ما المقصود بحديث النبي «إن في المال لحقًّا سوى الزكاة»؟ .. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
ما المراد من حديث: «إن في المال لحقًّا سوى الزكاة»؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، حيث يقول السؤال: ما المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ فِي المَالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكَاةِ»؟ وهل هذا يعني أنَّ المال يجب فيه شيء غير الزكاة المفروضة؟
ما المقصود بحديث النبي «إن في المال لحقًّا سوى الزكاة»؟وقالت الإفتاء إن هذا الحديث النبوي الشريف ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قال: «إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177] رواه الترمذي وغيره من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وفيه ضعفٌ، إلا أنَّه قد صَحَّ مِن قول كثير من الصحابة الكرام والسلف الصالح من غير نكير؛ كأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، وأم المؤمنين عائشة، وأبي ذر، وأبي هريرة، رضي الله عنهم، والحسن البصري وعطاء والشعبي ومجاهد وطاوس وإبراهيم النخعي رحمهم الله تعالى، ونقله الإمام النخعي عن السلف الصالح؛ فقال: "كانوا يرون في أموالهم حقًّا سوى الزكاة" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
وأوضحت أن المراد بهذا الحق هو أنَّ دفع الضرر عن المسلمين وإزالة فاقتهم فرض كفاية على المسلمين بإجماع المسلمين، بل وعن أهل الذمة والمستأمنين من غير المسلمين أيضًا؛ كما نص عليه غير واحد من الفقهاء؛ حيث إنَّ كفاية الفقراء ورعايا الدولة الإسلامية واجبة في أموال الأغنياء إذا لم تَفِ الزكاةُ ولا بيت المال ولا الأوقاف والصدقات الجارية ولا الكفارات والنذور بذلك، فقد جعلت الشريعة لهم في مال الأغنياء حينئذٍ من الحق الواجب ما يقوم بحاجتهم ويسدّ خلتهم ويدفع فاقتهم.
النصوص الواردة في تأكيد معنى الحق في الحديثحفلت النصوص الشرعية بتقرير هذا المعنى وتأكيده؛ وقد حذرت من التغافل عن حاجات الفقراء وعدم السعي فيها، وجزاء مَن يبخل بماله عليهم:
فقد روى الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط" عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ قَدْرَ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِلَّا إِذَا جَاعُوا وَعُرُّوا مِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ، أَلَا وَإِنَّ اللهَ مُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، وَمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا نُكْرًا».
وروى الإمام البيهقي في "السنن الكبرى" عن محمد بن الحنفية رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ، فَإِنْ جَاعُوا وَعَرُوا جَهَدُوا فِي مَنْعِ الْأَغْنِيَاءِ، فَحَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ".
وروى ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" عن محمد بن الحنفية رضي الله عنهما عن شيخ من قريش قال: بَيْنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُمَا، فَلَمْ يُعْطِيَاهُ شَيْئًا، وَقَالَا: اذْهَبْ إِلَى ذَيْنِكَ الْفَتَيَيْنِ، وَأَشَارَا إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ، فَجَاءَ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَا: «إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ أَمْرٍ مُفْظِعٍ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ».
هذا المعنى هو ما قرَّره أرباب المذاهب الفقهية كلها ونصوا عليه:
قال الإمام العيني الحنفي في "عمدة القاري" (8/ 237، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد تأول سفيان بن عيينة في المواساة في المسغبة قولَه تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111]، ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في "الترمذي" مرفوعًا] اهـ.
وقال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (1/ 88، ط. دار الكتب العلمية): [وليس في المال حق سوى الزكاة، وإذا وقع أداء الزكاة ونزلت بعد ذلك حاجة فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء. وقد قال مالك: يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وكذا إذا منع الوالي الزكاة، فهل يجب على الأغنياء إغناء الفقراء؟ مسألة فيها نظر، أصحها عندي وجوب ذلك عليهم] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في كتابه الغياثي "غياث الأمم في التياث الظلم" (ص: 278، ط. مكتبة إمام الحرمين): [ولا أعرف خلافًا أن سدَّ خلَّات المضطرين في شتى المجاعات محتوم على الموسرين، ثم لا يرجعون عليهم إذا انسلُّوا مِن تحت كلاكل الفتن. وفقراء المسلمين بالإضافة إلى متوسليهم كالابن الفقير في حق أبيه؛ ليس للأب الموسر أن يلزم ابنه الاستقراض منه إلى أن يستغني يومًا من الدهر، ولو كان لولده مال غائب أقرض ولده أو استقرض له إن كان موليًا عليه، والذي يكشف الغطاء فيه أن مَن رأى مسلما مشرفًا على حريق أو غريق، واحتاج إنقاذه إلى إنقاذ سببه، وإكداد حدبه لم يجد في مقابلة سعيه] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (7/ 316، ط. مجمع الملك فهد): [ولهذا يقال: "ليس في المال حق سوى الزكاة"؛ أي ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال؛ كما تجب النفقات للأقارب والزوجة والرقيق والبهائم، ويجب حمل العاقلة، ويجب قضاء الديون، ويجب الإعطاء في النائبة، ويجب إطعام الجائع وكسوة العاري؛ فرضًا على الكفاية، إلى غير ذلك من الواجبات المالية] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الزكاة دار الإفتاء الحديث النبوي إن فی المال ن فی المال رضی الله ی الله ع ه تعالى الله عن بن أبی ى الله
إقرأ أيضاً:
هل يجوز عمل أكثر من عُمرة في اليوم الواحد؟.. دار الإفتاء تجيب
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه يجوز لمن سافر لأداء العُمرة تكرارها في السَّفرة الواحدة، كما يجوز له موالاة تكرارها في اليوم الواحد على الراجح من أقوال الفقهاء؛ لعموم قول سيدنا رسول الله: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا، تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ، خَبَثَ الْحَدِيدِ» [أخرجه ابن ماجه].
وأضاف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن من أراد تكرار العُمرة في السفر الواحد خرَج إلى أدنى الحِل، خارج الحرم؛ مثل "التنعيم" أو "عرفات" أو "الجعرانة"، وأحرَم بعمرة جديدة؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما ميقات المكي للعمرة فأدنى الحل؛ لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي أمرها في العمرة أن تخرج إلى التنعيم وتُحرِم بالعمرةِ منه، والتنعيم في طرف الحل.
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "وجمهور العلماء على إباحة العمرة في كل السنة لأنها ليس لها عند الجميع وقت معلوم ولا وقت ممنوع لأن تقام فيه .. والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة لأنه عمل بر وخير فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل ولا دليل أمنع منه بل الدليل يدل عليه بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
وأكد مركز الأزهر، أن العمرة شعيرة عظيمة، ترفع بها الدرجات، وتُكَّفرُ السيئات، وتعم الخيرات؛ قال سيدنا رسول الله: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ». [متفق عليه].
وأشار إلى أن العمرة من العبادات غير المؤقتة، ولا المتعينة بيوم معين؛ فيجوز في حقها التكرار والتوالي في أي وقت كصيام وصلاة النافلة؛ قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارًا" [المغني لابن قدامة، وقال الإمام ابن حجر رحمه الله: "وفي حديث العمرة إلى العمرة دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار، خلافًا لقول من قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة..".
وأوضح أن الإحرام بالحج له ميقات مكاني، وزماني محدد، لا تصح أداء مناسك الشعيرة إلا فيه، وليس للعمرة ميقات بزمان محدد.