كتبت مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين:

"كثر الكلام عن حرب الحضارات، لست متأكّداً من أنّ زرع البربرية هو دفاع عن الحضارة ". بهذه الكلمات ردّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإحدى محطات التلفزيون الفرنسيّ إنّ حربه في غزة ولبنان تمثل الدفاع عن الحضارة اليهودية المسيحية.

كلام ماكرون ورد في المؤتمر الناجح الذي نظّمه في باريس لدعم لبنان، حيث أدّت جهوده الشخصية إلى مشاركة  ٧٠ دولة و١٥ منظّمة عالمية جمعت أكثر من مليار دولار لمساعدة لبنان.

هذا الاستياء الفرنسي، على أعلى مستوى، من نتنياهو يعكس خيبة أمل فرنسا التي باتت مقتنعة أنّ نتنياهو وزمرته غير عازمين على وقف إطلاق النار، لا في غزة ولا في لبنان، وأنّ نتنياهو ينتظر ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني لاتّخاذ قرار،  بحسب ما يكون عليه موقف الإدارة الأميركية الجديدة، أيّاً كانت.

النظرة الفرنسية السائدة هي أنّ الإدارة الأميركية الحالية مهتمة بالحملة الانتخابية، وموقفها ممّا يحصل في لبنان عبّر عنه الناطق الرسميّ باسم الخارجية عندما برّر الهجوم الإسرائيلي على لبنان بقوله إنّ أعمال "حزب الله" خطيرة ويجب إنهاؤها، على الرغم من أنّ الرئيس جو بايدن كان وافق على خطة لوقف إطلاق النار لـ21 يوماً مع نظيره الفرنسيّ.

وتعتقد الإدارة الأميركية، مثل عدد من الدول العربية، أنّ الحرب الإسرائيلية في لبنان مفيدة لأنّها ستخلّص لبنان من "حزب الله"، لكنّ الرئيس الفرنسي لم يكتفِ خلال مؤتمر الدعم بانتقاد نتنياهو وحده، بل وجّه انتقاده إلى طرفَي الحرب قائلاً: "أتأسّف بمرارة لدفع إيران "حزب الله" إلى حرب مع إسرائيل في حين أنّ مصلحة لبنان كانت في أن يبقى لبنان على الحياد في حرب غزة،  وأتأسّف لاستمرار عمليات إسرائيل العسكرية في لبنان وازدياد عدد الضحايا المدنيين، وهناك ضرورة لوقف "حزب الله" هجماته على إسرائيل أيّاً كانت الحجّة. أمّا إسرائيل فتعلم من خبرتها أنّ انتصاراتها العسكرية ليست بالضرورة انتصاراً في لبنان".   كلمات الرئيس الفرنسي تؤشّر إلى أنّ القناعة السائدة في فرنسا لا تتطابق مع قناعة  الإدارة الأميركية وعدد من الدول العربية بأنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستنهي خطر تهديد "حزب الله". وتدرك الأوساط الفرنسية أنّ  قدرة الحزب على مهاجمة إسرائيل تراجعت بشكل كبير بسبب قتل قياداته وتدمير بناه التحتية، لكنّ  ما يقلق فرنسا هو بقاء قدرة "حزب الله" على إلحاق الضرر داخل لبنان على الصعيد السياسيّ، فقدرة الحزب على التعطيل والتخريب داخل البلد باقية. وترى الأوساط الفرنسية أنّ مقدرة الحزب على خلق الفوضى داخل البلد لم تتغير، فهو لا يحتاج إلى سبعين ألف صاروخ باليستي لزرع الفوضى داخل لبنان، وهذا ما يُقلق هذه الأوساط،  خلافاً لما يعتقده البعض من أنّ بعد هزيمة الحزب أمام إسرائيل في إمكان الدول التي تريد التخلّص منه فرض شروطها عليه. 

وكان هذا التحليل الفرنسي جلياً في ما قاله وزير الخارجية  جان نويل بارو عندما زار لبنان وقال إنّ "حزب الله" مسؤول عمّا يجري في البلد لأنّه أدخل نفسه في الحرب، ولكن في الوقت نفسه لن يكون هناك حلّ من دون الشيعة.

