قمَّة "بريكس" في قازان.. الأولويات (2-2)
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
عبد النبي العكري
اختتمت في قازان، عاصمة تترستان الروسية والتي انعقدت خلال 22-24 أكتوبر 2024 القمة السادسة عشرة لدول رابطة البريكس بمؤتمر صحفي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عرض فيه أبرز نتائج القمة كما صدر بيان من 22 صفحة، يُفصِّل فيه مواقف رابطة البريكس تجاه كافة القضايا ورؤيتها لحل القضايا التي تهم بلدان الجنوب والعالم أجمع.
ووصف السياسي البريطاني جورج جالاوي قمّة قازان بأنها أهم حدث لصياغة نظام دولي مالي واقتصادي جديد بعد اتفاقية بريتن وودز في 1945 والتي أرست النظام المالي العالمي بهيمنة أمريكا المنتصرة في الحرب العالمية الثانية حيث اعتمد الدولار كعملة عالمية للتبادل ونظام سويفت للصرف المالي وإنشاء كلٍ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للسيطرة والإشراف على اقتصاديات بقية العالم غير الغربي.
قد يكون في كلام جالاوي بعض المبالغة، ولكن قمة قازان حدث تاريخي ستترتب عليه نتائج مهمة تتعلق بصياغة عالم متعدد الأقطاب وتكتل يعمل على الانعتاق من النظام العالمي الذي يُسيطر عليه الغرب اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
شارك في قمة قازان 36 دولة وفي مقدمتها الدول الخمسة المؤسسة والدول الأربعة المقبولة عضويتها مؤخراً والبقية دول أخرى أبدت رغبتها بالحضور أو ارتؤي دعوتها لاهتمامها بمجموعة بريكس. وهذا الحضور اللافت لهذه الدول في هذه القمة مؤشر على فشل أمريكا وحلفائها في عزل روسيا والعقوبات الشديدة التي فرضتها عليها وانتصارا للرئيس بوتين المراد عزله أيضًا من خلال مذكرة قبض من المحكمة الجنائية الدولية وها هو يستضيف هذا الحشد من زعماء دول العالم وعدد منهم صديق وحليف لواشنطن.
خُصص اليوم الأول (22 أكتوبر) لجلسة افتتاحية ألقيت فيها كلمات الرئيس بوتين رئيس القمة، ورئيس القمة السابقة في جنوب أفريقيا الرئيس رامافوزا ورئيس القمة القادمة في البرازيل الرئيس لولا دي سيلفا عبر الشاشة. بعدها تحولت القمة إلى اجتماع مغلق للدول التسع وهي الدول المؤسسة روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، والدول المقبول عضويتها وهي مصر وأثيوبيا وإيران والإمارات؛ علمًا بأن السعودية قُبلت عضويتها لكنها لم تؤكد الانضمام لرابطة البريكس.
في اليوم الثاني (23 أكتوبر)، انعقدت القمة في جلسة علنية عامة للدول التسع الأعضاء في رابطة بريكس والدول المدعوة لحضور القمة وقد ألقيت فيها كلمات الدول الأعضاء في رابطة بريكس؛ حيث عبَّر كل رئيس وفد عن موقف بلاده تجاه أهم القضايا المطروحة ورؤية بلاده لمهام بريكس وتحديات الحاضر والمستقبل لنظام دولي عادل ومتعدد الأقطاب.
في اليوم الثالث (24 أكتوبر) انعقدت القمة في جلسة علنية وعامة؛ حيث ألقيت فيها كلمات الدول المدعوة من غير الأعضاء في مجموعة بريكس وعددها 27 دولة؛ حيث طرح كل منهم مواقفه تجاه قضايا وطنية أو إقليمية أو دولية ورؤيته لرابطة بريكس. واختتمت القمة بجلسة علنية عامة تحدث فيها الرئيس بوتين بخلاصة عن أعمال القمة ورؤية بريكس في أهم القضايا العالمية وأبرز ماجاء في البيان الختامي. وبعدها عقد الرئيس بوتين مؤتمرا صحفيا عرض فيه رؤية بريكس لأهم القضايا وأجاب على أسئلة الصحفيين.
الوفد الروسي برئاسة بوتين عقد اجتماعات ثنائية مع وفود الدول الأعضاء في منظمة بريكس وعدد من وفود الدول المدعوة. كما عقدت اجتماعات فيما بين الوفود المشاركة في القمة.
حصيلة القمة
لا شك أن حضور 36 دولة وبعضها دول كبرى ذات ثقل اقتصادي وسياسي وقيادي في العالم ومنها الدول الخمس المؤسسة وكذلك دول مهمة ومنها الدول المقبولة عضويتها وتلك المدعوة إلى جانب منظمات رابطة البريكس ومنها بنك التنمية الجديد ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام أنطونيو جوتيرش والاتحاد الأفريقي، يعبر عن ثقل مجموعة بريكس وتأثيرها في السياسة الدولية وتسعى لوضع حد لتفرد الغرب بالنظام العالمي والسياسة الدولية. كما يشير إلى زخم اكتسبته مجموعة بريكس برغبة العديد من الدول في التعاون مع بريكس وانضمام البعض إليها ويؤكد ذلك في فشل القطب الغربي بقيادة أمريكا في محاصرة بريكس وإعاقتها.
ومن خلال كلمات الدول الأعضاء في رابطة بريكس والبيان الختامي للقمة، فإن رابطة بركس ماضية في بناء المجموعة وتوسيعها وإقامة أجهزتها بحيث تتحول إلى منظمة فاعلة ومتماسكة تسهم في تطوير وتنمية الدول الأعضاء وشبكة العلاقات فيما بينها بنمط علاقات لصالح المجموعة قائمة على التكامل والتكافؤ والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.كما إنها تسعى من خلال ما تقترحه من علاقات دولية جديدة لإقامة نظام عالمي جديد ومؤسسات دولية جديدة تشمل المزيد من الدول غير الأعضاء وتشجيع مزيد من الدول للانضمام إليها.
إن قيام رابطة بريكس في 2009 من قبل الدول الخمسة الناهضة اقتصاديًا والمؤثرة سياسيًا في النظام العالمي، قد جاء بعد تفرُّد الغرب بقيادة أمريكا بالنظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي وتمدد الناتو والاتحاد الأوربي إلى دول أوروبا الاشتراكية سابقا. وقد ترتب على ذلك شن أمريكا بمشاركة حلفائها حروبًا واعتداءات على عدد من الدول مثل بنما في أمريكا اللاتينية، والعراق وسوريا عربيًا، وأفغانستان في آسيا. وأضحى واضحًا أن المعسكر الغربي لا يقيم أي اعتبار للقانون الدولي والمنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى واضحى العالم مستباحا. كما إن هذا النظام فرض سيطرة مجموعة من الدول وشركاتها العابرة للقارات على اقتصاد العالم ونهب غالبية بلدان العالم وتعميق الفوارق عالمياً. من هنا فإن قيام رابطة بريكس من دول تعارض التفرد الغربي بالعالم يعتبر ضرورة إنسانية لتصحيح الوضع العالمي وإعادة الاعتبار لنظام عالمي عادل وإصلاح المنظمات الدولية لتعكس إرادة الشعوب وصحة تمثيل وتنوع المنظومة العالمية.
على امتداد السنوات الـ15 الماضية فقد تطورت وتوسعت رابطة بريكس بحيث أضحت اليوم منظمة عالمية قوية تنهض بمهام تغيير النظام العالمي ليُعبر ليس فقط عن تطلعات دول الجنوب وإنما تطلعات البشرية للخلاص من نظام الاستغلال والقهر العالمي من قبل الغرب.
عبرت كلمات الوفود والبيان الختامي ضرورة وضع حد لما يترتب من سيطرة القطب الغربي الواحد من حروب وفوضى واستغلال والمجاعات والبطالة والهجرة الجماعية وتدهور البيئة والتغيير المناخي وغيرها من الأزمات والكوارث. وقدمت بريكس بدائل لهذه السياسات وإصلاحا للمؤسسات الدولية وإقامة مؤسسات إقليمية ودولية تنهض بالمهام الإقليمية والدولية وتعكس العدالة والمساواة والاحترام المتبادل والسيادة الوطنية ولصالح البشرية جمعاء.
وضمن القضايا التي عالجتها رابطة بريكس في مؤتمرها حرب الإبادة "الإسرائيلية" على فلسطين المحتلة بما فيها غزة ولبنان وتوجهها لتوسيع الحرب بمشاركة غربية وأميركية حيث دعت لوقف الحرب فورا وانسحاب قوات الاحتلال "الإسرائيلية" من فلسطين المحتلة ولبنان وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية ودعت الدول للاعتراف بدولة فلسطين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وبالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية فقد دعت الرابطة إلى وقف لإطلاق النار ودخول روسيا وأوكرانيا في مفاوضات سلمية وحل خلفاتهما بالوسائل السلمية وبموجب القانون الدولي.
ولا شك أن بنك التنمية الجديد الذي إقامته رابطة البريكس هو تجسيد قوي لإرادة تنفيذ مشاريع التنمية في بلدان البريكس ويعكس التضامن الإنساني فيما بين الأعضاء.
الخلاصة.. أن قمّة رابطة البريكس تمثل حدثًا عالميًا ويعكس تكرس رابطة البريكس كمنظمة دولية تعمل لوضع حد للاستقطاب العالمي الأحادي وقيام نظام عالمي مُتعدد الأقطاب على طريق إصلاح العالم والنظام العالمي والمؤسسات الدولية لتسهم في مواجهة التحديات العالمية لصالح البشرية وتعكس الكرامة والعدالة والمساواة وتضمن حاضر ومستقبل البشرية المزدهر والآمن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
100 دولة تشارك في القمة الشرطية بدبي 13 الجاري
دبي: «الخليج»
تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تنظّم شرطة دبي في الفترة الممتدة بين 13 و15 من شهر مايو الجاري، في مركز دبي التجاري العالمي، النسخة الرابعة من القمة الشرطية العالمية، بحضور قادة أبرز قوات الشرطة ورجال إنفاذ القانون في العالم، وأكثر من 150 خبيراً ومتحدثاً عالمياً بارزاً يُمثلون أكثر من 100 دولة، ما يرسخ مكانة القمّة كمنصّة رائدة للتعاون وتبادل المعارف ومشاركة الرؤى حول كيفية التعامل مع التحدّيات الطارئة، وسُبُل تطوير تقنيات إنفاذ القانون وتعزيز السلامة المجتمعيّة، خاصّةً مع توجّه وكالات إنفاذ القانون حول العالم نحو اعتماد التقنيات المتطوّرة، وتعزيز سبل التعاون والتنسيق لمكافحة الجرائم العابرة للحدود.
وبصفتها الشريك الاستراتيجي والناقل الرسمي لوفود القمة، وتأكيداً لالتزامها المستمر بدعم المبادرات الدولية الرامية إلى تعزيز الأمن والسلامة، تواصل طيران الإمارات، الناقلة الجوية الرائدة في دولة الإمارات، شراكتها الاستراتيجية مع القمة الشرطية العالمية هذا العام.
وقال سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة: «نفخر بمواصلة شراكتنا الاستراتيجية الراسخة مع شرطة دبي، بما يعزز مكانة دبي على خارطة العالم كواحدة من أكثر المدن أمناً واستقطاباً للسياحة والأعمال».
وأضاف سموه: «ينسجم دعمنا للقمة الشرطية العالمية مع رؤيتنا الاستراتيجية، لاسيما في مجالات أمن الطيران وحماية الأصول الحيوية مثل المطارات والطائرات والمسافرين، إذ تمثل هذه القمة منصة محورية لتعزيز التعاون الدولي، وتطوير سياسات موحدة ترتقي بمستويات أمن الطيران عالمياً، وهو ما يتماشى مع التزام طيران الإمارات المستمر بالمساهمة الفاعلة في ترسيخ معايير الأمن والسلامة على مستوى القطاع ككل».
وفي هذا الإطار، قال الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي: «تعكس القمّة الشرطيّة العالميّة مكانة دبي كإحدى أبرز الوجهات العالميّة في السلامة والأمن، ويأتي تنظيم هذه القمة كجزء من جهودنا المستمرة لتعزيز التعاون الشرطي والأمني الدولي، واستباق التحدّيات الأمنيّة المتصاعدة والمتغيّرة عبر حلول مبتكرة واستراتيجيات فعّالة»، وأضاف: «القمّة التي تنعقد سنوياً تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «رعاه الله» تُسهم في استشراف مستقبل العمل الشرطي والأمني، وتمنح الجهات الشرطيّة فرصة المشاركة في الكشف عن أحدث الأساليب التي تستخدمها المنظّمات الإجراميّة حول العالم وكيفيّة كشفها والحد منها، بما يُسهم في ترسيخ منظومة الأمن الشامل، وتعزز استقرار المجتمعات محلياً وإقليمياً وعالمياً».
يشارك في فعاليات القمة مجموعة من المتحدثين والخبراء العالميين الذين يناقشون مستقبل العمل الشرطي المبتكر والشامل والذكي، بمن فيهم جيل ميشود، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن، الذي سيلقي كلمة رئيسية بعنوان: «صياغة مستقبل الأمن المجتمعي وتعزيز الشراكات بين المجتمع والشرطة»، كما سيناقش كل من إيراكلي بيريدز من معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة، ومايكل ليفاين دور التكنولوجيا في مستقبل العمل الشرطي، وسوف يشارك في القمة ناشطون في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، بمن فيهم تيريزا فلوريس، ومتخصصون في الأمن السيبراني، بمن فيهم د. كاريس سافيديس، كما تناقش جيمينا فيفيروس الأخلاقيات المهنية. وسوف تخصص القمة مجموعة من الجلسات حول حقوق الأطفال وحمايتهم، وخلق عالم رقمي آمن خالٍ من الاعتداء على الأطفال، ومكافحة إساءتهم واستغلالهم، والتي سوف يتحدث فيها كل من مريم العبيد، المستشارة في المجلس التنفيذي في دبي، وبراجاثي تومالا، الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية لحماية الأطفال، من سوء المعاملة والإهمال، ود. إيلودي ترانشيز، المحاضرة الأولى في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث.
سوف يبحث القادة المشاركون في القمة التحدّيات التي تواجه العاملين في أجهزة ووكالات إنفاذ القانون في العالم، وسوف يطرحون ويناقشون الحلول المبتكرة لتعزيز الأمن والحد من المخاطر، وذلك من خلال 4 مسارات متخصّصة تغطّي 12 موضوعاً رئيسياً، بما في ذلك مكافحة غسل الأموال، ومكافحة الجريمة المنظّمة، وشرطة بلا حدود، وما بعد التحوّل الرقمي، ومكافحة المخدرات، وأمن الطيران، والعمليات الشرطية، والأمن والاحتيال السيبراني، والذكاء الاصطناعي، ومنع الجريمة والشرطة المجتمعية، وأمن وسلامة الطرق، وإنفاذ القانون وبناء القدرات لدى الشباب.
تحظى القمة بدعم من منظّمات دوليّة، بالإضافة إلى عدد من الشركاء الآخرين والرعاة، الذين يعكسون التزاماً واضحاً بتطوير العمل في مجال إنفاذ القانون، واستدامة أمن المجتمعات.
وتُعدّ شركة سامسونج الشريك الاستراتيجي للقمة، وتضم قائمة الجهات الراعية الأخرى كلاً من شركة دو، وإي إس آر آي، وبريسايت، وداهوا تيكنولوجي، وإنكاس آرمورد فيكلز، وأكسوم مارين.
تواصل القمّة الشرطيّة العالميّة ترسيخ مكانتها كمنصة رائدة للابتكار في مجال الأمن العام، إذ يُقام على هامشها وبالتزامن معها معرض دولي بمشاركة 200 شركة عارضة، يستعرضون أحدث التقنيات والبرامج الرقمية والتكنولوجية ونُظُم الذكاء الاصطناعي الرائدة في مجال الحلول الأمنية والمركبات المدرّعة.
عبدالله المري: القمة جزء من جهودنا المستمرة لتعزيز التعاون الدولي