الصقيع يطرق أبواب مراكز النازحين في البقاع دون تجهيزات شتوية
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
البقاع- "نكاد نموت من شدة البرد ليلا"، بهذه العبارة اختصرت سلوى محمد الحسيني معاناتها، وهي نازحة مع أطفالها الثلاثة من بلدة شمسطار قرب بعلبك إلى مركز إيواء للنازحين أقيم في مبنى ثانوية جب جنين الرسمية وسط قضاء البقاع الغربي الآمن نسبيا.
وأضافت للجزيرة نت "نحن على أبواب الشتاء وحتى اليوم لم تُجهز غرف الإيواء بأي وسيلة من وسائل التدفئة، أنا خائفة جدا على أطفالي".
بدورها، قالت الطفلة فاطمة الحسيني (12 عاما) "أحيانا نشعر وكأننا ننام في العراء من شدة البرد، فلا تجهيزات مناسبة للشتاء في الغرف، ولا أغطية شتوية، ولا سجادات نضع فوقها فرشنا الإسفنجية المتواضعة، للأسف واقعنا في الإقامة الجبرية ضاعف من معاناة النزوح الذي تسبب به العدو الإسرائيلي".
وحال سلوى وفاطمة مماثل لحال 210 نازحين من قرى غرب بعلبك والعرقوب والجنوب اللبناني يقيمون في مركز إيواء جب جنين، وهو واحد من أصل 50 مركزا توزعوا على مدارس رسمية وقاعات كنائس في قرى راشيا والبقاع الغربي، ويعيشون الظروف ذاتها على أبواب الشتاء.
وتقول عليا حسن المولى النازحة من بلدة وطى الخيام -للجزيرة نت- إنهم يفتقرون إلى كل تجهيزات الشتاء، خاصة ثيابا تقيهم الصقيع ووسائل تدفئة ومياه ساخنة. وأردفت "كما ترون أقوم بتسخين المياه كي أتمكن من غسل ثياب أطفالي في وعاء كبير، حالتنا بائسة جدا".
أما صلاح عبد الله النمر النازح من منطقة الوزاني، فأوضح أن انعدام وسائل مواجهة الشتاء في مركز جب جنين لا ينسحب على باقي الخدمات فيه. وأضاف -للجزيرة نت- أن المشرفين على المركز من إدارة الثانوية وممثلي الهيئات الاجتماعية والأهلية والصحية، ومنذ وصولهم قبل شهر تقريبا، يوفرون لهم الحاجيات الأساسية من مواد غذائية وفرش وبطانيات، "مع تسجيل نقص بمواد التنظيف والتعقيم".
ومتطلبات مواجهة فصل الشتاء ليست تفصيلا صغيرا عند الحديث عن عشرات مراكز الإيواء، والتي هي عبارة عن مبانٍ ضخمة تتألف -بمعظمها- من طوابق عدة هي في الأساس أبنية مدرسية مجهزة لخدمة الطلاب نهارا. فما الحلول المنتظرة على هذا الصعيد؟
يقول رئيس المركز ومدير ثانوية جب جنين الرسمية محمود فرحات إنهم يسعون -مع الإدارات الرسمية المعنية- لتوفير مادة المازوت لسخان الثانوية لحل مشكلة التدفئة والمياه الساخنة قبيل استفحال فصل الشتاء، "فموجات البرد ليلا في هذه الأيام لا تحتمل ولا يمكن للنساء والأطفال وكبار السن تحملها".
وفي تصريحه للجزيرة نت، أوضح أنهم تلقوا وعودا من جهات رسمية وأهلية عدة لمعالجة هذه المشكلة الحساسة. حيث وعدت وزارة التربية بالسعي لتوفير المحروقات، كما زارهم وفد من مجلس الجنوب، وأجرى دراسة ميدانية واعدا بالحل، كما أجرت مؤسسات "الغد الأفضل" كشفا على المبنى وحاجياته ووعدت بتأمينها.
ويعتقد فرحات أن المشكلة في طريقها إلى الحل قريبا "لا سيما، وأن الجهات المذكورة بادرت -ولا زالت- إلى تقديم مساعدات متنوعة مرتبطة بالحاجيات اليومية للنازحين في هذا المركز والمراكز الأخرى".
ولفت المسؤول فرحات إلى تلقيهم وعودا من جمعيات أهلية ودولية بمعالجة النقص الكبير في مستلزمات الشتاء من ثياب للأطفال وكبار السن، وأوضح أنهم يعانون من نقص مواد ضرورية خاصة المتعلقة بالنظافة، مما دفعهم إلى ترشيد استخدام المتوفر منها في الغرف والمساحات المشتركة في البناء حرصا على صحة النازحين وسلامتهم، آملا أن "تعالج هذه المشكلة قريبا".
وأشاد بالدور الإيجابي الذي تقوم به جمعيات الصليب الأحمر الدولي، والرؤية العالمة، وسوا، وكفى، وإنقاذ الطفل، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وغيرها من جمعيات محلية، لدعم صمود النازحين، من خلال تنظيم حفلات ترفيهية وألعاب وأنشطة "تخفف عن الأطفال بعضا من عبء النزوح في إقامتهم الجبرية، على أمل أن تكون عودتهم إلى منازلهم وقراهم قريبة جدا".
تعتبر بلدة جب جنين، الواقعة عند سفح جبل عربي الملاصق لجبل الشيخ، من المناطق الباردة جدا خلال فصل الشتاء، إذ يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 950 مترا في وسطها و1200 متر في بعض أحيائها الجبلية، مما يعني أن موقعها شديد البرودة شتاء مثل مواقع مراكز الإيواء في قضاء راشيا وبعض قرى البقاعين الأوسط والغربي.
وتقول مريم النمر وهي نازحة من منطقة الخيام "لا يمكن لأطفالنا مواجهة برودة الطقس هنا، وأطالب -مع النازحين في هذا المركز- بتحرك سريع لأن الوضع لم يعد يطاق خاصة فترات الليل".
وأضافت في حديثها للجزيرة نت "أناشد الدولة اللبنانية والصليب الأحمر الدولي لمساعدتنا لإخراج مقتنياتنا من منازلنا في سهل الخيام ووطى الخيام في الجنوب، فنحن خرجنا بثيابنا التي نلبسها فقط، وتركنا كل شيء خلفنا، نريد أخذ مستلزمات كثيرة من لباس شتوي، وأغطية، وفرش وغيرها، وبذلك نزيح عبئا عن كاهل الدولة والجمعيات المعنية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مرکز إیواء للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
لويزا الألمانية.. تروي للجزيرة نت كيف أسلمت ورابطت في المسجد الأقصى
عندما بدأت التسجيل مع لويزا لورانزن وجدت فيها حماسة للتعبير عن رحلتها إلى الإسلام والرباط بالمسجد الأقصى، وانطلاقا نحو سرد تفاصيل دقيقة شكّلت انعطافات كبيرة في مسيرات حياتها المهنية والأكاديمية والدينية، وتدفقت العبارات لتروي للجزيرة نت تفاصيل هذه الرحلة.
فتقول لويزا عن نفسها: "عندما بلغت 20 عاما من عمري لم أكن أعرف عن الإسلام شيئا، ولم ألتق مسلما من قبل، حتى المنطقة التي أسكنها والأسرة الكبيرة التي أنتمي إليها لم يكن فيها مسلم واحد، واستمر ذلك حتى انتقلت لمتابعة دراستي في مدريد بإسبانيا".
ولويزا نشأت في فرانكفورت بألمانيا لأب أسترالي وأم ألمانية، وهي باحثة في السلام والصراعات الدولية، وكان موضوع أطروحتها لنيل درجة الماجستير عن المرابطات في المسجد الأقصى، وأنشأت مع زوجها براء أبو الخير مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
وبراء أيضا وُلد في ألمانيا أيضا، ولأبوين فلسطينيين، ويعمل في مجال الهندسة الصناعية والطاقة المتجددة وحماية المناخ.
إسلام لويزا
شكّل وصول لويزا إلى إسبانيا نقطة تحول عظيمة في حياتها كلها، إذ للمرة الأولى تلتقي مسلمين عن قرب وتتعامل معهم، وكان تطوعها في منظمة إنسانية المدخل الأول الذي جعلها تعيد حساباتها، ولم يستغرق الأمر طويلا لاتخاذ قرار بأن الإسلام هو الطريق الصحيح الذي ينبغي السير فيه.
إعلاناستمرت لويزا في إسبانيا عامين، بدأت فيها دراسة العلوم السياسية، وركزت دراستها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المفارقة أن فلسطين لم تكن موضوعا رئيسيا في دراستها آنذاك، ولم تكن تعرف الكثير عنها، حتى عندما يرد ذكرها في الدراسات الجامعية لديها تكون وجهة النظر أحادية.
ويشاء الله تعالى أن تصبح فلسطين محور دراستها في الماجستير والأبحاث الأخرى التي توالت بعد إسلامها، فتروي لويزا أنه رغم عدم معرفتها بأي فلسطيني عن قرب قبل إسلامها، فإنها شعرت برابطة الإسلام التي تجمعها مع المسجد الأقصى، وتحديدا عندما بدأت التعرف على الفلسطينيين.
بين إسطنبول والمدينةوتجسد هذا التعارف في زوجها براء وعائلته الفلسطينية، فأجداده من الذين عاشوا ويلات نكبة عام 1948، ووالداه ولدا مباشرة بعد النكبة في مخيم للاجئين الفلسطينيين، وهذا التعارف شكّل الباب الواسع الذي قدم مادة علمية أمام لويزا لكتابة أوراق بحثية عن القضية الفلسطينية على نحو يغاير انحياز الدراسات الألمانية تجاه الرواية الإسرائيلية.
وربما لعبت الصدفة دورا في تعرف لويزا على هذه الأسرة الفلسطينية، ففي مطار إسطنبول قابلت لويزا فتاة ألمانية من أصل فلسطيني أثناء توجهها إلى أداء مناسك العمرة، ولم يدم اللقاء كثيرا وذهبت كل واحدة في طريقها.
وفي اليوم الأخير من العمرة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة قابلت لويزا الفتاة الفلسطينية نفسها، ولكن اللقاء هذه المرة امتد لوقت أطول، وتعمقت المعرفة وأخذت أبعادا أخرى للدرجة التي رشحتها الفتاة إلى أخيها، وسرعان ما تمت الخطبة.
زواج لويزا من براء لم يكن لقاء بين شخصين مجردين أو أسرتين مختلفتين، لكنه انفتاح على قضية ستشكل محور دراساتها واهتماماتها، وستضع في طريق معرفتها كتبا أخرى وسردية جديدة للصراع غير تلك السائدة في المدارس والجامعات الألمانية، والتي بالطبع تكون منحازة للمنظور الإسرائيلي.
إعلان
المرابطات بالقدس
تقول لويزا "المرة الأولى التي حظينا فيها بفرصة زيارة فلسطين والمسجد الأقصى كانت في رمضان (2023)، أي قبل نحو نصف عام من بدء الحرب والإبادة الجماعية على قطاع غزة، وكانت هذه لحظة تحول في رأيي، سواء في حياتي الشخصية أو في حياتي المهنية أو الأكاديمية، حيث تعرفت على أحد أكثر الشعوب صمودًا، وهم المرابطات في القدس".
وتروي الباحثة الألمانية ما وقفت عليه بنفسها: "هؤلاء النساء ممنوعات من دخول المسجد الأقصى منذ أكثر من عقد، وتصدر ضدهن أحكام من المحاكم العسكرية تمنعهن من دخول المسجد الأقصى. والآن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصبح ذلك صعبًا للغاية عليهن ويكاد يكون مستحيلًا، ولكنهن ما زلن يمارسن مطالبهن بالتجمع عند أقرب نقطة يستطعن الوصول إليها قرب المسجد الأقصى".
ومن المفارقات التي وقفت عليها لويزا أن أغلب هؤلاء المرابطات يعشن في البلدة القديمة بالقدس، ومع ذلك يُمنعن من دخول المسجد الأقصى، "فكن يجتمعن عند البوابات الأقرب للمسجد ويصلين هناك ويفطرن ويتحدثن مع الناس".
كان التحدي الكبير أمام لويزا يتمثل في نقل القصص الإنسانية التي سمعتها في فلسطين إلى المشهد الأكاديمي الألماني، خاصة أن الأوساط الجامعية في ألمانيا لم تكن ترحب بدارسة يكون موضوعها "المرابطات في المسجد الأقصى"، ليس فقط بين الأساتذة، بل بين الطلاب أنفسهم.
نظرة لويزا للمرابطات تغيرت إلى حد ما بعد مشاركتها في الأنشطة التي يقمن بها، ونظرت إلى الرباط في رحاب المسجد الأقصى بوصفه "فعلا مقاوما" للاحتلال تقوم به ناشطات فلسطينيات، وكنوع من الإلهام الذي يغير مجرى دراساتها.
وهذا تحديدا ما دفعها إلى اختيار موضوع أطروحتها للماجستير ليكون حول ممارسات المرابطات اليومية، وكيف يقمن بأنشطتهن، وكيف يتكيفن مع القمع الذي يتعرضن له تحت الاحتلال الإسرائيلي، فهن يتعرضن للضرب والسجن باستمرار.
إعلانوتروي لويزا على لسان إحدى المرابطات أنها تخرج كل يوم من منزلها وهي تتوقع 3 سيناريوهات: إما أن تتعرض للضرب من قبل الجنود الإسرائيليين، أو يتم سجنها، أو تصبح شهيدة.
شهادة ألمانية
بعد عودة لويزا وزوجها براء من فلسطين، مارس الاحتلال الإسرائيلي "إبادة جماعية" على الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفجّر ذلك تعاطفا كبيرا من الأصوات الناقدة للسياسة الألمانية، لكن هذه الأصوات تم قمعها وبعنف من قبل الشرطة، خاصة المظاهرات التي جابت شوارع برلين.
وتقول لويزا وزوجها براء إن الأمر امتد إلى أن كثيرا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية فقدوا وظائفهم وأعمالهم لمحاولتهم التعبير عن الإحباط والغضب من سلوك الحكومة الداعم للعدوان الإسرائيلي مما ولّد إحباطا عاما، لكنهم لم يتوقفوا عن الأنشطة التي تشرح قضيتهم حتى تغير المشهد الشعبي العام في ألمانيا.
ويقول براء أبو الخير إن ما بعد معركة السابع من أكتوبر غيّر الكثير من المسلمات التي كانت سائدة في ألمانيا، وعلى رأسها احترام القانون الدولي، بوصفه قوة لا يمكن تحديها أو تجاوزها، لكن ما تعلموه لاحقا أن هذه القدسية لها شروط ولا يتم تطبيقها على الجميع.
ويضرب أبو الخير مثلا بالأبرياء من أطفال غزة الذين يستمر قتلهم، والمزيد من المستشفيات والمدارس التي تدمر، لأن ألمانيا تحديدا تطبق القانون الدولي فقط "إذا لم تكن الضحية دولة أوروبية، أو لم تكن الضحية شخصًا أبيض، فإننا نتحدث عن قواعد مختلفة لا تنطبق على الفلسطينيين على الإطلاق أو على شعوب الجنوب العالمي".
وأشار أبو الخير ولويزا إلى أنهما أسسا معا مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن السردية الفلسطينية، وعرض حقائق القضية باللغة الألمانية، وأنها تجد تجاوبا كبيرا من المجتمع الألماني الذي يحدث فيه تغيير إيجابي حاليا حتى في الساحة الأكاديمية، واستمرار المظاهرات في الشوارع الألمانية تعكس هذه المتغيرات، رغم التضييق الحكومي حتى الآن.
إعلان