هكذا يقيّم خبراء روس الضربة الإسرائيلية لطهران ودور موسكو فيها
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
موسكو- سارعت روسيا إلى التعليق على الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على الأراضي الإيرانية، في وقت مبكر من صباح اليوم السبت. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إن على إسرائيل أن تتوقف عن استفزاز إيران، مضيفة أن بلادها تشعر بقلق شديد إزاء التصعيد المستمر بين طهران وتل أبيب.
وأكدت زاخاروفا أن موسكو على استعداد للعمل مع جميع الأطراف لخفض مستوى التصعيد والمواجهة، وتحث الأطراف المعنية على ضبط النفس ووقف العنف، داعية إياهم إلى "تجنب حصول سيناريو كارثي".
بموازاة ذلك، لقي الهجوم الإسرائيلي على إيران اهتماما كبيرا من جانب الخبراء والمراقبين الروس، وأكد عدد منهم للجزيرة نت أنه كان "متوقعا ومدروسا بدقة بشكل لا يؤدي إلى ردود أفعال انتقامية كبيرة من جانب طهران".
ضربة حذرةبرأي محلل الشؤون الإستراتيجية رولاند بيجاموف، توحي الضربة الإسرائيلية بأن تل أبيب أخذت بعين الاعتبار التهديدات التي صدرت في وقت سابق عن مسؤولين إيرانيين بخصوص حجم وشكل رد بلادهم إذا وُجهت إليها ضربة تطال بالدرجة الأولى مواقعها النفطية والنووية، الشيء الذي تجنبته إسرائيل بشكل واضح في هجومها.
وأضاف المتحدث -للجزيرة ت- أنه من حيث المبدأ، لا يستبعد أن تكون روسيا حذّرت إيران من طبيعة الهجوم الذي أعدته إسرائيل من خلال الوسائل المتوفرة لدى موسكو، بما في ذلك تقديم معلومات استخباراتية من الفضاء، لكنه أشار إلى أن طهران أيضا تملك هذه الوسائل وكانت مستعدة لهذا الهجوم.
ووفقا له، فقد بدا الهجوم الإسرائيلي مدروسا بدقة وعناية بحيث لا يشكل حرجا لإيران يدفعها للقيام برد انتقامي قد يفوق الهجوم الذي نفذته مطلع الشهر الحالي. ولا يوجد في واقع الحال طرف خاسر في هذه الضربة. فقد أظهرت إسرائيل القدرة على توجيه ضربات، وتمكنت واشنطن من لجمها عن القيام بخطوات أكثر تصعيدية، أما إيران فأظهرت أن هذه الضربات لم تؤد إلى أضرار جسيمة.
وحسب قول بيجاموف، فقد بقي السؤال الآن محصورا في ما إذا كانت إيران ستنضم إلى لعبة "القط والفأر" وستقوم برد ما، رغم أن كلا الطرفين -الإيراني والإسرائيلي- ما زال يتعامل بحذر شديد ويدرس بشكل دقيق كل خطوة يمكن أن يقوم بها.
رد غير متناسبوتابع المحلل بيجاموف أن سلوك إسرائيل في الآونة الأخيرة يظهر أنها لم تعد تملك القدرة على توجيه ضربات "تدميرية" على دولة عظمى في الإقليم كإيران، مع الأخذ بعين الاعتبار تعثر عملياتها في غزة وعدم قدرتها على حسم الأوضاع فيها، وكذلك الحال أمام التعثر الواضح في عملياتها البرية في لبنان وتعرضها إلى خسائر في صفوف جنودها.
وحول الموقف الروسي، أوضح أن موسكو -بطبيعة الحال- لن تشارك في حرب مباشرة بين الطرفين، فضلا عن مساهمة يمكن أن تضطلع بها إذا قامت إيران برد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة، وأنها ما زالت تتصرف في الوقت الحالي تحت سقف حماية قواعدها العسكرية في سوريا.
من جانبه، اعتبر الخبير في الشؤون الشرق أوسطية أندريه أونتيكوف أن الضربة الإسرائيلية لم تكن مفاجئة من زاوية مواصلة تل أبيب تجاوزها لكل الخطوط الحمراء في عملياتها العسكرية في غزة ولبنان، وما تخلل ذلك من استهداف للقنصلية الإيرانية في دمشق وعمليات اغتيال ضد مستشارين وقادة عسكريين إيرانيين.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن إسرائيل تحاول تثبيت قاعدة جديدة في النزاع مع طهران مفادها أن الكلمة الأخيرة تعود لها، لكن ردها العسكري الأخير لم يتناسب مع حجم الضربة الإيرانية لها من حيث الحجم والتأثير والقدرة على تثبيت قواعد اشتباك جديدة.
بهذا المعنى، يتابع أونتيكوف، تظهر إيران، وحلفاؤها في المنطقة صبرا استثنائيا، رغم أنها تتمتع بمبررات كثيرة لشن هجمات متتالية ضد إسرائيل، لكنها تقوم فعليا بممارسة ضغوط على الداخل الإسرائيلي عبر عمليات حلفائها في المنطقة، كأنصار الله في اليمن وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله. وهو ما أدى بشكل فعال إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية حساسة في داخل إسرائيل تتراكم كل يوم.
أضرار هامشيةويلفت الخبير الروسي أونتيكوف إلى أنه عشية الضربة الإسرائيلة الأخيرة، جرى بحث ضرب المنشآت النووية والنفطية الإيرانية. وأنه بالاستناد إلى تهديدات المسؤولين الإيرانيين حيال هذا الاحتمال، فإن الأضرار "الهامشية" التي تعرضت لها طهران تشير إلى أن إسرائيل كانت معنية بالدرجة الأولى بتحقيق ضجة إعلامية وتأثير نفسي يحفظ لها ماء الوجه ليس أكثر .
وحول وجود دور روسي في مد إيران بمعلومات استخباراتية وعسكرية استباقية حول الضربة، قال أونتيكوف إنه من الصعب تأكيد ذلك، لا سيما في ضوء غياب تصريحات رسمية من الجانب الروسي. لكن بالنظر إلى مستوى التعاون والتنسيق العالي بين البلدين عسكريا وتقنيا فإن هذا الاحتمال يبقى قائما ولا يمكن استبعاده.
وختم أن العلاقة التحالفية بين موسكو وطهران تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، وأن إيران تشكل بالنسبة لروسيا حليفا إستراتيجيا في ملفات جيوسياسية كثيرة، بما في ذلك ما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا وغيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الضربة الإسرائیلیة
إقرأ أيضاً:
كسر ما كان محظورًا لـ40 عامًا.. كواليس ضربة إسرائيل لإيران
(CNN)-- سارعت إيران إلى التقليل من تأثير الضربات الإسرائيلية على أراضيها هذا الأسبوع، مما يشير إلى أنها اتخذت طريقًا بديلًا لتجنب حرب أوسع نطاقًا، لكن الهجوم شكل سابقة حاولت الجمهورية الإسلامية تجنبها منذ نشأتها قبل 40 عامًا.
لقد أمضى الخصوم عقودًا من الزمن في تجنب المواجهة المباشرة، واختاروا بدلاً من ذلك تبادل اللكمات في حرب خفية. استخدمت إسرائيل عمليات سرية لاغتيال شخصيات إيرانية رئيسية وتنفيذ هجمات إلكترونية على منشآت حيوية بينما استمرت إيران في تنشيط ميليشياتها العربية بالوكالة لمهاجمة الدولة اليهودية.
كان هجوم يوم السبت هو المرة الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بضرب إيران، مما أدى إلى ظهور حرب الظل إلى العلن وتجاوز العتبة التي دفعت البعض في الجمهورية الإسلامية إلى التشكيك في قدرات الردع في البلاد.
في أبريل/ نيسان، بعد أن هاجمت إيران إسرائيل ردًا على ما قالت إنه هجوم إسرائيلي على مبنى دبلوماسي لها في العاصمة السورية دمشق، قال مسؤولون أمريكيون إن إسرائيل ردت بمهاجمة إيران بعد أيام قليلة. لم تعترف إسرائيل علنًا بهذا الهجوم.
ولكن الهجوم الأخير كان مختلفا. فقد أعلنت إسرائيل صراحة أنها نفذت "ضربات دقيقة" على أهداف عسكرية في إيران.
وأشاد المتحدث العسكري الإسرائيلي، دانييل هاجاري، بالإنجازات التي تحققت في الهجوم، قائلا: "تتمتع إسرائيل الآن بحرية أوسع للعمليات الجوية في إيران".
بعد وقت قصير من الهجوم، نشرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية صوراً تظهر استمرار الحياة اليومية كالمعتاد في مدنها، واستمرت المدارس في العمل، وبدت شوارع طهران مكتظة بالسيارات. وسخر المعلقون المتشددون من الهجوم على شاشات التلفزيون، وسخرت "الميمات" على وسائل التواصل الاجتماعي من الطبيعة المحدودة للرد الإسرائيلي.
بدأ الجدل الداخليفي أول تعليقاته بعد الهجوم، اختار المرشد الأعلى بإيران، علي خامنئي إعطاء رد مدروس، قائلاً إن الضربات "لا ينبغي المبالغة فيها ولا التقليل من شأنها".
لكن موجة الرفض الأولية تبددت في نهاية المطاف، ونشأ نقاش داخلي حول ما إذا كان ينبغي لإيران أن تقدم ردًا قاسيًا لمنع الضربات الإسرائيلية من أن تصبح طبيعية ضد نظام يركز على بقائه.
قال نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول في واشنط، تريتا بارسي: "الشعور هو أنه إذا لم يستجيبوا فإنهم سيعملون على تطبيع فكرة أن إسرائيل يمكنها ضرب طهران دون الحصول على رد"، مضيفًا أن هناك "خوفًا من أنه إذا لم يفعلوا شيئًا الآن، ستبدأ إسرائيل في التعامل مع إيران كما فعلت مع سوريا، مما يعني أن (الإسرائيليين) سيضربون من حين لآخر".
وكانت الضربات، التي جاءت ردا على هجوم إيراني على إسرائيل قبل ثلاثة أسابيع، بعيدة عن المنشآت النووية والنفطية - بل ضربت ما وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه "أنظمة استراتيجية في إيران" تحمل "أهمية كبيرة"، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن أنظمة الدفاع الإيرانية وقدرتها على تصدير الصواريخ تضررت بشدة، في حين لم تتمكن شبكة CNN من التحقق بشكل مستقل من هذه الادعاءات.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إن بعض المواقع العسكرية لحقت بها "أضرار طفيفة" تم "إصلاحها بسرعة"، وقالت الحكومة الإيرانية إن خمسة أشخاص قتلوا، بينهم أربعة من أفراد الجيش.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأضرار كانت أكثر أهمية مما اعترفت به طهران.
وقالت زميلة في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، نيكول جرايفسكي: "كان هذا (الهجوم) أكثر ضررًا مما أشار إليه المسؤولون الإيرانيون، يبدو أن الدفاعات الجوية الإيرانية وبعض أجهزة الرادار التي تعتبر حاسمة لتحديد الصواريخ القادمة، تم تدميرها في الموجة الأولى".
وأمضت طهران سنوات في بناء وكلاء إقليميين مصممين ليكونوا بمثابة مظلة أمنية وخط دفاع أول ضد إسرائيل. كما عملت هذه الميليشيات، المتمركزة على حدود إسرائيل، كرادع، مما ثبط عزيمة إسرائيل عن توجيه ضربة مباشرة لإيران. وكانت الفكرة هي أنه إذا وجهت إسرائيل ضربة لإيران، فإن طهران سترد بإطلاق العنان لميليشياتها ضد إسرائيل.
لقد منع توازن القوى الطويل الأمد اندلاع حرب إقليمية - حتى هاجمت حماس، المدعومة من إيران، إسرائيل من غزة العام الماضي، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وقد دفع ذلك إسرائيل إلى شن هجوم عنيف دمر القطاع وقتل أكثر من 42 ألف فلسطيني، وأدى توسع هذا الصراع إلى جنوب لبنان إلى اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، زعيم حزب الله، أقوى وكلاء إيران، وتدمير التسلسل القيادي للمنظمة.
لقد أدى تدهور الميليشيات الحليفة الأقوى لإيران، حماس وحزب الله، فضلاً عن الضربات التي شنت على إيران في نهاية الأسبوع الماضي، إلى تأجيج نقاش داخلي آخر في إيران: ما إذا كانت الوكلاء الإقليميون يشكلون رادعًا فعالاً.
الخيار النوويمنذ أن تخلت إدارة ترامب عن الاتفاق النووي مع طهران في عام 2018، بهدف فرض قيود على برنامجها النووي، تعمل الجمهورية الإسلامية على زيادة تخصيب اليورانيوم تدريجيًا، وهو مكون أساسي في القنبلة النووية إذا تم تنقيته إلى مستوى عالٍ. وصلت مخزوناتها إلى نقاء 60٪، وهي خطوة قصيرة بعيدًا عن درجة الأسلحة، والتي تبلغ 90٪.
صرح المسؤولون الإيرانيون مرارًا وتكرارًا أنهم لا ينوون تسليح البرنامج النووي للبلاد، في حين يستخدمون إمكاناته في الوقت نفسه كوسيلة ضغط في المفاوضات مع الغرب.
ويلقي الخبراء بظلال من الشك على قدرة إيران على بناء سلاح نووي بسرعة، حتى لو تمكنت من تنقية اليورانيوم إلى درجة صنع الأسلحة، وقد تستغرق عملية بناء واختبار القنبلة الذرية سنوات، مما يجعل إيران عُرضة لهجمات إسرائيلية على منشآتها النووية.
وقالت جرايفسكي إن خيار القنبلة النووية "أصبح أكثر علنية الآن" وأصبح "طبيعياً في المحادثات"، لكن إسرائيل كانت قادرة على إخراج البرنامج النووي الإيراني عن مساره في الماضي وقد تكون قادرة على القيام بذلك مرة أخرى.
وقال بارسي إنه إذا ضرب الإسرائيليون المنشآت النووية الإيرانية، بصرف النظر عما إذا كان الإيرانيون قادرين على الحصول على قنبلة بسرعة أم لا، فإن طهران ستسعى إلى بناء سلاح نووي. وأضاف: "حتى الرؤساء الأميركيين الأكثر تشددا لم يؤيدوا توجيه ضربات عسكرية لأن النتيجة الأكثر ترجيحا هي أن ذلك سوف يدفع إيران في مرحلة ما إلى التحول إلى القوة النووية".