الضربة الإسرائيلية لإيران قد تكون مقدمة لما هو أخطر
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
بعد عقود من الحرب الخفية بينهما، نفذت إسرائيل في الساعات الأولى من صباح 26 أكتوبر (تشرين الأول) أول هجوم على إيران.
الخطر يتمثل في أن هذا الهجوم لم يكن سوى مقدمة لهجوم أكثر خطورة يليه.
أطلقت عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية التي قطعت 1300 كيلومتر من قواعدها، صواريخ على منشآت للدفاع الجوي، ومصانع صواريخ، في ثلاث محافظات إيرانية، من ضمنها ضواحي العاصمة طهران.وكتبت مجلة "إيكونوميست" أن من المؤشرات على الارتفاع الكبير في مستويات التوتر في الشرق الأوسط، أن الأهداف التي اختارتها إسرائيل والتي كانت عسكرية بحتة، كانت حسب التصورات من بين الخيارات الأكثر محدودية. فمنذ أن أطلقت إيران 181 صاروخاً باليستياً ضد إسرائيل في 1 أكتوبر(تشرين الأول)، كان المسؤولون المقربون من بنيامين نتانياهو يتحدثون عن وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي القائلة إن "فرصة تاريخية" أتيحت لتوجيه ضربة استراتيجية إلى إيران.
مفتاح الفهم
ولكن بدل كل ذلك، ضربت إسرائيل بشكل رئيسي رادارات الدفاع الجوي روسية الصنع من طراز إس-300، وقاذفات الصواريخ الإيرانية، متجنبة مواقعها النووية. ولم يدمر الإسرائيليون أهدافاً اقتصادية حيوية مثل محطات تصدير النفط، ما يشير إلى أن إسرائيل، للمرة الأولى، تأخذ في الاعتبار ضغوط حليفتها الأمريكية. وقد يشير أيضاً إلى أن إسرائيل تعد الأرض لضربة لاحقة أكثر تدميراً.
It is a measure of the sky-high levels of tension in the Middle East that the targets chosen by Israel, which were purely military, were perceived to be among the more limited of its options https://t.co/6UmEHegltn ????
— The Economist (@TheEconomist) October 26, 2024إن المفتاح لفهم قرار إسرائيل هو التقويم السياسي الأمريكي. فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كان أمام إسرائيل خيار الرد على أهداف عسكرية، بمباركة أمريكية ضمنية، أو تحدي تحذيرات الرئيس جو بايدن الصريحة بتجنب مهاجمة المنشآت النووية أو مصادر الطاقة عشية التصويت. أمكن للخيار الأخير أن يعرض التعاون في المستقبل مع إدارة ديمقراطية للخطر، إذا فازت كامالا هاريس في 5 نوفمبر (تشرين الثاني). وإذا فاز دونالد ترامب الذي أعرب بالفعل عن دعمه لضربة إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني، فهناك دائما فرصة لضربات مقبلة.
فاعلية الضربات حتى الآن لا يوجد سوى القليل من الأدلة للتأكد وفق المجلة نفسها. يزعم الضباط الإسرائيليون أنهم دمروا معظم قدرات الدفاع الجوي الإيرانية المتقدمة، ونتيجة لذلك، يمكن لقواتهم الجوية العمل بحرية في المجال الجوي الإيراني. إذا كان هذا صحيحاً فإنه يعني أن الضربة الإسرائيلية في المستقبل قد تكون أكثر شمولاً. ووفق مصادر أمنية إسرائيلية، فإن معظم الأهداف هذه المرة أصيبت بصواريخ باليستية تطلق من الجو من طائرات بعيدة عن مدى دفاعات إيران.إن مخزون إسرائيل من الصواريخ الباليستية محدود، وستتطلب حملة ضربات جوية أكثر كثافة ضد إيران عدداً كبيراً من المقاتلات النفاثة التي تستخدم ذخائر على مدى أقصر. وإذا كانت مزاعم إسرائيل عن هذه الضربة صحيحة، فهذا ممكن الآن. سيستغرق الأمر أشهراً قبل أن تتمكن إيران من إعادة بناء دفاعاتها الجوية، خاصة عندما يحتاج موردوها الروس إلى بطارياتهم لحربهم ضد أوكرانيا. ضربة ثالثة؟ لا تزال إيران تملك أعداداً كبيرة من الصواريخ، والطائرات دون طيار ويمكنها شن ضربة ثالثة لإسرائيل. لكن لا يرجح أن تتسرع في مثل هذه الخطوة. لن يؤدي ذلك إلى خطر استفزاز ضربة مضادة إسرائيلية أكثر ضرراً وحسب، بل إن قادة إيران يراقبون أيضاً الانتخابات الأمريكية بعناية، والقلق الأكبر لدى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، هو على استقرار نظامه. إن أي مسار للعمل، مهاجمة إسرائيل مرة أخرى أو الامتناع عن إطلاق النار، يحمل خطراً. للمرة الأولى منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن العشرين، شهد سكان طهران تعرض مدينتهم لهجوم عسكري. وسيعتبر غياب الرد علامة على الضعف.
لكن الرد قد يجلب عواقب وخيمة. ربما دمرت إسرائيل أحد أهم دفاعات إيران في هذه الضربة، أي بطاريات إس-300، وقلصت بشكل كبير الحماية التي توفرها ترسانة الصواريخ التي زودت بها إيران حزب الله، الميليشيا الشيعية في لبنان، باعتبارها تهديداً لإسرائيل. ودمرت معظم الصواريخ الإيرانية الموجهة بدقة في الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة للبنان.
في الوقت الحالي على الأقل، تسعى إيران إلى تقليل أهمية الضربة الإسرائيلية، ووصفت وكالة أنبائها شبه الرسمية تسنيم مزاعم إسرائيل بـ "أكاذيب كاملة" وقالت إن "ضرراً محدوداً" لحق بها. ومن المؤكد أن طهران ستنتظر الوقت المناسب قبل أن تقرر إذا كانت سترد وكيف. نتانياهو ليس بمنأى ثمة تداعيات محلية على نتانياهو أيضاً. بعد أن عزز التوقعات، بدأ خصومه السياسيون بالفعل في لومه على إهدار الفرصة. فقبل الضربة حث نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق والمنافس اليميني المقبل، الحكومة على "تدمير البرنامج النووي الإيراني". وقال يائير لابيد، زعيم المعارضة الوسطي إن "قرار تجنب مهاجمة الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، كان خاطئاً". هذه المرة اختار نتانياهو الصبر الاستراتيجي، على الأقل في الوقت الحالي.
لكن إذا كان مستعداً لدفع ثمن سياسي لاختيار مسار عمل أكثر تحفظاً ضد إيران، فهذا يعني على الأرجح أنه على الجبهات الأخرى التي تخوض فيها إسرائيل حرباً، أي غزة ولبنان ، سيكون أقل تقبلاً للضغوط لوقف إطلاق النار. يضاف إلى ذلك ضغوط حلفائه اليمينيين المتطرفين الذين يملكون القوة للإطاحة بحكومته خلال الدورة القادمة للكنيست والتي تبدأ في 27 أكتوبر(تشرين الأول)، ويبدو أن أي نوع من وقف الحروب الإسرائيلية الأخرى أقل احتمالاً. الخطر يبدو أن طبيعة هذه الضربة لإيران تُظهر أنه عندما تهتم أمريكا بالضغوط الجدية، لا يزال بإمكانها تشكيل السياسة الإسرائيلية. صعدت إسرائيل القتال في غزة ولبنان مراراً وتكراراً هذا العام، في تحدٍ لمناشدات إدارة بايدن. ولكنها هذه المرة تصرفت بتنسيق كامل، وتجنبت حتى الآن خطوة كان يمكن أن تتسبب في اندلاع حرب إقليمية وارتفاع أسعار الطاقة العالمية. ومع ذلك، ووفق إيكونوميست، فإن الخطر يتمثل في أن هذا الهجوم لم يكن سوى مقدمة لهجوم أكثر خطورة يليه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل إذا کان
إقرأ أيضاً:
سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و»إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية