طه حسيب (أبوظبي)
طفرة كبرى في آليات الإنتاج والتوزيع والتسويق والتجارة والخدمات تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتفتح الباب على مصراعيه أمام خريطة جديدة للقوى الاقتصادية العالمية، وفي الوقت نفسه تعيد تشكيل مراكز القوى على خريطة العالم الجيوسياسية، يلعب فيها الاقتصاد القائم على المعرفة دور البطولة، وينقل السباق بين القوى الكبرى من أسواق التجارة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

 
الذكاء الاصطناعي أحد أهم التقنيات الناشئة، وباتت له تطبيقات في صناعات عديدة، تنمو بوتيرة أعادت تشكيل الاقتصاد العالمي وتعيد تعريق محددات الأمن القومي، وفي كل عام، وتزداد طفرة الذكاء الاصطناعي أهمية مع تنامي اعتماد المزيد والمزيد من الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم على حلول الذكاء الاصطناعي.
وتتوقع شركة Grand View Research المتخصصة في أبحاث السوق والاستشارات ومقرها الهند والولايات المتحدة، أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي من 387.45 مليار دولار في عام 2022 إلى تريليون و394 مليار دولار بحلول عام 2029، وتشير التقديرات إلى سوق الذكاء الاصطناعي يشهد نمواً سنوياً خلال الفترة من 2023 إلى 2030 يزيد على 37%. 
كما يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار أميركي في الاقتصاد العالمي في عام 2030، أي أكثر من الإنتاج الحالي للصين والهند مجتمعتين، ذلك من خلال زيادة الإنتاجية، وأيضاً من خلال تأثيرها على المستهلك. 

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على خريطة القوى الاقتصادية العالمية، خاصة في صعود شركات التقنية التي تلعب دور البطولة في طرح تطبيقات مبتكرة تغير قواعد الإنتاج والتجارة والتصنيع؟ 
وفي تصريح خاص للاتحاد أكد الدكتور جواو ليما، مستشار الذكاء الاصطناعي بمجلس الأعيان البرازيلي، عضو لجنة الذكاء الاصطناعي في المجلس، أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتل الاقتصادية العالمية بات أكثر تعقيداً من مجرد تحول بسيط لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى. وأوضح ليما أنه على الرغم من أن هذه الشركات تتمتع حالياً بمزايا كبيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك العديد من القوى الموازنة التي تساهم في تشكيل المشهد العالمي على الصعيد الاقتصادي.
معايير تنظيمية
وأشار ليما إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى تمتلك مزايا كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال موارد البيانات الضخمة وقدرات البحث ومجموعات المواهب، وتضع شركات مثل «جوجل» و«مايكروسوفت» و«اوبن إيه آي» معايير تكنولوجية يجب على الآخرين اتباعها. ومع ذلك، هناك ثلاثة عوامل رئيسية تتحدى هيمنتها: أولاً، تعمل الأطر التنظيمية مثل قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي على الحد بشكل نشط من قوة وتأثير شركات التكنولوجيا الكبرى. ثانياً، تعمل ديمقراطية الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات مفتوحة المصدر وواجهات برمجة التطبيقات على جعل القدرات المتقدمة أكثر سهولة في الوصول إليها من قبل اللاعبين الأصغر. ثالثاً، تنشأ أنظمة بيئية إقليمية للذكاء الاصطناعي، وخاصة في الصين وغيرها من الأسواق الآسيوية، مما يخلق مراكز بديلة للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي والقوة الاقتصادية.
وأضاف ليما: بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن يتشكل المشهد الاقتصادي العالمي نتيجة ما قد تسفر عنه التفاعلات بين القيادة التكنولوجية لشركات التكنولوجيا الكبرى وهذه القوى المعاكسة الرامية إلى ضبط وحوكمة هذا القطاع الصاعد. وأكد ليما في تصريحه لـ«الاتحاد» أن النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي لن يعتمد على التفوق التكنولوجي فحسب، بل على القدرة على التنقل عبر المتطلبات التنظيمية، وتعزيز أنظمة الابتكار، ومعالجة المخاوف المجتمعية بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي. ستكون البلدان والمناطق القادرة على موازنة هذه العوامل بشكل فعال - وليس فقط شركات التكنولوجيا الكبرى - هي التي ستكتسب ميزة اقتصادية في المستقبل الذي يقوده الذكاء الاصطناعي.

