"هرمنا ونحن ننتظر التوظيف"
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
سالم بن نجيم البادي
بعد التخرج في الجامعة نرى عند الشباب والشابات ذلك التوهُّج والفرح والأحلام العريضة والرغبة في الانطلاقة السريعة نحو الدخول إلى معترك الحياة بثقة وهمم عالية.
لكن "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه"، فقد اصطدم الكثير من هؤلاء بواقع مرير عندما طال انتظارهم وتبددت تلك الأحلام الزاهية، ومرت السنوات العجاف وهم ينتظرون الوظيفة، ثم قيل لهم إن التوظيف يتم بالأولوية الأقدم فالأقدم، في انتطار التوظيف، فلا القدماء تم توظيفهم ولا من هم في طابور الانتظار.
هذه مأساة يعيشها هؤلاء الباحثون عن عمل والجهات المختصة عاجزة عن انتشالهم من وضعهم الشائك، وهو وضع غريب وغير منطقي ولا مبرر له في دولة ليست فقيرة، فنجد لها العذر، ولا هي من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ولا يوجد بها انفجار سكاني هائل؛ بل إن بعض الإحصائيات تشير إلى انخفاض ملحوظ في عدد المواليد في سلطنة عُمان، ويعزى ذلك إلى البطء في التوظيف إضافة إلى أسباب أخرى جلها اقتصادي والعواقب السيئة التي أعقبت هذا الركود المخيف في التوظيف كثيرة جدا سبق ذكرها في مقالات كثيرة.
نتطرق في هذا المقال الى الجوانب النفسية التي يعاني منها الباحثون عن عمل ذكورًا وإناثًا، ولقد التقيتُ بالكثير من هؤلاء وجهًا لوجه أو عبر رسائلهم التي ترد اليَّ عبر حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، ولست مُختصًا في علم النفس، لكن تلك المشاعر لا تحتاج إلى عالم في النفس ليكتشفها؛ فهي ظاهرة على الوجوه التي كانت ضاحكة مستبشرة بعد التخرج من رحلة العلم الطويلة والشاقة، لكن هذه الوجوه أضحت الآن شاحبة واليأس يلازمها، وقد أرهقها اللهاث وراء إعلانات الوظائف العجيبة، فحين يكون مطلوبا للوظيفة الواحدة 10 أشخاص يتقدم لها 10 آلاف باحث عن عمل، ويعود من لم يقبلوا ليُكرروا المحاولات مئات المرات، تخبو جمرة الأمل أحيانًا وتضيء أحيانًا أخرى، وهم واقعون في الحرج والاستجداء، خاصة إذا كانوا كبارًا في العمر. تخيل أن يكون عمرك 30 عامًا أو أكثر وتطلب من أهلك ريالًا لشراء رصيد لهاتفك لمتابعة إعلانات الوظائف، ولتلقِّي الردود الفاجعة برفض التوظيف، وريال آخر لشراء رصيد لهاتفك للغوص في أعماق العالم الوهمي هروبًا من الواقع المليء بالصعاب.
وتسجدي ريالًا لشراء دشداشة ونعال ووزار وغترة، أما أحلام شراء سيارة وبناء منزل والزواج والسفر وإكمال الدراسة العليا؛ فهذه أحلام بعيدة المنال، والتفكير فيها مؤلم. أما الشابات الباحثات عن عمل فيرغبن بشراء عباية عوضًا عن تلك العباية التي صارت باهتة، وكذلك حذاء جديد، وكندورة للأعياد والأعراس والمناسبات، وشراء المستلزمات الشخصية، مع الخجل وهن يطلبن المال من الأهل، وخاصة عندما تكون ظروفهم المالية صعبة.
أما أمنيات ملاحقة الموضة في الملابس والذهب والساعات والعطور وأدوات الزينة والمكياج وزيارة صالونات التجميل والمطاعم الراقية والسفر ورخصة القيادة وشراء سيارة خاصة؛ فتلك أمنيات مؤجلة.
ولا جديد في حياة هؤلاء الشباب والشابات، بينما الأيام تمر رتيبة ومملة وبطيئة وبلا طعم، والفراغ القاتل يتربص بهم، والحزن والاكتئاب واليأس والبكاء الداخلي المكتوم والمتواري خلف الأبواب المغلقة والوسواس والتفكير في أشياء قد تكون غير قانونية وغير أخلاقية لكسر هذا الجمود الخانق في الحياة.
ولا ندري لماذا يُترك هؤلاء هكذا وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الوطن الحاني، ولمن يتركون ومن لهم؟ ولماذا لم يتم تنفيذ مقترح أن تشملهم مظلة الحماية الاجتماعية ويصرف لهم مبلغ مالي ولو كان زهيدًا إلى حين ميسرة؟ أليس هؤلاء أفرادًا في المجتمع الذي وُجدت منظومة الحماية الاجتماعية من أجلهم، إنهم في حاجة شديدة إلى الحماية والرعاية والاهتمام والاحتواء.
لماذا تركوا للاكتئاب والقلق والخوف والضياع والعوز وإراقة ماء وجوههم أمام الجهات المختصة وكل من يعتقدون أنه يمكن أن يمد لهم يد العون من وزراء وكبار الموظفين وأعضاء مجلس الشورى والتجار والمجلس البلدي والشيوخ والرشداء ورجالات المجتمع، وحتى الكُتَّاب في الصحف ومشاهير السوشال ميديا واللجوء إلى تسجيل مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي؟!
كل ذلك وهُم غرقى في خضم بحر الحياة، وقد تكسرت مجادفيهم، وتمزقت أشرعتهم بعد أن خانتهم الرياح ونسيهم أو تناساهم المسؤول ومن حملوا أمانة خدمة الناس، كل الناس في هذا الوطن العزيز.
من يتحمل وزر هؤلاء؟ وهل لهم من مُنقِذ؟
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عالم بلا إنسانية
علي بن حمد المسلمي
aha.1970@hotmail.com
عالم متحضر بلا شك، بلغ من العلم ما بلغ، عصر الذكاء الاصطناعي والفضاء المفتوح السيبراني، والخيال العلمي والكبسولات الفضائية للرحلات في الفضاء الخارجي للإقامة في الكواكب، عصر لا تحده الحدود المصطنعة ولا المسافات البعيدة، الإنسان فيه، طار كالطير في السماء وغاص في البحر كالأسماك وركب البر والبحر في طمأنينة وأقصى المسافات بينهما وعمّر الأرض أكثر مما عمَّرها السابقون وأتت الأرض زخرفها وزينتها وظنوا أنهم قادرون عليها وما أرض قوم عاد عنهم ببعيد "حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُون عليها".
العقل البشري تطور واخترع وابتكر وأبدع وتفوق وماج وهاج ونسي وتناسى أنه إنسان ضعيف، مخلوق من صلصال كالفخار من علقة ثم مضغطة ثم عظاما ثم لحما "وَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ" وخلقه في أحسن تقويم "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ". أو كما قال الشاعر إيليا أبو ماضي:
نَسِيَ الطينُ ساعةً إنَّه طينٌ // حقيرٌ فصالَ تِيْهًا وعَرْبَد.
إن ما يحدث في غزة وعموم فلسطين المحتلة، وفي جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية، والآن في صور، وبعلبك اللبنانيتين شيء يندى له الجبين، وتقشعر له الأبدان وتشمئز منه القلوب، وتدمي منه مقلة الأسد، "إن العين لتدمع وإن القلب لينفطر"، ومن قبله في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان، شيء لم يتصوره عقل، ولا خطر على قلب بشر، أن يفعل الإنسان بأخيه الإنسان هكذا، الذي كرمه الله، وحمله في البر، والبحر "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وحملناهم في ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ" وأمر الله ملائكته أن يسجدوا لأبيهم آدم سجود تكريم "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ".
هيهات هيهات، أيها الإنسان أين حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وو… التي يتشدق بها الطغاة والجبابرة على الضعفاء والمساكين وهم بمنأى عنها يدعمون ويدعمون قتل الإنسان ويقفون مع الجلاد علانية ولا رادع لهم، يسوقون التسويات تلو التسويات، يقولون مالا يفعلون. "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ".
لقد وقف أئمة الكفر في خندق واحد يستبيحون دماء الأبرياء من أطفال وشيوخ عجزه ونساء ثكلى، يهلكون الحرث والنسل، بطائراتهم الفتاكة والمسيرة، وبصواريخهم المدوية، وبمجنزراتهم ومدفعيتهم يقصفون، وببلدوزراتهم يهدمون، يقضون على الأخضر واليابس؛ يصبون جام غضبهم على البشر والحجر والشجر لا يعرفون سوى الانتقام والسادية "كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً".
وفوق ذلك لم يكتفوا بذلك قط؛ بل منعوا الماء والغذاء والدواء، وجوعوا الأطفال والنساء والكبار، ولو كان بمقدورهم منع نسمة من هواء لفعلوا ولكن الله غالب على أمره، وأغلقوا الجو والأجواء والموانئ والميناء وعطلوا المشفيات والمدارس عن القيام بأدوارها بل وهجروا الآمنين عن قراهم وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون.
نبوءتهم معركة هرمجدون والبقرات الحُمر التي جلبت من ولاية تكساس الأمريكية لبناء الهيكل المزعوم لتطهير الموقع برمادها بعد حرقها بدلاً من المسجد الأقصى، دنسو العرض، والأرض المقدسة، ومسرى النبي، ومعراجه إلى السماوات العلى، نسوا وتناسوا أيام التيه والنفي من الأرض بسبب ما اقترفته أيديهم وقتلهم الأنبياء بغير حق ولكن هيهات هيهات منا الذلة.
وهكذا هم ينتهجون ومن والاهم وشايعهم من المرجفين في هذا العالم الذين ينتسبون للإسلام أو غير الإسلام، يشاهدون ما يفعله هؤلاء بأطفال ونساء وشيوخ المسلمين والمسيحيين في فلسطين ولبنان حتى دور العبادة لم تسلم منهم لم يبقَ مسجد إلا وقصفوه ولا كنيسة إلا استباحوها ولا صومعة راهب إلا أبادوها هل تسمي هؤلاء بشرا متحضرا أم وحوشا في غابة تحكمها شريعة الغاب.