في احتفالية نقابة المهندسين.. 4 من أبطال أكتوبر يتحدثون عن أسرار النصر العظيم
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
شهدت احتفالية نقابة المهندسين بالذكرى الواحدة والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، جلسه حوارية تحدث خلالها أربعة من أبطال النصر العظيم، وهم: اللواء المهندس حسين مسعود، واللواء أركان حرب مهندس عصام عبد الحليم، واللواء بحري أركان حرب محمود متولي، واللواء أركان حرب مهندس محمد نادر عبدالوهاب.
وقدم المهندس كريم الكسار الأمين العام المساعد ومنسق الاحتفالية الأبطال الأربعة موجها لهم ولكل من شارك في صنع نصر أكتوبر التحية، مشيرًا إلى أن النقابة حريصة على إحياء هذه الذكرى التي ستظل خالدة في القلوب قبل العقول، مشيدًا بما قدمه سلاح المهندسين العسكريين خلال الحرب المجيدة، وقال: "المقام لا يكفي لسرد ما قام به كل بطل ممن شاركوا في تلك الحرب، التي أعادت لمصر وللأمة العربية كرامتها وكبريائها".
أدار حوارات الجلسة الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد الدريني الذي بدأ الجلسة موجهًا الشكر لنقابة المهندسين والمهندس طارق النبراوي وهيئة مكتب النقابة ومجلسها الأعلى، على تنظيمه احتفالية بنصر أكتوبر العظيم، مشيرًا إلى أن أكتوبر نصر عظيم له شق عسكري بحت، وله أيضًا شق هندسي كان هو الحاكم والمتحكم في كل تفاصيل صناعة هذا النصر المجيد.
وبدأ اللواء المهندس حسين مسعود- وزير الطيران الأسبق، كلمته بتوجيه الشكر لنقابة المهندسين التي تضم خيرة عقول المصريين، مؤكدًا أن المهندسين العسكريين كانوا منتشرين في جميع أفرع وأسلحة القوات المسلحة، وكان لهم الدور الكبير في تحقيق النصر، وقال: "الهدف الرئيسي من كل احتفال بنصر أكتوبر هو أن نبعث برسالة للشباب وللأجيال الجديدة من المصريين ليدركوا أن حرب أكتوبر بقدر ما كان فيها من صعوبات وتضحيات تعد أسهل من الحرب التي تتعرض لها مصر حاليًا، ففي أكتوبر 1973 كان العدو واضحًا لنا وكانت الأمة المصرية متحدة خلف قواتها المسلحة، وكان العدو في جهة واحدة وهي الجبهة الشمالية والشرقية، بينما حاليًا العدو خفي، ومصر محاطة بالمخاطر من جميع الجهات، ولهذا على شباب مصر أن يتمسكوا بالانتماء لوطنهم وأن يتسلحوا بالعلم، فالمعركة القادمة هي حرب عقول فكر ومعلومات.
وأضاف "مسعود" الذي كان برتبة نقيب مهندس في سرب الهليكوبتر أثناء حرب أكتوبر، "خلال حرب 1967 لم تختبر القوات المسلحة، فلم تخض معركة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكن بعد النكسة بدأت القوات المسلحة إعداد وبناء القوات وشراء أسلحة حديثة، وقمنا بالتدريب عليها، وبدأنا التدريب العملي في حرب الاستنزاف، وبدأت حرب أكتوبر بتحركات القوات الثقيلة، ثم جاء دور الصاعقة خلف خطوط العدو، وكانت مهمتي في المعركة نقل قوات الصاعقة عبر طائرات الهليكوبتر خلف خطوط العدو بمسافات تتراوح بين 40 و45 كم، وهي أول مرة تستخدم طائرات الهليكوبتر في مهام قتالية وكان المطلوب نقل كتيبة الصاعقة 143 للتعامل مع القوات المدرعة للعدو في قلب سيناء، وانطلقت طائرات الهليكوبتر من قاعدة ألماظة الجوية ووصلنا لمنطقة وادى حجول بالقرب من السويس، حيث كانت تنتظر قوات الصاعقة، وكنت ضمن طاقم إحدى هذه الطائرات ومهندس السرب المكون من 12 طائرة، وكان دور قوات الصاعقة أنه أثناء مرور مدرعة العدو يتم عمل كمين لها لإعاقة تقدمها، ولم تتمكن رادارات العدو من اكتشافنا، وعندما وصلنا لمنطقة الإبرار، بدأ العدو في إخراج الطائرات الفانتوم لتتعامل مع طائراتنا، وعلى الفور تم نصب الكمين بكفاءة عالية جدًّا وأصيب قائد لواء العدو وقتل في هذه المعركة، وتم تدمير 7 دبابات، وواصلنا كمائننا الناجحة ضد قوات العدو من 11 وحتى 19 أكتوبر ولم نتوقف إلا قبل وقف إطلاق النار بأربع ساعات، حيث عدنا إلى منطقة القناة.
وقال اللواء أركان حرب مهندس عصام عبد الحليم أنه التحق بالكلية الفنية العسكرية ضمن الدفعة 5 جامعيين وتخرج منها عام 1968، وعقب تخرجه انضم لأحد كتائب الكباري التابعة لسلاح المهندسين العسكريين، وشارك في حرب أكتوبر كقائد مهندس برتبة رائد في الجيش الثاني الميداني بالقطاع الجنوبي لقناة السويس.
وأضاف" قبل الحرب بـ 10 أيام كنت في مأمورية عمل وتم إمداد المأمورية بـ 15 قارب مطاطي بالإضافة إلى زيادة كميات الوقود الممنوحة للمركبات الخاصة بالمأمورية بشكل كبير على غير المعتاد، كذلك صرف كميات من تغذية الطوارئ، فأيقن حينها أن موعد الحرب قد اقترب، وقال: "صدق حدسي إذ صدرت لنا الأوامر صباح السادس من أكتوبر بعدم تنظيم طابور صباحي عكس المعتاد اليومي، وأن يتواجد الجميع في الخنادق، وفي التاسعة صباحًا تم إخبارنا بأن الحرب ستندلع في الثانية ظهرًا، وبالفعل قمنا بالاستعداد للمعركة، وحين مرت الطائرات فوق رؤوسنا في الثانية ظهرًا، انطلقت صيحات الله أكبر من جميع أفراد الوحدة".
وأضاف: صدرت الأوامر لنا بعمل فتحات في الساتر الترابي لعبور قوات المشاة والمدرعات، وبالفعل تمكن سلاح المهندسين من فتح الثغرات في أقل من 5 ساعات وتم إنشاء 15 كوبري ثقيلًا لعبور الدبابات والمدافع والمعدات و10 كباري اقتحام خفيفة لعبور المشاة، وبعد إنجاز تلك المهمة تم التعامل مع حقول الألغام والمفرقعات الموجودة شرق قناة السويس التي قام العدو بزرعها.
وأشار بطل حرب أكتوبر إلى أن فرقته كانت الفرقة الوحيدة التي فتحت الثغرات في الساتر الترابي شرق قناة السويس أمام الكباري بواسطة أفراد من مهندسيها، بخلاف بقية الفرق التي استعانت بمهندسين من خارجها، لأن خراطيم المياه التي فتحوا الثغرات بها في مواقع أخرى، لم تصلح في الموقع الذي كان فيه نظرًا لطبيعة الساتر الترابي الطفلية.
وأشار اللواء أركان حرب عصام عبد الحليم إلى أن بناء الدفاع الجوي ألقى بمسئوليات جسيمة على عاتق المهندسين العسكريين حيث قمنا ما بين 1968 وحتى 1973 ببناء أعمال كثيرة لقوات الدفاع الجوي ومنها حائط الصواريخ وتم بناء أكثر من 600 ملجأ محصن للطائرات من الخرسانات المسلحة ب20 قاعدة عسكرية، فضلًا عن ملاجيء الطيارين وغرف العمليات بداخل القوات الجوية.
وقال اللواء أركان حرب بحري محمود متولي: "إن القوات البحرية المصرية لم تفقد أيه قطع بحرية خلال حرب عام 1967، كما أحبطت الهجوم على كل الموانيء المصرية واستطاعت أسر وقتل العديد من الضفادع البشرية الإسرائيلية الذين حاولوا تدمير ميناء الإسكندرية بعد أن دمرنا لهم ميناء ايلات يوم ٢١ اكتوبر وهو اليوم الذي اتخذ عيدًا للقوات البحرية، كما دمرت القوات البحرية المصرية سفينة الأبحاث الإسرائيلية أمام بحيرة البردويل.. كما ذكر بطولة القوات البحرية المصرية عندما كانت الغواصات المصرية تقف أمام حيفا وأشدود للاستطلاع دون أن يكتشفها الجانب الإسرائيلي.
وتحدث "متولي" عن ميناء إيلات حيث تمت الإغارة عليه بنجاح ٣ مرات في فترات متقاربة، مستعرضًا الأهداف الاستراتيجية للقوات البحرية في حرب أكتوبر، وأهمها منع البترول والإمدادات عن إسرائيل.. والمعاونة في أعمال القتال خلال العمليات والاشتراك في التمهيد النيراني وقصف الأهداف الحيوية للعدو وتأمين النطاق التعبوي للقوات البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، مشيدًا بالدور الكبير الذي قام به الفريق أشرف رفعت رئيس عمليات القوات البحرية في حرب أكتوبر وصاحب فكرة غلق باب المندب أثناء الحرب لحرمان إسرائيل من الإمدادات البترولية، ودور المهندس أسامة مطاوع صاحب فكرة كتم أصوات اللنشات البحرية لتتمكن من المشاركة في العمليات القتالية.
وفي ختام كلمته قال " متولي" نقابة المهندسين إلى تنظيم رحلة لشباب المهندسين إلى ترسانة الإسكندرية ليشاهدوا بأنفسهم كيف تصنع الأيدي المصرية وحدات بحرية جديدة قادرة على حماية مصالح مصر في البحرين الأحمر والأبيض، وليروا أيضا الوحدات الجديدة التي اشترتها مصر مؤخرًا والتي جعلت الأسطول البحري المصري واحدًا من أقوى أساطيل المنطقة.
في كلمته أشار اللواء محمد نادر عبدالوهاب- رئيس أركان الدفاع الجوي الأسبق، إلى أن سلاح الدفاع الجوي تأسس في أغسطس عام 1970 ليتولى الدفاع عن سماء مصر من هجمات الطيران الإسرائيلي وبالفعل نجح الدفاع الجوي المصري في إقامة نظام دفاع جوي متكامل لحماية الجبهة من طائرات العدو، فيما عرف باسم "حائط الصواريخ" حيث أقيم على مسافة تتراوح بين 12 و18 كم من خط المواجهة مع الجيش الإسرائيلي لمنع طائرات العدو من استطلاع قوات الجيش المصري غرب القناة، والتي كانت تتم بالاستعانة بطائرات الفانتوم القادرة على تحديد أماكن القيادة لوحدات الجيش المصري في مجال يتراوح بين 30و40 كم مربع، إضافة إلى استعانة الجيش الإسرائيلي بطائرات استطلاع الكتروني ذات قدرة على التعامل مع جميع النقاط التي يصدر عنها أي ترددات لاسلكية وتحديد إحداثياتها بدقة.
وأوضح "عبدالوهاب" إنه أمكن التعامل مع هذه الطائرات بدفع كتائب في مواقع متقدمة لمفاجأة العدو والاشتباك معه، ونجحت هذه الكتائب في إسقاط طائرة "ستراكوروز"، يوم 17 سبتمبر عام 71 في منطقة جنيفة.
وأضاف أن اشتراك قوات الدفاع الجوي مع الجيش في خطة الخداع ا لاستراتيجي كانت من خلال إقامة نماذج هيكلية للصواريخ بطول الجبهة حتي يتم تضليل العدو عن الأماكن الحقيقية لمواقع الصواريخ، بالإضافة إلى إيحاء العدو بأن الجيش المصري يمتلك عدد ضخم من كتائب الصواريخ.
وأشار إلى أنه في صباح يوم 6 أكتوبر ومع هجوم الطائرات المصرية على مواقع القيادة الإسرائيلية توقعت قوات الدفاع الجوي أن يقوم العدو بهجمة جوية مضادة خلال نصف ساعة وهو ما حدث بالفعل فكانت صواريخ الفرقة المسؤولة عن تأمين القناة لها بالمرصاد ونجحت في إسقاط 36 طائرة.
كما أوضح اللواء "محمد نادر عبدالوهاب" أن يوم السابع من أكتوبر تذكر العدو الإسرائيلي ما قام به عام 67 فحاول ضرب مطارات القطامية وطنطا والمنصورة وبني سويف وجناكليس ولكن تصدت له وحدات الصواريخ بالتعاون مع القوات الجوية ولم يتمكن إلا من تدمير ممر فرعي بمطار طنطا تم إصلاحه خلال ساعات.
وأضاف أن بور سعيد شهدت معارك ضارية دارت مع وحدات الدفاع الجوي حين حاول العدو الاختراق من الاتجاه الشمال على ارتفاعات منخفضة لمهاجمة قواعد كتائب الصواريخ ولكنها نجحت في الحد من خطورته بالاستعانة بالمدافع المضادة للطائرات المحمولة على الأكتاف.
واستعرض "عبدالوهاب" أحداث يوم 14 أكتوبر حين حاول العدو تدمير القاعدة الجوية بالمنصورة فتصدت لها المقاتلات الجوية بالتنسيق مع وحدات الدفاع الجوي وأحدثت بها خسائر جسيمة وهو اليوم الذي اتخذ فيما بعد عيدا للقوات الجوية.
في ختام الجلسة النقاشية قام المهندس طارق النبراوي- نقيب المهندسين، يصاحبه كل من المهندس محمود عرفات- أمين عام النقابة، والمهندس كريم الكسار- الأمين العام المساعد للنقابة والمنسق العام للاحتفالية، والأستاذ الدكتور سعد مكرم- أمين الصندوق المساعد للنقابة، بتكريم اللواء أركان حرب حسين مسعود، واللواء أركان حرب مهندس عصام عبدالحليم، واللواء أركان حرب بحري محمود متولي، واللواء أركان حرب محمد نادر عبدالوهاب، والإعلامي أحمد الدريني، والإعلامي طارق رضوان، الذي قدم الاحتفالية، وإهدائهم درع النقابة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: اركان حرب أكتوبر المجيد الهدف الرئيسي القوات المسلحة المهندسين العسكريين المهندس طارق النبراوي جلسة حوارية سلاح المهندسين قوات الدفاع الجو مضادة للطائرات نقابة المهندسين نصر أكتوبر المجيد المهندسین العسکریین واللواء أرکان حرب القوات البحریة الدفاع الجوی حرب أکتوبر فی حرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
د. اسامة محمد عبدالرحيم يكتب: ملحمة النصر على عتبات القصر، دلالات وابعاد
د. اسامة محمد عبدالرحيم يكتب:
ملحمة النصر على عتبات القصر، دلالات و ابعاد
لم يكن غالب اهل السودان متفاجئاً، و قوات الدعم السريع المتمردة تهاجم مواقع الجيش المختلفة و مقراته في العاصمة الخرطوم و عدد كبير من الولايات صبيحة يوم السبت 15 ابريل من العام 2023م، حينها كان هذا اليوم يطابق يوم 24 رمضان من العام 1444 الهجري.حينها كان معظم السودانيين قد بدأوا في برامج روحية يقابلون بها العشرة الأواخر من رمضان ذلك العام.
يومها شهدت الخرطوم، من ضمن ما شهدت من عمليات قتال، احتلال قوات المليشيا المتمردة للقصر الجمهوري بليلٍ مشؤومٍ غدراً برفقاء السلاح من الجيش و القوات الامنية المنوط بها حماية هذا الموقع الرمزي العريق و بسطاً للأمن و السلام في بقاع البلاد المختلفة.
و لعله من غرائب اقدار الله و حكمته، ان يتمكن الجيش السوداني و ملحوقاته المختلفة من قوات و مستنفرين من استعادة هذا الموقع العظيم (القصر الجمهوري) بعد حوالي حولين كاملين في ذات ابرك الايام و أنفحها بالمغفرة و الرحمة و البركات و في صباح يوم الجمعة المبارك من افضل اشهر الله و ايامه رمضان الكريم الحادي و العشرين من رمضان 1446 هجريةالموافق 21 مارس 2025م.
إن (القصر الجمهوري )، و الذي كان يستهدفه الهالك بجيشه الجرار و جنده الكُثُر و رتله الممتد من المتحركات و السلاح المتكاثف عساه يعتلي سدته حاكماً في انقلابه المشؤوم و المتحور و المتنامي حرباً عضوداً اورثت البلاد خراب العيش و الحياة، هاهو الجيش السوداني العظيم يضم جميع أبنائه من المقاتلين بالاصالة و بالاضافة من قوات المستنفرين و مشتركة العهود و الاتفاق بين جناحيه و جنبيه ، فيدخلون جميعا ذات (القصر) أعزةً طاردين و مقتِّلين و منكِلين بالمعتدي الغشيم الذي ضاقت به الارض بما رحبت و سدت عليه المنافذ و الافاق، فارتحل اوباشه اما رأسياً الى السماء او افقياً ينشدون السلامة و الافلات في كل شارعٍ و ركنٍ بعيدٍ كمن يتخبطه المس من الجن.
ان العمليات القتالية المعقدة التي قام بها الجيش في محيط القصر و وسط الخرطوم، لم تكن عمليات سهلة و لم تكن نزهة، و انما كانت نتاج فكرٍ و تخطيطٍ عسكريٍ سليمٍ، وقف خلفه رجال و قادة و مهر دربه بالأنفس و الدماء و العرق جنود لن يتخطاهم التأريخ ، بذل كل منهم جهده و جهاده حتى اصبح النصر واقعاً ملموساً اضاف لجيش السودان و جنديه سفراً جديداً من اسفار الانجاز تحت باب التضحية و الفداء.
و لعلي اختلف مع من يقول ان (القصر) كموقع ليس له اي اهمية عسكرية، فقط، لان العلم الحديث يؤكد تداخل العوامل العسكرية و السياسية و صعوبة فصلها في المعركة الحديثة و بالتالي تمتد العوامل متقاطعة متشابكة نفسياً و معنوياً، اجتماعياً و اقتصادياً تحت مظلة اهداف سياسيةٍ و عسكريةٍ تمضي اليها اي معركة. و لذلك و كأي ملحمة تأريخية كان هناك دلالات و ابعاد لهذا النصر العظيم.
الدلالات السياسية:
و ابرز ما يمكن رصده في هذه الدلالات السياسية
* ان الجيش قد نفذ فعلياً و قهراً و غصباً، جزءاً من بنود اعلان جدة و الذي يقضي بضرورة و التزام خروج قوات المليشيا المتمردة من الاعيان المدنية، و يبقى من نافلة القول الحديث عن ان القصر الجمهوري و الذي كان محتلاً من قبل العدو هو عين من الاعيان المدنية ذات القيمة النسبية العالية.
* هزيمة كل الداعمين المحليين و الاقلييمين و الدوليين و الذين خاب فرس رهانهم على بغلٍ معطوبٍ اعرج، كسيح الاطراف منزوع الاخلاق معدوم الضمير، لم يبلغ بهم و لهم نهايات السباق فاختلطت عليه الغايات و أختلفت عنده الأجندة بسبب ضعف البصر و اضطراب البصيرة.
* انهيار مشروع الرهان علي دولة 56 باستعادة القصر و الذي كانت اكبر رمزية تاريخية سياسية له اعلان الاستقلال و رفع علم البلاد في صبيحة يناير 1956م.
* تحرير و استعادة منصة و رمزية الحكم و السلطان و الدولة لحكومة السودان.
* إخراس ألسن من كان يزايد سياسياً على أن اي تفاوض داخل السودان يجب ان يُحتضن بالقصر الجمهوري في تلميحاتٍ خبيثةٍ تؤشر من طرفٍ خفيٍ لإستحالة استعادة القصر الرئاسي و تحريره.
* ومن أكبر الدلالات السياسية، هذا الاحتشاد الشعبي الكثيف وراء الجيش و قيادته و ارسال رسالة قوية معبرة ان اكبر حاضنة اجتماعية في السودان هو هذا الجيش رمز العز و السيادة و تاج المجد و الفخار.
* العودة التأريخية الثالثة للقصر لاحضان الدولة من بعد احتلال او اختطاف ، حيث كانت العودة الاولى في العام 1885م بعد انتصار الثورة المهدية و تحرير الخرطوم و مقتل الحاكم العام انذاك، و كانت العودة الثانية في يناير من العام 1956م و اعلان الاستقلال و خروج المستعمر و رفع العلم السودان، لتكون عملية استعادة القصر الجمهوري في 21 مارس 2024م من بين ايادي القوات المتمردة و اقدامه على يد كواسر الجيش السوداني وملحوقيه حدثا تأريخياً عظيماً، و علامة فارقة في مسيرة البلاد.
الدلالات العسكرية:
ان ابرز الدلالات العسكرية لملحمة استعادة القصر الجمهوري، تتمثل في الاتي:
* تاكيد الجيش على قدرته في الاستمرار في استعادة كثير من المواقع الحيوية و المناطق الجغرافية وفق تخطيطٍ محكمٍ و رداً عملياً على من كانوا يشككون في ذلك و يتهمون الجيش بالعجز عن استعادة اي موقع.
* تمكن الجيش من تخفيف الضغط على المواقع الحيوية و مقرات القيادة مما يجعل ما تبقي من معركة الخرطوم هو ملاحقات و تمشيط و ازالة جيوب و بؤر تجمعات و تواجد المتمردين مما يجعل من عمليات الخرطوم عمليات امنية اكثر من كونها عمليات عسكرية، كذلك فانه يجعل الانتقال و التركيز على جبهة و محاور القتال في غرب البلاد و التفرغ لها أقل صعوبة و بالتالي اكثر سهولة خاصة النجاح في فك حصار الفاشر و الذي يمكن القول انه استراتيجياً يبدا من استعادة السيطرة على كامل الخرطوم و تحريرها من دنس العدوان و المعتدين.
* ان عمليات ملحمة القصر، اكسبت الجيش السودان مهارات قتالية و خبرات ميدانية حقيقية و فعلية لم تتوفر لكثير من القوات و الجيوش في فنون تكتيكات و استراتيجات ما يعرف ب (الحروب الخاصة)، و تحديداً القتال وسط الابنية و الشوارع و في المناطق الضيقة (حرب المدن) ، و لعل هذا الامر سوف يورث السودان جيشاً اكثر قوة و افضل منعة. و من مظاهر هذا الجانب يستحسن القول بالاتي:
_لقد قام الجيش بوصل ما يجب وصله من قواته (التحام قواته) و قطع ما يجب قطعه من قوات العدو، و ابدع كذلك في عمليات انهاك قوات العدو و استنزافه ثم محاصرته و عزله و تطويقه، ثم عمد الى قطع خطوط مواصلات واتصلات العدو متعمداً تجفيف منابع امداده بالقوات او السلاح او المؤن و الغذاء في مناورات و حركة قتالية فريدة و بديعة اتت اكلها بالنصر المبين و هزيمة العدو و انكساره. ما قام به الجيش لا يختلف عن اي عملية جراحية معقدة انتهت بتسليم المريض امره للجراح يفعل به ما يشاء، دروسا غالية و ثمينة تظل ارثا للباحثين في العلوم العسكرية و مقتفي اثرها.
_كذلك ان دخول القصر من قبل قوات الجيش كسرا لشوكة العدو و جبرا يعتبر بمثابة اعلان رسمي لانتهاء فرية و اسطورة ما يعرف بقوات النخبة للدعم السريع التي لا تقهر و لا تكسر، الجيش يعلن نفسه سيد المعركة و سلطانها و يجعل ما تبقى من قوات المليشيا هي تحشيد و تجميع لمقاتلين من المتفلتين و اصحاب السوابق في الاجرام و فاقدي التدريب و التاهيل .
دلالات اخرى:
و من دلالات دخول الجيش بشكل عام، يجدر بنا ان نثبت الاتي:
* لقد استعادت الخرطوم حيويتها و غدا تستعيد كامل عافيتها باستعادة مسارات حركتها الرئيسية و هي تربط عبر اعصابها اعضاء الجيش الحيوية المدرعات، القيادة العامة بالخرطوم و بالتالي وسط الخرطوم بجنوبها مرورا الي بحري سلاح الاشارة، قاعدة حطاب،المهندسين العيلفون، الكدرو، المظلات شمبات، ثم وصلا الي امدرمان السلاح الطبي و المهندسين، منطقتي كرري و وادي سيدنا العسكريتين و هو ما يعني ضمناً صحة الأعضاء الحيوية لجسم الجيش لتؤدي بسلاسة و سلامة وظائفها الطبيعية الحيوية و عبر اعصاب متصلة و سليمة و اوردة و شرايين تدب من خلالها الحياة.
* انسانياً، تلاحظ ان جنود الجيش و مقاتليه و ملحوقيه من سائر القوات، كانوا اكثر وعياً بقواعد الاشتباك و قوانين الحرب الدولية في جوانبها الانسانية و هم يحسنون التعامل مع الاسرى و الجرحى و المستسلمين و هذا ما اكدته كثير من الشواهد و دعمته الشهادات الموثقة التي تثبت صحيح عقيدة القتال عندهم و المرتكزة على حسن الاعراف الاجتماعية وسماحة الاخلاق و قويم الاعتقاد الديني .
* و من الشواهد كذلك، نجاح الجيش في تنفيذ خطته و احكامها بضرب حصار بدوائر محسوبة، ظلت تضيق يوماً بعد يوم و ساعةً بعد ساعة حتى تم الاطباق على العدو و اقتحام القصر في المرحلة الاخيرة و هو امر وثقته تصريحات و شهادات عدد من الاسرى تفيد بانهم كانوا يعانون من عدم وصول الماء و الطعام لعدة ايام و كذلك الذخائر، و تلاحظ كذلك نجاح الجيش في خنق و حصار العدو و منع كل محاولات الفزع و فك الخناق على القوات المتمردة في سط الخرطوم و محيط القصر.
ختاما، تظل الحقيقة ان القصر الجمهوري الذي تمكن الجيش من تحريره و استعادته بالامس، هو ذات القصر الذي انتهت عنده اوهام و احلام غردون و غيره من المحتلين المعتدين، و هاهو تنتهي عنده اوهام الطغاة الجدد و من سلك مسلكهم و من سار على دربهم في دروب القهر و الطغيان الي يوم الدين. و تظل المفارقة الحقة تثبت ان من يدخله محررا و فاتحا مستعيدا للحقوق مدافعا عن الاوطان، ليس كمن يدخله غادرا طامعا في كرسي سلطته و مجالس حكمه، هذا يسجل في صفحات التاريخ مزينا باوسمة المجد و الخلود و ذاك يركله الشعب الى مذبلته مشيعا باللعنات و سيئ الدعوات.
د. اسامة محمد عبدالرحيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب