"بريكس".. عالم جديد يتشكَّل
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
حاتم الطائي
◄ دول "بريكس" تُعزز الاستقرار العالمي عبر "توازن القوى"
◄ إطلاق نظام مالي وائتماني مُستقل يُبشر بنمو اقتصادي بعيد عن الهيمنة الغربية
◄ التوجُّهات السياسية للتكتلات الدولية تدعم السلام والعدالة
نؤكدُ دومًا أنَّ العالم من حولنا يشهد مُتغيِّرات عِدة، نتتبَّعُ مراحل تشكُّلها كمُراقبين، ونقفُ على أسبابها بالتحليل والاستنتاج، لنستشرفَ المُستقبلَ ونبدأُ الاستعداد له من الآن، وليس أي وقت آخر.
هذا العالم الجديد، هو عالم ما بعد الحرب الباردة، والتي انتهت فعليًا مطلع تسعينيات القرن الماضي مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية منفردةً بالقرار العالمي، دون ندٍ أو مُنافس فعليّ يُلجم جماح هذه الدولة التي ظلّت في مرحلة التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة وحتى سنوات قليلة مضت، تستعرض فائض قوتها العسكرية والدبلوماسية في مختلف القضايا. لكن وبينما تتعاظم هذه القوة وتتضخم، فإنَّ ثمّة قوى أخرى أخذ يبزغ نجمها تدريجيًا وفي مقدمتها دول مثل الصين والبرازيل وحتى الهند، علاوة على استعادة روسيا لقوتها العالمية مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي نجح في نفض التراب عن الإرث السوفييتي وإعادة توظيفه لخدمة روسيا، كقوة شرقية تستعيد أمجادها، بعدما كانت يومًا الند الوحيد للقوة الغربية الأكبر؛ أمريكا.
وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة لم تكُف يدها عن الحفاظ على هيمنتها الدولية، والتعامل مع كل الدول باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة صاحبة القرار، إلّا أنَّ ذلك لم يمنع القوى الصاعدة من التلاحم فيما بينها، وبناء كيان راسخ يستهدف كسر الاحتكار الأمريكي في جميع المجالات، فكانت ولادة تجمُّع دول "بريكس" الذي يضم: روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (التي انضمت لاحقًا)، والذي تطوَّر قبل نحو عام مع إعلان انضمام دول أخرى نامية وصاعدة تحت مسمى "بريكس بلس".
اللافت لتكتُّل "بريكس" أنَّ الدول الأساسية فيه تمثل نحو 26% من الاقتصاد العالمي، أي قرابة الثُلث، وبات يُنافس أكبر تجمع اقتصادي في العالم وهو "مجموعة السبع" التي تستحوذ على 44% من الناتج المحلي العالمي، وما يؤكد ذلك توقعات صندوق النقد الدولي التي تُشير إلى أنَّ نمو الاقتصاد العالمي سيعتمد على مجموعة "بريكس" بدرجة أكبر من اعتماده على اقتصادات دول "السبع"، في تطور اقتصادي لافت لا يُمكن تجاهله. وعلينا هنا أن نستشرف مستقبل هذا التكتل الاقتصادي، في ضوء عدة مُعطيات واتجاهات تجعلنا قادرين على رؤية المشهد بصورة كاملة، كما يلي:
أولًا: على المستوى الاقتصادي، تُسهم دول مجموعة بريكس في نمو الاقتصاد العالمي كما ذكرنا بما يقترب من الثلث، لا سيما بعد الانضمام لدول جديدة هي في الأساس اقتصادات ناشئة وتحظى بمقومات اقتصادية واعدة؛ سواء من حيث القوة الإنتاجية أو الشرائية أو حتى الموقع الجغرافي. والقوة الاقتصادية لهذا التكتل لا تنبع فقط من حصتها في الناتج المحلي العالمي؛ بل في قدرتها على توفير الخدمات والموارد الاقتصادية للعالم، من نفط وغاز ومعادن وتجارة وحركة ملاحة بحرية وجوية، واستثمارات عابرة للحدود، وشركات مُتعددة الجنسيات، وغيرها الكثير. هذا إلى جانب قُدرة هذه الدول على توفير بديل عملي وفعلي لعملة الاحتياط العالمي: الدولار الأمريكي، خاصةً في ضوء المبادرات التي نفذتها دول المجموعة بشكل ثنائي لتعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية، في تخلٍ واضح وجريء عن العملة الأمريكية. أضف إلى ذلك، أنَّ المجموعة بدأت تناقش خطوات فعلية لإطلاق نظام مالي جديد يُنهي هيمنة الدولار، بالتوازي مع منظومة تحويلات مالية لا يُسيطر عليها الغرب مثل "سويفت". ولا شك أنَّ هذين المشروعين يمثلان أبرز التحولات في النظام المالي العالمي، إلى جانب المنظومة الائتمانية المُتمثلة في "بنك التنمية الجديد" والذي يتخذ من الصين مقرًا، ليكون بمثابة المُموِّل الأكبر لمشروعات التنمية في دول المجموعة وأي دولة أخرى تود الاقتراض من هذا البنك بأسعار فائدة منخفضة على عكس البنك الدولي الذي يمول مشروعات تنموية بفائدة مرتفعة، وكذلك دون شروط وإملاءات سياسية ومالية واقتصادية، كما يحدث مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض على الدول المقترضة حزمة إجراءات قاسية، عادةً ما تسبب في مشكلات اجتماعية، لأنها في مُعظمها تتعلق بقضايا الدعم والحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا.
إذن نحن أمام تكتل اقتصادي واعد يُنافس الغرب بكل قوة، وهذه المنافسة ليست بالضرورة- ولا نأمل أبدًا- أن تكون في صورة حروب تجارية أو حرب عملات؛ بل يجب أن ننظر إليها- وكذلك الغرب بقيادة أمريكا- على أنها تكامل اقتصادي، يُسهم في دعم التحولات الاقتصادية، وطرح أكثر من نموذج اقتصادي وتنموي حول العالم؛ إذ لا ينبغي أن يظل النظام الرأسمالي الغربي المتوحِّش هو المُسيطر على النمو الاقتصادي، وأن تظل أعداد كبيرة من الدول خاضعة للهيمنة الاقتصادية الغربية، فلا تستطيع بناء نموذجها الاقتصادي والتنموي بمعزلٍ عن المنظومة الغربية الأمريكية، فقد برهن هذا النموذج فشله، أولًا داخل الولايات المتحدة التي لم تعد توفر الحماية الاجتماعية لمواطنيها جميعًا، بل وغارقة في الديون التي تقترب من 35 تريليون دولار، وتواجه أزمة عنيفة كل فترة فيما يُعرف باسم "سقف الدين".
ثانيًا: على المستويين السياسي والعسكري؛ حيث يضم تكتل "بريكس" عددًا من أقوى الحكومات والجيوش على مستوى العالم، وهذا يُؤكد حجم الدور والتأثير السياسي والعسكري على الساحة العالمية، وقد تجلّى ذلك في مواقف دول المجموعة فيما يخص أبرز حربين مُشتعلتين حاليًا في العالم: حرب أوكرانيا، والعدوان الإسرائيلي المُجرم على فلسطين ولبنان. فقد كشفت "قمة بريكس" التي عُقدت الأسبوع الماضي عن موقف واضح وصريح في تعاطيها مع القضايا السياسية المُلحة في العالم؛ حيث أكدت على ضرورة إحلال السلام، ورفض أي ممارسات من شأنها أن تزعزع الاستقرار.
ويبقى القول إنَّ المعطيات تؤكد أنَّ النظام العالمي الجديد لن يسمح بالهيمنة الأمريكية وفق نظرية "العالم أحادي القطب"، وأن عالمًا مُتعدِّد الأقطاب هو الأنسب للواقع الذي نحياه؛ إذ لا بُد من وجود قوى عالمية تحقق التوازن وتدعم أسس الاستقرار، لا أن تنفرد دولة واحدة أو قوة بعينها بالقرار العالمي. وما نشهده من تكتلات اقتصادية وسياسية بين دول العالم، لا سيما دول الجنوب والشرق، يُؤكد صحة هذا المنطلق، لضمان عالم أكثر ازدهارًا وتوازنًا قادرا على مواجهة التحديات ومعالجتها وفق منظومة عادلة لا تنحاز لطرف على حساب آخر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رحلة حول العالم .. كيف يحتفل المسلمون برمضان في مختلف الدول؟
شهر رمضان هو واحد من أكثر الأشهر قداسة في العالم الإسلامي، ويتميز ليس فقط بالصوم والعبادة، بل أيضًا بتقاليد واحتفالات تختلف من دولة إلى أخرى.
على الرغم من أن الصوم هو الركيزة الأساسية لهذا الشهر الفضيل، فإن العادات الرمضانية في مختلف البلدان تضفي طابعًا خاصًا على هذا الشهر المبارك.
في هذا التقرير، نأخذكم في جولة حول العالم لاستكشاف بعض من أبرز التقاليد والاحتفالات الرمضانية في مختلف الدول.
في مصر، يعد شهر رمضان موسماً فريداً يعم فيه الأجواء الروحانية والاجتماعية. من أبرز التقاليد الرمضانية في مصر هي فوانيس رمضان، التي أصبحت رمزًا شهيرًا لهذا الشهر.
الفوانيس توزع في الشوارع، ويتم تزيين المنازل والمحال التجارية بها. كما يتمتع المصريون في رمضان بطقوس السحور الجماعي، حيث يتجمع الأهل والأصدقاء في أجواء من الحب والتعاون لتناول وجبة السحور.
وعند الإفطار، يعكف الكثيرون على تناول الطعام التقليدي مثل الكشري، والفول، والطعمية (الفلافل).
في تركيا، تبدأ الأجواء الرمضانية مع تقليد المسحراتي، الذي ينادي بصوته في أرجاء الأحياء ليوقظ الناس للسحور.
هذا التقليد يعود لقرون طويلة ويعد جزءًا من التراث الشعبي التركي في شهر رمضان.
أما الإفطار، فيشمل غالبًا الرمضان باسري، وهو نوع من الحساء التقليدي المخصص لهذا الشهر، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المأكولات الحلوة مثل البقلاوة والكنافة.
في الإمارات، يتسم شهر رمضان بأجواء من الفخامة والرفاهية، يتم تزيين الشوارع والأماكن العامة بأضواء رمضان المميزة، وتقام الفعاليات الاجتماعية والأنشطة الخيرية على مدار الشهر.
غالبًا ما تنظم مبادرات خيرية تتضمن توزيع الطعام على المحتاجين، بالإضافة إلى إقامة موائد إفطار جماعية في المناطق العامة.
كما تعتبر المساجد في الإمارات مواقع حيوية للعبادة والتجمعات الروحية، حيث يتوجه العديد من المصلين لأداء صلاة التراويح في الأجواء الروحانية.
تتمتع إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بتقاليد رمضانية فريدة من نوعها، واحدة من أبرز العادات هي بزخ فواز، وهي طقوس يتم فيها إشعال النار في أكوام من القش والورق كجزء من الاحتفال بمجيء شهر رمضان.
عند الإفطار، يتم تناول وجبة خفيفة تسمى تامبانج (نوع من الحساء) إلى جانب الشوربات والمشروبات الخاصة مثل "الآيس كيري" (عصير جوز الهند).
تعد إندونيسيا من أكثر الدول التي تهتم بتطوير الفعاليات المجتمعية خلال الشهر، مثل المهرجانات والمسابقات الثقافية التي تحفز على التفاعل بين المواطنين.
تتميز المغرب في رمضان بعادات غذائية خاصة مثل تناول التمر والحليب عند الإفطار، وهذه عادة متبعة منذ قرون.
يلتقي المغاربة مع عائلاتهم على موائد الإفطار التي تحتوي على أطباق متنوعة مثل الحريرة (حساء تقليدي) و البغرير (نوع من الفطائر).
كما تشهد المدن المغربية مثل الرباط وفاس العديد من الفعاليات الرمضانية في الأسواق التي تقدم الأطعمة والمشروبات الرمضانية.
تقوم باكستان في شهر رمضان بتوزيع الإفطار المجاني على المسلمين في المساجد والشوارع. في بعض المدن، يتم توزيع حزم إفطار مجانية على الأسر المحتاجة، وخاصة في مناطق المدن الكبرى مثل كراتشي ولاهور.
كما يُنظم في العديد من المدارس والجامعات مسابقات ثقافية ودينية، حيث يتم تحفيز الطلاب على حفظ القرآن الكريم وأداء الأنشطة التي تعزز من معاني شهر رمضان.
في السعودية، يعد رمضان شهرًا ذا طابع خاص، حيث يتوافد الآلاف من المسلمين على المسجد الحرام في مكة المكرمة لأداء صلاة التراويح في الأجواء الروحانية، ويشاهد ملايين المسلمين الأجواء الرمضانية عبر وسائل الإعلام.
وفي مدينة جدة، يُنظم الإفطار الجماعي في الأماكن العامة مثل الحدائق والميادين الكبرى، حيث يتم تقديم الوجبات بشكل مجاني لجميع المشاركين.
تعتبر الجزائر من الدول التي تولي أهمية خاصة للجانب الروحي في رمضان، مواكب القرآن الكريم والاحتفالات الجماعية خلال صلاة التراويح تعد جزءًا من الحياة اليومية خلال الشهر الكريم.
كما ينظم المواطنون في العديد من الأماكن حفلات إفطار جماعية تشمل الأطعمة التقليدية مثل الكسكس و الطاجين.
في ماليزيا، يتميز رمضان بمشهد الشوارع المليئة بـ بارات رمضان، التي تقدم الطعام التقليدي الماليزي مثل الناسي ليمك و ساتي.
كما ينظم العديد من المسلمين في ماليزيا حملات إفطار جماعي، حيث يتجمع الأصدقاء والعائلات في المراكز المجتمعية لتناول الإفطار معًا.
في النهاية، يظل شهر رمضان محطة هامة لجميع المسلمين حول العالم للاحتفاء بالعادات والتقاليد التي تتميز بها كل دولة، هذه التقاليد ليس فقط تعبيرًا عن الثقافة المحلية، ولكنها تبرز روح التضامن والرحمة التي تميز هذا الشهر الفضيل، وتمنح المسلمين فرصة للتقرب إلى الله، وزيادة الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.