انطلاقا من مواقفها المتناقضة، تبدو ألمانيا للمراقبين مكبلة بأغلال الخطيئة وكأنها تغتسل من ذنوبها التاريخية في ساحات مكشوفة للمارة في الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم.

فعندما بدأت إسرائيل جرائم الإبادة الجماعية في غزة، نظرت برلين إلى شاشات التلفاز تعرض أشلاء ممزقة لأطفال فلسطين، لكنها لم تشاهد فيها سوى صور من "الهلوكوست".

وتعني الهولوكوست المحرقة والإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون الألمان ضد يهود أوروبا، وفق روايات تاريخية.

ومن عقدة الذنب هذه، تبادر ألمانيا إلى تبرير كل ما تفعله إسرائيل من قتل وتشريد للفلسطينيين واعتداء على دول الشرق الأوسط، ثم لا تخجل من استنكار وإدانة كل فعل مقاوم تجاه إسرائيل.

قمع وتسليح

مبدئيا، تُعتبر ألمانيا دولة ديمقراطية تضمن حقوق التعبير والتظاهر، لكنها حاليا تتصدر قائمة الدول التي تقمع أنصار القضية الفلسطينية وتجرم التضامن مع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت السلطات الألمانية حملة قمع واسعة على مواطنيها المتضامنين مع غزة وفلسطين، واعتقلت عددا كبيرا من النشطاء، ومنعت المظاهرات.

وحتى الحين، أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى سقوط أزيد من 43 ألف شهيد فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، إلى جانب تدمير البنية التحتية والمرافق الخدمية وتهجير وتجويع السكان.

لكن برلين عندما تنظر إلى هذه الحصيلة، تستحضر الجنود الألمان يرمون باليهود في شاحنات مكشوفة ويقتادونهم إلى معسكرات الاعتقال والتعذيب، فترى أن الأنسب التكفير عن الذنب بالمساعدة على اقتراف ذنب أكبر منه، وفق مراقبين يرون أن هذه الخطيئة التاريخية تطغى على تعاطي برلين مع أحداث الشرق الأوسط.

وبينما قررت دول غربية عديدة بينها فرنسا وبريطانيا مراجعة مبيعات السلاح لإسرائيل، تتبجح ألمانيا علنا بأنها لن تتوقف عن شحن الأسلحة إلى بنيامين نتنياهو الذي يعيث في الأرض فسادا وقتلا وطغيانا.

وتعد ألمانيا ثاني أكبر مورد أسلحة لإسرائيل وتتجاهل التبعات القانونية للاستمرار في مدها بأسلحة فتاكة تبيد بها أطفال ونساء فلسطين.

وفي حديث لـ"دويتشه فيله"، يرى خبراء ألمان أن برلين تواصل هذه السياسة انطلاقا من "مسؤوليتها التاريخية عن قتل 6 ملايين يهودي في الهولوكوست خلال الحقبة النازية".

ويقول الأكاديمي الألماني أندرياس كريغ إن بلاده تظل على الأرجح الدولة الأكثر تأييدا لإسرائيل في العالم.

ويضيف "ما زالت الحكومة ماضية قدما في هذا الدعم، وما زالت تصطف إلى جانب إسرائيل وما زالت ترغب في الاستمرار في تصدير الأسلحة".

وقد صدق كريغ، حيث وعد المستشار الألماني أولاف شولتز بتقديم المزيد من الأسلحة لإٍسرائيل لمواصلة حربها على غزة ولبنان.

وفي منتصف الشهر الجاري، قال المستشار الألماني: "ستكون هناك شحنات (أسلحة) وستكون هناك دائما شحنات إضافية. يمكن لإسرائيل الاعتماد على ذلك".

الصمت والصراخ

قبل ذلك، في الأول من أبريل/نيسان الماضي، سوّت إسرائيل بالأرض مبنى تابعا للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت 16 شخصا بينهم قائد كبير في الحرس الثوري، في انتهاك صريح للقوانين الدولية التي تحصّن المقرات الدبلوماسية من أي اعتداء.

 لكن خطيئة المحرقة منعت ألمانيا من استنكار الحادث. وعندما ردت إيران بعد أسبوعين وضربت إٍسرائيل بصواريخ وطائرات مسيرة، خرجت ألمانيا ببيانات شديدة اللهجة واستنكرت على طهران ممارسة حقها في الدفاع عن النفس.

وكان هجوم الوعد الصادق 1 في 14 أبريل/نيسان الماضي أول ضربة مباشرة توجهها إيران من أراضيها لإسرائيل.

وقد عبأت دول غربية -تتصدرها أميركا وفرنسا- إمكانياتها العسكرية لدرء الخطر عن إسرائيل، التي قامت قبل 7 عقود على أرض عربية مغتصبة وعدتها بها بريطانيا تكفيرا عن اضطهاد الغرب لليهود.

ومثل هذا الموقف تكرر عند اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في طهران للمشاركة في حفل تنصيب رئيسها الجديد، في أواخر يوليو/تموز الماضي.

ويومها لم تخرج ألمانيا ببيان يستنكر عملية الاغتيال، التي انتهكت سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.

لكن هذا الصمت تحول إلى صراخ، عندما ردت إيران بعملية الوعد الصادق 2 وضربت قواعد عسكرية في إٍسرائيل بمئات الصواريخ.

وسارعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للقول إن بلادها "تدين بأشد العبارات الممكنة الهجوم الإيراني المستمر الذي يمكن أن يغرق المنطقة بأكملها في الفوضى".

ولم تتوقف عند هذا الحد، بل طالبت "إيران ووكلاءها بإيقاف الهجمات على الفور"، وشددت على أن ألمانيا تتضامن مع إسرائيل بشكل كامل.

واليوم السبت، واصلت ألمانيا ممارسة التطهر من ذنوبها في ساحات الشرق الأوسط، فقد بادرت لتبرير الضربات الجوية التي وجهتها إسرائيل الليلة الماضية لإيران.

ووفق الجيش الإسرائيلي، شملت الضربات قواعد عسكرية ومصانع صواريخ مهمة، في حين أكدت إيران أن دفاعاتها الجوية نجحت في إحباط الهجوم، وفي ذات الوقت شددت على احتفاظها بحق الرد "من دون تسرع وتأخر".

وفي منشور له على منصة إكس، دعا المستشار الألماني إيران لتجنب المزيد من التصعيد، مبررا غارت إسرائيل بالقول إنها "رد على الهجوم الصاروخي العنيف الذي تعرضت له مؤخرا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

جوتيريش يطالب بإحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين

نيويورك (الاتحاد)

أخبار ذات صلة غزة.. جولة جديدة اليوم من تبادل الأسرى والرهائن نتنياهو يأمر بشن عملية عسكرية مكثفة في الضفة الغربية

طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بـ«إحراز تقدم لا رجعة فيه» نحو حل الدولتين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، عن جوتيريش قوله في كلمة متلفزة وجهها للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، التي عقدت في روما، إن «المنطقة يجري إعادة تشكيلها، لكن ليس من الواضح ما الذي سيظهر، حيث ستقع على عاتقنا مسؤولية المساعدة على ضمان خروج شعوب الشرق الأوسط بالسلام والكرامة وأفق من الأمل يرتكز على الفعل». وأضاف أن الشرق الأوسط يمر بفترة من التحول العميق، مليئة بعدم اليقين، ولكن أيضاً بالاحتمالات.
في غضون ذلك، بحث وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أمس، تطورات القضية الفلسطينية، وأكدا ضرورة إيجاد تسوية عادلة ونهائية لها على أساس حل الدولتين.
وجاء لقاء عطاف وألباريس على هامش اجتماعات اليوم الثاني لمجموعة الـ 20 في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا.

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي سيتوجّه إلى الشرق الأوسط لبحث اتفاق غزة
  • انطلاق مؤتمر "طب السموم الإكلينيكي"
  • هل لا يزال نتنياهو يحلم بمشروع إسرائيل الكبرى؟
  • تيك توك تعزز وجودها في الشرق الأوسط بشراكات رمضانية حصرية لعام 2025
  • مصر والصين تعززان التعاون الثنائي وتبحثان تطورات الشرق الأوسط
  • مسؤول أمريكي سابق لشفق نيوز: خطة ترامب لتغيير الشرق الأوسط غير جيدة
  • «فوربس الشرق الأوسط» تستضيف فعالية «أكتف أبوظبي 2025»
  • جوتيريش يطالب بإحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين
  • غوتيريش يدعو الى ضرورة إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين
  • جوتيريش: نطالب بتقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين