يذكر المؤرخ مارتن واتس "الفيلق اليهودي إبّان الحرب العالمية الأولى" أن "الفيلق اليهودي" كان أول وحدة عسكرية يهودية حديثة تُدمج في جيش نظامي بعد آلاف السنين منذ سقوط مملكة يهوذا.

وقد شكَّل هذا الأمر نقطة تحول كبيرة في التاريخ اليهودي والصهيوني، أما ما كان لافتا أن تأسيس هذا الفيلق تم خلال الحرب العالمية الأولى بوصفه جزءا من الجيش البريطاني، حيث سعى بعض قادة الحركة الصهيونية وعلى رأسهم زئيف جابوتنسكي وجوزيف ترومبلدور، وهما من أشد اليهود الروس المؤيدين للحركة الصهيونية المسلحة، إلى تكوين قوة عسكرية يهودية تُسهم في جهود الحرب البريطانية ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بهدف تأسيس دولة يهودية في فلسطين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف سرق نتنياهو منزله "الفلسطيني" في القدس؟list 2 of 2النار من كل مكان فهل باتت مبادئ بن غوريون فاشلة في حماية إسرائيل؟end of list

ففي العقد الأول من القرن العشرين، كانت الحركة الصهيونية التي أنشأها وترأسها الصحفي النمساوي تيودور هرتزل  تسعى للحصول على اعتراف دولي بشرعية وجود دولة يهودية في فلسطين، التي كانت لا تزال تحت الحكم العثماني وقتئذ، وقد تزامن هذا مع سوء الأوضاع في أوروبا بالنسبة لليهود، حيث عانوا من تضييق واسع النطاق في أوروبا الشرقية وروسيا.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وجد القادةُ الصهاينة الذين خلفوا هرتزل فرصة لتأسيس قوة عسكرية يهودية تساعد الحلفاء في قتال الدولة العثمانية، التي كانت جزءا من المحور المعادي لهم.

زئيف جابوتنسكي (الجزيرة) قصة إنشاء "الفيلق اليهودي"

بدأت الجهود لتأسيس الفيلق اليهودي منذ عام 1915، عندما توجه زئيف جابوتنسكي إلى بريطانيا لطرح فكرة تكوين كتيبة يهودية تُقاتل تحت العلم البريطاني، ورغم التردد المبدئي من الجانب البريطاني، فقد نجح جابوتنسكي في إقناعهم وشُكِّلت بالفعل "كتيبة راكبي البغال اليهودية" في العام ذاته بحسب ما تذكره الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها "المشروع الصهيوني والاختراق الصهيوني لمصر"، وكانت بمنزلة الخطوة الأولى في اتجاه تأسيس الفيلق اليهودي.

وقد ضمَّت هذه الوحدة اليهودية عددا من المتطوّعين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وخاصة من المستوطنات اليهودية في فلسطين، وكان هدفهم من مساعدة القوات البريطانية على الجبهة في جاليبولي يتمثل في إسقاط الدردنيل ومن ثم إسطنبول والدولة العثمانية.

وقد ظهر فيلق راكبي البغال اليهودي بمساعدة من الكولونيل جون هنري باترسون المفوّض العسكري البريطاني، ونجح ترومبلدور شريك جابوتنسكي في قيادة هذا الفيلق الذي تكوَّن مِن 650 فردا، وأُرسِل 562 من أعضائه إلى جبهة جاليبولي تحت قيادة البريطاني الكولونيل باترسون، وكان الصهيوني ترومبلدور نائبا له.

وفي ذلك الحين أشاد الجنرال إيان هاملتون قائد القوة الاستكشافية في جاليبولي بخدمات فيلق راكبي البغال اليهودي، حيث كتب إلى مؤسِّسه جابوتنسكي في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1915 قائلا: "لقد قام الرجال بعمل رائع، حيث كانوا يعملون بهدوء تحت نيران القذائف والبنادق الثقيلة، وقد أظهروا نوعا من الشجاعة أصعب من تلك الموجودة في الخطوط الأمامية التي كانت تحفّزها الإثارة القتالية".

ورغم هذه المجاملة من هاملتون، فإن "فيلق راكبي البغال" واجه مشكلات انضباطية كبيرة، مما استدعى فرض عقوبات بريطانية مثل الجلد العلني.

وبالإضافة إلى ذلك، أدَّت الاختلافات بين اليهود المثاليين، الذين انضموا فقط للهروب من البؤس في مخيمات اللاجئين، إلى إشعال مواجهات بين ترومبلدور الذي كان يُعرف بـ"الروسي" من جانب، واليهود السفارديم من جانب آخر، وخلال حملة جاليبولي قُتل ستة من أفراد الفيلق، وجُرح 25 آخرون، وحُلَّ الفيلق بعد انسحاب الحملة البريطانية الفاشلة التي انتصر فيها العثمانيون من جاليبولي في أوائل عام 1916.

ولكن مؤسِّس الفيلق جابوتنسكي واصلَ سعيَه لإعادة تشكيله هذه المرة على الجبهة الفلسطينية بحلول نهاية عام 1916، عندما تطوع 120 جنديا سابقا من فيلق راكبي البغال اليهودي مرة أخرى مع الجيش البريطاني ووصلوا إلى لندن، وقد عُيِّنوا جزءا من كتيبة لندن العشرين، وشكَّلوا نواة الفيلق الجديد الذي انضم فيه جابوتنسكي بصفته جنديا في هذه الكتيبة، وقدّم مع ترومبلدور عريضة للحكومة البريطانية لتشكيل فيلق يهودي جديد، لكن يكون مخصصا لفلسطين هذه المرة.

وفي عام 1917، ازدادت الضغوط الصهيونية على بريطانيا لتشكيل وحدات قتالية يهودية أكثر فعالية، وعُيِّن جابوتنسكي من جديد في قيادة التجنيد، وفي 23 أغسطس/آب من العام نفسه، وعندما كانت الحكومة البريطانية تستعد لإعلان وعد بلفور، أُعلن رسميا عن تشكيل "الفيلق اليهودي" في "الجريدة الرسمية بلندن"، ولكن تأسيسه الحقيقي على أرض الواقع دُشِّن عام 1918.

حيث ضمَّ وحدات عدة أبرزها الكتيبة 38 و39 و40 من كتائب بنادق رويال فيوزيليرز، وكانت معظم هذه الوحدات تتألفُ من متطوعين يهود من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفلسطين.

وفي نهاية المطاف، نُقِل الفيلق إلى فلسطين في يونيو/حزيران 1918، وتمركزت الكتيبة 38 في مواقع أمامية شمال القدس على التلال المواجهة للمعسكر العثماني.

الفيلق اليهودي في فلسطين

قضى الفيلق العسكري اليهودي سبعة أسابيع في وادي الأردن، حيث انتشرت الملاريا بين الجنود وأثرت بشكل كبير على الوحدة، ومن بين 800 رجل، لم يتبقَّ سوى 150 جنديا نشطا في نهاية هذه الفترة الصعبة، وتوفي أكثر من 30 جنديا نتيجة الملاريا.

في 19 سبتمبر/أيلول 1918، كُلِّفت الكتيبة 38 وبعض سرايا الكتيبة 39 بمهمة السيطرة على جانبي أحد معابر نهر الأردن والتقدم شرقا، وبعد فشل المحاولة الأولى للاستيلاء على المعبر صدرت أوامر لمجموعة جابوتنسكي "بمحاولة ثانية… وتحقيق الهدف بأي ثمن".

وقد نجحت العملية وتمكن جنود مارجولين من الكتيبة 39 من عبور نهر الأردن والاستيلاء على مدينة السلط، حينها أشاد الجنرال شايتور قائد الجناح الأيمن لقوات الجنرال اللنبي بجنود الفيلق قائلا: "بسيطرتكم على معابر الأردن أسهمتم بشكل كبير في تحقيق الانتصار العظيم في دمشق".

وعقب الحرب العالمية الأولى، وبعد توقيع الهدنة مع الدولة العثمانية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1918، احتُلَّت فلسطين كاملة، وقد انضم الناجون من الكتيبة 38 إلى القوات البريطانية في مهام جديدة تتعلق بتأمين الاتصالات. وفي عام 1919، تغير اسم الفيلق إلى "فوج يهودا"، ومن ثم كُلِّفت فيالق اليهود بمهام الحراسة والسيطرة في المناطق الإستراتيجية، ومع مرور الوقت، خُفِّضت أعداد الفيلق تدريجيا، وفي نهاية عام 1919 لم يتبقَّ سوى بضع مئات من الجنود في الخدمة.

وخلال أحداث انتفاضة "موسم النبي موسى" بين الفلسطينيين واليهود المهاجرين في القدس عام 1920، استُخدم بعض أفراد الفيلق لحماية الأحياء اليهودية في المدينة، ولكنهم واجهوا عراقيل من السلطات البريطانية خشية تطور الموقف من الأهالي الفلسطينيين، واضطر المندوب السامي البريطاني في فلسطين هربرت صامويل إلى تشكيل قوة عسكرية مختلطة من العرب واليهود للحفاظ على النظام.

ولكن بعد وقت قصير، حُلَّ الفيلق بالكامل وانتهت تجربته في فلسطين آنذاك وذلك عام 1921، لكن تأثير هذا الفيلق امتد لسنوات عديدة بعد ذلك، لأن بعض أعضاء الفيلق اليهودي أصبحوا لاحقا من قيادات الحركة الصهيونية وإسرائيل، فقد انضم ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل الأول إلى الفيلق، ووصل بصفته عضوا في كتيبة 39 لقلاع الملك في الجيش البريطاني إلى مصر عام 1918، ومن هناك إلى فلسطين.

بل وأسهم بعضهم في تأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي بعد قيام دولة إسرائيل في 1948، فعلى سبيل المثال أصبح يسرائيل جاليللي، أحد جنود الفيلق القدامى وصديق بن غوريون، واحدا من أبرز قادة عصابة الهاغاناه، وهو التنظيم العسكري الرئيسي للحركة الصهيونية الذي أذاق العرب الويلات قبل وأثناء النكبة الفلسطينية، ومن ثم أسهم في إنشاء جيش الدفاع الإسرائيلي.

 

من الفيلق إلى الجيش اليهودي

لم تمت الفكرة في عقول الصهاينة بعد حلِّ الفيلق عام 1921، ففي خلال الحرب العالمية الثانية التي انطلقت عام 1939، سعَى قادة الحركة الصهيونية إلى استغلال الفرصة من جديد لتشكيل جيش يهودي يمكن أن يُستخدم قوةً عسكرية وسياسية بعد الحرب، وكان على رأس هؤلاء ديفيد بن غوريون رئيس الورزاء الإسرائيلي الأول، الذي اعتقد أن الجيش اليهودي ضرورة حيوية لبناء الدولة اليهودية، ولكن رغم دعواته المتكررة لتجنيد يهود فلسطين، فإن عدد المتطوعين كان ضئيلا مقارنة بحجم الجالية اليهودية.

في ذلك الحين، واصل حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية والرئيس الأول لإسرائيل، العمل للحصول على موافقة البريطانيين لتشكيل وحدات يهودية بجانب بريطانيا، ورغم أن بريطانيا كانت تخشى من ردود الفعل العربية، فإن زيادة الخطر الألماني النازي واحتمالية اقترابه من فلسطين جعلت وايزمان يضغط أكثر، مؤكدا أن اليهود سيواجهون مجازر إذا لم يتلقوا الدعم الكافي.

يمكن القول إن الحرب العالمية الثانية مَثَّلت فرصة ذهبية لقادة الحركة الصهيونية لتنفيذ مشروعهم بتأسيس قوة عسكرية يهودية مستقلة ترتكز على دعم بريطانيا والحلفاء، وقد تمحورت خطتهم حول بناء جيش يهودي يعمل في صفوف القوات البريطانية على أمل أن يكون لهذه القوة دور فعّال في تحقيق الاستقلال اليهودي بعد انتهاء الحرب. وكانت تجربة "الفيلق اليهودي" الذي شاركَ في الحرب العالمية الأولى بجانب بريطانيا، رغم محدوديتها، محفزا لاستثمار هذه الفرصة بهدف الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية للمشروع الصهيوني.

ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الوكالة اليهودية لتجنيد اليهود في فلسطين، فإن التجاوب كان محدودا، حيث تطوع أقل من 36 ألف يهودي من بين نصف مليون في فلسطين، في المقابل كان البريطانيون، الذين كانوا لا يزالون محتلين فلسطين، مترددين في دعم هذا المشروع بشكل كامل؛ خوفا من استعداء العرب الذين كانوا يُشكِّلون أغلبية السكان المحليين وكان لهم دور مؤثر في استقرار المنطقة.

في الجهة الأخرى، استمرَّ حاييم وايزمان في الضغط على بريطانيا للموافقة على تشكيل قوة يهودية، وركز في مراسلاته مع تشرشل على خطورة النازية والعداء العربي تجاه اليهود، وعبَّر عن قدرة اليهود على تجنيد خمسين ألف مقاتل إذا دُرِّبوا وسُلِّحوا بشكل مناسب، ورغم هذه الجهود من قادة الحركة الصهيونية، ظلّ البريطانيون مترددين بسبب حاجتهم إلى الحفاظ على دعم العرب في أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولما وجدَ الصهاينة هذا التردد في الجانب البريطاني سارعوا إلى مواصلة جهودهم مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن أجل ذلك شُكِّلت لجنة يهودية أميركية-بريطانية للضغط على الحكومتين لدعم إنشاء الجيش اليهودي، كما عمل وايزمان وبن غوريون على كسب دعم اليهود الأميركيين للمشروع، وفي تلك الأثناء تحركت عدة منظمات صهيونية أميركية، مثل "لجنة الطوارئ الصهيونية"، لحشد الرأي العام الأميركي لدعم الجيش اليهودي.

كان فلاديمير جابوتنسكي، زعيم "التصحيحيين" الذين نادوا باستيطان اليهود في الأردن وفلسطين، قد لعب منذ الحرب العالمية الأولى كما مرّ بنا دورا محوريا في الترويج لفكرة الجيش اليهودي، وقد سافر إلى الولايات المتحدة ليشيع أهمية إنشاء مثل هذا الجيش، ولكنه واجه صعوبات كبيرة في الولايات المتحدة، خاصة أن الجالية اليهودية الأميركية كانت تخشى من اتّهامها بازدواجية الولاء إذا دعمت جيشا يهوديا مستقلا، وبالإضافة إلى ذلك كانت الصهيونية تُعاني من تراجع في شعبيتها في ذلك الوقت بسبب القلق من مُعاداة السامية والمذابح التي تعرَّضَ لها اليهود في أوروبا.

ورغم هذه التحديات، استطاع جابوتنسكي حشدَ دعم أنصاره في الولايات المتحدة، إذ دعا إلى تشكيل جيش يهودي مستقل تحت راية الحلفاء لمحاربة النازية، ولكنه أثناء نشاطه المكثّف هذا تُوفي عام 1940، مما أدى إلى توقف مؤقت في نشاط الحركة التصحيحية، قبل أن يُعاوِدَ أنصاره نشاطهم تحت قيادة برجسون الذي أسَّس لجنة خاصة لدعم إنشاء الجيش اليهودي.

وفي نهاية المطاف، عام 1944، ومع استمرار الضغوط الكبيرة من قادة الصهيونية ومنظمات يهودية أميركية، وافقت بريطانيا على تشكيل "الفرقة اليهودية" أو "الفيلق اليهودي" الذي كان له علمه الخاص، وقد شاركت هذه الفرقة في العمليات العسكرية على الجبهة الأوروبية، كان هذا انتصارا كبيرا للصهاينة الذين كانوا يسعون منذ بداية الحرب إلى تأسيس قوة عسكرية يهودية معترف بها دوليا.

ساهمت هذه الفرقة في تحسين صورة اليهود بوصفهم قوة عسكرية بين الحلفاء، وعززت من فرصهم في المحافل السياسية الدولية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وبالإضافة إلى ذلك كان للفرقة اليهودية دور كبير في بناء الخبرة العسكرية لدى الشباب اليهودي في فلسطين، وهي خبرة استفادوا منها لاحقا في حروبهم ضد العرب بعد قيام دولة إسرائيل سنة 1948.

مع نهاية الحرب، لم يقتصر دور الحركة الصهيونية على الحصول على الدعم السياسي، بل لعبوا دورا كبيرا في تهريب الأسلحة إلى فلسطين استعدادا للصراع القادم مع العرب، وقد نُظِّمت عمليات سرية لتهريب الأسلحة من الولايات المتحدة، حيث لعبت منظمات صهيونية أميركية دورا حاسما في تمويل هذه العمليات وتسهيل شحن المعدات الحربية إلى فلسطين.

وقد كانت هذه العمليات جزءا من جهود أوسع لبناء بنية تحتية عسكرية في فلسطين استعدادا للمواجهة المحتملة مع العرب، وكان ديفيد بن غوريون يقود هذه الجهود، وقد أشار في مذكراته إلى أن الصهاينة تمكّنوا من شراء معدات عسكرية متطورة بقيمة عشرين مليون دولار شُحِنت إلى فلسطين دون اكتشافها من قِبَل السلطات البريطانية. وعند انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت القوات الصهيونية قد أصبحت جاهزة للمرحلة المقبلة من الصراع، ولا شك أن تجربة "فيالق اليهود" في الحرب العالمية الأولى، وتجربة "الجيش اليهودي" خلال الحرب العالمية الثانية، شكّلتا الأساس الذي بُنيت عليه القوات المسلحة الإسرائيلية لاحقا، التي كان لها دور حاسم في الصراع مع العرب في كل الحروب التالية، وعلى رأسها حروب النكبة والنكسة وما تلاها.

يمكن القول إن الفيلق اليهودي ثم الجيش اليهودي كانا تجربتين فارقتين في تاريخ اليهود الحديث، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضا من الناحية السياسية والرمزية، إذ إن مشاركتَه في الحرب العالمية الأولى تحت راية الجيش البريطاني قد أعطَت الحركة الصهيونية شرعية سياسية وأظهرت قدرتها على المساهمة في المجهود الحربي، كما أن دورَ الفيلق في المشاركة في هزيمة العثمانيين في فلسطين قد أسهم لاحقا في إنشاء "الجيش اليهودي" في الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي أسهم في إنشاء الدولة والجيش الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد فی الحرب العالمیة الأولى الحرب العالمیة الثانیة ت الحرکة الصهیونیة الدولة العثمانیة الولایات المتحدة الجیش البریطانی الجیش الیهودی إلى فلسطین بن غوریون فی فلسطین یهودیة فی فی نهایة التی کان جزءا من

إقرأ أيضاً:

الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية

ثورة بدأت عام 1936م وامتدت حتى 1939م. اندلعت في منتصف أبريل/نيسان بعدما هاجم أتباع الشيخ عز الدين القسّام قافلة شاحنات بين مدينتي نابلس وطولكرم، وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون الصهيونية في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين قرب قرية بيتح تكفا.

وتلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا فانطلقت بذلك "الثورة الفلسطينية الكبرى"، التي استمرت 3 أعوام، وتعاضد فيها الأعيان والنخب مع الفلاحين والبسطاء من أهل الريف.

الظروف التاريخية للثورة الفلسطينية الكبرى

مهدت عدة أحداث وتطورات الطريق لهذه الثورة، فقد كانت فترة الثلاثينيات من القرن الـ20 في فلسطين -كما في غيرها من البلدان- فترة اضطراب اقتصادي شديد، وفيها أصاب الفلسطينيين في الريف ضرر كبير نتيجة عمليات نزع ملكيتهم وتراكم الديون عليهم، جرّاء سياسات سلطات الانتداب البريطاني المشجعة لجهود المنظمات الصهيونية لشراء الأراضي بالإكراه.

وملأت الهجرة من الريف إلى الحضر حيفا ويافا بالفلسطينيين الفقراء الباحثين عن عمل، فبرزت أشكال جديدة من التنظيمات السياسية التي ركّزت على الشباب والفئات الاجتماعية الشعبية بدل الأشكال القديمة القائمة على النخب، كما أدى تزايد العداء لليهود في أوروبا إلى زيادة هجرتهم إلى فلسطين.

ونتجت عن تلك التطورات والأحداث اضطرابات دورية، ابتداء بثورة البراق سنة 1929، ثم اندلاع المظاهرات في العديد من مدن فلسطين ضد الانتداب البريطاني عام 1933.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935، تم اكتشاف كمية من الأسلحة شُحنت لحساب منظمة الهاغاناه في ميناء يافا، مما أجّج المخاوف الفلسطينية، خاصة وأن الهجرة اليهودية بلغت ذروتها، ففي الفترة من 1933 إلى 1936 وصل أكثر من 164 ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين، وبين 1931 و1936 زاد عدد السكان اليهود أكثر من الضعف من 175 ألفا إلى 370 ألفا، وانتقلت نسبتهم من 17% إلى 27% من مجموع السكان.

إعلان

وفي عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام منظمة "الكف الأسود"، المناهضة للصهيونية وللسياسات الاستعمارية البريطانية، وجنّد الفلاحين والعمال وأقام لهم دورات تدريبية عسكرية.

وبحلول عام 1935 كان قد جند المئات، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اشتبك اثنان من رجاله بالأسلحة النارية مع دورية للشرطة البريطانية وقتلوا شرطيا.

وفي أعقاب هذه الحادثة طاردت الشرطة القسّام، وحاصرته في كهف بالقرب من قرية يعبد ومعه 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه، واستشهد معه 3 من رفاقه، وأصيب اثنان منهم وأسر الباقون.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات لمتابعة نهجهم والسير على منوالهم، وبقيت تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936.

ويعد عبد القادر الحسيني أول من بدأ قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمواجهة الاحتلال، وقد استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض معركة تحرير قرية القسطل الإستراتيجية المشرفة على طريق القدس يافا.

مراحل الثورة الفلسطينية الكبرى

مرت الثورة الفلسطينية الكبرى بـ3 مراحل:

المرحلة الأولى

بدأت من ربيع عام 1936 وحتى يوليو/تموز 1937، وهي مرحلة اشتعال الثورة بعد تأجج التوترات في فلسطين وتراكمها منذ خريف 1935.

ففي منتصف أبريل/نيسان 1936، هاجم أتباع القسّام قافلة من الشاحنات بين نابلس وطولكرم وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين بالقرب من بيتح تكفا، ثم تلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا.

وفي 19 أبريل/نيسان، شُكّلت في نابلس لجنة وطنية اتُّفق فيها على إعلان الإضراب، كما شُكلت لجان وطنية في مدن أخرى دعت بدورها إلى الإضراب.

إعلان

وفي 25 أبريل/نيسان، تم تشكيل اللجنة العربية العليا من رؤساء الأحزاب الخمسة، و5 آخرين من رجالات البلاد. وكان أعضاء اللجنة هم: الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي وأحمد حلمي عبد الباقي والدكتور حسن الخالدي ويعقوب فراج وعوني عبد الهادي وعبد اللطيف صلاح وألفرد روك وجمال الحسيني ويعقوب الغصين، وانتخب أمين الحسيني رئيسا لتنسيق ودعم إضراب وطني عام انطلق في الثامن من مايو/أيار وشلّ النشاط التجاري والاقتصادي في فلسطين 6 أشهر.

وفي تلك الأثناء كان الفلسطينيون في أنحاء الريف كافة يشكّلون مجموعات مسلحة لمهاجمة أهداف للسلطات البريطانية والحركات الصهيونية المسلحة، وكان عملهم في البداية عفويا ومتقطّعا، ثم انتظم بعد ذلك بشكل متزايد، وانضم إليه متطوعون عرب من خارج فلسطين، وإن بأعداد قليلة.

واستخدم البريطانيون أساليب وتكتيكات مختلفة لوقف الإضرابات وقمع العصيان المسلّح في المناطق الريفية، وزادوا أعداد رجال الشرطة البريطانيين واليهود، وتعرّضت المنازل للتفتيش والمداهمات الليلية، وأهلها للضرب والسجن والتعذيب والترحيل.