أخبار ذات صلة الاقتصاد العالمي مُعرض لخطر تراجع النمو نائب رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لـ «الاتحاد»: «تعلم الآلة».. أكثر التخصصات المطلوبة

رؤية الإمارات 
أكد الدكتور محمد إبراهيم الظاهري، نائب مدير عام أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أن دولة الإمارات تتبنى نهجاً استباقياً في توجيه تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يخدم السلام والتنمية المستدامة على المستويين الإقليمي والعالمي. وأضاف أن دولة الإمارات تدرك الدور المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل الأنظمة الاقتصادية، السياسية، والعسكرية، وتسعى إلى توظيف هذه التقنيات لدعم الاستقرار وتحقيق الأهداف التنموية. 
وأوضح الظاهري أن الشركات التقنية الكبرى، بقدرتها على الابتكار السريع تمتلك نفوذاً تكنولوجياً متنامياً يؤثر على السياسات العالمية، خصوصاً في مجالات حيوية مثل التجارة الرقمية، التكنولوجيا المالية، وتحليل البيانات الضخمة. وأشار إلى ضرورة توجيه هذا الابتكار لدعم الاقتصادات الناشئة والمساهمة في تحقيق النمو الشامل.
وفي سياق الحديث عن التطبيقات العسكرية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، حذر الظاهري من أن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال دون إشراك التقييم البشري يشكل خطراً استراتيجياً ويؤدي إلى تغيرات جذرية في موازين القوى. وأكد أن الحل يكمن في إيجاد توازن مدروس بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري، خاصة في القرارات الحساسة التي قد تؤثر بشكل لا رجعة فيه على مصير الدول.
واختتم الدكتور الظاهري في تصريحه لـ«الاتحاد» بالتأكيد على ضرورة تعزيز التعاون بين الحكومات وشركات التقنية الكبرى في حوكمة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بمستويات تسمح بالمرونة في دفع عجلة الإبداع والابتكار. وأوضح أن دولة الإمارات تؤمن بأن هذا التعاون ضروري لضمان الاستخدام المسؤول لتلك التقنيات، بما يعزز النمو الاقتصادي العالمي ويحقق فوائد مستدامة للبشرية جمعاء. 

وفي تصريح خاص لـ«الاتحاد» أكد بشار الكيلاني، خبير في الاقتصاد الرقمي، مؤسس AI360 للابتكار في كامبيس دبي للذكاء الاصطناعي- مركز دبي المالي العالمي، أن الذكاء الاصطناعي محفز أو أداة جديدة تعزز القوة الاقتصادية للدول التي تمتلك قدرات في الزراعة أو الصناعة وغيرها من قطاعات الإنتاج، خاصة عندما تكون هذه الدول متميزة في الاقتصاد الرقمي، وقطعت شوطاً كبيراً في التحول الرقمي، وستكون لدى هذه الدول قدرة فائقة على تنويع اقتصاداتها القائمة على المعرفة ما يمكنها من خلق فرص عمل أفضل وتحسين جودة الحياة.
وأشار الكيلاني إلى أن كل الدول تتنافس الآن على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وانتقل السباق التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين من التجارة إلى الذكاء الاصطناعي. وأضاف الكيلاني أن وجود شركات تكنولوجيا كبرى لديها قدرات اقتصادية تفوق بعض الدول يعطي ديناميكية أكثر للاقتصاد العالمي، لكن المسألة تحتاج إلى ضوابط خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، كي لا تتركز هذه القوة الهائلة لدى عدد قليل من الشركات، وضمن هذا الإطار، وضع الاتحاد الأوروبي ضوابط لهذه الشركات بحيث تلتزم بما يعرف بـ«الاستخدام المسؤول»، بحيث تحترم الخصوصية الفردية والعدل وعدم استخدام البيانات في تحقيق مكاسب تجارية، ضمان فرص متساوية، كما أن الاتحاد الأوروبي- يضيف الكيلاني- لديه قانون للذكاء الاصطناعي يضع ضوابط لاستخدامه. ولدى الإمارات أيضاً ضوابط مهمة في هذا لمجال منها: قانون البيانات والحوسبة السحابية والأمن السيبراني. 
ونوّه الكيلاني إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخلف فجوة جديدة بين الدول التي تستطيع توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وبين الدول النامية التي لا تستطيع استخدام الطفرة التقنية، مشيراً إلى عوامل أساسية تجعل الدول قادرة على الاستفادة من هذه التقنيات، أهمها: البنية التحتية الرقمية المتطورة، خاصة الحوسبة السحابية، والتشريعات اللازمة لضبط استخدام البيانات في التجارة الإلكترونية، وتطوير مهارات بشرية بارعة في الاقتصاد الرقمي، وتوفير بيئة جاذبة للشركات الناشئة. 
وأضاف الكيلاني أن الإمارات لديها هذه العوامل، وتتوقع شركة PWC أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بما قيمته 100 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات في عام 2030، أو ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ما هي ديمقراطية الذكاء الاصطناعي؟ 
عززت طفرة الذكاء الاصطناعي قدرة الدول والشركات على امتلاك قدرات فائقة في الإنتاج والتصنيع وتقديم الخدمات، ومن خلال وضع أطر تنظيمية تحكم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعبر حوكمة شاملة لهذا القطاع الواعد، سيكون بمقدور الدول النامية الاستفادة من الطفرة التقنية وجسر الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة، فيما يطلق عليه الخبراء «ديمقراطية الذكاء الاصطناعي» التي تتيح للجميع الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، وتجعله قوة للخير، وتضمن تلاشي الاحتكارات. 

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي التجارة التسويق الاقتصاد العالمي الهند حوكمة الذكاء الاصطناعي الصين شرکات التکنولوجیا الکبرى تقنیات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی فی الاقتصاد خاصة فی من خلال

إقرأ أيضاً:

أوروبا ودونالد ترامب وشركات التقنية الكبرى

ترجمة - قاسم مكي -

في خطابه الوداعي يوم 15 يناير حذر الرئيس جو بايدن من أن أوليجارشية بالغة الثراء والقوة والنفوذ تهدد الديمقراطية الأمريكية. (حسب تعريف قاموس كمبردج الأوليجارشية مجموعة صغيرة من الأشخاص الأقوياء جدا الذين يسيطرون على الحكومة والمجتمع- المترجم).

أشار تحذير بايدن إلى رواد أعمال التقنية الذين يحيطون بالرئيس المنتخب دونالد ترامب وتحديدا إيلون ماسك (شركة إكس) ومارك زوكربيرج (شركة بيتا)، لكن التهديد لا يقتصر على الولايات المتحدة بل يشمل الاتحاد الأوروبي أيضا.

ويؤمن ترامب وماسك والجمهوريون أصحاب شعار ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) أن ماسك بشرائه تويتر التي عدّل اسمها إلى إكس استعاد حرية التعبير وأنقذ الديمقراطية الأمريكية.

يريد ماسك استنساخ ما فعله في الولايات المتحدة على نطاق العالم وشرع في التدخل في السياسة الأوروبية ممهدا بذلك لمواجهة حتمية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعزَّز زوكربيرج هذا التحدي، فقد انضم إلى ماسك في حث ترامب على حماية شركات التقنية الأمريكية من الإجراءات التنظيمية الأوروبية واتهام الاتحاد الأوروبي بممارسة الرقابة المؤسسية على نحو مماثل لما تفعله الصين.

ويتمتع الأوليجارشيون التقنيون بدعم الجمهوريين أنصار ترامب، فأثناء الحملة الانتخابية الأمريكية حذَّر جيه دي فانس المرشح لمنصب نائب الرئيس الاتحادَ الأوروبي من أن فرض ضوابط تنظيمية على منصة إكس سيُعتبر هجوما على حرية التعبير ولا يتوافق مع القيم الديمقراطية لحلف الأطلسي، وأضاف أن مثل هذه التصرفات ستقود الولايات المتحدة إلى التخلي عن دعمها للناتو.

هذا الوضع يرقى إلى الابتزاز، فخيار الاتحاد الأوروبي واضح، إنه تجاهل قوانين الخدمة الرقمية والسماح لمنصات ماسك وزوكربيرج بحرية مطلقة لنشر التضليل الإعلامي وخطاب الكراهية والتدخل السياسي أو مواجهة عواقب اقتصادية كبيرة ومخاطر أمنية.

وردُّ الأوروبيين كان خافتا على خطط ماسك وزوكربيرج التي تستهدف الحصول على عون ترامب وتخطي اللوائح التنظيمية الأوروبية مما يوحي باستعداد مثير للقلق من جانبهم للاستسلام. المفوضية الأوروبية المسؤولة عن تطبيق قانون الخدمات الرقمية لعام 2022 الذي تعارضه شركتا إكس وميتا التزمت الصمت أو فضلت تهدئة النزاع. وانتقد القادة الأوروبيون ترامب لكنهم مترددون كما يبدو في المواجهة العلنية مع العملاقين التقنيين الأمريكيين، إنهم يخشون ليس فقط التداعيات الاقتصادية والأمنية ولكن أيضا انتقام منصات وسائل الإعلام الأمريكية، فقد سبق لماسك استخدام منصة إكس لانتقاد الجمهوريين المنشقين.

يتزايد هذا القلق لأن القوة السياسية المهيمنة في البرلمان الأوروبي وهي مجموعة حزب الشعب الأوروبي التي تضم أحزاب يمين الوسط تتبني جزئيا سردية ترامب- ماسك- زوكربيرج بأن التقدميين يحدُّون من حرية التعبير. وذهب قادة أقصى اليمين إلى أبعد من ذلك. جورجيا ميلوني وفيكتور أوربان اصطفا إلى جانب ماسك وزوكربيرج وأكدا أن إكس وميتا أفضل في التمسك بحرية التعبير من المفوضية الأوروبية.

من المفهوم أن ينتاب القادة الأوروبيون القلق من الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة خشيةً من أن تكون التكاليف أكثر من الفوائد. تحديد مقدار هذا التدخل الذي يتحول في الواقع إلى أصوات انتخابية لأقصى اليمين ليس مهمة يسيرة، قد يفترض بعض واضعي السياسات أن أثره الانتخابي سيكون ضئيلا ويظنُّ آخرون أنه سيترتب عنه رد فعل عكسي إذا تم حشد الناخبين المعادين لأقصى اليمين على أساس أن الديمقراطية في خطر.

لكن إرضاء ترامب يمكن أن يكلف الكثير، عندما تخسر حركات أقصى اليمين الانتخابات كثيرا ما تتحدى نتائجها. وهذا يمكن أن يتصاعد إلى احتجاجات عنيفة كما حدث في يناير2021 في واشنطن ويناير 2023 في البرازيل. ويمكن أن يحدث في ألمانيا في فبراير. حتى بدون مثل هذه الأحداث يمكن للتدخل المنفلت أن يقود إلى استقطاب سياسي ويسمِّم الخطاب العام.

عدم فعل أي شيء سيؤسس لسابقة خطيرة، فإذا قدَّمت حكومة الولايات المتحدة الحماية لشركاتها أو شجعتها على عدم الانصياع لقانون الاتحاد الأوروبي ستنتهك بذلك سيادة الكتلة الأوروبية وتخاطر بتحويل الاتحاد الأوروبي إلى مستعمرة رقمية تحكمها الولايات المتحدة وتُملِي عليها إرادتها.

على أوروبا فصل النقاش حول تنظيم المنصات الرقمية عن السياسة التجارية والمخاوف الأمنية، وإذا فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية ستكون لدى الاتحاد الأوروبي أدوات الدفاع عن نفسه ويجب عليه استخدامها دون تردد، وإذا ربطت الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا بسياسات المنصات الرقمية يجب على أوروبا التأكيد على المخاطر الاستراتيجية المشتركة لإضعاف أوكرانيا، فضعف أوكرانيا سيقوِّي روسيا ويعزز وضع الصين ويهدد الاستقرار العالمي.

صادق ائتلافٌ عريض من 539 برلمانيا من مختلف الأحزاب على لائحة الاتحاد الأوروبي لتنظيم الخدمات الرقمية (صوت ضدها 65 برلمانيا فقط)، فهذا ليس نزاعا بين التقدميين الأوروبيين والجمهوريين الأمريكيين أنصار شعار «ماغا» ولكنه مسألة تتعلق بالحفاظ على حكم القانون، وعلى المفوضية الأوروبية تطبيق هذه القوانين في كل الأحوال وضمان التقيد بها من جانب كل الشركات بما في ذلك المنصات الأمريكية من شاكلة إكس وميتا أو المنصات الصينية مثل تيك توك والتي هي الآن قيد التحقيق لدورها في الانتخابات الرومانية الأخيرة.

على أوروبا توضيح أن هذه ليست مواجهة بين الولايات المتحدة وأوروبا ولكن بين أوليجارشيين تقنيين محددين وبين الحوكمة الديمقراطية، ويجب أن يظل التركيز على تطبيق الإجراءات ضد أولئك الذين يستغلون الهيمنة على السوق من أجل مكاسب اقتصادية وتكديس نفوذ سياسي للحفاظ على تلك المكاسب.

أوروبا ليست لديها مشكلة تتعلق بحرية التعبير تستدعي تدخل ماسك أو زوكربيرج. القضية ليست حرية التعبير ولكن أن يقود النفوذ السياسي غير المقيد لبليونيرات التقنية إلى تقويض الأنظمة الديمقراطية، ودعم ماسك لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف على منصة إكس يشكل عمليا تمويلا انتخابيا غير مباشر، فالأحزاب الألمانية الأخرى سيلزمها دفع مبالغ كبيرة للإعلان على منصة إكس لكي تحصل على نفس مستوى التغطية، وعلى مشرفي قوانين الانتخابات الأوروبية اعتبار التضخيم الخوارزمي شكلا من أشكال النشاط السياسي والعمل على ضمان نزاهة التنافس الانتخابي (التضخيم الخوارزمي يُقصَد به التركيز على محتوى رقمي معين في منشورات أو مقاطع فيديو أو حسابات محددة على منصات التواصل الاجتماعي- المترجم).

البلدان الأوروبية ليست وحدها في هذا الصراع، فهناك دول أخرى من بينها البرازيل وبريطانيا تقاوم أيضا محاولات شركات التقنية إبطال السيادة الوطنية، وتتيح هذه الأزمة للاتحاد الأوروبي فرصة لإيجاد تحالف للسيادة الرقمية والتكنولوجية وتوحيد الأنظمة الديمقراطية ضد التدخل الذي يقوض التماسك الاجتماعي ويضخم السرديات التي تحرِّكها الكراهية.

لا يملك الاتحاد الأوروبي تجاهل التهديدات التي تشبه الابتزاز من ترامب وماسك وزوكربيرج. الاستسلام لن يكون فقط سابقة خطيرة ولكنه يؤشر أيضا لخضوع الاتحاد الأوروبي كتابع رقمي للولايات المتحدة.

على الاتحاد بدلا عن ذلك اتخاذ موقف حازم واستخدام الأدوات القانونية والاقتصادية والدبلوماسية للكتلة الأوروبية لحماية القيم الديمقراطية والسيادة التكنولوجية، بقيامه بذلك يمكنه ضمان بيئة رقمية عادلة تستطيع الصمود أمام الإكراه الخارجي ومواتية لازدهار واستقلال الاتحاد الأوروبي.

خوسيه اجناسيو تورِّيبلانكا زميل أول سياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

الترجمة خاصة لـ عمان

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. ثورة تكنولوجية تفتح آفاقًا جديدة للفرص
  • الابتكار والتكنولوجيا يقودان سباق التصنيف العالمي للاستدامة .. تفاصيل
  • الإمارات تعزز مكانتها لاعباً رئيسياً في المشهد الإعلامي العالمي
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • جوجل تعزز قدرات Google Sheets بالذكاء الاصطناعي عبر Gemini
  • “سدايا” تستعرض مستقبل الذكاء الاصطناعي العام والتحديات التي تواجهه بمشاركة أكثر من 16 جهة حكومية
  • الجامعة العربية تنظم دائرة حوار حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي ..الأحد
  • نظمها مركز «تريندز».. ندوة تناقش دور الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية المستدامة
  • أوروبا ودونالد ترامب وشركات التقنية الكبرى
  • محافظ الإسكندرية يستقبل مدير البنية التحتية المستدامة بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية