الهند في عيد استقلالها الـ75 تتفسخ اجتماعياً
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
تحتفل الهند في 15 آب/ أغسطس بعيدها الخامس والسبعين في الاستقلال عن بريطانيا الذي تم في عام 1947، لكن الهند الذي رفع رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي شعار حملته الانتخابية عام 2014 "الهند تتلألأ" لم تعد كما كان يحلم بها، بعد التفسخ الاجتماعي الذي طالها منذ وصوله إلى السلطة، والتي بدأت حقيقة وواقعاً يوم كان رئيساً لوزراء إقليم كوجارات حيث وقعت مجزرة بحق المسلمين وسط صمته ودعمه ومساندته؛ أسفرت عن حرق خمسة آلاف مسلم يومها، بعضهم تم حرقه داخل القطارات، وهو ما تسبب في حالة غضب عارمة في الهند وخارجها، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرمانه من الحصول على تأشيرة سفر، حتى وصوله للحكم في 2014 حين تم منحه تأشيرة سفر ديبلوماسية.
مجزرة كوجارات لم تكن حادثة منعزلة بعد أن تعاظمت الحوادث التي لم تعد تطال المسلمين في الهند فقط، وهم الذين يبلغ عددهم 200 مليون مسلم، ومحرومون من أي منصب حكومي في مجلس وزراء مودي، فقد طالت حوادث القتل والاغتصاب والعنف هذه عرقيات السيخ والمسيحيين. ففي منطقة مانيبور المحاذية لبورما وبنغلاديش، استمرت أعمال العنف لثلاثة أشهر متتالية بين عرقيتي الكوكي الهندوسية والميتي المسيحية، دون أن تحرك الحكومة ساكناً، بل واتهمت قوى الأمن بمحاباة الهندوس من خلال تسهيل عملية سرقة الأسلحة من مخازن الشرطة، التي قامت بها عصاباتهم لتستخدمها لاحقاً ضج الأقلية المسيحية.
بدأت قصة مانيبور حين تجرأت عصابة هندوسية متطرفة على خطف سيدتين مسيحيتين وتجريدهما من ملابسهما أمام الناس، ثم اغتصابهما، ومع نشر فيديوهات تؤكد ذلك. لم يحرك مودي ولا غيره من الحكومة ساكنا، إلاّ بعد شهر على الحادثة، وحين تحرك قصر حديثه على التعهد بالملاحقة القضائية، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ومما أفقد الناس ثقتهم بالمحاكم وتصريحات رئيس الوزراء نفسه، هو إفراج المحكمة عن متهميْن سابقيْن سجنا في حادثة اغتصاب مماثلة، ليتزامن الإفراج عنهما مع حادثة اغتصاب مانيبور، الأمر الذي ألقى بشكوك كبيرة على جدية تصريحات مودي والحكومة.
أعمال العنف في مانيبور تتحدث التقارير الواردة من هناك عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 150 ألفا بالإضافة إلى تدمير أكثر من 250 كنيسة، فضلاً عن تدمير مساجد في مناطق هندية أخرى في حوادث منفصلة عن هذه الحوادث، التي ما باتت منعزلة عن بعضها، ولم تعد جزر منفصلة، وإنما غدت أرخبيلاً هندوسياً يقتلع الهند ذاتها، ويزيد من حالة التفسخ الاجتماعي التي تتهددها.
المعارضة الهندية الضعيفة، والمكوّنة من تحالف من 26 حزباً سياسياً بقيادة حزب المؤتمر الهندي بزعامة راهول غاندي، تستعد لانتخابات عامة، ولكنها تدرك تماماً أنها لا تستطيع هزيمة مودي؛ الذي يستعد لجولة حكم ثالثة بعد أن استأثر بحكم الهند منذ عام 2014، حيث نقل الهند من علمانية حزب المؤتمر الذي حكم الهند معظم سنواتها بعد الاستقلال، إلى هندوسية متطرفة تحت شعار هندوتفا الهند، وهي تعني تهميش الأقليات الأخرى، وجعل البلاد هندوسية بعيدة كل البعد عن العلمانية التي تتساوى فيها العرقيات الأخرى، والتي عُرفت بها الهند طوال سنوات حياتها.
