أكتوبر 26, 2024آخر تحديث: أكتوبر 26, 2024

عبدالكريم ابراهيم

قطار الذكريات يعد محطات العمر، وهو (يبغج )  بقهر بأعلى صوته؛ معلناً انه على موعد يأخذه إلى أيام الصبا؛ فيتنفس كبرياء الدخان الصاعد من مدخنته ،وصدى صفيره يدوي  في كل مكان كلما استوقفته نسمات العمر العابر في الذكريات المحفورة على زمن مضى لم يبق منه سوى اسئلة بريئة يطرحها الانسان كما تقدم به العمر.

من تلك الذكريات التي مازالت يخوف بها  الآباء الابناء كما مر صالح المضمد بحقيبته السوداء وما تثيره من فضول الكبار، وتبث الرعب في قلوب الصغار. هذا الرجل طالما اتخذه الآباء حجة في  تخويف الاولاد المشاغبين، وأن مقصه لا بد من أن يقطع جزءً من عضوهم الذكري، فيعمد هؤلاء الاولاد الى السكينة المؤقتة خوفاً من هذه التهديد والوعيد.

وعندما يقطع المضمد صالح طريقه وسط القطاع يسرع أغلب الاطفال للأختباء في أقرب بيت حتى يمر إلى عيادته عند الشارع العام. خلال هذه الجولة الميدانية من البيت إلى العيادة، يحاول قدر الامكان ممارسة لعبته المسلية في إثارة الاولاد  من خلال ملاعبة مقص الختان  بيده، وأن مصيرهم سيكون قطع تلك اللحمة برغم من توسلاتهم  في أن يرحهم ،ويرفق بحالهم؛ لدرجة أن احد الاولاد المشاغبين خانهُ التعبير عندما رأى مقص الختان وهو يقترب منه فقال له توسلا: ” الله يخلي ابوك الميت ” . برغم من مفارقة عبارة التوسل والاستعطاف هذه، فأنه بادر إلى قص تلك اللحمة وسط زغاريد أمه وحبايبها، وحين الوصل الأمر للأب إلى أطلاق بعض العيارات النارية من مسدسه احتفالا وابتهاجا بختان ولده الوحيد.

أسكته صالح المضمد بقوله: لقد تكفل ولدك بهذا المهمة فلا حاجة بعد لإطلاق العيارات النارية.

برغم أن موعد ختان الاولاد يكون في فصل الصيف دائما؛ لأجل شفاء الجرح سريعا، فأن المضمد صالح كان يفزع أولاد الحي في جميع الفصول، وعندما يرى أحدهم يقوم بعمل سيء يبادر إلى فتح حقيبته السوداء وأخراج مقص الختان، والنتيجة توسلات وأغلظ الإيمان في عدم تكرار المشاغبة مرة أخرى مع تواري عن الأنظار عند أقرب باب بيت مفتوح.

كان هذا الرجل الظريف يعمد دائما إلى ابطاء حركة سيره في درابين القطاع؛ كي يتسلى في ذهابه وإيابه من عيادته إلى البيت في اخافة أكبر قدر ممكن من الاولاد، والرابح في هذا الامر، هن البنات اللاتي لا يخشن الرجل، بل يمارسن العابهن بكل اريحية لأنهن قد اعفين من شبح مقص صالح المضمد.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط

#ليلة_واحدة_فقط..
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 1 / 10 / 2019
أفعلها كل شتاء ، أختار ليلة باردة وماطرة ، وأدعو الأولاد أن ننام في غرفة واحدة ، نعيد ترتيب “فرشات” الغرفة ، اجعلهم يقتربون من بعضهم أكثر ،ينامون على شكل سطور متلاصقة وأنا أختار مكاناً فوق رؤوسهم جميعاً حتى أكون مقسوماً على الجميع ، أطفئ الضوء العادي وأبقي على ضوء خافت ،أترك شقاً طفيفاً في الشباك لتحدث الريح صفيرها المعتاد..أمنع استخدام الأجهزة الاليكترونية او الهواتف في هذه الليلة..ثم أبدأ بسرد ما أحفظ من القصص والحكايا القديمة..وكلما زاد قذف المطر على الزجاج أسهبت في الحكاية وفي تفاصيلها وكأنني أشرك الطقس معي ليستمع مع باقي أفراد العائلة لأحداث الحكاية.. أحياناً أقوم بتقليدهم فرداً فرداً لأسمع قهقهات الصغار..أحاول جاهداً أن أصنع لهم ليلة مختلفة ، تبقى محفورة في روزنامة العمر ، تماماً كاستراحة وحيدة في طريق صحراوي طويل..

*

الأولاد مهما كبروا يبقوا أطفالاً، مهما ادعوا النضوج والاستقلالية الا أنهم في حنين دائم إليك إلى صوتك وملامحك ووجودك ،وأنت بأبويتك الصادقة، حاول أن تعيدهم إلى ذات الاحتياجات وذات الليالي القديمة وذات القصص ،لا لشيء ، لكن حتى لا تبعد المسافة بينك وبينهم أو تبعد فيما بينهم..الغرف المنفصلة برّدت العواطف، والهواتف الذكية عزلتنا عن أحاسيسنا تجاه بعضنا ، صار في البيت عوالم مختلفة في أمتار مربعة صغيرة ، أجساد متقاربة واهتمامات وأرواح متنافرة و”غرفة العيلة” أصبحت مجرّد “لوبي في فندق” ، ملتقى قصير للصاعدين والنازلين والمغادرين والقادمين يلتقطون فيها أنفاسهم ثم يذهب كل إلى وجهته..
مرّت بي أحداث كثيرة ونسيتها ،وأيام كثيرة ونسيتها، نجاحات واخفاقات ونسيت تفاصيلها، لكنني ما زلت أذكر ليالي الشتاء الماطرة ، وأذكر مكاني بين “الفرش” ، و الرسمات الطفولية على لحافي، وأماكن أشقائي واحداً واحداً، وأذكر مكان “السراج” وأماكن الدلف ، والأواني التي تتلقّى مطر السقف البطيء ، أذكر الحكايا والضحكات ، وصوت المزاريب ، واهتزاز الشباك الشمالي ،ورائحة الديزل النازل من “بطيحة” صوبة البواري..نسيت في العمر خصومات كثيرة واوجاع كثيرة وانجازات كثيرة..لكني لا أنسى غرفة من حجر وطين جمعتنا كلنا بمعجزة الأم والأب تحت سقفها ذات ليلة..قبل أن تهب علينا ريح الكهولة..
أيها الآباء أفعلوا مثلي..ليلة واحدة فقط ستزيّن العمر،أزيلوا الحواجز ،وجسروا الأرواح، كونوا بين أبنائكم ، صدقوني من هنا تصنع المحبة..

مقالات ذات صلة وفاة خمسة أطباء أردنيين / أسماء 2024/12/23

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

#175يوما

#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي

#سجين_الوطن

#لأحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • شبانة ينقل رسالة صالح سليم للاعبى وجمهور الأهلى
  • بعد اعتذار عادل إمام وعمر الشريف عن.. كيف حصل خالد صالح على دور القنصل؟
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط
  • عضو بـ«العالمي للفتوى»: اختيار الزوجة الصالحة حق يجب أن يوفره الأب لأطفاله
  • مسلسل "برغم القانون" يتصدر قائمة الأكثر رواجًا في 2024
  • شاهد.. إيمان العاصي تتألق بإطلالة جريئة في أحدث ظهور
  • الزايدي يعزي في وفاة الشيخ صالح أحمد القصاد
  • «عقيلة صالح» يلتقي رئيس هيئة الصيد البري
  • التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب.. تحديات وفرص
  • مجمع البحوث الإسلامية: الطفل أمانة عند والديه