عبد الله علي إبراهيم
ملخص
جنت "أكتوبريات" ود المكي لا عليه فحسب، بل على فهمنا لثورة أكتوبر أيضاً. فغيبت الأكتوبريات، التي لم تعدُ كونها قصيدة طويلة واحدة، على أكثر شعره. وبلغ تغييب تلك القصيدة لسائر شعره حداً دعا ناقد يوماً إلى تشكيل جبهة للدفاع عن ود المكي ضد الأكتوبريات.
غيّب الموت في الـ29 من سبتمبر الماضي الشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم (1939).

وشق نبأ رحيله على السودانيين، بخاصة وهم على بعد نحو شهر من مرور 60 عاماً على ثورة الـ21 من أكتوبر 1964 التي كان "ود المكي"، كما تعارفنا عليه، هو شيخ حداتها أجمعين:
باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني
الحقول اشتعلت قمحاً ووعداً وتمني
والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي
باسمك الشعب انتصر
حائط السجن انكسر
والقيود انسدلت جدلة عرس في الأيادي
فجاءت الذكرى الـ60 للثورة وغاب المذكر بها. وصارت الحال هي ما وصفه ود المكي نفسه في رثاء الشاعر محمد المهدي المجذوب (1983)، "برحيلك ينفصل الجمر عن صندل الشعر".
وصار فينا شدو ود المكي بأكتوبر، الذي أبدع في تلحينه الموسيقار محمد وردي وغنائه، بمثابة النشيد الوطني الرديف. وكانت ثورة أكتوبر أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود العسكري (1958-1964) الذي نزل علينا غير مأذون، ولم نكمل بالكاد عامنا الثالث من الاستقلال. وجاءت بعدها ثورات أخريات في 1985 و2018 ولكنها تظل الثورة الأثيرة بصورة استثنائية عند السودانيين لأنها في عبارة لود المكي نفسه، "الصيحة الأولى" أو "الجذوة الأولى" أو:
تمخضي خلف البيوت المغلقة
خلف سدوف حقدك الخارقة المحترقة
ولتلدي ثورتك الأولى وبعثك الجديد
واختلط أمر الثورة في تدافع الناس من بعدها إلا في أسر شعرها لوجدان السودانيين. وقال أحدهم في المعنى إنه ربما أرخص النثر بالثورة، ولكن أعزها الغناء أبداً. فقال طالب حدث، لديّ السؤال عن معرفته عن ثورة أكتوبر، قال، "ليس كثير شيء. ولكن ما سمعته من غنائها دلني على أنها كانت حدثاً عظيماً".
ومع ذلك جنت "أكتوبريات" ود المكي لا عليه فحسب، بل على فهمنا لثورة أكتوبر أيضاً. فغيبت الأكتوبريات التي لم تعدُ كونها قصيدة طويلة واحدة، على أكثر شعره. وبلغ تغييب تلك القصيدة لسائر شعره حداً دعا ناقد يوماً إلى تشكيل جبهة للدفاع عن ود المكي ضد الأكتوبريات. فلفهم أعمق لأكتوبر صح أن نعرف أن مجيئه لها كان من فوق غليان سياسي لجيل من الشباب الجامعي، ادخر للإرادة الوطنية المستردة بالاستقلال مشروعاً لتغيير ما به. ثم رأى تلك الإرادة تنتكس بانقلاب عسكري جعل القتال ضده فريضة. وتلك الغضبة ربما هي ذاتها "الوهج الجاسر" في قوله هو نفسه. فعلى اشتهار ديوانه الأول بـ"أمتي"، وهذا ولاء صريح وجيز، إلا أن للعنوان حاشية هي "أمتي: الوعي والحلم والغضب".
ظل مسعى ود المكي الشعري أن يُنسب نفسه لأمته. وهي أمة الشمس عنده التي خطت مضاربها فوق "يأفوخ الشمس" وفرشت موائدها على "أعلى الشمس" وتوزع قومها على "حارات الشمس":
في قمة الشمس الصبية أمتي لفت عمائمها ووثقت العباءة
واحتلب أمته تاريخاً:
هذا عصير الشمس فوق جبهتي
هذا كساء أمتي
هذا الكساء دمغتي
كان ود المكي حفياً بالنسبة إلى الأمة وثقافتها حتى سمى أجيال الشعراء من قبله "أجدادي شعراء الشعب".
كان ميلاده في مدينة الأبيض، عاصمة ولاية كردفان، مركز الطريقة الإسماعيلية التي انتمت إليها أسرته فتضمخ بـ"عبير الأضرحة" منها. إلا أنها أصلاً من واحة البشيري شمال الأبيض وعلى مقربة منها. وجاء إلى هذه الواحة أجداده الجابرية والبديرية والركابية، من منحنى النيل الشمالي في القرن الـ18 فعمروها. وله في متانتهم عبارة:
إن أجدادي يموتون غراماً وطرب
وضعوا الساعد في الساعد فالرمل انسحب
والنخيل انبثقت بين الجراح الصادحة
وحمله شغفه بمواطن أهله في الشمال لزيارتها والكتابة عنها.
واستنجد بـ"أجدادي شعراء الشعب"، ممن أحسنوا أدب الرحلة، وهو يدخل الخرطوم، عاصمة البلاد، للمرة الأولى حين قدم إليها ليدرس القانون في جامعة الخرطوم عام 1959. وقال عن أهل أريافها في منطقة الجزيرة قبل دخولها إنهم "الجلابة" (التجار السارحة)، مصدر الشكوى التي يذيعها "الدعم السريع"، الذين انبثوا في نواحي القطر لهم أذن "تسمع رنة قرش في المريخ" ولكن لهم عيوناً "تعرف لون الذئب الرابض للقطعان. وسواعد حين يجد الجد تطيح". واستغرب للخرطوم حين دخلها بطولها التياه حتى شك أن لو ضل القطار إلى مدينة خارج السودان الذي عرفه. واشتكى خلو أرصفة محطتها من المستقبلين مَن زينوا باحات المحطات غيرها. فخرج لا يحضن سوى الشارع الذي تلقفه وأجداده الشعراء في حين يتغنى المذياع بإرثهم. وسيأتي يوم "يصرخ للخرطوم في أذنها" يشكو شباباً مشرداً عن غرغرة موسيقاها من "وراء صمتها الحرون".
أما نسبته إلى أولئك الأجداد، فكانت في بحث باكر صدر في كتاب بعنوان "الفكر السوداني: أصوله وتطوره". وقال إنه عكف عليه خلال عطلة صيفية جامعية قضاها في ضيافة صديقه الشاعر محمد عبدالحي بالخرطوم، وهي ما ربط بينهما لاحقاً في مدرسة أدبية عُرفت بـ"الغابة والصحراء" مجازاً في تكوين السودان العرقي من عرب وأفارقة. وهي الهجنة التي تعقبها ود المكي لاحقاً في "زنزبارياته"، أي قصيدته المطولة عن زنجبار. فقرأ في نص الجزيرة مزيجاً عربياً آخر صنيع السودان:
الله يا خلاسية
يا بعض عربية
وبعض زنجية
وبعض أقوالي أمام الله
ضمي رفاتي ولفيني بزندك
ما أقواك
عارية وزنجية
وبعض عربية
أما أخطر رحلاته في تكوينه الشعري، فقد كانت تلك التي قام بها إلى ألمانيا الغربية في أبريل 1962. فانقطع عن الدراسة في جامعة الخرطوم لعام كامل مخاطراً بنسب الشباب الأوروبي مثله. وصحبه فيها زميله بكلية القانون الشاعر النور عثمان. وإلى تلك الفترة يرجع ود المكي تبلور فكرة مفهوم الغابة والصحراء التي خرجت من أروقة جامعة الخرطوم تذيع الهجنة العربية- الأفريقية هوية للسودانيين. وأمن ود المكي على أن النور هو من سك المفهوم. وجاء ود المكي من هذه الرحلة بشعر غاية في الجزالة والتمرد كان رفاقه في رابطة الأدباء بجامعة الخرطوم يصغون له بورع ويستعيدونه. وجاء في هذه النسبة بالنزاع الذي انتابه في ألمانيا بين الوطن والغرب. واستبطن ذلك النزاع شوق لإرواء الشباب وهي السن العاطلة في السودان حتى قال الشاعر التجاني يوسف من قبله عنها إنها "يبس مراعيها". وبلغ تجفيف حياة الخرطوم من المرأة في الخمسينيات حد صدور كتاب عنوانه "في البلد الذي بلا نساء". فبإزاء دعوة الأهل لود المكي إلى العودة، يقول كيف الرجوع "ولم أفنَ ضرع الحياة احتلاباً" في حين يصخب ليله فيها، فـ"تعاوينا سعاراً" و"يثب الجاز إلى أعصابنا". وأخرس ود المكي "تعاويذ الجدود" الرقيبة هنا ريثما يغيرها في وقته المناسب.
لود المكي عبارة عجية في إرادة التغيير، فقال إنه كانت في أوروبا "مجاعة للفعل" ومطلبه في عودته منها ليس في تغيير محض نظام سياسي. مطلبه أن يحيا كما يستحق لإنسان أن يحيا في مدينة لا تزال قرية، مرحلة الشباب فيها إعداد رصين للشيخوخة والمرأة فيها لماماً. كان مطلبه هو "الحق في المدينة" في معنى من معاني الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير. وهي مدينة بدا أنها خلت من الأجداد للمرة الأولى:
سأعود في كفي سيف الرفض والرؤيا
كم ذا لعنت قنوعكم وخنوعكم
وقعودكم صرعى
على أجداث من سلفوا وما تركوا لكم
إلا قصور ذواتهم عن قمة الفرح المؤشب والحياة.
متى غاب ود المكي في طيات أكتوبرياته كما أردنا له غاب عنا أن ثورته لم تكُن تغيير نظام ديكتاتوري بآخر ديمقراطي كما فهم كثيرنا عن أكتوبر. كان جوعه للفعل جوعاً وجودياً ينبثق من شباب "الجراح الصادحة".
من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير
من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة
جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة
جيلي أنا
فجيله خارج لتركيب الحياة التالية للنظام المقبل لا النظام المقبل، وهو نفس ما رنا له الشاعر التجاني يوسف بشير قبل ثلاثة عقود وسماه "الوجود المغاير".
تكتنف ثورة أكتوبر تحليلات طعنت فيها من جهة أنها لم تقِم نظاماً ديمقراطياً كما أرادت، وبلغت هذه المطاعن عند كُتاب مثل الدكتور الوزير منصور خالد والمؤرخ الوزير حسن عابدين والأكاديمي النور حمد أن قالوا إنها حتى ولا ثورة. ونظروا جميعاً إلى العائد السياسي في النظم التي تناسلت منها. ولم يسعدهم. ولأنهم لم يفقهوا "مجاعة الفعل" لود المكي فات عليهم تثمين اعتراف الثورة بمواطنة المرأة والشباب فوق الـ18 وإلى يومنا. تتغير النظم التي قد تسيء للجماعتين بغير أن تجرؤ على نزع هذه المواطنة عنهما. والاعتراف بمواطنة النساء والشباب من مشمولات تركيب الحياة المقبلة التي تشوف لها ود المكي لا النظم السياسة التالية فحسب. وقيل عن الثورة الفرنسية (1789) إنها خرجت لتكوّن الدولة علمانية إلا أنها لم تصبح كذلك إلا بدستور 1905، بعد نحو قرن من اندلاعها، وعلى استحياء بقوله بفصل الدين عن الدولة. وانتظرت فرنسا حتى دستور 1958 لتعلنها علمانية صريحة. ولكن لم تعُد علاقة الدين بالدولة بعد الثورة في فرنسا مثلها قبل الثورة بأي حال من الأحوال. ولم يطعن أحد في الثورة الفرنسية لهذا الإرجاء المبالغ فيه من دون تحقيق هدف أسمى لها.
لم يغنِّ ود المكي للثورة كما بدا من الحفاوة به لأكتوبرياته. لقد اخترعها.


ibrahima@missouri.edu

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ثورة أکتوبر

إقرأ أيضاً:

“قبور للأحياء”: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون الفلسطينيون من سجون إسرائيل تعكس تعذيبًا وتجويعًا ممنهجًا

#سواليف

 قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات المهينة التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبل الإفراج عنهم.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان له أنه تابع إفراج السلطات الإسرائيلية عن أسرى ومعتقلين ضمن الدفعات الأربع التي كان آخرها اليوم السبت، حيث بدا على معظمهم تدهور صحي حاد، مع فقدان كل منهم عدة كيلوغرامات من وزنهم جراء ما يبدو وأنه تجويع متعمد.

وفور الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، احتاج العديد منهم إلى النقل الفوري للمستشفيات لإجراء فحوص طبية عاجلة، فيما بدا أحدهم على الأقل عاجزًا عن التعرف على مستقبليه، بعد أن عانى من الحرمان من العلاج خلال فترة اعتقاله.

مقالات ذات صلة إعلام عبري بعد استعراض حماس .. ماذا كان يفعل الجيش طوال 14 شهرًا؟ 2025/02/01

وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الأوضاع تعكس كيف حوّلت إسرائيل سجونها إلى مراكز تعذيب منهجي للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بمن فيهم المحكومون والمحتجزون قبل 7 أكتوبر 2023.

وأشار إلى أن غالبية المعتقلين المفرج عنهم تعرضوا لسوء المعاملة والضرب، وخضعوا للتعذيب النفسي حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت الإفراج عنهم.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثّق إجبار القوات الإسرائيلية العديد من المعتقلين على حلق رؤوسهم كإجراء مهين ومتعمد يستهدف إذلالهم وتحطيم معنوياتهم، إضافة إلى إجبارهم على ارتداء ملابس السجن، وتعريضهم للضرب والعنف قبل وأثناء تحميلهم في الباصات.

كما أشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أفرجت عن جميع الأسرى والمعتقلين في ظروف بالغة السوء، شملت الاعتداء على تجمعات ذويهم الذين كانوا في استقبالهم، وقمعهم بالرصاص وقنابل الغاز، ما أدى إلى إصابة بعضهم، بالإضافة إلى اقتحام منازلهم والأماكن التي خُصّصت لاستقبالهم والاحتفال بالإفراج عنهم.

وأوضح أن الشهادات التي وثّقها وتابعها من الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم تكشف أن انتهاكات إدارات السجون تجاوزت سوء ظروف الاحتجاز، لتتحول إلى سياسة انتقامية منهجية استهدفت جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وأكد أن الأوضاع داخل السجون شهدت تدهورًا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تعرض المعتقلون لعمليات تعذيب قاسية، وتجويع متعمد، وعزل انفرادي طويل الأمد، في إطار إجراءات عقابية تصاعدت بشكل وحشي عقب الأحداث في قطاع غزة في محاولة لمعاقبتهم على أحداث لا صلة لهم بها سوى كونهم فلسطينيين.

كما كشفت الشهادات التي وثقها الأورومتوسطي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أخضعت المعتقلين المفرج عنهم للتعذيب والضرب، واحتجزتهم لساعات طويلة في الباصات مكبلي الأيدي قبل الإفراج عنهم، إلى جانب تعريضهم للإهانات والشتائم التي استهدفت تقويض كرامتهم الإنسانية حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج.

وأفاد الأسير المفرج عنه “هيثم جابر” من بلدة حارس قضاء سلفيت، أن القوات الإسرائيلية اقتادتهم قبل يوم من موعد الإفراج عنهم وجرى حلق شعرهم بالقوة. وأضاف أن إدارة السجون أبلغته بضرورة حلق شعره فرفض، ليأخذوه بالقوة ويحلقوت شعره تمامًا. وأضاف “جابر”: “يعيش الأسرى في ظروف صعبة جدًا، وحتى اللحظات الأخيرة مورست ضدنا أشد أنواع التنكيل والتعذيب وامتهان الكرامة”.

وأشار إلى أن السجانين عاملوا المعتقلين كـ “الحيوانات”، حيث أجبروا على الوقوف في صف واحد بطريقة مهينة، وفي بعض الأحيان كان يُطلب منهم السير على أطرافهم الأربعة. علاوة على ذلك، حُرموا من حقوق أساسية مثل المياه، إذ كانت هناك قارورة مياه واحدة فقط مخصصة لكل غرفة على مدار 24 ساعة، بينما كانت دورات المياه خالية من المياه تمامًا، مما حال دون قدرتهم على قضاء حاجاتهم.

كما أفاد الأسير المحرر “وائل النتشة”، المعتقل منذ عام 2000 والمحكوم بالمؤبد: “لعبوا على أعصابنا، خرجنا للحافلات ثم أعادونا إلى السجن لمدة ثلاث ساعات دون أن نعرف أي معلومة وما السبب، وهذا تسبب بضغط وإرباك. اعتقدنا أنه سيقوم بتوزيعنا على أقسام السجن بعد إيهامنا بوقوع مشاكل كبيرة في التبادل يصعب حلها، ليتبين لاحقًا أنه لعب على الأعصاب فقط”.

وذكر أنه تم تجميع الأسرى المنوي الإفراج عنهم في سجن “عوفر”، وقد أبلغوا سابقًا بأن موعد الإفراج عنهم هو يوم السبت الماضي. لكن تم حجزهم في السجن لقرابة أسبوع. وأفاد أن الأشهر الـ16 الأخيرة شهدت شن إدارة السجون “هجمة شرسة” على الأسرى تخللها التجويع والضرب والتنكيل والنوم في البرد وسحب الملابس والأغطية”.

أحد الأطفال الذين التقاهم المرصد الأورومتوسطي وتم إطلاق سراحهم شمالي الضفة الغربية (يمتنع الأورومتوسطي عن ذكر اسمه للحفاظ على سلامته)، أفاد أن الأوضاع في السجون كانت سيئة للغاية، وأن المعاناة شملت الجميع، خاصةً الاعتداءات بالضرب وسوء التغذية. وأوضح أنه أُجبر على توقيع تعهد بعدم الحديث، مهددًا بإعادة اعتقاله في حال خالف ذلك.

وشدد الأورومتوسطي على أن هذه الممارسات، التي وثقتها شهادات المفرج عنهم، تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية وحقوق الأسرى والمعتقلين المكفولة بموجب القانون الدولي، حيث تعكس “التنكيل والإذلال” و”التجويع والتعذيب المنهجي” الذي تعرضوا له خلال فترة اعتقالهم وعند الإفراج عنهم. كما نبه إلى أن الاعتداءات الممارسة لا تقتصر على الإيذاء الجسدي، بل تمتد لتشمل آثارًا نفسية مدمرة على الأسرى والمعتقلين،  مما يزيد من معاناتهم ويؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية على المدى الطويل. وأضاف أن ما تعرض له المعتقلون أثناء الإفراج عنهم، وما نقلوه من أوصاف بشأن ظروف اعتقالهم ووصف السجون بأنها “قبور للأحياء” هو تجسيد واضح لسياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تدمير إرادة الفلسطينيين، وإلحاق أقصى درجات الألم والمهانة بهم، بما يشكل انتهاكًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي.

وطالب الأورومتوسطي جميع الدول والكيانات الدولية المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لوقف الجرائم المنهجية والواسعة النطاق من القتل والتعذيب والانتهاكات الجسيمة الأخرى التي ترتكبها إسرائيل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. كما شدد على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم تعسفيًا، ودعا إلى السماح الفوري للمنظمات الدولية والمحلية المختصة بزيارة المعتقلين، وتمكينهم من تعيين محامين. بالإضافة إلى ذلك، طالب بالضغط على إسرائيل لوقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي، بما في ذلك الاعتقال الإداري، الذي يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية ويعكس سياسة قمعية تهدف إلى تدمير الإرادة الفلسطينية والنسيج المجتمعي وحرمانهم من حقوقهم القانونية.

وطالب المرصد الأورومتوسطي كافة الدول والجهات المعنية بإجراء تحقيق فوري ومستقل في هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لملاحقة ومحاكمة قادة الاحتلال المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.

كما دعا المرصد الأورومتوسطي جميع الدول المعنية إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، وتقديم بلاغات متخصصة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وبخاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وإصدار مذكرات إلقاء قبض على جميع المسؤولين عنها، وملاحقتهم قضائيًا وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم عن ارتكابهم لهذه الجرائم.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وغيره من قوات الأمن الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، كما تشكل أيضًا أفعالًا من أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، لا سيما وأنها تُمارَس بشكل وحشي ومنهجي ضد الفلسطينيين بهدف القضاء عليهم كمجموعة، بما في ذلك من خلال القتل وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.

مقالات مشابهة

  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بالذكرى السنوية للشهيد الرئيس صالح الصماد
  • إيران تكشف عن “مدينة صواريخ” جديدة
  • “قبور للأحياء”: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون الفلسطينيون من سجون إسرائيل تعكس تعذيبًا وتجويعًا ممنهجًا
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تسخر من الشباب أصحاب الشعر “المفلفل”: (البنات بحبوا الأولاد الناضجين وانتو قاعدين تحت العمود الماشة والجاية تقدموها)
  • مناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” من منتسبي جامعة حجة
  • مسيرات ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في حجة
  • الخرطوم بحري بلا حياة.. من مصفاة “الجيلي” إلى جسر الحديد: طريق سالك لكن موحش
  • أسمته “إسرائيل” رجل الموت.. من هو محمد الضّيف مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني؟ (تفاصيل + فيديو)
  • بالفيديو.. تعرف على “محمد الضّيف” مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني
  • مضوي: “هذه هي المناصب التي نسعى لتدعيمها في الميركاتو الشتوي الجاري”