هذا حق وذلك باطل.. مواقف ألمانيا التي تغتسل من ذنوبها بساحات الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
انطلاقا من مواقفها المتناقضة، تبدو ألمانيا للمراقبين مكبلة بأغلال الخطيئة وكأنها تغتسل من ذنوبها التاريخية في ساحات مكشوفة للمارة في الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم.
فعندما بدأت إسرائيل جرائم الإبادة الجماعية في غزة، نظرت برلين إلى شاشات التلفاز تعرض أشلاء ممزقة لأطفال فلسطين، لكنها لم تشاهد فيها سوى صور من "الهلوكوست".
وتعني الهولوكوست المحرقة والإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون الألمان ضد يهود أوروبا، وفق روايات تاريخية.
ومن عقدة الذنب هذه، تبادر ألمانيا إلى تبرير كل ما تفعله إسرائيل من قتل وتشريد للفلسطينيين واعتداء على دول الشرق الأوسط، ثم لا تخجل من استنكار وإدانة كل فعل مقاوم تجاه إسرائيل.
قمع وتسليحمبدئيا، تُعتبر ألمانيا دولة ديمقراطية تضمن حقوق التعبير والتظاهر، لكنها حاليا تتصدر قائمة الدول التي تقمع أنصار القضية الفلسطينية وتجرم التضامن مع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت السلطات الألمانية حملة قمع واسعة على مواطنيها المتضامنين مع غزة وفلسطين، واعتقلت عددا كبيرا من النشطاء، ومنعت المظاهرات.
وحتى الحين، أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى سقوط أزيد من 43 ألف شهيد فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، إلى جانب تدمير البنية التحتية والمرافق الخدمية وتهجير وتجويع السكان.
لكن برلين عندما تنظر إلى هذه الحصيلة، تستحضر الجنود الألمان يرمون باليهود في شاحنات مكشوفة ويقتادونهم إلى معسكرات الاعتقال والتعذيب، فترى أن الأنسب التكفير عن الذنب بالمساعدة على اقتراف ذنب أكبر منه، وفق مراقبين يرون أن هذه الخطيئة التاريخية تطغى على تعاطي برلين مع أحداث الشرق الأوسط.
وبينما قررت دول غربية عديدة بينها فرنسا وبريطانيا مراجعة مبيعات السلاح لإسرائيل، تتبجح ألمانيا علنا بأنها لن تتوقف عن شحن الأسلحة إلى بنيامين نتنياهو الذي يعيث في الأرض فسادا وقتلا وطغيانا.
وتعد ألمانيا ثاني أكبر مورد أسلحة لإسرائيل وتتجاهل التبعات القانونية للاستمرار في مدها بأسلحة فتاكة تبيد بها أطفال ونساء فلسطين.
وفي حديث لـ"دويتشه فيله"، يرى خبراء ألمان أن برلين تواصل هذه السياسة انطلاقا من "مسؤوليتها التاريخية عن قتل 6 ملايين يهودي في الهولوكوست خلال الحقبة النازية".
ويقول الأكاديمي الألماني أندرياس كريغ إن بلاده تظل على الأرجح الدولة الأكثر تأييدا لإسرائيل في العالم.
ويضيف "ما زالت الحكومة ماضية قدما في هذا الدعم، وما زالت تصطف إلى جانب إسرائيل وما زالت ترغب في الاستمرار في تصدير الأسلحة".
وقد صدق كريغ، حيث وعد المستشار الألماني أولاف شولتز بتقديم المزيد من الأسلحة لإٍسرائيل لمواصلة حربها على غزة ولبنان.
وفي منتصف الشهر الجاري، قال المستشار الألماني: "ستكون هناك شحنات (أسلحة) وستكون هناك دائما شحنات إضافية. يمكن لإسرائيل الاعتماد على ذلك".
الصمت والصراخ
قبل ذلك، في الأول من أبريل/نيسان الماضي، سوّت إسرائيل بالأرض مبنى تابعا للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت 16 شخصا بينهم قائد كبير في الحرس الثوري، في انتهاك صريح للقوانين الدولية التي تحصّن المقرات الدبلوماسية من أي اعتداء.
لكن خطيئة المحرقة منعت ألمانيا من استنكار الحادث. وعندما ردت إيران بعد أسبوعين وضربت إٍسرائيل بصواريخ وطائرات مسيرة، خرجت ألمانيا ببيانات شديدة اللهجة واستنكرت على طهران ممارسة حقها في الدفاع عن النفس.
وكان هجوم الوعد الصادق 1 في 14 أبريل/نيسان الماضي أول ضربة مباشرة توجهها إيران من أراضيها لإسرائيل.
وقد عبأت دول غربية -تتصدرها أميركا وفرنسا- إمكانياتها العسكرية لدرء الخطر عن إسرائيل، التي قامت قبل 7 عقود على أرض عربية مغتصبة وعدتها بها بريطانيا تكفيرا عن اضطهاد الغرب لليهود.
ومثل هذا الموقف تكرر عند اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في طهران للمشاركة في حفل تنصيب رئيسها الجديد، في أواخر يوليو/تموز الماضي.
ويومها لم تخرج ألمانيا ببيان يستنكر عملية الاغتيال، التي انتهكت سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.
لكن هذا الصمت تحول إلى صراخ، عندما ردت إيران بعملية الوعد الصادق 2 وضربت قواعد عسكرية في إٍسرائيل بمئات الصواريخ.
وسارعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للقول إن بلادها "تدين بأشد العبارات الممكنة الهجوم الإيراني المستمر الذي يمكن أن يغرق المنطقة بأكملها في الفوضى".
ولم تتوقف عند هذا الحد، بل طالبت "إيران ووكلاءها بإيقاف الهجمات على الفور"، وشددت على أن ألمانيا تتضامن مع إسرائيل بشكل كامل.
واليوم السبت، واصلت ألمانيا ممارسة التطهر من ذنوبها في ساحات الشرق الأوسط، فقد بادرت لتبرير الضربات الجوية التي وجهتها إسرائيل الليلة الماضية لإيران.
ووفق الجيش الإسرائيلي، شملت الضربات قواعد عسكرية ومصانع صواريخ مهمة، في حين أكدت إيران أن دفاعاتها الجوية نجحت في إحباط الهجوم، وفي ذات الوقت شددت على احتفاظها بحق الرد "من دون تسرع وتأخر".
وفي منشور له على منصة إكس، دعا المستشار الألماني إيران لتجنب المزيد من التصعيد، مبررا غارت إسرائيل بالقول إنها "رد على الهجوم الصاروخي العنيف الذي تعرضت له مؤخرا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
«الشرق الأوسط».. حروب وتوترات وتفتيت لـ«الدول الوطنية»
يعيش الشرق الأوسط مرحلة حرجة تتسم بتعقيدات جيوسياسية وأزمات وتحديات مستمرة تهدد استقراره، وتتعدد التحديات التى تواجه الدول العربية، بدءاً من النزاعات المسلحة وانتهاءً بالتدخلات الخارجية، ما يثير مخاوف من مخططات تقسيم وتفتيت المنطقة، وهو ما يبرز جلياً فى العديد من الدول العربية بداية من فلسطين والطموح الإسرائيلى فى غزة، والضفة، مروراً بسوريا والتوسع الإسرائيلى بالجولان، إلى جانب التهاب الأحداث فى اليمن والسودان وليبيا.
وتمثل التدخلات الإقليمية والدولية تحديات كبرى، فى استقرار الدول، ما جعل الأوضاع أكثر تعقيداً، وأسهم فى تأجيج الصراعات المحلية لتحقيق مصالح استراتيجية، وزيادة التدخلات الخارجية تسهم فى إطالة الأزمات، وتزيد من تفكك الدول، ما يصعب حل النزاعات ويحافظ على حالة عدم الاستقرار.
ووسط كل التحديات، تبرز الرؤية المصرية كأحد العوامل الأساسية للحفاظ على وحدة الدول العربية، حيث تؤكد القيادة السياسية ضرورة تجنب توسيع نطاق الصراع الذى يؤدى لعواقب وخيمة، وبذل الجهود للوصول إلى خيار استراتيجى سياسى يسعى إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمى.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد حذر من توسيع دائرة الصراع فى الشرق الأوسط، لأن تسوية أزمات المنطقة تتم بتحقيق الاستقرار، واستعادة مفهوم وأركان الدول ودعم مؤسساتها وتعزيز قدرة جيوشها وحكوماتها.
«الوطن» تستعرض تحديات الشرق الأوسط، وأولويات الحفاظ على الدولة الوطنية فى مواجهة مخططات التقسيم ومؤامرات هدم الدول.