الهند ليست هي وادي السيلكون الذي يتخيله البعض، فهذا الوادي لا يشكل سوى 2 في المئة من الهند، وبالتالي فتلزيم الشركات الأمريكية والأجنبية بشكل عام لأعمالها لهذا الوادي لا يعكس بالضرورة حالة الهند العامة، فهذا لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من حياة الهنود، بينما الغالبية تقع تحت خطر الفقر.
القوى الدولية اليوم في ظل التوتر والتصعيد الحاصل في أوكرانيا وانعكاساته الإقليمية والدولية، كلها تطلب ودّ الهند، فروسيا تعتبر الهند شريكاً تجارياً لها، وحديقة خلفية للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها، ولذا رأينا الهند لم تُدن الغزو الروسي لأوكرانيا، بل وتقوم باستيراد النفط الروسي لتسويقه في الخارج؛ ملتفة بذلك على العقوبات الغربية عليها. أما أمريكا والغرب فيريدان الهند أن تكون قوة وازنة في مواجهة تنافساتها وربما حربها القادمة مع الصين، لا سيما وأن الأخيرة لديها مشاكل حدودية مع الهند، ولذا يسعى الغرب إلى استغلالها في تقرّبه مع الهند، وعدم إزعاجها في ملفات داخلية، لا تشكل شيئاً بالنسبة للغرب في ظل الخطر الصيني والروسي الأعظمين.
لكن يبقى الواقع الهندي الداخلي مهدداً اجتماعياً واقتصادياً، ويبقى الواقع الهندي خطرا ليس على الهند ذاتها، وإنما خطرا على المنطقة والعالم نظراً للامتدادات العرقية والمذهبية لعرقيات وأديان الهند في الخارج أولاً، وثانياً لأن الهند في هذا الشهر ستحتفل بتفوقها على الصين من حيث عدد السكان، إذ سيبلغ عدد سكانها أكبر من الصين نفسها، مما سيُرشّحها لتكون الدولة الأكبر سكاناً في العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهند مودي المسلمين الهندوسية الهند المسلمين المسيحيين مودي الهندوس سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهند فی
إقرأ أيضاً:
مخاوف وانتقادات في سريلانكا من اتفاقية دفاع سرّية مع الهند
كولومبو- وقّعت الهند عدة اتفاقيات مع سريلانكا، خلال زيارة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدأت اليوم السبت وتستمر 3 أيام، ومنها اتفاقية دفاعية تُوليها نيودلهي أهمية خاصة.
ووصفت وسائل إعلام هندية اتفاقية الدفاع مع سريلانكا -الواقعة على طول الحدود البحرية الجنوبية للهند- بـ"الإجراء الإستراتيجي" الهادف لمواجهة النفوذ العسكري المتنامي للصين بالمنطقة.
وقال مودي، في تعليقه على الزيارة، إن الرئيس السريلانكي أنورا كومارا ديساناياكي اختار الهند لتكون وِجهته الأولى بزياراته الخارجية بعد توليه منصبه.
وأضاف "أنا اليوم، أول ضيف أجنبي له هنا في سريلانكا، وهذا يُظهر عمق علاقتنا الخاصة". بينما جدد ديساناياكي موقف بلاده، بعدم السماح باستخدام أراضيها بأي شكل معاد لأمن الهند وللاستقرار الإقليمي.
ورغم أن وزير الخارجية السريلانكي، فيجيتا هيراث، أعلن أن اتفاقية الدفاع ستتضمن بنودا تتعلق بتدريبات عسكرية مشتركة وتعزيز المراقبة البحرية، فإن "السرية" المحيطة بها أثارت ردود فعل سياسية بسريلانكا.
وأكد قادة سياسيون تخوفهم من هذه الاتفاقية التي ستكون الأولى من نوعها بين البلدين منذ اتفاقية السلام بين الهند وسريلانكا عام 1987، والتي أسست نظاما شبه اتحادي للتاميل شمال وشرق سريلانكا، وهي مسألة لا تزال موضع جدل.
وفي السياق، انتقد بوبودو جاياغودا الأمين العام للشؤون التعليمية في حزب الجبهة الاشتراكية -وهو فصيل منشق عن حزب جبهة التحرير الشعبية ومكون رئيس في الائتلاف الحاكم- بشدة "انعدام الشفافية".
وقال جاياغودا للجزيرة نت، إنه ونظرا لطبيعة الاتفاقية "النادرة والحساسة"، كان ينبغي إعلان محتواها الكامل ومناقشتها بالبرلمان قبل توقيعها.
إعلانوزعم أن مجلس الوزراء السريلانكي لم يطلع على النص الكامل للاتفاقية، ولم تتمكن الجزيرة نت من التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل.
وفي حين ذكرت السلطات السريلانكية أن الاتفاقية تهدف لتوسيع نطاق الاتفاقيات الموقعة سابقًا لتشمل التدريبات العسكرية المشتركة والمراقبة البحرية، نفى جاياغودا هذا "المنطق".
وتابع "إذا قالت الهند إننا نوقع هذه الاتفاقية لأجل تدريبات عسكرية مشتركة أو تقديم دورات تدريبية عسكرية، فهذه مزحة، نحن نرسل قواتنا بالفعل لدول عدة، بينها باكستان، للتدريب، وليس لدينا هذا النوع من الاتفاقيات معهم".
من جهته، قال المدير التنفيذي للمجلس الوطني للسلام (مركز أبحاث مقره كولومبو) جيهان بيريرا، إنه لم يُفاجأ بالسرية التي تُحيط بالاتفاقية الحالية، وذكر مثالا سابقا يتعلق باتفاقية "الاستحواذ والخدمات المتبادلة" بين سريلانكا وأميركا عام 2007، التي ظلت سرّية، وسمحت لكلا البلدين بتقديم الدعم العسكري اللوجستي لبعضهما، وجُددت عام 2017 لعقد آخر، ولم يُعلن عن محتواها الكامل بعد.
ونظرا لأن الهند تواجه بيئة معادية في جوارها، كونها على خلاف مع كل من الصين وباكستان، ومع تحول بنغلاديش تدريجيا من تأييد الهند لموقف أكثر حيادية، تُعتبر اتفاقية الدفاع مع سريلانكا خطوة بالغة الأهمية لنيودلهي.
وأضاف بيريرا للجزيرة نت، أن أمن الصين لا يعتمد على سريلانكا، لكن أمن الهند يعتمد عليها نظرا لكونها أقرب جغرافيا.
محطة للصراعووفقًا لبيريرا، إذا أبرمت سريلانكا اتفاقية دفاع مع الهند، فسيقلل ذلك شكوك الأخيرة تجاهها، وأن على سريلانكا أن تستغل الفرصة للتفاوض مع الهند للسماح لها بمزيد من المشاركة الاقتصادية مع الصين وجذب استثماراتها للبلاد.
في المقابل، حذّر جاياغودا من أن أي صراع مستقبلي بالمحيط الهندي من المرجح أن يكون بين أميركا والصين، مع احتمال تورط الهند إلى حد ما، وأشار إلى أن هذا التكتل يعمل من خلال التحالف الرباعي، الذي يضم أستراليا واليابان والهند وأميركا.
إعلانوختم قائلا "إذا وقّعت سريلانكا اتفاقية دفاع مع عضو بهذه المنصة، فإنها ستُجرّ تلقائيا لهذا الصراع، وبهذه الحالة، ستصبح سريلانكا بمثابة أوكرانيا في الصراع بين روسيا والغرب، وهذا سيناريو غير مرغوب فيه".