اليمن يفك طلاسم السحر الأمريكي
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
ليس في الأمر مبالغة أو تخدير، لكنها حقيقة كشفت عنها معركة «الفتح الموعود والنصر المقدس»، ورَصَدها ووثّقها وأقرّ بها الخصوم قبل الأصدقاء، اليمن يصبح لاعباً مؤثرا في مشهد المنطقة.
ولم يأت الأمر من باب الصدفة أو ضربة حظ، ولكنها نتيجة طبيعية لمن يحدد هدفه ويعمل على تحقيق متطلبات هذا الهدف بايمان وثبات، ويدعم ذلك حين يكون الهدف إنسانياً وأخلاقياً، ولذلك يجري الحديث اليوم بقلق في الأروقة الدولية عن قوة ناشئة يبدو أنه سيكون لها دور كبير في المستقبل، انطلاقا من قراءة لجملة المعطيات التي تقود إلى مثل هذه الحقيقة، والتي تتركز في المراحل الخمس لمعركة الفتح الموعود الإسنادية لطوفان الأقصى، ولا تنفصل عن حقيقة أن اليمن قادم من أنقاض عدوان استمر يقصف كل شيء في البلد طيلة ثمان سنوات بلا هوادة.
كما والنظر إلى تفاصيل معركة الفتح الموعود لا ينبغي فصله عن المنطلقات الدينية والإنسانية والأخلاقية التي جعلت اليمن يصنف السلوك الأمريكي والإسرائيلي تجاه العرب والمسلمين- وتجاه الفلسطينيين في هذه المرحلة الفاصلة- بالعربدة والبلطجة غير المقبولة، الأمر الذي كوّن خلفية موضوعية للتحرك اليمني وإعلان المعركة.
طوال العقود الماضية استضعفت أمريكا الدول العربية والإسلامية فمارست بحقها كل صنوف الامتهان ونهبت خيراتها، ولعبت بحاضرها ومستقبلها لصالح الكيان الصهيوني، وكلما تحركت قوى عالمية كالصين وروسيا، لامتلاك أدوات المنافسة على قيادة العالم، زادت أمريكا من قهر العرب والمسلمين بقصد إحكام السيطرة وتفويت الفرصة على الخصوم المنافسين على قيادة العالم، إلا أن ما قدمه اليمن من نموذج لصحوة الإرادة من أجل السيادة العربية على الأرض العربية وتفويت الفرصة على أي طامع بأن ينهب المنطقة حاضرها ومستقبلها، يحيل الحُلم الأمريكي إلى سراب، فاليوم لم يعد كالأمس، وكما ظهر اليمن بهذه القوة وهذا العنفوان وهذا الاقتدار، ظهر محور المقاومة في لبنان والعراق، فضلا عما تجترحه يوميات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة من بطولات استثنائية ضد كيان متوحش امتلك كل الإمكانيات والدعم، وهذا المتغيّر المشهود يعقّد بلا شك على أمريكا ودول الاستكبار التفكير بذات الطريقة القديمة التي كانت تركن إلى أنه لا أحد هناك يمكن أن يقف أمام أي خطة أو رؤية يضعونها للمنطقة.
والواقع المقاوم الجديد بات بلا شك يشكل تهديدا لكل المخططات والمصالح الأمريكية وبالتالي يُضعف موقفها الدفاعي على وضعها كقوى عظمى تتحكم بمصير العالم، لذلك يأتي تحركها على هذا النحو من الطيش والعنف للّعب بواقع الشرق الأوسط ومحاولة تحديث نظام السيطرة، تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد، للحفاظ على وجودها بذات الامتيازات التي تجعل منها صاحبة الحق الوحيدة في رسم حاضر ومستقبل شعوب المنطقة، وطبعا دائما ما كانت واشنطن تعتمد لأغراضها على القوة والمؤامرة والانتهازية، وليس التعاطي على قاعدة الاحترام والمنفعة المتبادلة، وهو ربما ما أرهب الأنظمة وأطال أمد تبعية وضعف وتخلف شعوب المنطقة، كما سلب إرادتها في الانتصار لقضاياها، وأعطى لكيان مثل إسرائيل الفرصة لأن تكون الأقوى ومن يقود سياسة هذه الشعوب.
والواقع بهذه التفاصيل القاتمة كان كافياً لأن يتحرك اليمن إلى فك طلاسم السحر الأمريكي، وأن يعمل على استعادة قرار المنطقة لأبناء المنطقة، فجاء الظهور بهذا الشكل الذي ظهر عليه خلال عام من الإسناد للمقاومة الفلسطينية وفاجأ العالم، وصارت الحسابات تضعه في خانة الرقم المؤثر الذي لا يمكن القفز عليه أو تطويعه كي يصير رقما في الخانات الأمريكية، بل ويتوقع العالم- كما تفيد بذلك التقارير الدولية المتواترة- أن يؤدي تنامي قوته إلى أن يكون هو الفاعل الأبرز في رسم هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى اليه أمريكا ولكن بهوية المنطقة وتاريخها وعروبتها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في المنطقة ؟
بقلم- عبدالرحمن مراد
على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أيام , تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها , ويحدث أن تتحرك المعارضة الى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام , وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس , فما الذي يحاك للأمة ؟
تتسع دائرة الاهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءا كبيرا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية الى دمشق , وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافا عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة , وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسسات الدولة , وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها ,وتذهب الى النظام ,وحفظ المقدرات ,وتعلن اجراءات احترازية لضمان الامن والاستقرار, ثم تبادر اسرائيل لضرب المعامل ومخازن الاسلحة بحجة تأمين أمن اسرائيل ,وضمان عدم وصول الاسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا , وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والاهداف الى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة , وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده , ثم يأتي مستشار الأمن القومي الامريكي ليزور المنطقة ,ويعلن أن ضمان أمن اسرائيل فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية , ويعلن صراحة أن اسرائيل أصبحت أقوى من أي وقت مضى .
أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة , التي تتعرض لعملية تهجين ,وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور , فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف الى استقرار المنطقة العربية ,ولكنه يمهد الطريق لإسرائيل كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأمة ,وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي ,والعسكري ,وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي الى اليوم .
سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها ,وهللوا وصفقوا ,لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الايام ,ومؤشرات ذلك قائمة ,وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها , فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات ,وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا , وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكل فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها , وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها لكن حركة الواقع دلت عليها , إذ ليس معقولا أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أي ممانعة أو مقاومة بأي شكل من الاشكال مهما كانت المبررات ,فبشار الاسد لم يكن ضعيفا ولكنه يملك مقومات البقاء أو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه أختزل المقدمات في نتائجها , فرأى التسليم خيار لابد منه , وقد كان التسليم خيار قديم لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان , ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدو الصهيوني , فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة , وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الاسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول أن اسرائيل تريد من سوريا بلدا منزوع السلاح لا يشكل خطرا على أمنها , كما أن الخيار الدولي يذهب الى مبدأ التقسيم , إذ أننا لن نشهد بلدا موحدا كما كان في سالف عهده بل سوف نشهد بلدا مقسما تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول الى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقق اسرائيل غايتها في تحقيق دولة اسرائيل الكبرى .
السياسة الامريكية اليوم تحدها موضوعيا أربعة سيناريوهات معلنة وهي :
– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع .
– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي .
– السيناريو الثالث الحرب الباردة .
– السيناريو الرابع العالم البارد ,وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول الى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.
ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم الى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي , وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصرا كونيا رافضا الهوية الجزئية التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي , وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا الى اعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهددا من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الامريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الاثر الكبير في محتواها الرقمي , فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف الى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات بهدف تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية .
خلاصة الفكرة أن ربيعا جديدا قادما يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلا للوصول الى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا .