تشكل الجامعات والكليات والمراكز البحثية والأكاديمية منارات إشعاع حضاري ومحركات بناء فكري وثقافـي تدفع بمسارات التنمية الإنسانية نحو المستقبل، وتسهم فـي جعل حياتنا أكثر سهولة ويسرا أمام تحديات المعرفة وتعقيداتها.

والجامعات والمؤسسات الأكاديمية هي بيوت بناء التنمية والتقدم العلمي، ويقوم على عاتقها تشكيل الوعي وتكريسه ووضع قواعد التفكير النقدي وبناء المعايير الأخلاقية والنزاهة الأكاديمية، وهذه القيم مجتمعة تشكل أركان المصداقية والسمعة لأي مؤسسة تعليمية وواجبها أن تدافع عن هذه القيم بكل ما تملك من أدوات حتى تبقى صورتها ناصعة ومصداقيتها صلبة بعيدا عن التضعضع والتسطيح.

وبهذا المعنى، فإن الدول- فـي أي مكان- مطالبة بتنمية هذه المؤسسات وتطويرها ودعمها فـي طريق تحقيق أهدافها والقيام بأدوارها الحضارية، وحمايتها من أي تراجع أو ضعف أيا كان شكله أو مصدره. وهذا ما تقوم به الدول فـي العالم لإيمانها بدور الجامعة ومكانتها الكبيرة.

وتبدو هذه المهمة فـي العالم العربي أكثر إلحاحا فـي ظل التحولات التي يشهدها العالم العربي والتحديات التي تحيط به؛ حتى تبقى هذه المؤسسات الحصن الأخير الصامد أمام سلسلة التحولات العربية إذا كنا، حقا، نتمسك بحلم تطوير الواقع عبر معالجة جميع الإشكالات ونعمل من أجل غد أفضل من الواقع الذي نعيشه اليوم، فضعف المؤسسات الجامعية يعني ضعف وهشاشة المستقبل الذي ما زلنا نعول عليه الكثير فـي إحداث تغيير جوهري فـي الواقع العربي.

والمؤسسات الجامعية والبحثية ليست جدرانا ومكاتبَ، إنها تتجسد فـي العقول التي تعمل بها، وبشكل خاص فـي أعضاء الهيئة التدريسية والبحثية، وهم أركان المؤسسة وعمادها وسمعتهم وسلوكهم يشكل فـي مجمله سمعة وسلوك المؤسسة الجامعية/ البحثية، ولذلك من الأهمية بمكان الحفاظ على سمعتهم ونزاهتهم الأكاديمية والحفاظ على أخلاقهم المهنية لأن كل ذلك فـي مجمله يشكل جوهر المؤسسة نفسها ويعكس مستواها العلمي وسمعتها الأكاديمية وبالتالي دورها الحضاري.

والنزاهة الأخلاقية والمهنية التي نبحث عنها فـي المؤسسات الجامعية تتمثل فـي الالتزام بقيم الصدق والثقة العلمية والتربية عليها، وهذا لا يقتصر على الطلاب وإنما أولى به الكادر الأكاديمي الذين يتوقع منهم أن يكونوا قدوة، بل هم صناع هذه القيم والمدافعون عنها وعن تكريسها بين طلابهم وفـي المجتمع بشكل عام.

إن السرقات الأدبية والعلمية والانتحالات وغيرها من أشكال سوء السلوك البحثي من بين أكثر الانتهاكات خطورة وتأثيرا على النزاهة الأكاديمية، وهي مع الأسف الشديد، آخذة فـي الانتشار فـي بعض المؤسسات الأكاديمية وبشكل خاص فـي العالم العربي، الأمر الذي ينذر بخطر كبير جدا على مسارات المستقبل وعلى بناء الوعي المجتمعي.

وتتسبب حالات الانتحال بين أعضاء هيئة التدريس فـي أي مؤسسة أكاديمية، وخاصة ما يكتشف منها على الملأ، فـي تداعي الثقة بين الطلاب ووسط المجتمع الأكاديمي بشكل عام وفـي مكانة المؤسسة الجامعية فـي المجتمع العام، الأمر الذي يعقِّد سعي المؤسسة الأكاديمية لضبط الجودة فـيها ورفع تقييمها الأكاديمي بين الجامعات العالمية. وهذا الأمر يحتم على كل مؤسسة جامعية تطبيق تدابير صارمة، وفق الأسس الأكاديمية المتعارف عليها فـي هذا المجال، لمنع ومعالجة انتشار مثل هذا السلوك المرفوض بين الأكاديميين والباحثين.

ولا نريد فـي سلطنة عُمان، حيث تعمل رؤية عمان 2040 على رفع مستوى تقييم الجامعات والكليات إلى مستوى التنافسية العالمية، أن نقع فـي الفخ الذي وقعت فـيه بعض المؤسسات الجامعية فـي بعض الدول العربية إلى الدرجة التي فقدت مكانتها الأكاديمية وأثرت بالتبعية إلى تقييم غيرها من المؤسسات الأكاديمية فـي الدولة نفسها.

وإذا كانت الانتحالات وضعف المناهج البحثية فـي مقدمة التحديات التي تواجهها بعض الجامعات فـي العالم العربي فإنها ليست التحديات الوحيدة، حيث انتشرت فـي بعض الجامعات خطابات شعبوية تتنافى مع أبسط القيم التي تتطلبها الخطابات الأكاديمية المشروطة بالمهنية والتدقيق العلمي والمعرفـي إلى درجة تماهي تلك الخطابات مع فوضى وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة تشابهت فـي طرحها فما كاد ممكنا التفريق بينهما.

إن أهمية الخطاب الصادر من أساتذة الجامعات، سواء كانت شفوية أم على وسائل التواصل الاجتماعي، في قدرتها على التأثير فـي الرأي العام بالنظر إلى مصدرها ولها القدرة على تشكيل السياسات، والتأثير على النسيج الثقافـي للمجتمع، وعندما يتم استغلال هذه الصفة الأكاديمية بشكل خاطئ عبر دغدغة مشاعر الناس الدينية والاجتماعية والاقتصادية دون سند معرفـي أو علمي فإن هذا من شأنه أن يشوه سمعة صاحب الخطاب وكذلك يقوض سمعة المؤسسة الأكاديمية التي ينتمي لها فـي حال لم تخضعه للقواعد والمبادئ الأكاديمية الصارمة.

تحتاج جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية إلى تدقيق صارم على القيم والمبادئ الأكاديمية والمهنية لتبقى مراكز إشعاع حضاري وقيادة أخلاقية وساحات بناء الوعي العربي المتآكل فـي لحظة مصيرية بالنسبة للأمة العربية، وهذا لا يمكن أن يتحقق دون وجود مدونات سلوك مهني، بحثي وخطابي يجب الجميع على تطبيقها وعدم الخروج عنها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الجامعیة العالم العربی فـی العالم

إقرأ أيضاً:

الأكاديمية العربية وجامعة هاينان الصينية توقعان مذكرة تفاهم

وقعت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وجامعة هاينان جمهورية الصين الشعبية، لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بما يساهم في دعم التفاعل الأكاديمي بين الجانبين.

ووقع على مذكرة التفاهم الدكتور إسماعيل عبد الغفار إسماعيل فرج رئيس الأكاديمية ، و الدكتور  لوه تشينج مينج، رئيس جامعة هاينان ، إذ أقيمت مراسم توقيع الاتفاقية بفرع الأكاديمية بالقرية الذكية بحضور  الدكتور محي الدين السايح عميد كلية النقل البحري والتكنولوجيا وأعضاء الوفد الصيني .

وبموجب مذكرة التفاهم يتعاون الطرفان فى تبادل أعضاء هيئة التدريس والباحثين وتبادل الطلاب الجامعيين والدراسات العليا ، تطوير برامج أكاديمية مشتركة تعود بالنفع المتبادل على الطرفين ، مشاريع بحثية مشتركة  (قضايا البيئة البحرية، والاقتصاد الأزرق المستدام، والطاقة البحرية المتجددة) إلي جانب البرامج مشتركة لبناء القدرات والتدريب للمهنيين في القطاعات البحرية

وقال  الدكتور إسماعيل عبد الغفار إسماعيل فرج رئيس الأكاديمية : "نحن متحمسون للتعاون مع جامعة هاينان لتعزيز التعليم والبحث ، وستعزز مذكرة التفاهم هذه شراكتنا وتوفر فرصًا جديدة للأكاديمية وجامعة هاينان لتقديم مساهمات كبيرة في نمو وازدهار التعاون العلمي بين الجانبين".

واضاف عبد الغفار: «تأتي هذه المذكرة في إطار استراتيجينا ورؤيتنا لتعزيز الشراكات مع المؤسسات الكبري، بما يدعم تطوير قدراتنا وتحقيق رؤية واستراتيجية الأكاديمية ».

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم العالي يشهد توقيع خطاب نوايا بين جامعتي "المستقبل" و"إيست إنجليا" البريطانية
  • وزير التعليم العالي يشهد توقيع خطاب نوايا بين جامعتي المستقبل وإيست إنجليا البريطانية
  • توقيع خطاب نوايا بين جامعة المستقبل و«إيست إنجليا» البريطانية
  • الأكاديمية العربية وجامعة هاينان الصينية توقعان مذكرة تفاهم
  • مؤتمرالإتصال والإعلام يوصي بإدماج الذكاء الاصطناعي بالبرامج الأكاديمية
  • ذبحتونا حول تقريرها للرسوم الجامعية: لم يعد لدينا جامعات رسمية
  • مدير مشفى كمال عدوان : نعمل بظروف قاسية للغاية وبدأنا نفقد أعدادًا من المصابين
  • وفدا من الأكاديمية العسكرية في زيارة ميدانية إلى هيئة قضايا الدولة
  • رئيس جامعة القاهرة يكشف عن الملفات التي تعمل عليها الجامعة.. ويفجر مفاجأة بشأن خصخصة المشتفيات الجامعية
  • السياني وسفيان يناقشان آلية نقل وحفظ وثائق الدولة في المؤسسات التي سيتم دمجها