كل ما فى منطقة مقابر الإمام الشافعى يثير الحزن والحسرة.. الكل هناك يبكى فوق الثرى المختلط  برفات الأجداد وبقايا تاريخ مصر العتيقة.. العيون تبكى والأسر مشتتة، واليأس يلف المكان، ويملأ قلوب ساكنى مقابر الإمام الشافعى، الأغلبية هدمت أحواشهم، وتقاضى البعض مقابلا وخرج إلى سبيل مجهول، والقلة ينتظرون قرارات الإزالة بين مقتضب ومستسلم، أفواه ملثمة لا ترغب فى الحديث بالسلب أو بالإيجاب، ربما فقدوا الرغبة فى العيش والحياة.

 

وعلى الجانب الآخر، أحجار التاريخ المهدمة «تئن» صرخات بوجع مؤلم مرير، «التراث الجنائزى» أنقاض بلا رقيب ولا حسيب على هدمه، ألسنة المارة تردد كيف هان هذا الجمال؟..

  الهواء مختلط برائحة الموتى، فهدم جزء من تاريخ مصرنا العظيم بمثابة موت جماعى لمنطقة بأكملها، ومسح وإسقاط جزء من هوية المصريين.

«الوفد» تجولت فوق ركام قبة نام شاز قادين، إحدى مستولدات الوالى محمد على باشا، وعدة شوارع أخرى بالإمام الشافعى لرصد المقابر الأثرية والقباب التى تم هدمها بالفعل، رافضين هدم تراث الأجداد.

يقول «رامى عز الدين» مواطن يسكن «حوش فى مقابر الإمام الشافعى، إن عملية هدم القباب والمقابر التراثية «عشوائية» وغير مدروسة، وبسؤاله حول أين سيتجه بعد هدم الحوش، قال: «والله ما عارفين حنسكن فين، والدولة لن توفر لنا وحدات إسكان، وحسب اتفاقهم معنا، أن الغرفة تعويضها 100 ألف جنيه، والحوش عندى على شقتين، المفروض 750 ألفا، سلمونى 325 ألف جنيه أول عن آخر. 

ويتابع «عز الدين» بالقسم، أنه لم ولن يجد شقة بمبلغ التعويض الذى حصل عليه، دون أن تسأل عنا إلى أين نذهب بذوينا، مضيفا: الحكومة تطرح شقق الإسكان الاجتماعى خلال الشهر القادم بــ600 ألف جنيه وطالع ومساحة 70 مترا، وتساءل لماذا لا تضيفنا على شقق الإسكان نحن لا نريد تعويضات مادية، كل ما نرغب فيه مأوى لأبنائنا، وفى حال اتفقت مع الحى على مبلغ محدد بعد الهدم يلقون لك المبلغ الذى يتناسب معهم، فى حين أن الغرفة فى السيدة عائشة تصل لــ350 ألف جنيه. 

وحول فكرة تصدى الأهالى لـ عمليات الإزالة والهدم، قال «عز الدين»: إن الأهالى لا تملك المدافن وأغلبها ملك لعائلات البشوات منذ عهد محمد على، وبالتالى التعويض مجزٍ بالنسبة لهم، فهو لا يملك شيئا من الأساس، فلماذا يقف أمام الدولة؟، فهم منتفعون من عمليات الهدم، ولكن الضرر كله فى هدم المقابر والقباب الأثرية، وحتى الكتل السكانية سيتم هدمها، ونحن نسكن هنا من 400 عام، أجيال متوارثة فى الأحواش.

ويواصل حديثه: طرق الهدم «همجية بغباوة» والمفروض يكون فيه لجنة من وزارة الآثار والأوقاف والسياحة تقول أيه ينفع يتم هدمه وإيه الأثر، وقبة مستولدة محمد على باشا، التى أثارت جدلا عبر السوشيال ميديا، تركت على أساس أنه سيتم ترميمها، وتفاجئنا فى الصبح أنها أصبحت «كوم تراب»، من أجل «الأخشاب والعروق والتركيبات التى ينهبها الترابى وعمال الحى والمقاولون، ينهبون التاريخ والآثار، وهذه المقبرة كانت تضم مستولدة محمد على باشا وابنه. 

وتقول سيدة محمود، من ساكنى الأحواش: «إن الحى يضع علامات وأرقاما على المقابر والأحواش لتأخذ دورها فى عملية الهدم، والتصوير والصريخ والبكاء لن يجدى بشىء، قضي الأمر الذى فيه تستفتيان، دمروا الأحياء والأموات، نحن لا ننتظر شيئا من الدولة بعد هذا الخراب، ليس لديهم عزيز ولا غال، ولا فى رحمة لا لبشر أو حجر، فى ناس تمحو تاريخها، فى الوقت دول تشترى لها سنوات لتصنع لها تاريخا». 

وتروى: «أنا عايزة أموت فى الحوش الذى عشت فيه خمسين عاما، وفيه جثامين أهلينا وأجدادنا، عرضين علينا 200 ألف، بالله هذا المبلغ سيشترى شقة، أين نذهب بلحمنا، يوفر لنا شقق، ويقف هدم الآثار، نحن نبكى على الجمال الذى عشنا حوله مئات السنين، متسائلة: كيف هان عليهم تاريخنا؟».

وحول هدم قبة مستولدة محمد على باشا ونجله، تقول «سيدة»: «عند الساعة الواحدة ونصف ليلا سمعنا صوت هدم، فخرجنا نرى ماذا يحدث، فوجدنا عمال الحى يستكملون هدم القبة، فسألناهم: أكملوا عملكم فى النهار، قال أحدهم: «حنخلصها علشان القلق المثار حولها». 

وصادفنا «مجموعة من الطلبة الوافدين من «الهند» الذين يدرسون فى الأزهر الشريف، ويتحدثون العربية بطلاقة، جاءوا فى زيارة لمقام الإمام الجليل «المازنى»، وصدمهم واقع إزالة مقابر وقباب الأئمة، تحدثنا إليهم بالأسف عن فوضى وعشوائية المنظر، وتناول «رامى عز الدين» الحديث معنا: «كل يوم طلبة وافدين من كل أنحاء العالم المهتمين بالتراث الجنائزى يأتون إلى زيارة مقابر الإمام الشافعى، الناس الحزن على وجههم أكثر من أصحاب التراث، يعرفون قيمة الأثر».

ويقول ناصر إبراهيم: «إن وزير التموين الأسبق على مصلحى، نقل أمانة ذويه من مقابر العائلة الأثرية التى تعود إلى أسرة عاطف بركات باشا المشارك فى ثورة 1919 مع الزعيم سعد باشا زغلول، وهو ملك نجل الدكتور علاء حسونة السبع، سيأتى من أمريكا لمقابلة وزير الآثار فى محاولة لمنع هدم قصر مدافن العائلة، فهو بالفعل قصر، مضيفا أنه أت بـ صنايعة لفك تركيب المقابر الأثرية ووزارة الآثار أوقفت عملية فك التركيب لحين تشكيل لجنة». 

ويواصل «إبراهيم»: إن هناك عددا من الأسر فى مدفونة فى القصر وهم «أنساب» مع بعضهم، ومنهم عائلة الدكتور حسونة السبع، مؤسس معهد القلب ومعلم الدكتور مجدى يعقوب، وأسرة عاطف بركات باشا، وأسرة وزير التموين الأسبق على مصيلحى، وأسرة زوجته عائلة السبع. 

 

وتقول زوجة المرحوم محمد عبدالعاطى عمران «أم شريف» مسنة تسكن الحوش المقابل لـ مدفن عائلة عاطف بركات باشا: «ما يحدث ظلم كبير.. ربنا لن يرضى بالظلم، والظلم له آخر فى يوم، نحن نعيش فى الحوش منذ ستين عاما، المرض أصاب نجلى من يوم إبلاغنا بأمر هدم الحوش، كنا نبكى ونحن نخرج رفات أسرة وزير التموين، ماذا فعلت بالأموات؟، وما مصيرنا نحن الأحياء؟. 

وتضيف: أن عملية الهدم بدأت فور زيارة رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، إلى مقام الإمام الشافعى، منذ عدة أشهر، ولكن هدم القباب والمقابر الأثرية أحدث ضجة كبيرة وحزنا شعبيا بين الناس، لافتة إلى أنهم نقلوا رفات زوجها وأشقائه إلى مقابر العاشر الشهر الماضى، وكانوا قد دفنوا فى الحوش المجاور للمدرسة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مقابر الإمام الشافعي الحديث محمد على باشا عز الدین ألف جنیه

إقرأ أيضاً:

اكتشاف مقابر أثرية تعود إلى الحقبة الكنعانية في مدينة الخليل الفلسطينية

آخر تحديث: 24 أبريل 2025 - 12:00 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أعلنت وزارة السياحة الآثار الفلسطينية ، اكتشاف مقابر أثرية تعود إلى الحقبة الكنعانية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وذلك خلال أعمال تنقيب إنقاذي رافقت مشروع شق طريق جديد في المنطقة.وأوضحت الوزارة في بيان، أن الاكتشاف جرى في خربة الهراب ببلدة السموع جنوبي الخليل، حيث تم العثور على مقابر تعود إلى العصر البرونزي الوسيط، وهي مقابر منحوتة على شكل بار تحتوي على حجرات دفن متعددة، وتظهر نمطا دفنيا كان شائعا في فلسطين خلال تلك الحقبة.وأشار البيان إلى أن المقابر احتوت على مرفقات جنائزية من بينها فخار، وحلي، وتعاويذ، وأختام، وأسلحة برونزية، ما يعكس جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية آنذاك.وبحسب الوزارة، فإن هذا الاكتشاف يسهم في تعزيز المعرفة بتاريخ المنطقة خلال العصور القديمة، مشددة على أهمية التعاون مع السلطات المحلية لحماية الموقع بوصفه جزءا من التراث الثقافي الفلسطيني.ويعتبر الفلسطينيون أن عضويتهم الكاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، التي حصلوا عليها في أكتوبر 2011، تدعم جهودهم في حفظ تراثهم، رغم معارضة الولايات المتحدة التي علقت تمويلها للمنظمة على خلفية القرار.وتشير بيانات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية إلى وجود نحو 7 آلاف موقع ومعلم أثري في الضفة الغربية، يقع نحو 60 بالمئة منها في المناطق المصنفة (ج)، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، والتي تتعرض معظمها لأعمال نهب وتدمير، حسب الوزارة.

مقالات مشابهة

  • يا جنحويد دارفور، إذا أتتكم الريح من كل مكان وكل ناحية فأين تجعلون رؤسكم؟
  • متحف قصر الأمير محمد علي بالمنيل يحتفل بـ يوم التراث
  • اكتشاف مقابر أثرية تعود إلى الحقبة الكنعانية في مدينة الخليل الفلسطينية
  • 118 عامًا من الإنجازات| الأهلي.. العالم شاهد على أمجاده
  • فلسطين.. اكتشاف مقابر أثرية من الحقبة الكنعانية في مدينة الخليل
  • فلسطين.. اكتشاف "آثار كنعانية" في مدينة الخليل
  • تعرف على كلمة الرئيس السيسي خلال احتفال بتخريج دفعة الإمام محمد عبده
  • بحضور رئيس الجمهورية.. وزيرالأوقاف يحتفل بتخريج دفعة الإمام محمد عبده
  • صفقة الأسرى في مهب الريح.. إسرائيل تصعّد وحماس تُصر على اتفاقات تنهى الحرب
  • فتح باب التقديم على برامج الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية