سواليف:
2025-02-22@20:45:18 GMT

الأم و الوحش

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

سعيد ذياب سليم

تحت جلد الإنسان يكمن جانب مظلم، قد يظهر فجأة، وهو جانب لا تستطيع الإنسانية التحكم به. تناولت العديد من الروايات الأدبية هذا الجانب من الطبيعة البشرية، بدءاً من “فرانكشتاين” لـ “ماري شيلي” وصولاً إلى “الطفل الخامس” لـ “دوريس ليسينج”.

في لندن الستينات، كان “هارييت” و”ديفيد” يبتعدان عن التحرر والفوضى التي ميّزت جيلهما، يعيشان بانسجام في عالمهما الخاص، رافضين المغامرات العاطفية العابرة.

في إحدى الحفلات، جمعتهما نظرات مليئة بالتفاهم والانفصال عن المحيط، مما وحّد رؤيتهما لبناء عائلة تقليدية، شعارها السعادة والحب.

اشتروا بيتًا قديمًا كبيرًا، رغم صعوبة الظروف المالية، وساعدتهما عائلة “ديفيد” في تحمل الرهن العقاري. لكن مع كل ولادة جديدة، كانت الضغوط تتزايد. “لوك” ثم “هيلين” تبعتهما “جين” و”بول”، وكلما زاد عدد الأطفال، ظهرت علامات الإنهاك على “هارييت”. بدأت الشكوك تتسلل، وزادت الخلافات بينها وبين والدتها “دوروثي” حول قصر الفترات بين الولادات.
تعرضت “هارييت” لصدمة عندما أنجبت أختها “سارة” طفلتها “آمي” التي كانت تعاني من متلازمة داون. أثار هذا الحدث قلقًا متزايدًا في نفسها.

مقالات ذات صلة نظرة للغد بعين الأمل 2024/10/26

عندما حملت بطفلها الخامس، كانت حركات الجنين عنيفة وغير طبيعية، مما أثار في نفسها أفكارًا مظلمة. في ليالٍ كثيرة، كانت تستيقظ فزعة من نومها، تشعر بأن الجنين في داخلها كأنه وحش يريد أن يمزق بطنها للخروج. كانت تتحدث لنفسها في الظلام، وكان القلق يتزايد في وجه “ديفيد” الذي حاول دعمها رغم تزايد مخاوفها.

عندما جاءت لحظة الولادة، كان الطفل مختلفًا. حجمه الكبير ولون بشرته الغريب كانا كافيين ليثيرا الذعر في قلب “هارييت”. لم ترَ فيه رضيعًا، بل وحشًا صغيرًا، نعتته بالغول، كان “بن” يرضع بشراهة، يعض بعنف، مما جعلها تتألم في صمت.

مع مرور الوقت، أصبح “بن” مصدر قلق متزايد. قوته غير طبيعية، وصراخه أشبه بزئير حيوان بري. كانت “هارييت” تتساءل إن كان قرارها بالاستمرار في إنجاب الأطفال قد جرّها نحو مصير لم تكن مستعدة له. تساءلت عن مسؤوليتها في إنجاب هذا “الوحش” أو إن كان السبب هو الماضي الجيني للعائلة.
حاولت “هارييت” دمج “بن” بين إخوته، لكن وجوده أثار القلق بينهم. في إجازة الصيف، حاولت العائلة الاقتراب منه، لكنهم تراجعوا بعد أن وصفه أحدهم بالجني. كان “بول” الوحيد الذي حاول لمسه، لكنه أصيب عندما أمسك “بن” بذراعه بعنف. منذ ذلك الحين، تعلم الأطفال تجنبه.

لم يحبو “بن”، بل وقف فجأة وزأر ثم سار مترنحًا بين حطام ألعابه. في أحد الأيام، وجدته “هارييت” على حافة نافذة، فسارعت لإنقاذه، واضطرت العائلة لوضع قضبان حماية على النافذة.

خلال إحدى الإجازات، مات كلب بطريقة غامضة، مما أثار الشك حول “بن”. بعد فترة، مات قط بنفس الطريقة، وتناقص زوار البيت، وتركَت “أليس” عملها التي كانت تساعد في أعمال البيت.
شعرت “هارييت” أن “ديفيد” والآخرين يحملونها مسؤولية إنجاب هذا الطفل الغريب. تساءلت بمرارة إن كانوا يعاملونها كما عوملت النساء اللواتي أنجبن كائنات غريبة في الماضي.

بعد حادثة هروب “بن” إلى الشوارع، تم إغلاق غرفته بقضبان حديدية.
اقترحت “دوروثي” أن تبقى مع “بن” لمدة أسبوع بينما تسافر العائلة في إجازة إلى فرنسا. شعرت “هارييت” أن عائلتها استعادت توازنها، وعاشوا جميعًا فترة من السعادة والهدوء. لكن عند عودتهم، لاحظوا جروحًا على ذراع “دوروثي” ووجهها. طلبت منهم أن يصغوا إليها: “يجب عليكم مواجهة الأمر ووضعه في مصحة ما.” أجابت “هارييت”: “لكنه طبيعي، هذا ما قاله الطبيب.” إلا أن “دوروثي” ردت بحزم: “ربما هو طبيعي بالنسبة له، لكنه ليس طبيعيًا بالنسبة لنا.
تتضح النظرات المتباينة تجاه بن مقارنة ببقية الأطفال، خاصةً “آمي” التي تعاني من متلازمة داون. على الرغم من اختلاف “آمي”، إلا أن العائلة تتقبلها بحنان وحرص، محيطين إياها برعاية خاصة وحماية، بينما يبقى “بن” منبوذًا وغريبًا في نظرهم. ينظر إليه والداه، “ديفيد” و “هارييت”، وكأنه عبء يهدد استقرار الأسرة، مما يدفعهما وأفراد العائلة الكبيرة إلى الاتفاق على وضعه في مصحة، لاعتقادهم أن وجوده يُعرض العائلة للخطر. في لحظة مواجهة حاسمة، يوضح لوك لإخوته أن بن سيأخذ بعيدًا لأنه “ليس منا”، مشيرًا بذلك إلى الانفصال العاطفي التام عن “بن”.
عزيزي القارئ تشير الحكاية إلى المواجهة المستمرة حول “الطبيعي” و”غير الطبيعي” في سياق عائلي ومجتمعي، وهو ما يعكس بدوره السؤال الأكبر حول تقبل الآخر المختلف.
عادت الأسرة بغياب “بن” إلى وضع طبيعي، شعر الأطفال بالسعادة والاستقرار، فقد غابت عنهم أسباب الرعب، صرت تسمع ضحكات الأطفال وحركتهم التي لا تحمل هما.
لم يغادر “هارييت” الندم ولم تكف عن لوم نفسها، فقررت أن تذهب لزيارته رغم رفض “ديفيد” وغضبه.
بعد رحلة طويلة تحت جو رمادي ماطر، وصلت المصحة، وبدت بناء أسودا كئيبا تنقبض لرؤياه النفس، دخلته ورأت فيه على الأسرة كائنات غريبة الأشكال ، أعضاؤها غير متناسقة، تنظر في الفراغ، وسط روائح المعقمات، وفي جناح “بن” كانت روائح البراز و البول تملأ المكان، جادلت المشرفين على الصالة حتى أعادت “بن” إلى البيت.
وسط استنكار “ديفيد” و ذهول الأطفال، أعادت “بن” إلى حجرته.
لماذا غاب عن أفراد الأسرة، أن الإنسان عندما خرج منتصبا من الغابة، حمل معه بعض صفات أسلافه؟ وأن كلا منا يحمل صندوقا أشبه بصدوق “بالدورا” ، فلا غرابة أن أسدلت ستائر النوافذ في بعض البيوت لعلها تخفي أسرارها.
بدأ “بن” يحاول الاندماج في محيطهم الاجتماعي. جلس معهم على المائدة، وراقب التلفاز، لكن عينه كانت تحمل نظرة اتهام تجاه والده. كانت أمه تهدده بإعادته إلى المصحة إن أخطأ، لكنه بقي يتأقلم، إلى أن التقى بـ”جون” وزمرته.

رأى “بن” فيهم مجتمعًا جديدًا يناسبه. تبعهم، وعاش معهم حياة الشوارع والمقاهي. كانت قسوته وقوتهم تعكس غرائزه البدائية، لكنهم، على الرغم من سخريتهم منه، قدموا له نوعًا من الرفقة.
التحق “بن” بالمدرسة المحلية، حيث كانت والدته تأخذه صباحًا، ويعيده “جون” بعد الدوام. لكن الثمن كان فادحًا: تحطم حلم “هارييت” وتفرقت أسرتها. “لوك” و “هلين” في مدارس داخلية، “جين” مع جدتها، و”بول” تحت إشراف طبيب نفسي. وكانت الفجوة بينها وبين “ديفيد” تتسع.

شعرت “هارييت” بالذنب دائمًا، تسأل هل كان “بن” لعنة أم عقابًا إلهيًا؟
كان في نظر الأطباء طفلا حول المعدلات الطبيعية و اتهموها أنها لم تكن تحبه. رأت فيه معلمته طفلا بطيء التعلم رغم ما يبذل من جهد.
فيما بعد، وجد “بن” نفسه وحيدًا عندما غادر “جون” و أصدقاؤه المدينة، متجولًا في الشوارع، ومنعزلًا في ظلام العلية.
اجتمع حوله في المدرسة الثانوية زمرة من زملائه، يأتي بهم إلى البيت، يغزون المطبخ ويلتهمون ما يجدونه من طعام. رأتهم “هارييت” أغبياء، لا يهتمون بالآداب الاجتماعية، يجيبون بوقاحة، لكنهم يلتفون حول “بن”. هل سيطر عليهم كما سيطر على نوبات غضبه؟ هل أصبح قائد هذه العصابة؟ بالنسبة لـ”هارييت”، ظل “بن” أشبه بإنسان الكهف، بقايا إنسان “النياندرثال”.

يغيبون لأيام ثم يعودون بالطعام، وجيوبهم ممتلئة بالنقود. تتوالى الأخبار عن سرقات واعتداءات، تتساءل “هارييت” إن كان لـ”بن” دور في ذلك، وتتأمل مستقبله الغامض.

عزم “ديفيد” و “هارييت” اللذين يبدوان أكبر من عمريهما الآن على بيع البيت، إذ لم يبقَ يسكنه سوى شظايا حلمها الذي انهار بوجود “بن” طفلها المختلف.
هنا انتهت رواية “الطفل الخامس” التي نشرت سنة 1988 لكن الكاتبة عادت لتروي لنا ماذا حدث لـ”بن” في روايتها التي نشرت سنة2000 “بن في العالم” وتلك حكاية أخرى.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: إن کان

إقرأ أيضاً:

خبير استراتيجي: واشنطن لو كانت تعلم مكان الأسرى لأنهت الحرب من بدايتها

كتب- حسن مرسي:

أكد اللواء الدكتور خالد ربيع، الخبير والمحليل الاستراتيجي، أن دخول مصر في حرب مع إسرائيل ليس أمرًا سهلًا، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعتمد في سياستها على الحروب والاستيطان والاستيلاء على الأراضي بالقوة.

وأوضح ربيع خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "نظرة" على قناة "صدى البلد" أن إسرائيل تحصل على أسلحة أمريكية بقيمة 7 مليارات دولار، ولكنها ليست في وضع يسمح لها بدخول حرب جديدة بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها في حرب غزة الأخيرة.

وأشار ربيع إلى أن إسرائيل خسرت خسائر كبيرة في مواجهة عناصر المقاومة من حركة حماس، خاصة في ما يتعلق بالدبابات "ميركافا"، بينما خسرت حماس حوالي 60% من قوتها البشرية.

وأضاف أن حركات المقاومة الإسلامية لديها خبرة كبيرة في التخفي والاختباء في الأنفاق، مؤكدًا أن إسرائيل وواشنطن لو كانت تعلم مكان الأسرى لكانت أنهت هذا الملف منذ فترة طويلة.

وتطرق الخبير الاستراتيجي إلى أنفاق غزة التي تتعدى مساحتها 450 مترًا مربعًا، ووصفها بأنها تشبه جحور الأرانب بدون مداخل أو مخارج محددة.

وأشار إلى أن المقاومة لم تستخدم الشبكات اللاسلكية حتى لا يتم كشف أمرها، مشيرًا إلى أن اغتيال حسن نصر الله تم باستخدام قنابل من نوع "إم كيه 84" التي أرسلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل، والتي يصل مداها إلى 350 مترًا وتُعرف باسم "أم القنابل".

واختتم ربيع حديثه بالإشارة إلى أن حماس تعتمد على خطط "الذئاب المنفردة"، والتي تتمحور حول تنفيذ عمليات عسكرية بعدد قليل من الجنود لإحداث خسائر أكبر في صفوف العدو.

اقرأ أيضًا:

7000 جنيه شهريًا.. ضوابط تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص -خاص

رئيس الوزراء: مشروعات تطوير الأهرامات ستجعلها أكثر جذبًا للسائحين

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

اللواء الدكتور خالد ربيع مصر إسرائيل واشنطن الإعلامي حمدي رزق حماس ترامب أنفاق غزة

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة نشرة التوك شو| ترامب يهين زيلينسكي.. ومفاجأة بشأن الملابس المستعملة المستوردة أخبار أحمد موسى: ترامب أهان زيلينسكي وطالب أوكرانيا بـ 350 مليار دولار أخبار إعمار غزة وتوفير السلع والطاقة.. أبرز تصريحات مدبولي في المؤتمر الأسبوعي أخبار عبدالمنعم سعيد: من مصلحة المنطقة أن تنزوي حماس عن المشهد في الوقت الراهن أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

خبير استراتيجي: واشنطن لو كانت تعلم مكان الأسرى لأنهت الحرب من بدايتها

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك برودة شديدة واضطراب الملاحة.. تنويه عاجل من الأرصاد بشأن حالة طقس الجمعة بالفيديو.. انفجار هائل يضرب موقف حافلات في تل أبيب بعد 6 أشهر من نشر تحقيق مصراوي "الفخ الروسي".. مصريون في الأسر الأوكراني يستغيثون المركزي يبقي على سعر الفائدة دون تغيير للمرة السابعة للإعلان كامل للإعلان كامل 19

القاهرة - مصر

19 13 الرطوبة: 46% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • إلهام أبو الفتح تكتب: رمضان كريم
  • ديفيد هيرست: ترامب تخلى عن أوروبا ويجب عليها أن تتخلى عن استرضاء إسرائيل‏
  • هل كانت 5G مزحة…لا شيء تغير بعد ثلاثة أشهر على إعلان الحكومة قرب إطلاق الخدمة
  • نائب ترامب: لولا الكرم الأميركي ما كانت أوكرانيا موجودة
  • تأثير صراخ الأم والأب على شخصية الطفل.. وهذه طرق العلاج
  • "يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال
  • ديسمبر كانت ثورة للغباء السياسي وسيادة روح القطيع.. لا نريد تكرار التجربة
  • خبير استراتيجي: واشنطن لو كانت تعلم مكان الأسرى لأنهت الحرب من بدايتها
  • العائلة كانت تخطط لنظام حكم متوارث، يكون فيه القوني ولي العهد رقم أربعة، حاكما جنجويدياً متسلطاً
  • هنا الزاهد عن طلاقها من أحمد فهمي: كانت فترة كاشفة لمن حولي