الذكاء الاصطناعي.. نشاط إنساني مُتعدد الأبعاد (1- 3)
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
عبيدلي العبيدلي **
بخلاف الكثير من الأنشطة الإنسانية الأخرى، برز الذكاء الاصطناعي كقوة تحويلية تعيد تشكيل الديناميات العالمية، وتؤثر على الصناعات، والمجتمعات، والحكومات؛ بل وحتى البحث العلمي على حد سواء. فعلى العكس من التقنيات السابقة التي تقتصر على التأثير الإقليمي أو القطاعات المتخصصة، فإنَّ الذكاء الاصطناعي مترابط بشكل عميق عبر مجالات متعددة.
تحاول هذه المقالة تشخيص الطابع متعدد الأبعاد الذي يتمتع به الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل انتشاره العالمي، وعن طريق ضرب أمثلة ملموسة، ورؤى إحصائية واتجاهات تشكل في مجموعها تأكيد البعد الكوني المتعدد الأوجه الذي ينعم به الذكاء الاصطناعي، وضرورة الانتباه لها عند معالجة ظاهرة الانتشار الواسع، اللامحدود، وغير المسبوق للجدل الذي رافق الاستخدامات المختلفة للذكاء الاصطناعي بين دعاة متحمسين لترويجها وجني الاستفادة القصوى منها، ومحافظين يحذرون من مغبة تحويلها إلى أداة يستفاد منها في الأنشطة الإنسانية، الفردية منها والمجتمعية.
الأمر الذي ينبغي الاعتراف به من قبل الفريقين المختلفين، بين مؤيد ومحذر، هو تجاوز الذكاء الاصطناعي حدود المختبرات والصناعات المتخصصة، وفرض نفس، كظاهرة، كقوة تحويلية حقيقية، يمتد تأثيرها إلى كل جانب من جوانب الحياة البشرية تقريباً، على النطاقات كافة: الجغرافي، والسياسي، والمجتمعي.
هذا الأمر يتطلب منا إعادة تشكيل تصورنا لهذه الظاهرة المتفردة في تعدد أوجه استخدامها، على المستوى الأفقي، وعمق، ومدى تأثراتها على الأنشطة الإنسانية على المستوى العمودي. فعلى العكس من العديد من التطورات التكنولوجية الأخرى التي تقتصر تأثراتها على صناعات معينة، أو مناطق جغرو- سياسية محدد، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي كوني بطبيعته. ويتكامل مع الاقتصاد العالمي والسياسة والديناميكيات الاجتماعية والمساعي العلمية من حيث استخداماته.
نسعى خلال هذه المقالة لاستكشاف طبيعة الذكاء الاصطناعي متعددة الأبعاد، وتسليط الضوء عن جوانب اختلافها عن التقنيات السابقة من خلال تجاوز الحدود الإقليمية والقطاعية. فبينما فشلت بعض الابتكارات في تحقيق صدى عالمي، رسخت تطبيقات الذكاء الاصطناعي نفسها داخل أنظمة مترابطة، أدى، في نفس الوقت، إلى التغيير وترك علامة لا تمحى عبر قطاعات متعددة. ومن خلال هذا الفحص الشامل، نهدف إلى فهم الأبعاد العالمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للتطبيقات المتعددة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
بفضل كل ذلك، يتفرد الذكاء الاصطناعي بقدراته اللامحدودة على صهر، ومن ثم دمج الأبعاد العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بوتقة مشتركة. وهو بذلك، على العكس من الموجات التكنولوجية السابقة مثل الثورة الصناعية، التي اقتصرت على أنظمة الإنتاج.
لذا نجد أن تقنيات مثل (سلاسل الكتل) Blockchain، على الرغم من ثوريتها في التمويل، مقيدة داخل الحدود القطاعية. في المقابل، تتخلل الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية والتعليم، والأعمال، والحوكمة، مما يؤدي إلى التغيير المنهجي في جميع أنحاء العالم.
وتقدر توقعات شركة برايس وترهاوس كوبرز (PWC) حصة الذكاء الاصطناعي بحوالي 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030. وهذا تأثير مماثل للناتج المحلي الإجمالي الحالي المشترك للصين والهند مجتمعين. وهذا يوضح قابلية تطبيق الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي، مما يؤثر على كل من الأسواق المتقدمة والناشئة.
وتشير بعض التقديرات، إن تركيز الصين على الإنتاجية المدعومة من الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 26% بحلول العام 2030. على نحو مواز، من المتوقع أن تحقق أمريكا الشمالية نموا بنسبة 14.5%، مما يوضح كيف في وسع تقنيات الذكاء الاصطناعي تسريع القدرة التنافسية الاقتصادية العالمية.
البُعد الاجتماعي لـ "الذكاء الاصطناعي"
ابتكارات الرعاية الصحيةبين يدي تقنيات الذكاء الاصطناعي تطبيقات متقدمة، تخاطب قطاع الرعاية الصحية على نحو مختلف، وبآفاق أوسع. يساعد ذلك التحليلات التنبؤية المستشفيات على إدارة تدفقات المرضى، بينما تحدد أدوات التشخيص التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الأمراض بشكل أكثر دقة. على سبيل المثال، طورت DeepMind من شركة Google نماذج الذكاء الاصطناعي، فقد نجحت في اكتشاف طرق تشخيص ما يربو على أكثر 50 مرضا في العيون من فحوصات الشبكية، متفوقة على المتخصصين من البشر الآخرين، أو حتى نظيراتها من البرمجيات والمعدات الأخرى المرافقة لها. كما توفر روبوتات الدردشة التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي مثل Woebot دعما للصحة العقلية في الوقت الفعلي (online)، مما يوضح كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل رعاية المرضى من خلال زيادة إمكانية الوصول إلى الأهداف المرجوة، عبر طرق مختلفة.
التحول التعليميالذكاء الاصطناعي أيضا ثورة في التعليم من خلال منصات التعلم الشخصية مثل Khan Academy وCoursera. تستخدم هذه المنصات خوارزميات لتخصيص المحتوى وفقا لسرعات تعلم الطلاب وتفضيلاتهم، مما يعزز المشاركة. كما يقوم Squirrel الذكاء الاصطناعي الصيني بتكييف الدروس في الوقت الفعلي بناء على تقدم الطلاب، مما يدل على قدرة الذكاء الاصطناعي على إضفاء الطابع الديمقراطي على التعليم على نطاق واسع.
هذا لا ينفي بعض السلبيات التي يفرزها استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي. إذ يثير تكامل الذكاء الاصطناعي بعض التحديات. إذ يمكن أن تعزز التحيزات الخوارزمية عدم المساواة المجتمعية، كما هو الحال عندما وجد أن أدوات التوظيف باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي تميز ضد المتقدمات في قرارات التوظيف. ويعد ضمان الشفافية والإنصاف في هذه الخوارزميات أمرا ضروريا للتخفيف من توليد مثل هذه المشكلات.
** خبير إعلامي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ورشة عمل عن الذكاء الاصطناعي التوليدي في الجامعة الألمانية
أقُيمت ورشة عمل بعنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي في أنظمة الشركات: دمج البيانات الداخلية من خلال التوليد المعزز بالاسترجاع (RAG)" بحرم الجامعة الألمانية بالقاهرة لطلاب كلية تكنولوجيا الإدارة.
جاء ذلك في إطار التعاون الثنائي القائم بين الجامعة الألمانية بالقاهرة وجامعة برلين للعلوم التطبيقية HTW.
حاضر في الندوة الدكتور ستيفان فيتنبرج، خبير في أنظمة تخطيط موارد المؤسسات وإدارة العمليات التجارية بجامعة برلين للعلوم التطبيقية.
واستعرض خلالها مفهوم التوليد المعزز بالاسترجاع (RAG) وأثبت كيفية عمله باستخدام أمثلة عملية ، وتأثير التوليد المعزز بالاسترجاع على أنظمة تخطيط موارد المؤسسات (ERP)؛ وخاصة فيما يتعلق بأنظمة مثل السابSAP ، وكيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تغير الطريقة التي تستخدم بها المنظمات بياناتها وذلك بدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في أنظمة الشركات، مع التركيز على التحديات والفرص المترتبة على دمج البيانات الداخلية للشركات.
الذكاء الاصطناعي التوليدي قوة تكنولوجية هائلةوقال الدكتور جمال قاسم أستاذ معلوماتية الأعمال (Business Informatics)بكلية تكنولوجيا الإدارة، إن الذكاء الاصطناعي من اهم التكنولوجيات الناشئة التي لها تأثيراً كبيراً على المنظومة التعليمية حيث أعطى التعليم إمكانات هائلة للصالح الاجتماعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) قوة تدفع حدود ما يمكن للآلات تحقيقه لما هو ابعد مما اعتدنا عليه، وطبقاً لهذا المفهوم فأنه تم إطلاق مبادرة بين الجامعتين ( الألمانية بالقاهرة و برلين للعلوم التطبيقية ) متمثلة في الدكتور جمال قاسم والدكتور ستيفان فيتنبرج، بدعم من الدكتور ياسر حجازي رئيس الجامعة الألمانية بالقاهرة والدكتور إيهاب كامل أبو الخير نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب وعميد كلية تكنولوجيا الإدارة، حيث يأتي الهدف الرئيسي من هذه المبادرة المشاركة في تقديم برنامج تدريبي محترف لمطوري نظام SAP من خريجي أقسام معلوماتية الأعمال وعلوم الكمبيوتر ، يستغرق خلاله البرنامج 12 شهراً لتأهيلهم علمياً ومهارياً واكسابهم الخبرات التطبيقية اللازمة لتطوير ال SAP "اختصار لكلمة "System, Application & Products" ، وهو نظام كامل يقوم بتزويد المنشـأه او الشـركة بحلول عمليـة جاهزه لكي تستطيع من خلالهـا ان تهيكل وتربـط كل اقسـام المنشأه في نظام واحد يغني عن استخــدام الورق والنظـم التقليدية الاخـرى ما يؤهل مستخدميه القيام بأي عملية مالية او إدارية او تقنية "وهو جالس في مكانه" .
وسوف يحصل المشاركين في نهاية البرنامج التدريبي على وثيقة إتمام البرنامج ، على ان تتولى الجامعة الألمانية بالقاهرة GUC مهمة إجراء برنامج تدريب SAP للمشاركين المختارين.
كما يتضمن هذا البرنامج التدريبً على تطوير كل من لغة برمجة ABAP التي تُستخدم لأغراض التطوير والتخصيص في برامج SAP و تطوير SAP Fiori هي مجموعة من تطبيقات الويب المصممة للتشغيل على أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المتنقلة حيث تستفيد من مبادئ وتقنيات التصميمات الحديثة لتحويل العمليات التجارية المعقدة إلى واجهات بسيطة على مستوى المستهلك، ومن خلال اعتماد لغة التصميم Fiori، تهدف SAP إلى تعزيز الإنتاجية وتمكين الخدمة الذاتية وتمكين المستخدمين من اتخاذ قرارات مستنيرة بسرعة وكفاءة.
هذا بجانب إلى أنه تم الاتفاق بين الجانبان على أن يتم إطلاق تقنيات تطوير الذكاء الاصطناعى بإستخدام النموذج اللغوي الكبير (LLM) وهو نوع متقدم من الذكاء الاصطناعي مصمم لفهم وتوليد نصوص شبيهة بالنصوص البشرية للعمل مع البيانات المنظمة ، وأضاف الدكتور قاسم إلى انه سوف يتم إستكمال البرنامج التدريبي بتقديم عدد من دورات اللغة الألمانية وورش عمل ثقافية، لإعداد المشاركين للاندماج في سوق العمل المصرى والألماني .