هوليود تفضح تمييزها ضد النساء في فيلم المادة
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
أفلام الرعب الجيدة هي تلك الأفلام التي لا تقف عند حد إخافة المتفرج بل تجعله يُعمل عقله في خطابات وأفكار يتم طرحها في إطار فني مدهش، وفيلم "المادة" (The Substance) -المعروض خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي بعد عرضه السابق بمهرجان كان السينمائي- أحد هذه الأفلام.
"المادة" فيلم رعب ساخر من إخراج الفرنسية كوارلي فارجيت، وبطولة ديمي مور وماغريت كوالي، وحصل على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان السينمائي، ويعرض في مهرجان الجونة وعلى منصة "موبي" (Mubi) مع موسم الهالوين الأميركي، وهو موسم أفلام الرعب الأشهر كل عام.
يبدأ فيلم "المادة" في ممشى نجوم هوليود الشهير، عندما تحصل الممثلة الخيالية إليزابيث سباركل على نجمتها الخاصة، التي تبدو في البداية مشرقة ثم مع مرور الأعوام تعلوها طبقات من الأتربة والأوساخ ويغيب عنها الجمهور الذي اعتاد في الماضي التقاط الصور بجوارها، ويتساءل المارة الآن من هي هذه الإليزابيث سباركل.
في هذه اللقطات الأولى تلخص المخرجة حياة كل نجمة سينمائية، تغمرها الأضواء ومحبة الجمهور في شبابها، ثم تسقط من الذاكرة ما إن يأفل هذا الشباب، وفي المشاهد التالية نتعرف أكثر على إليزابيث في عيد ميلادها الخمسين، وهي تفقد عملها بعدما أخذ المدير التنفيذي بالأستوديو قرار استبدالها بممثلة أكثر شبابا.
تشعر البطلة بالصدمة، وقد فقدت مكانها في العالم، والمهنة التي كرست لها سنوات عمرها، ثم يأتيها الحل السحري عن طريق عقار يباع في السوق السوداء يصنع من الشخص نسخة أخرى منه أكثر شبابا، غير أن على مستخدمه الالتزام بشرط ضروري للغاية، وهو أن هذه النسخة الحديثة تحيا أسبوعا، ثم تعود إلى النسخة القديمة أسبوعا آخر وهكذا دواليك.
ومثل الكثير من الأفلام والروايات التي تناولت اتفاقيات مشابهة حدثت العديد من التعقيدات التي أدت إلى نتائج كارثية لإليزابيث ونسختها الشابة سو.
فيلم "المادة" يعرض خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي بعد عرضه بمهرجان كان السينمائي (مواقع التواصل الاجتماعي)وإن قسمنا الفيلم إلى غلاف خارجي وهو نوعه السينمائي أي الرعب، وأصل داخلي هو خطابه أو الأفكار التي يتناولها، نجده يقدم رعبا جسديا صادما، بداية من مشاهد خروج "سو" من جسد إليزابيث، وحتى اللقطات الأخيرة التي تصور الانهيار النهائي لجسديهما، والرعب الجسدي هنا اختيار مناسب لأفكار الفيلم التي تتمحور حول الرابط بين مهنة الممثلة وشبابها وجمالها الجسدي، فنشاهد على الشاشة كيف يتحول هذا الهوس إلى كابوس.
لهوليود عاصمة صناعة السينما الأميركية سمعة سيئة بهذا الصدد، فقد دأبت منذ تدشين نظام النجوم -أي اعتبار الممثل عامل الجذب الأساسي في العمل الفني- على النظر لممثليها وممثلاتها على الأخص كما لو أنهم سلع يجب الاستحواذ عليها واستغلالها لأقصى حد ثم طرحها جانبا ما إن ينتهي الغرض منها.
فاشتهرت على سبيل المثال بتقديم الدروس للممثلات في الرقص والإلقاء، وتغيير مظهرهن بما يتلاءم مع متطلبات السوق، حتى يصلن إلى السن التي يفقدن خلالها ألق الشباب الباهر، فيبحث الأستوديو عن غيرهن، وفي الماضي تم هذا التحكم من خلال عقود احتكارية تمتد لسنوات، والآن عبر حرمان الممثلات الأكبر عمرا من أدوار ملائمة، وأحد ضحايا هذا النظام الممثلة ديمي مور بطلة فيلم "المادة" نفسها.
بين المباشرة والمجازيفصح فيلم "المادة" في مشاهده الأولى عن وجهة نظر صناعه في الظلم الذي يحيق بالممثلات ما إن يصلن إلى منتصف العمر، وذلك عبر الحوار، فنجد مدير الأستوديو يهين إليزابيث وهو يظن أنه بعيد عن أسماعها، ويطلب تغييرها، ثم تعبر الصورة السينمائية عن ذات المعنى، عندما تركز الكاميرا على عملية إزالة وجه الممثلة من اللوحات الإعلانية، وبعد ذلك استبدالها بلوحات جديدة تحمل صورة سو النسخة الأكثر شبابا من إليزابيث.
حشد هذا الوضوح الشديد كل أفكار الفيلم بنصف الساعة الأولى منه، ليستمر العمل لساعة تقريبا من دون أي أحداث تذكر سوى استمتاع سو بحياتها كشابة مرغوبة من الجميع، تحقق النجاح بلا أي مجهود سوى جمالها البهي، بينما تنكمش إليزابيث على نفسها أكثر، وتجتر أحزانها وتتبدل من امرأة جميلة للغاية في الخمسين، إلى عجوز لا تبالي بمظهرها، تنتقم من سنوات العناية بنفسها من أجل الأستوديو بالجلوس لساعات أمام التلفاز، وتتناول الأطعمة التي حُرّمت عليها من قبل.
يفصح "المادة" عن وجهة نظر صناعه في الظلم الذي يحيق بالممثلات عندما يصلن إلى منتصف العمر (مواقع التواصل الاجتماعي)اشتبك الفيلم بصراحة ومباشرة مع فكرة تسليع المرأة بشكل عام وفي صناعة السينما بشكل خاص، لكن على الجانب الآخر أتاح الفرصة لتناول أفكار أخرى بصورة أقل وضوحا، منها هوس الأجيال الصغيرة وعلى رأسها الجيل "زد" -أبناء الألفية الجديدة- بالجمال بما يفوق الأجيال السابقة، الأمر الذي يعود جزء كبير منه إلى تركيز مواقع التواصل الاجتماعي المستمر على مُثُل الجمال بشكل مختلف عن الماضي.
فمن قبل تمثلت النساء اللواتي يحملن لواء الأجمل في الممثلات السينمائيات، وهن نجمات يبدون للجمهور كما لو أنهن يعشن في عالم موازٍ، فقلت مساحات المقارنة، بينما الآن لم يعد هناك هذا الحاجز، ولا يقتصر الأمر على الممثلات، بل ظهرت ثقافة المؤثرات، وهن نساء عاديات ارتقين بفضل حضورهن على منصات التواصل، ومع سهولة وتوفر الإجراءات التجميلية من ناحية، واستخدام المرشحات على صور وفيديوهات هذه المنصات من ناحية أخرى، أصبح هناك ضغط هائل على المراهقات والشابات للوصول لمُثُل جمال غير طبيعية.
فيلم "المادة" تجربة سينمائية صادمة على أكثر من مستوى، أولها وأكثرها وضوحا مستوى الرعب، وثانيها اشتباكه المباشر مع قيم هوليود التي لا تضع في عين الاعتبار موهبة وخبرة النجمات والنجوم قدر تركيزها على الجمال والشباب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما مهرجان الجونة
إقرأ أيضاً:
“الانتقام لأمريكا وإسرائيل” عنوانًا للتحشيد الإقليمي ضد اليمن: مرارة الهزيمة تفضحُ أهدافَ واشنطن
يمانيون ـ تقرير
مع ثبوتِ هزيمتِها التأريخية في مواجهة اليمن وفشلها الفاضح في ردع جبهة الإسناد اليمنية لغزة، تتخبط الولايات المتحدة الأمريكية بين رغبتها الشديدة بالانتقام من الشعب اليمني للتغطية على تلك الهزيمة وذلك الفشل، بين انعدام الخيارات الفاعلة لتنفيذ هذه الرغبة، فبعد أن أثبتت القوات المسلحة مصداقيتها أمام قطاع الشحن، من خلال وقف العمليات البحرية على السفن غير المملوكة للعدو الصهيوني، وتجاوب العديد من مشغلي السفن مع ذلك، أبدت واشنطن اندفاعًا نحو محاولة تدويل مأزقها من خلال إظهار البحر الأحمر كمنطقة خطر مُستمرّ على الجميع، والدعوة إلى تشكيل تحالفات جديدة تتضمن دولًا إقليمية، في مسعى جديد للتحشيد ضد اليمن خلف قرار التصنيف الجديد، وهذه المرة لأغراضٍ انتقامية وسياسية معلَنة وواضحة لا تستطيع دعايات “حماية الملاحة” المزيفة إخفاءَها.
شركاتُ الشحن تثقُ بمصداقية صنعاء:
منذ أن كشفت وكالات الأنباء الدولية ومنصات الشحن البحري عن تلقي العديد من شركات الشحن رسائلَ من مركز تنسيق العمليات الإنسانية بصنعاء بشأن رفع العقوبات عن السفن غير المملوكة لكيان العدوّ (مع ربط رفع العقوبات عن سفن العدوّ باكتمال تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة) أبدى قطاع الشحن تجاوبًا مع تلك الرسائل ونقلت العديد من التقارير عن مسؤولين في الأمن البحري قولهم إن العديد من أصحاب السفن يعملون على ترتيب العودة إلى البحر الأحمر، وأن التباطؤ يعود إلى سببين: الأول هو الحرص على التأكّـد من صمود وقف إطلاق النار في غزة، والثاني هو الوقت اللازم للتخطيط للعودة لتجنب اضطراب سلاسل التوريد والازدحامات.
وقد أكّـدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية هذا الأسبوع أن العديد من مشغلي السفن [غير المملوكة للعدو بطبيعة الحال] يعتزمون العودةَ إلى البحر الأحمر بمُجَـرّد اكتمال المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي يفترَض أن تضمن انتهاءَ الحرب واكتمال تبادل الأسرى، وهو ما يعني إلى أن القسمَ الأول من مخاوف شركات الشحن يعودُ إلى عدم الثقة بالتزام العدوّ بالاتّفاق.
وأشَارَت الصحيفة إلى أن القسم الثاني من مخاوف مشغلي السفن يتعلق بتعقيد الترتيبات اللازمة لعودة الإبحار عبر البحر الأحمر من ناحية الازدحام والاضطراب المفاجئ لأسعار الشحن، وهو ما يعني أن المسألةَ مسألة وقت إذَا صمد اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفقًا لمديرِينَ تنفيذيين نقلت عنهم الصحيفة الأمريكية.
أمريكا تسعى لتشكيل تحالف “انتقامي” جديد ضد اليمن:
لكن الولايات المتحدة تحاول رسمَ واقع مختلف من خلال مواصلة حملة التضليل التي فشلت على مدى عام كامل في إقناع العالم بأن البحر الأحمر أصبح منطقة خطرة على التجارة الدولية وأن جميع السفن مستهدفة بلا استثناء، في محاولة لضرب مصداقية صنعاء التي أكّـدت الوقائع من التقارير أن شركات الشحن تثق فيها بشكل رئيسي، وقد ذكرت العديد من التقارير الغربية والبريطانية مؤخّرًا أن أصحاب السفن لا يعولون على التحَرّكات الأمريكية بل “ينتظرون إشارة” من صنعاء؛ مِن أجلِ العودة إلى البحر الأحمر، وقد جاءت تلك الإشارة بوضوح.
هذه المساعي الأمريكية التضليلية تأتي في محاولة لإبقاء المجال مفتوحًا أمام التحشيد الإقليمي والدولي ضد صنعاء، خُصُوصًا بعد قرار التصنيف الأخير لحركة “أنصار الله” والذي تعول واشنطن على استخدامه كغطاء ووسيلة لترغيب أَو ترهيب بعضِ الأنظمة المعادية لليمن؛ مِن أجلِ التصعيد ضد الشعب اليمني.
لكن دعاية “حماية حرية الملاحة” التي فشلت الولايات المتحدة في ترويجها خلال أكثر من عام، أثناء الهجمات اليمنية، تبدو اليوم أقلَّ قابليةً للترويج مما كانت، بل تطغى عليها الرغبةُ الانتقامية المعلَنة بوضوح من جانب الولايات المتحدة، والتي عبَّر عنها نص قرار التصنيف الذي أشَارَت مبرّراته بشكل صريح إلى أنه يأتي كمحاولة للانتقام من هزيمة البحرية الأمريكية وتحييد التهديد الذي أصبح يشكِّلُه اليمنُ على كيان العدوّ ومصالح الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة، وهو ما برهن -من غير قصد- على مصداقية الموقف المعلن لصنعاء بشأن اقتصار تهديد عمليات الإسناد البحرية وغيرها على كيان العدوّ والأطراف المعتدية على اليمن.
