بين الجيش والدعم السريع تحت مظلة واحدة، ولكنهما يُمثلان قوتين متنافستين يملك كل منهما رؤيته ومصالحه الخاصة. وقد جاء انفجار الصراع نتيجة لتعاظم نفوذ الدعم السريع ورغبته في حصة أكبر من السلطة والثروة، وهو ما أدى إلى اصطدامه بمصالح الجيش ومراكز القوى الإسلامية التي دعمت تأسيس الجيش والدعم السريع على حد سواء منذ التسعينيات، لضمان بقاء النظام القديم وتجنب المعارضة.
وبعد إزاحة نظام البشير في 2019 عبر ثورة ديسمبر الشعبية، بدا أن القوى الإسلامية ستفقد السيطرة، إلا أن انقلاب 25 أكتوبر 2021 أعاد الإسلاميين إلى المشهد، ومن ثم شهد السودان الحرب الأخيرة التي كانت بمثابة الانفجار غير المتوقع داخل النظام العسكري نفسه، حيث انقلبت معايير القوة وبدأ كل طرف في محاولة التفوق على الآخر. ومع استمرار التنافس بين البرهان وحميدتي، بدأت مخاوف التقسيم تلوح في الأفق.
التقسيم كخيار قسري: الموقف الدولي والإقليمي
قدمت مراكز الأبحاث الدولية الرائدة قراءات متعددة حول هذا السيناريو، مشيرة إلى مخاطر تقسيم السودان إلى دويلات نفوذ، قد يسيطر على كل منها "لوردات الحرب" إذا استمرت الحرب على وضعها الحالي. مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، على سبيل المثال، ترى أن تعمق الخلاف بين الجيش والدعم السريع، وتوسع دائرة العنف دون وجود حل سياسي شامل، يجعل من التقسيم خيارًا قد يفرضه الوضع القسري على السودان. وأشارت تقارير المجموعة إلى أن استمرار الصراع دون حل توافقي يضمن تماسك الدولة وإشراك الأطراف المدنية في الحكم، يهدد بتدهور الأوضاع نحو التقسيم.
أما معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فقد أبرز أن قوة الدعم السريع المستمرة رغم ضربات الجيش تشير إلى أن الوضع قد يتحول إلى دويلات نفوذ بحكم الأمر الواقع، خاصةً إذا استمر دعم الحركات المسلحة لبعض الأطراف الإقليمية والدولية. وذكر المعهد أن هذا السيناريو يلقى دعمًا من بعض القوى الخارجية التي ترى في استمرار الصراع وعدم استقرار السودان فرصة لتمرير أجنداتها الإقليمية.
على الصعيد الإفريقي، معهد الدراسات الأمنية الإفريقية سلط الضوء على المخاطر التي قد تطال دول الجوار كتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، مؤكدًا أن تقسيم السودان يهدد تماسك المنطقة بأكملها، ويفتح الباب على مصراعيه أمام قوى أجنبية للتدخل. ووفقًا للمعهد، فإن هذا السيناريو قد يفاقم الأزمات الإنسانية ويؤدي إلى اضطرابات إقليمية طويلة الأمد في المنطقة.
عوامل تعزز مخاوف التقسيم
أبرزت التقارير أن مخاطر التقسيم تتزايد في ظل العنف المتبادل والخطاب التحشيدي والتحريض المتصاعد، حيث توظف القوى الإسلامية هذا الخطاب لبث الكراهية بين السودانيين أنفسهم وتحقيق أهدافها السياسية، دون اكتراث بسلامة الوطن أو مصلحة الشعب. فالقوى السياسية الإسلامية التي تقف خلف الحرب تستفيد من تفاقم الأوضاع، إذ تراهن على أن انقسام السودان إلى مناطق متصارعة سيجعل من السهل عليها فرض سيطرتها على المناطق التي يتواجد فيها نفوذها الشعبي. ويشكل خطاب الكراهية هذا عاملاً مؤثراً يسهم في تعميق الهوة بين الأطراف المتنازعة.
وعلى الرغم من ضعف هذا الطرح حتى الآن، يظل خيار التقسيم مطروحًا خصوصًا مع بروز مناطق نفوذ شبه منفصلة على أرض الواقع، ومع عجز الأطراف المحلية عن فرض سيطرة شاملة.
نهاية مفتوحة - هل يمكن تجنب السيناريو الأسوأ؟
ورغم وجود هذا السيناريو المظلم، فإن بعض العوامل ما زالت تخلق أملًا في إمكانية تجنبه. فحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، ما زال يعلن عن تمسكه بوحدة السودان، وإن كان ذلك الموقف قد يتغير وفق المتغيرات السياسية والعسكرية على الأرض. كما أن دول الجوار لا ترغب في رؤية السودان مقسماً، لما في ذلك من تهديد مباشر لاستقرارها الداخلي، خاصةً تلك الدول التي لديها صراعات إقليمية مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، والتي قد تجد نفسها في مواجهة تداعيات هذا التقسيم.
إجمالاً، يظل مستقبل السودان مرتبطًا بمدى قدرة الأطراف المتنازعة على إيجاد مخرج سياسي يضمن وحدة السودان وسلامته. ففي حال استمرار الصراع دون رؤية واضحة للحل، سيبقى سيناريو التقسيم أحد الاحتمالات التي قد تصبح واقعًا مفروضًا. ولعل الضغط الدولي والإقليمي نحو الحل السلمي، إلى جانب الجهود الشعبية الرافضة للتقسيم، قد تشكل وسائل للضغط على أطراف النزاع للعودة إلى طاولة الحوار وإيجاد صيغة تضمن حماية السودان من التقسيم.
*يمكن الاستناد إلى تقارير وتحليلات مراكز أبحاث بارزة تتابع الشأن السوداني والصراعات الإقليمية. على سبيل المثال-
تحليل مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group): تتناول المجموعة بعمق الوضع في السودان، حيث أشارت في تقاريرها الأخيرة إلى أن صراع الجيش والدعم السريع له جذور تمتد إلى الخلاف على موارد الدولة والنفوذ السياسي، مما يزيد من خطر التقسيم. وقد حذرت المجموعة من أن الصراع الداخلي بين الجيش والدعم السريع يشكل تهديدًا لوحدة السودان على المدى الطويل، خصوصًا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضمن تماسك الدولة وإشراك الأطراف المدنية بشكل جدي.
تحليل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (The Washington Institute for Near East Policy): يرى المعهد أن تعاظم نفوذ قوات الدعم السريع قد يُسرّع من انقسام السودان إلى مناطق نفوذ محلية أو ما يشبه الدويلات تحت سيطرة أمراء الحرب. وأوضح المعهد أن استمرار الحرب دون حلول يُضعف الجيش ويُفقده السيطرة، ما يدفع بعض القوى العسكرية والمليشيات للسيطرة على مناطق معينة، ويؤدي إلى توسيع دائرة الانقسامات الجهوية في ظل الفوضى السائدة.
معهد الدراسات الأمنية الإفريقية (Institute for Security Studies): يشير هذا المعهد إلى أن الصراع بين البرهان وحميدتي يمثل خطرًا على السلام الاجتماعي في السودان، وأن استمرار الاستقطاب الحاد بين القوى العسكرية يرفع احتمالية تجزئة السودان فعليًا إلى مناطق متنافسة. كما يحذّر المعهد من عواقب هذا السيناريو، كونه قد يحوّل السودان إلى بؤرة صراع إقليمي، خاصة مع تداخل المصالح الأجنبية والتجاذبات الجهوية.
الاستناد إلى هذه التحليلات يجعل من سيناريو التقسيم أكثر مصداقية، حيث يتفق الخبراء على أن استمرار الحرب والتعبئة العنيفة يدفع بالبلاد نحو التفكك.
zuhair.osman@aol.com