في سياق مواز، يسود حالياً الغموض في من يقرر ويتكلم باسم "حزب الله"، ولا يعرف محاورو الحزب الأجانب، منذ اغتيال قيادات الحزب، من هم المسؤولين في الحزب الذين يملكون القرار، خصوصاً أنّ المسؤولين الإيرانيين هرولوا إلى بيروت بعد مقتل القيادات لتسلّم قيادة الحزب، لذا يقوم حالياً رئيس البرلمان اللبنانيّ نبيه بري بدور الناطق الرسميّ باسم الشيعة.
 
ويرى المراقبون في فرنسا أنّ الحلّ يكمن في لبننة "حزب الله" والعمل على مفاوضة سياسية لفكّ ارتباطه بالقيادة الإيرانية، وهذا يتطلب وقتاً وضغوطاً كبرى للتفاوض عليه، لكنّه يبقى  أفضل من الحرب إلى ما لا نهاية لأنّها مدمرة للبنان بأسره.   وهناك انطباع لدى الأوساط الفرنسية بأنّ إسرائيل كانت تعدّ لهذا الهجوم على "حزب الله" منذ سنوات لأنّ هاجس نتنياهو وزمرته كان إيران و"حزب الله"، وهذه الزمرة الإسرائيلية مقتنعة  منذ سنوات أنّها حلّت المشكلة الفلسطينية. ونتيجة لهذه القناعة كرّست كلّ قدراتها لضرب "حزب الله" وإيران. فنتنياهو كان ينتظر اللحظة للهجوم على لبنان واستفاد من قرار "حزب الله" توحيد ساحة الحرب مع غزّة للهجوم على الحزب ولبنان. ولا أحد كان يتصوّر مستوى اختراق إسرائيل "حزب الله" والتقدّم التقنيّ الذي أتاح لها استخدام "البيبجر" والإعداد لهذا الهجوم . كما أنّ ادعاءات "حزب الله" أنّه أقوى بكثير ممّا كان عليه في 2006 لم تكن حقيقية.   "حزب الله" بدخوله الحرب في 8 تشرين الاول أعطى الفرصة لإسرائيل للقيام بعملية تعدّ لها   منذ سنوات وقد انتظرت إلى ما بعد بدء حرب غزة التي كانت أولوية لها، ثمّ نفذت خطّة قصف "حزب الله" ولبنان لتحويله الى مكان يمكّنها من التدخّل لقصفه أينما كان على غرار ما تفعل في الداخل السوري. فالإسرائيليون يعرفون قيادة الحرب، لكنّهم يجهلون البحث عن السلام لأنّهم في حاجة إلى عدوّ خارجي باستمرار في نظر معظم المراقبين لسياستهم.   على صعيد آخر، ورغم التوقّعات باستمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان، عقدت مجموعة الدول الخمس المتابعة لانتخاب رئيس في لبنان اجتماعاً مع المبعوث الرئاسيّ الفرنسيّ إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لودريان للنظر في الأوضاع ما بعد بدء الحرب الإسرائيلية وقتل قيادات "حزب الله". ومثّل قطر في الاجتماع  الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية  المشارك في مؤتمر الدعم  محمد الخليفي، ومثّل السعودية سفيرها في لبنان وليد البخاري، إضافة الى ممثل الإدارة الأميركية وسفيري فرنسا في لبنان و مصر في فرنسا.   وبحث المجتمعون في ما يمكن القيام به لدفع عملية انتخاب الرئيس في لبنان، علماً أنّ الإدارتين الأميركية والسعودية  تتجهان نحو تشجيع انتخاب قائد الجيش جوزف عون في هذه الأوضاع الصعبة في لبنان، فيما يفضل لودريان عدم الخوض في الأسماء لأنّ ذلك  قد يحرق أيّ مرشّح يظهر اسمه إلى العلن، ولأنّ أيّ انحياز يظهر من دولة معينة سيواجه معارضة أو مطالب مقابلة من الطرف المعارض. وفي هذا السياق يبدو أنّ لدى الإدارتين الأميركية والسعودية قناعة بأنّ الأمور قد تغيّرت في لبنان الآن وأنّ مرشّحين آخرين غير قائد الجيش لا يمكنهم القيام بالإصلاحات المطلوبة لإنقاذ لبنان من محنته الاقتصادية، خصوصاً أنّ الكارثة بلغت حدّاً يجعل أيّ مرشّح للرئاسة لن يتمكن من القيام بما يتطلّبه الوضع، ومن يؤيد انتخاب جوزف عون سبق له أن تعامل معه ويعرف أنّه نفّذ المتوقّع منه ولو أنّ الجيش في وضع ضعيف. لكنّ انتخاب الرئيس في لبنان ليس لغد.      

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الحرب الإسرائیلیة الإدارة الأمیرکیة على لبنان فی لبنان حزب الله

إقرأ أيضاً:

محللون: نتنياهو يناور بوقف إطلاق النار مع لبنان وينتظر ترامب

القدس المحتلة- طغت حالة من التفاؤل والسجال بين الأوساط الإسرائيلية إثر إعلان مصادر رفيعة المستوى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أعطى الضوء الأخضر للمبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين للمضي قدما نحو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.

واستبعدت بعض قراءات المحللين والباحثين بالشأن الإسرائيلي احتمال التوصل إلى اتفاق رسمي ينهي الحرب مع حزب الله، وقدرت أنه في أحسن الأحوال يمكن التوصل إلى تفاهم لوقف النار بالتدرج، وأجمعت أن ذلك يعود إلى نهج المراوغة والتضليل الذي اعتمده نتنياهو خلال مسار ومحطات مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس.

وحتى إن تم التوصل إلى تفاهم مرحلي قد يفضي إلى وقف متدرج لإطلاق النار، إلا أن قراءات المحللين قللت من إنهاء الحرب على الجبهة مع لبنان خلال ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، وعزت ذلك إلى الشروط التي يصر عليها نتنياهو، وسط تأكيد حزب الله على رفضه أي اتفاق يمس بالسيادة اللبنانية.

شروط إسرائيل

استعرضت قراءات المحللين الشروط التي تتمسك بها إسرائيل، والتي تضمن لها حرية العمل العسكري في جنوب لبنان، وتحليق الطيران الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، ومراقبة المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، وكذلك إلزام الجيش اللبناني بنزع سلاح حزب الله، وهو الشرط الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية.

ولكن في ظل تعقيدات المشهد على الجبهة الشمالية مع لبنان، لا تستبعد تقديرات المحللين سيناريو حصول إسرائيل على ضمانات من أميركا تمكّنها من فعل ما تريد إذا انتُهك الاتفاق، من دون أن تكون الشروط الإسرائيلية مدرجة بشكل رسمي، مما يعني أن حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي في لبنان ستكون ضمن اتفاق ضمني بين تل أبيب وواشنطن.

وفي الطرف الآخر، ولإحباط أي اتفاق يمنح الجيش الإسرائيلي حرية العمل العسكري في لبنان، يأتي رد حزب الله بقصف العمق الإسرائيلي بصواريخ بعيدة المدى، ليفند مزاعم تل أبيب بتقويض قدرته الصاروخية والاقتراب من إنهاء مهمة إبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني، وهو ما يشير إلى أن التفاؤل الإسرائيلي بشأن الإنجازات التي تكفي لوقف الحرب مبالغ فيه.

الإعلان عن التقدم نحو الاتفاق يتزامن مع أزمة الجيش الإسرائيلي بالقوى البشرية ونقص السلاح والذخيرة (الجيش الإسرائيلي) صورة معقدة

وتعليقا على السجال الإسرائيلي والتضارب بشأن إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن "الشيء الجديد هو ما رشح من أخبار أن نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لوقف الحرب، ويبقى السؤال كيف ستتوقف الحرب؟ هل من خلال اتفاق يوقع عليه الطرفان أو وقف أحادي الجانب؟".

وفي قراءة لما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إمكان التوصل لاتفاق لوقف الحرب، أوضح شلحت للجزيرة نت أن التقارير التي تتحدث عن مثل هذا الاتفاق تشير إلى عدد من الشروط التي لم تتراجع عنها إسرائيل، وبها تكمن كافة الأسباب لإفشال الاتفاق، خصوصا أن هذه الشروط تحظى بإجماع لبناني على رفضها، كونها تنتهك سيادة الدولة اللبنانية.

"هل تخلت إسرائيل عن هذه الشروط؟" يتساءل شلحت قائلا إن "الصورة بهذا السياق معقدة وغير واضحة، فالمقولة الإسرائيلية منح ضوء أخضر، لا تعني أن الحرب تسير نحو النهاية وستتوقف قريبا، إلا إذا تنازلت إسرائيل عن شروطها، وفي هذه المرحلة لا توجد مؤشرات على تقديم تنازلات، أو على تخلي تل أبيب عن شروطها".

ويعتقد شلحت أن هناك رزمة من الأسباب الداخلية والموضوعية بالنسبة لإسرائيل لإنهاء الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان، ومن ضمنها أزمة الجيش الإسرائيلي المتعلقة بالقوى البشرية ونقص السلاح والذخيرة، وهي تلميحات روجت لها قيادات عسكرية ترى ضرورة وقف الحرب، بسبب عدم قدرة الجيش على الاستمرار في القتال، والدخول بحرب استنزاف في جنوب لبنان لا يعرف أحد متى تنتهي.

ويرى أن هذه الأسباب الداخلية لتل أبيب يضاف إليها أسباب أخرى خارجية، تتعلق بالضغوط التي تمارسها أميركا على إسرائيل لإنهاء الحرب على الجبهة الشمالية، والتي تختلف عن الجبهة الجنوبية مع غزة، على اعتبار أن الحرب على لبنان تدخل في سياق العدوان على دولة ذات سيادة، وقد يؤدي إلى اتساع رقعة القتال ونشوب حرب إقليمية.

وحول حقيقة التفاؤل الإسرائيلي بوقف الحرب مع حزب الله، يقول شلحت إن "ذلك يندرج في سياق الحرب النفسية الداخلية بإسرائيل، التي تتكبد خسائر يومية بشرية وبالممتلكات، إضافة إلى الضربات الاقتصادية والدبلوماسية على صعيد السياسة الخارجية، وعلى هذا الأساس يأتي التفاؤل والترويج لتسوية سياسية محتملة مع لبنان، بتحقيق إنجازات وأهداف الحرب".

انتظار ترامب

وفي الجانب الإسرائيلي، شكك المحلل السياسي عكيفا إلدار في إمكانية التوصل إلى اتفاق رسمي ينهي الحرب مع حزب الله، وعزا ذلك إلى نهج المراوغة والمناورة الذي يعتمده نتنياهو منذ اندلاع الحرب بأكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ تعمّد إحباط أي تسوية، والاستمرار بحرب بلا نهاية لدوافع شخصية وسياسية.

وأوضح إلدار للجزيرة نت أن إسرائيل منقسمة على ذاتها أيضا بشأن استمرار الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان، خصوصا أن الحرب لم تحقق هدفها المعلن بإعادة سكان بلدات الشمال إلى منازلهم، كما أن حزب الله يواصل الهجمات الصاروخية على البلدات الإسرائيلية، وكذلك قصف تل أبيب الكبرى بصواريخ طويلة المدى، وهو ما يؤكد أن الخيار العسكري ليس حلا.

ويقول إلدار "أمام تعقيدات المشهد على الجبهة مع لبنان وفي ظل استحالة الحسم العسكري، يأتي هذا التفاؤل الإسرائيلي بشأن تسوية محتملة مع لبنان، بيد أن نتنياهو يدفع نحو ترحيل مسألة وقف إطلاق النار مع حزب الله في عهد إدارة بايدن، كونه يراهن على ترامب ليتسنى له فعل ما يشاء دون أي قيود".

وعزا المحلل السياسي رهان نتنياهو على عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى القناعات بالجانب الإسرائيلي أن حكومة نتنياهو لم تحقق أهداف الحرب مع حزب الله، وبالتالي انتظار ولاية ترامب، التي يتوقع أن تكون ولاية ذهبية على غرار الولاية الأولى، وذلك من أجل الهروب إلى الأمام وتجنب أي اتهامات لها بالإخفاق، وتحميل إدارة بايدن مسؤولية الفشل.

مقالات مشابهة

  • محللون: نتنياهو يناور بوقف إطلاق النار مع لبنان وينتظر ترامب
  • بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في لبنان؟
  • نتنياهو يسعى لاستنساخ سيناريو غزة في لبنان
  • أسباب مخاوف نتنياهو من الموافقة على وقف الحرب في لبنان.. ما علاقة بايدن؟
  • رغم جهود وقف الحرب.. تصاعد الضربات بين إسرائيل وحزب الله
  • هوكستين يُنذر إسرائيل.. والتصعيد يخيّم على جهود وقف الحرب اللبنانية
  • ‏الجيش الإسرائيلي: حزب الله أطلق 200 مقذوفا من لبنان باتجاه إسرائيل الأحد
  • المعارضة تفشل في مواجهة حزب الله: لا تسوية معه
  • كيف سيخرج لبنان من الحرب مع إسرائيل؟
  • هوكشتاين إلى واشنطن...نتنياهو لا يريد وقف الحرب إلا بشروطه