هذا أَيْـضًا ما أكّـده “معهد واشنطن لسياسَة الشرق الأدنى” المرتبط بالاستخبارات الأمريكية في تقرير جديد زعم فيه أن البحر الأحمر لا يزال منطقة خطرة، ولكنه في محاولته لتفسير ذلك الخطر قال إنه “حتى لو أَدَّى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في الهجمات في البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من طبيعة الحوثيين أَو عدائهم تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و”إسرائيل”، وعلى الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية العديدة ضد اليمن، فَــإنَّهم لا يزالون يمتلكون ترسانة متطورة تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار هجومية بعيدة المدى” وهو ما يعني أن الخطر الذي تحاول الولايات المتحدة الترويج لوجوده في البحر الأحمر مقتصر على الثلاثي الذي يمتلك توجّـهات عدائية أصلًا ضد اليمن، وليس خطرًا “دوليًّا”.
وفيما اقترح المعهد على الولايات المتحدة “وشركائها” تنسيقًا للحفاظ على وجود عسكري في البحر الأحمر وإنشاء “تحالفات جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والمملكة العربية السعوديّة والسودان” فَــإنَّ عنوان “الحفاظ على أمن الممر البحري” الذي حاول وضعه لهذه الخطوات، لا يستقيم أبدًا مع المخاوف الخَاصَّة التي ذكرها؛ باعتبَارها “تهديدات” فمصر والسعوديّة والسودان وإرتيريا لا مصلحة لها في الانخراط ضمن تحالف هدفه الأَسَاسي -كما ذكر المعهد- هو تحييد التهديد الذي تشكله القوات المسلحة اليمنية على كيان العدوّ والهيمنة الأمريكية والبريطانية على البحر الأحمر وباب المندب، وليس من المنطقي أن تعتبر هذه الدول أن تصاعد القدرات العسكرية اليمنية وبقاءها تهديدٌ يقتضي أن تتحَرّك للتخلص منه.
ووفقًا لذلك، يتبين بشكل واضح أن محاولة التحشيد الإقليمي التي تمارسها الولايات المتحدة في المنطقة ضد صنعاء تأتي؛ بهَدفِ الانتقام من الهزيمة التأريخية التي منيت بها البحرية الأمريكية والبريطانية في تحييد الخطر اليمني الاستراتيجي على كيان العدوّ الصهيوني، وأن عناوين “حماية الملاحة” أَو “خطر اليمن على شركاء أمريكا” ليست سوى محاولات بائسة ومكشوفة لاستمالة بعض الأطراف التي تمتلك أصلًا توجّـها عدائيًّا مسبقًا ضد اليمن، أَو ابتزاز الأطراف الأُخرى التي لا تملك مثل هذا التوجّـه.
والحقيقة أن بروز التوجّـه الانتقامي والمخاوف الخَاصَّة لدى الولايات المتحدة بهذا الشكل، يمثل دليلًا مسبقًا على حتمية فشل مساعي التحشيد العدواني ضد اليمن، سواء على مستوى حجم التحشيد أَو على مستوى نتائجه، وهذا ما يؤكّـده أَيْـضًا واقعُ الفشل السابق والذريع لواشنطن في تحشيد حلفائها ضمن عملية ما سمى بـ “حارس الازدهار” قبل عام، حَيثُ انتهى الأمر بذلك التحالف مقتصرًا على الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى إن الاتّحاد الأُورُوبي لجأ إلى تشكيل عملية مستقلة حرص على توصيفها بـ”الدفاعية” لتجنب التورط في المعركة الأمريكية والبريطانية العدوانية، ولن يكون الواقع مختلفًا اليوم مع حديث الولايات المتحدة بصراحة عن رغبتها في الانتقام لهزيمتها المخزية أمام اليمن، وهي رغبةٌ تُسقِطُ دعاية “حماية الملاحة” التي ثبت فشلها مسبقًا.
المصدر: المسيرة