جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-01@03:41:10 GMT

القضية الفلسطينية والوعي الجمعي

تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT

القضية الفلسطينية والوعي الجمعي

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

"سجِّل: أنا عربي

ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ

وأطفالي ثمانيةٌ

وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!

فهلْ تغضبْ؟

سجِّلْ: أنا عربي

وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ

وأطفالي ثمانيةٌ

أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،

والأثوابَ والدفتر

من الصخرِ

ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ

ولا أصغرْ

أمامَ بلاطِ أعتابكْ، فهل تغضب؟".

محمود درويش.

وضع إميل دور كايم في عام 1893 نظريته الشهيرة المعروفة بـ"الوعي الجمعي"، والتي يرى فيها أن المجتمعات تظهر حين يجمع أفرادها شعور بعضهم بالتضامن حيال بعض، وهكذا كانت القضية الفلسطينية عبر تاريخها تجمع المسلمين جميعًا من مشارق الأرض ومغاربها لما تمثله القدس من قيمة دينية للمسلمين حتى أن القضية في بدايتها كانت تعرف بالقضية الإسلامية، وما لبثت أن تحولت إلى قضية عربية بعد أن جردت إسرائيل المعنى الإسلامي من روح القضية خاصة بعد التحولات الجيوسياسية التي أنتجتها الحرب الباردة وإنقسام العالم إلى معسكرين.

وخلال المرحلة التالية وبعد حرب 1973 وما تلاها من أحداث مثل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وصولًا إلى توقيع مُعاهدة كامب ديفيد في 1979، وصلت الخلافات العربية إلى مرحلة مختلفة، تحوَّلت القضية بعدها إلى قضية فلسطين وقضية اللاجئين، وأخذت هذه القضية تشهد تحولات إلى أن أصبحنا لا نسمع كلمة فلسطين حتى، وحُصِرَت القضية في غزة، ومُشكلة اللاجئين والبحث عن قبول من إسرائيل بالموافقة على حل الدولتين ومنح الفلسطينيين أرضًا يُقيمون فيها دولتهم، وهكذا تغيَّرت المصالح وتلاشى الوعي الجمعي الإسلامي والعربي شيئًا فشيئًا.

هذه التحوُّلات لم تحدث اعتباطًا؛ بل كانت مُمنهَجة من قبل الكيان الصهيوني وأذرعه من الغرب والشرق، الذين أسهموا في وصول الخلافات العربية العربية إلى مراحل أدت إلى مُواجهات مباشرة، تسببت في تعمق المواقف تجاه القضايا العربية المشتركة، وأهمها القضية الفلسطينية، التي كانت الضحية الأبرز فيما حدث. وقد كانت هي الهدف الأساسي من هذه الصراعات السياسية التي افتُعِلت لأسباب كان من المُمكن تجنُّبها لو أنها لم تُدر بعقلية التعصب والتشدُّد وعدم قبول الآخر ومحاولات الهيمنة والإقصاء. لقد نجح الصهاينة وبمهارة كبيرة في تفتيت القضية وتحويلها من شأن إسلامي عربي إلى شأن يخص كل دولة على حدةٍ.

وما نشاهده اليوم من مواقف بعض العرب حيال القضية الفلسطينية وخاصة "طوفان الأقصى" ما هو إلّا نتيجة لجميع ما حدث سابقًا من اضمحلال في الوعي الجمعي العربي، وغياب الهدف الواحد والمصير المشترك، وعدم معرفة العدو الحقيقي الذي يُهدِّدهم جميعًا، وغياب القدرة على التفاعل مع الخلافات وفق منطلق ثابت من المبادئ والقيم التي تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وحفظ حقوق الجوار والأخوة التي تجمعهم، إضافة إلى عامل آخر مُهم جدًا وهو التعامل مع القضية الفلسطينية من منظور المصلحة الخاصة بكل دولة على حدة؛ الأمر الذي أدى إلى فشل جامعة الدول العربية في القيام بدورها في مواجهة تجاوزات دولة الاحتلال الصهيوني، مما تسبب في إضعاف المنظمة العربية التي أنشئت من أجل توحيد كلمتهم.

لقد أنتج هذا الوضع فئة من أبناء الدول العربية والإسلامية هم أشد صَهْيَنةً من الصهاينة أنفسهم، وكما قال المُفكِّر المصري عبدالوهاب المسيري- رحمه الله- أن المستقبل سيحمل لنا نوعًا من الإنسان العربي المُسلم يُعرف بـ"الصهيوني الوظيفي"، الذي يؤدي الوظائف نفسها التي كان يؤديها القائد العسكري الإسرائيلي أو التاجر اليهودي الموالي لإسرائيل. وهو ما نشاهده اليوم من بعض العرب والمُسلمين الذين يهاجمون المقاومة وقادتها ويفرحون لموتهم ويُهلِّلون لإسرائيل عندما تقصفهم وتبيدهم وتبيد الشعب الفلسطيني الأعزل، ويتمنون زوال دول إسلامية بعينها ويشنون حربًا شعواء ضد من يقف مع القضية الفلسطينية، انطلاقًا من تعصُّب مذهبي وطائفي وصل إلى درجة الموالاة لغير المُسلمين والاعتقاد بأنهم خير من المسلمين!

لقد أثَّرت الخلافات السياسية بين الدول العربية والإسلامية والتي نتجت في الأساس لأسباب متعددة؛ منها ما هو سياسي صرف، ومنها ما هو ديني طائفي عرقي. أثرت بشكل كبير على تشكيل التوجهات التي نشاهدها اليوم نحو القضية الفلسطينية، وهو ما يشير بشكل واضح إلى غياب الوعي بشتى أنواعه. وهذا يعيدنا إلى قضايا مُهمة جدًا ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر فيما حدث، مثل الثقافة والمعرفة بالقضية وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك إشكاليات الهوية العربية والإسلامية ومدى تأثير ذلك على تشكيل الوعي، وهي نواتج لما وصلت إليه بعض المجتمعات العربية من تغييب مُمنهج وتوجيه سياسي مقصود بغية الوصول إلى ما نراه اليوم.

على كل حالٍ.. لا بُد من مُراجعة السياسات التي أدّت إلى هذا المستوى من التعاطي مع قضية فلسطين التي كانت في يوم ما قضية كل العرب والمسلمين دون جدال أو نقاش، فهذا الوضع يُنذر بتفوق هذا الكيان وقدرته على تحقيق أهدافه الكبرى، إن لم يتدارك العرب والمسلمون الوضع ويعملوا على تصحيح الواقع من الداخل العربي، قبل أن يصدُق فيهم المثل الشهير "أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عضو بـ«النواب»: مصر تواصل جهودها لدعم القضية الفلسطينية رغم حملات التشويه

صرح النائب وليد فرعون، عضو مجلس النواب، بأن مصر تواصل دورها التاريخي والداعم للقضية الفلسطينية دون تراجع، مشيرًا إلى أن حملات التشويه المستمرة التي تستهدف مصر لن تؤثر في جهودها الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

وأوضح عضو مجلس النواب في بيان، أن الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تسعى بجدية على المستوى الدبلوماسي لتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.

وأشار «فرعون» إلى أن مصر على مر العقود، قدمت تضحيات كبيرة في سبيل دعم الأشقاء الفلسطينيين، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو من خلال موقفها الثابت أمام المحافل الدولية.

وأضاف أن الشعب المصري أصبح على دراية بمحاولات زعزعة الاستقرار عبر نشر الأكاذيب، مؤكدًا أن هذه المحاولات لن تثني مصر عن مواصلة جهودها لتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية.. جهود لا تتوقف
  • برلماني: الشائعات لن تُثني مصر عن دعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها
  • عضو بـ«النواب»: مصر تواصل جهودها لدعم القضية الفلسطينية رغم حملات التشويه
  • «حزب الاتحاد»: مصر المدافع الأول عن القضية الفلسطينية وثوابتها لا تحتمل المزايدة
  • عبد الله علي صبري: فلسطين قضية عربية أم إيرانية؟
  • عمان بالجامعة العربية: الأونروا كانت هدف عمليات القصف الإعلامي والسياسي الإسرائيلي
  • فلسطين قضية عربية أم إيرانية ؟
  • نائب رئيس البرلمان العربي: القضية الفلسطينية على رأس أولوياتنا
  • طقس العرب يكشف المناطق التي ستشملها الأمطار غدل
  • في الوعي الجمعي... كيف يشكّل الموروث الأسطوري ثقافتنا المعاصرة؟