ووصل القمع البريطاني إلى حد هدم أحياء واسعة في مدينة يافا القديمة، وتزامنت تلك العمليات العسكرية والتدابير القمعية مع إرسال الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد بيل للتحقيق في الأسباب الجذرية للتمرد.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1936، وتحت وطأة ضغوط السياسات القمعية البريطانية، وضغوط بعض الملوك والأمراء العرب من خلال وعود وتطمينات، وكذا العواقب الاقتصادية للإضراب على السكان الفلسطينيين، أوقفت اللجنة العربية العليا الإضراب ووافقت على التعاون مع لجنة بيل.

بدأت لجنة بيل عملها، وانخفضت التوترات مؤقتا، وبعد إعلان نتائج تحقيقها، الذي صدر في يوليو/تموز 1937، أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للعرب، فثار الشعب الفلسطيني مجددا وأطلق تمردا مسلّحا أكثر شدة من سابقه، وبدأت المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.

إعلان

المرحلة الثانية

وامتدت من يوليو/تموز 1937 إلى خريف 1938، وحققت فيها الثورة مكاسب كبيرة، إذ سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي الجبلية، بما في ذلك البلدة القديمة في القدس لفترة من الزمن، فأحلوا فيها مؤسسات وطنية محل تلك التي كانت تابعة للانتداب البريطاني، مثل المحاكم وخدمة البريد وغيرها.

وكان حادث اغتيال لويس يلاند أندروز -حاكم لواء الجليل- على يد جماعة القسام يوم 26 سبتمبر/أيلول 1937 المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.

وقد اعتبر مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية، إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، واعتبر إعلانا صريحا للثورة ضد الحكم البريطاني.

فما كان من البريطانيين إلا أن اتخذوا تدابير أشد قسوة في محاولة لسحق الثورة، فأعلنت سلطة الانتداب عدم شرعية اللجنة العربية العليا والأحزاب السياسية الفلسطينية كافة، وألقت القبض على القادة السياسيين والأهليين، ونفت عددا من الشخصيات العامة رفيعة المستوى.

كما لجأت إلى تصعيد الوسائل العسكرية لمكافحة التمرد، فنشرت الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة في جميع أنحاء فلسطين، وطبّقت العقاب الجماعي في حق الفلسطينيين، فزجّت بآلاف منهم في "معسكرات الاعتقال"، كما دمرت أحياء سكنية وأغلقت مدارس وغرمت قرى بشكل جماعي وأجبرتها على إيواء الشرطة والقوات البريطانية.

وأمام هول ما كان يحدث للشعب الفلسطيني، استفادت المنظمات العسكرية الصهيونية من الوضع لبناء قدراتها بدعم بريطاني، وبحلول أوائل سنة 1939 حصل 14 ألف رجل من "شرطة المستعمرات اليهودية" على الدعم والزي الرسمي والسلاح من الحكومة البريطانية.

وكانت منظمة الهاغاناه تعمل خلف تلك الواجهة، إضافة إلى ما يسمّى الوحدات الليلية الخاصة المشكَّلة من يهود وبريطانيين، وكانت تنفذ "عمليات خاصة" ضد القرى الفلسطينية.

إعلان

المرحلة الثالثة

واستمرت تقريبا من خريف 1938 حتى صيف 1939، إذ كان البريطانيون قد عينوا في يناير/كانون الثاني 1938 لجنة تحقيق أخرى بقيادة السير جون وودهيد لدراسة الجوانب الفنية لتنفيذ التقسيم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1938، خلص تقرير لجنة وودهيد إلى أن التقسيم ليس عمليا، مما جعل البريطانيين يتراجعون بعض الشيء عن توصية بيل، إلا أنهم أطلقوا في الوقت ذاته هجوما شاملا على الفلسطينيين، فشهد عام 1939 قتل المزيد منهم وإعدام المزيد شنقا واعتقال ما يقارب ضعفي عدد معتقلي سنة 1938.

وقد فرضت هذه الأوضاع ضغوطا هائلة على الثوار الفلسطينيين، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين قادة اللجنة العربية العليا من السياسيين المنفيين إلى دمشق وبين القيادة المحلية، ومن جهة ثانية بين مجموعات الثوار وسكان القرى الذين كان من المتوقع أن يدعموهم.

ووقع الخلاف بشكل أساسي بين الفلسطينيين المستعدين للتوصل إلى تسوية مع البريطانيين وأولئك الملتزمين بالثورة، وتم تشكيل ما سمّي "فرق السلام" الفلسطينية بدعم بريطاني لمحاربة أنصار الثورة.

وفي مايو/أيار 1939 نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الجديد الذي نص على "الوفاء بالتزامات بريطانيا تجاه فكرة الوطن القومي لليهود، واستمرار السماح بهجرة 75 ألف يهودي جديد إلى فلسطين في الأعوام الخمسة التالية، واستحواذ اليهود على الأراضي فيها (وهما بندان يتعارضان مع التزامات بريطانيا تجاه الفلسطينيين).

كما نص الكتاب الأبيض على أنه "بعد انقضاء السنوات الخمس تصبح الهجرة اليهودية خاضعة للموافقة العربية ويسمح بنقل ملكية الأراضي في مناطق معينة فقط، فيما تكون العملية مقيدة ومحظورة في مناطق أخرى، وذلك لمنع حرمان الفلسطينيين من الأراضي، ويتم إنشاء دولة موحدة مستقلة بعد 10 سنوات، مشروطة بعلاقات فلسطينية يهودية مواتية".

إعلان

وفي أواخر صيف 1939، أوصلت الجهود البريطانية العسكرية والدبلوماسية المشتركة، الثورة إلى نهايتها، وفي السنوات الثلاث للثورة قُتل حوالي 5 آلاف فلسطيني وجُرح ما يقارب 15 ألفا، إضافة إلى نفي القيادات الفلسطينية واغتيالها وسجنها وتأليب بعضها ضد بعض.

أما خسائر الإنجليز، فكانت مقتل 16 رجل شرطة و22 جنديا وجرح 10 رجال شرطة و148 عسكريا ومقتل 80 يهوديا وجرح 308 آخرين.

أبرز معارك الثورة الفلسطينية الكبرى معركة نور شمس: وقعت يوم 23 مايو/أيار 1936. معركة عنبتا: وقعت يوم 21 يونيو/حزيران 1936. معركة وادي عزون: وقعت يوم 28 يونيو/حزيران 1936. معركة الفندقومية: وقعت يوم 30 يونيو/حزيران 1936. معركة باب الواد: وقعت يوم 29 يوليو/تموز 1936. معركة رأس عامر: وقعت في الثالث من أغسطس/آب 1936. معركة صفد: وقعت في التاسع من أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الأولى: وقعت في العاشر من أغسطس/آب 1936. معركة عصيرة الشمالية: وقعت يوم 17 أغسطس/آب 1936. معركة وادي عرعرة: وقعت يوم 20 أغسطس/آب 1936. معركة عين دور: وقعت يوم 29 أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الثانية: وقعت في الثالث من سبتمبر/أيلول 1936. معركة الجاعونة: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936. معركة ترشيحا: وقعت في التاسع سبتمبر/أيلول 1936. معركة حلحول: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة جبع: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة بيت مرين: وقعت يوم 29 سبتمبر/أيلول 1936. معركة الخضر: وقعت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1936. معركة كفر صور: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936.

مقالات مشابهة

  • الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية
  • إجلاء 2000 شخص.. ألمانيا تعثر على 4 قنابل من الحرب العالمية
  • الدولار يتراجع في ظل قلق الأسواق العالمية من الحرب التجارية
  • توقف حركة القطارات في فرنسا بسبب قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية
  • بسبب الحرب العالمية الثانية.. تعطّل خدمة القطارات في «محطة باريس المركزية»!
  • بسبب قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية.. توقف حركة القطارات في فرنسا
  • قنبلة من الحرب العالمية الثانية تعطل حركة القطارات في باريس (شاهد)
  • قنبلة من الحرب العالمية الثانية تشلّ حركة القطارات في باريس
  • قنبلة لم تنفجر من الحرب العالمية الثانية توقف حركة القطارات إلى لندن وشمال فرنسا
  • قنبلة من الحرب العالمية تعطل حركة القطارات في باريس