لو كان المواطن الفلسطيني طه صبح يعلم أنه سيفقد قدمه اليمنى من أجل بضع كيلوجرامات من الباذنجان والبطاطس لما ذهب إلى معسكر مخيم جباليا، لتسوق الخضروات لأسرته، ولما انتهى به الحال في طابور الانتظار بساحة المستشفى الميداني الأردني، يأمل أن يركب طرفًا اصطناعيًا.

في يوم 9 أكتوبر، أصيب المواطن الأربعيني بشظية شديدة الانفجار، طارت من صاروخ فتاك، ألقته مقاتلة حربية إسرائيلية من طراز «إف - 16» على منطقة الرنتيس في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، لتأخذ في طريقها الجزء السفلي من ساق وقدمه اليمنى على الفور، وكأنها ساطور جزار، مصمم لتقطيع اللحم الحي، حسب تعبيره.

أمنيتي أن أحمل ابني

ومنذ ذلك الحين يمشي «طه» على عكازين، وهكذا نزح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، يعتصره الألم، ويدمر شعور العجز النفسي والجسماني حالته الصحية، التي تضررت كثيرًا بعد الحادث، يقول العائل الوحيد لأسرة من ثلاثة أشخاص.

يقول متألمًا لـ«عُمان» خلال حديثه: «لا أنام من الآلام التي في قدمي، ولا أقدر على حمل ابني الرضيع أو حتى جرة ماء، وصرت أعاني من مشكلات عائلية».

وعلى عتبات المستشفى الميداني الأردني في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، جلس النازح ذو الهمة يزعجه شعور بالضعف، وعلى لسانه جملة واحدة: «لا أستطيع، أنا عاجز، ولست قادرا على فعل أي حاجة. نفسي أحمل ابني»، بينما يتمنى أن تساعده مبادرة «استعادة الأمل» الأردنية في تركيب طرف صناعي: «أملي في تعويض القدم والمشي الطبيعي أكبر من رغبتي في العودة. لقد تعبت من التمرجح على قدم واحدة».

وفي يوم 26 أغسطس 2024، أطلقت الخدمات الطبية الملكية الأردنية مبادرة لدعم مبتوري الأطراف في قطاع غزة، سمتها «استعادة الأمل»، والتي تأتي بعد تعرض 14 ألف مواطن فلسطيني للبتر في أعقاب الحرب الإسرائيلية على القطاع.

وتنتقل المبادرة، التي تجري بجهود مشتركة بين الخدمات الطبية الملكية والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، إلى شمال قطاع غزة، في المرحلة الثانية، بعد أن تستكمل عملها في المناطق الجنوبية والوسطى خلال المرحلة الأولى، حيث إنه من المتوقع أن تقدم الأطراف الصناعية لكل مبتوري الأطراف في قطاع غزة، وفقًا لقائد قوة المستشفى الميداني في خان يونس، العقيد الركن عصام المناصير.

وتوفر المبادرة تقنية جديدة رائدة تسمح بتركيب طرف اصطناعي تعويضي للمصاب فعال خلال ساعة واحدة فقط، يقول العقيد المناصير: «هذا يحدث بخلاف المتعارف عليه، فعادة يجري مبتورو الأطراف حوالي 12 زيارة إلى مركز الأطراف الاصطناعية قبل تزويدهم بأطراف تمكنهم استخدامها وظيفيا بشكل منتظم، وتستغرق هذه العملية عادةً من 3 إلى 4 أشهر، لكننا استطعنا اختصار كل ذلك في 60 دقيقة فقط». ويوضح «المناصير» أنهم تغلبوا على عائقي المكان والزمان، من خلال تركيب الأطراف الصناعية للعديد من جرحى حرب السابع من أكتوبر في منطقة حربية مليئة بالتوترات، خاصة أن عملية تركيب الأطراف الصناعية صعبة، وتختلف من مريض لآخر.

ويشير إلى أن المرحلة الأولى من المبادرة تقتصر على المبتورة أطرافهم من مستويات أسفل الركبة والأيدي العلوية، فيما تم تأجيل عمليات التركيب للبتر فوق الركبة إلى مرحلة لاحقة.

ويستشهد قائد قوة المستشفى الميداني الأردني بالحالة الأولى لمريض مبتور القدم يُدعى جمال الجابر، من خان يونس، خضع لعملية تركيب قدم اصطناعية خلال ساعة واحدة.

ويؤكد أنه الآن يمشي بكل أريحية على تلك القدم، ويمارسه حياته بشكل طبيعي، واصفًا حالته النفسية قبل العملية وبعدها بأنها «انتقلت من الأسى الشديد إلى الفرح والسرور خلال مدة قصيرة».

«جمال» الذي أصيب في غارة جوية للاحتلال يوم 21 يونيو الماضي، يتحدث عن معاناته مع الإعاقة طوال 4 أشهر، يقول: «كنت في منتهى الضيق، لا أقوى على فعل أي شيء، ولا يعرف وجهي الابتسامة، ففي لحظة أصبحت لا أقوى على المشي إلا باستخدام عكاز، وكثيرًا ما أقع ويساعدني الناس على الوقوف، كانت حياتي سيئة جدًا».

يشكر الشاب الثلاثيني كل من عمل على مساهمتهم في عودة الابتسامة إلى وجهه: «الحمد لله رجعت لي الابتسامة، بعد أن ركبوا لي هذا الطرف الاصطناعي. أشكر كل إنسان شارك في نجاح العملية، أنا سعيد جدًا اليوم، سأمشي على قدمي دون مساعدة من أحد، وسأحتضن زوجتي وأبنائي».

ابتسامة أمل لكل ضحايا الاحتلال

وبحسب قائد المستشفى الميداني الأردني جنوبي قطاع غزة، فإن مبادرة «استعادة الأمل» تشمل كل جرحى الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وليس ضحايا حرب السابع من أكتوبر فقط. يؤكد العقيد عصام المناصير استمرار تركيب الأطراف الاصطناعية حتى آخر مصاب في قطاع غزة بغض النظر عن توقيت الإصابة، لكنه طالب بالمزيد من الدعم والتسهيلات للطواقم الطبية الأردنية العاملة في هذا المجال.

واضطر الأطباء إلى بتر اليد اليسرى للغزي سعد عبدالعال بعدما أصيبت في قصف جوي إسرائيلي على منزله بمدينة غزة خلال عدوان عام 2014.

ومنذ ذلك التوقيت لجأ المواطن الفلسطيني إلى أكثر من جهة خيرية سواء كانت دولية أو محلية، ولكن دون جدوى، يقول لـ«عُمان» خلال حديثه: «لم تنجح معي أي عملية، كلها باءت بالفشل، رفض جسدي التأقلم مع أي طرف صناعي».

وفي ليلة السادس عشر من سبتمبر الماضي، سمع الشاب الثلاثيني عن عمليات تركيب أطراف صناعية باستخدام أحداث التقنيات العالمية في خان يونس، ما دفعه للحضور أمام أبواب المستشفى الميداني الأردني منذ الساعة السابعة والنصف صباحًا، يوضح: «لم أنم الليل، انتظرت حتى الفجر ثم جئت إلى هنا».

يتمنى «سعد» أن تنجح عملية تركيب الطرف الصناعي له في هذه المرة، كي يتمكن من اللعب مع أطفاله الصغار، وشراء أغراض المعيشة لأسرته، فيما يشير إلى معاناته مع الحياة بيد واحدة طيلة 10 أعوام. ويوضح: «كنت لا أقدر على حمل أكياس السلع من السوق، كان أمرًا صعبًا أن أحمل كل شيء بيد واحدة، وأنظر إلى أطفالي في حزن وأنا لا أستطيع أن ألعب معهم».

استعادة الأمل

ويقارن «سعد» بين حياته بيدين ومأساته مع اليد الواحدة قائلًا: «الأمر مختلف، باستخدام اليدين أنت تشعر أنك تستطيع فعل كل شيء في العالم، وتقديم السعادة لأسرتك، أما بيد واحدة أنت تشعر بالعجز وتتجنب حمل الأشياء الثقيلة، ناهيك عن نظرة الشفقة في أعين الناس».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المستشفى المیدانی الأردنی استعادة الأمل قطاع غزة خان یونس

إقرأ أيضاً:

الابيض جال في المستشفى التركي في صيدا: نفذت الوعد بتشغيله

عقد في المستشفى التركي في صيدا، لقاء جامع ضم وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور فراس الأبيض والسفير التركي الجديد في لبنان مراد لوثيم وحشد من فاعليات المدينة السياسية والصحية والاجتماعية، تأكيدا على الدور الحيوي الذي اضطلع به المستشفى خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان حيث تم افتتاحه جزئيا في تشرين الأول الماضي، تنفيذا لخطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة العامة بهدف رفع الجهوزية وضمان تقديم العلاجات اللازمة لأهالي الجنوب.

وقال وزير الصحة: "إن الخدمات التي بات المستشفى يقدمها والتي ستتوسع أكثر في المرحلة المقبلة، ستجعل منه ليس فقط حكوميا عاما بل مستشفى مرجعيا خصوصا في موضوع الحروق والترميم بالتعاون وتوقيع الإتفاقات مع مستشفيات جامعية بهدف تعزيز الخدمات لأهلنا ومجتمعنا، وخصوصا خدمة علاج الحروق والترميم حيث لا يوجد في الجنوب مستشفى متخصص في هذا الموضوع".

اضاف: "هذا الحلم لم يكن ليتحقق لولا الجهود الحثيثة من دولة تركيا التي نشكرها شعبا وقيادة ممثلة بسعادة السفير، حيث دأبت على التضامن مع لبنان خلال المحن والأوقات الصعبة التي مر بها سواء عبر إرسال الأدوية والمستلزمات لقطاع الصحة في أكثر من أزمة عرفها لبنان ولا سيما خلال كارثة انفجار مرفأ بيروت وخلال العدوان الأخير، أو من خلال هذا المستشفى الذي زادت كلفته عن عشرين مليون دولار، في ظل إصرار الدولة التركية على أن يكون المستشفى على درجة عالية من الجودة".

ووجه "الشكر الكبير لأهل صيدا وبلديتها التي قدمت الأرض القائم عليها المستشفى واستمرت بتقديم الدعم ولولا الإحتضان الذي حظي به المستشفى".

ونوه بالدعم المقدم من "الشركاء في المجتمع الدولي وعلى رأسهم تيكا وغيرها من المنظمات الدولية والمتطوعين من الأطباء"، لافتا الى أن "العبرة دائما بالإستمرارية"، مؤكدا أن "وزارة الصحة العامة ستبقى إلى جانب المستشفى وقد أمنت له السقوف المالية والتجهيزات لقسم غسيل الكلى الذي سيتم افتتاحه قريبا.

كما شكر "القيمين على المستشفى سواء لجنة الإدارة أو رؤساء الأقسام والأطباء والممرضين والموظفين والذين أثبتوا جميعهم أمانة في التعامل مع هذا المرفق العام".

وأشار إلى أن الصدف شاءت أن تكون هذه الزيارة لمستشفى صيدا التركي من الزيارات الأخيرة التي قد يقوم بها كوزير للصحة مع بداية عهد جديد يطرح أملا جديدا، آملا أن تكون زيارته الأخيرة إلى هذا المرفق الذي كان قد وعد في زيارته الأولى إليه لدى تسلمه مهامه الوزارية بإفتتاحه بعدما بقي مقفلا منذ وضع حجر الأساس قبل أربع عشرة سنة. وقال: "أحمد الله أنني نفذت الوعد خدمة لأهلنا ومجتمعنا وتم افتتاح المستشفى بشكل تدريجي، وهذا أيضا جزء من الشكر والعرفان بالجميل الواجب أن أقدمه لأهل صيدا ولا سيما الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان له دور أساسي في تعليمي ووصولي إلى حيث وصلت".

بدوره، لفت السفير التركي إلى أن هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها إلى الجنوب منذ تسلمه منصبه في كانون الأول الماضي. وقال: "أتيحت لي الفرصة لرؤية بأم عيني الدمار والقسوة التي خلفها العدوان الإسرائيلي. إن قراءة الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في الأخبار أمر، ولكن رؤية هذه الإنتهاكات على أرض الواقع أمر آخر".

أضاف: "يعتبر مستشفى صيدا التركي للإصابات والتأهيل أحد رموز تضامن تركيا مع الشعب اللبناني الصديق والشقيق، حيث افتتح الرئيس التركي هذا المبنى شخصيا مع رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري خلال زيارته للبنان في العام 2010. وقد لعب المستشفى دورا مهما في علاج المصابين في الهجمات حيث تمت زيادة الطاقة الإستيعابية للمستشفى نظرا لتزايد أعداد المصابين نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي أدى كذلك، إلى تضرر أكثر من 160 سيارة إسعاف و50 مستشفى".

وتابع: "عندما أكد الوزير الأبيض أن لبنان بحاجة ماسة إلى سيارات إسعاف، قامت وكالة تيكا بتجهيز سيارة إسعاف بالمعدات الطبية اللازمة للتدخل في حالات الطوارئ وجعلتها جاهزة للخدمة. ونتمنى أن تقدم سيارة الإسعاف هذه خدمات صحية لأبناء المنطقة الصامدين والفخورين الذين يعانون من العدوان الإسرائيلي منذ زمن طويل".

وشكر الأبيض على "التسهيلات التي قدمها في عملية التنسيق مع السلطات اللبنانية". 

مقالات مشابهة

  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 47,460 شهيدًا
  • الابيض جال في المستشفى التركي في صيدا: نفذت الوعد بتشغيله
  • خلال الـ24 ساعة الماضية.. انتشال جثامين 43 شهيداً فلسطينيا من غزة 
  • الفاو: 96% من الثروة الحيوانية في غزة دُمرت بفعل العدوان الإسرائيلي
  • "الشعبية" تنعى شهيدها إضاء السبعين خلال العدوان الإسرائيلي جنوب لبنان
  • ارتفاع أعداد شهداء العدوان الإسرائيلي لـ47.417 شهيدا و111.571 مصابا
  • ارتفاع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 47417 شهيدًا منذ 7 أكتوبر
  • مندوب مصر لدى مجلس الأمن يشيد بالدور التاريخي للأونروا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة
  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 47 ألفا و354 شهيدًا
  • الصحة الفلسطينية: 47354 شهيدا و111563 مصابا حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر