عُمان تخطو إلى الأمام نحو تحقيق النزاهة
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
تخطو بلادنا الحبيبة خطوات مُوفقة وصادقة نحو مُحاربة الفساد المالي والإداري بكل أنواعه وأشكاله، بفضل من الله وأبناء هذا الوطن المخلصين الذين نعدهم العين الثالثة التي تشارك في المراقبة وإبلاغ عن المخالفات التي تقع من البعض في مجالي استنزاف المال العام والاستيلاء عليه بدون وجه حق وخاصة ضعاف النفوس الذين يتولون المناصب العامة.
كل ذلك يحدث لكون هدف هؤلاء البشر مصلحتهم الشخصية، ورفع أرصدتهم البنكية على حساب المجتمع الذي يُعاني من العديد من التحديات كالمديونية وقلة فرص العمل للشباب وتعثر بعض المشاريع التنموية لأسباب تتعلق بغياب التخطيط السليم والتنفيذ الأمين من بعض الجهات التي أسند لها تلك الاستراتيجيات الوطنية. كما إن مراقبة التوظيف وتولي المناصب المتوسطة كالرؤساء التنفيذيين ومديري العموم أصبحت في نطاق عمل هذا الجهاز الوطني الذي وجد لتحقيق النزاهة والمحاسبة.
ومن المؤسف حقاً أن حقوق الذين تم استبعادهم من التقدم للوظائف المعلن عنها دون وجه حق والاكتفاء فقط بسحب الصلاحيات من الذين تولوا ملف التوظيف الوطني وعبثوا فيه دون رد الحقوق يشكل منعطفا وسابقة خطيرة. كما إن عدم اتباع القوانين والأنظمة في تعيين القيادات العليا في الشركات الحكومية التابعة لجهاز الاستثمار يفتح أسئلة عديدة حول حقيقة تطبيق العدالة والشفافية في تقلد المناصب.
لقد كان لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة دور محوري في رصد الكثير من المخالفات المالية والإدارية طوال السنوات الماضية، من هنا فقد بلغ عدد البلاغات التي قدمها المواطنون لجهاز الرقابة خلال العام الماضي (2023) عبر مختلف القنوات المتاحة 951 بلاغًا، وأُنجِز منها حتى الآن 87%، وهذا يشير إلى أهمية تعاون المجتمع العُماني وتفاعله لمحاربة الفساد ورصد المخالفات والتجاوزات المتعلقة بإهدار المال العام واستخدامه لأهداف شخصية كالحفلات الترفيهية ورحلات السفر غير الضرورية.
لا شك أن للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الدور الأبرز في إطلاق يد الجهاز لمراقبة وفحص مختلف المشاريع والمصروفات والنفقات المتعلقة بالوزارات والهيئات والشركات الحكومية، ومتابعة التفاصيل الدقيقة، ثم وضعها بين يدي الحكومة ومجلس عُمان، إلى جانب- بكل تأكيد- المجتمع العُماني، من خلال "مُلخَّص المجتمع" الذي يتضمن تفاصيل مُهمة عن التجاوزات والمخالفات؛ بل حتى عن الإدانات المُتعلِّقة بالاختلاسات المالية في بعض الشركات. وإن كُنَّا نطمح في قادم الأيام أن تطال المحاسبة الجميع، خاصة من أخلَّ بالأمانة وخالف القوانين وامتدت يده إلى المحظور، مهما كبر منصبه وارتفع مقامه وشأنه؛ فالمسؤولية عن أي قصور يجب أن يتحملها رئيس الوحدة أو المشرف على الشركات الحكومية، حتى ولو كانت تلك التجاوزات لا دخل له فيها مباشرة، انطلاقًا مما يُعرف بالمسؤولية الجماعية أو التضامنية، التي تُطبَّق في مختلف دول العالم التي تحارب الفساد، فلا يُحاسب فقط المدير والموظف الصغير فقط؛ بل أيضًا من اختار وأشرف على هؤلاء مباشرةً.
لقد أكد قائد هذا البلد العظيم، غير مرة، على مبدأ المُحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، ولا أعتقد أنَّ هناك إنسانًا فوق القانون في هذا البلد العزيز الذي نفتخر بالانتماء إليه ونفخر بحكمة سلطانه ورصانة فكره في منطقتنا؛ بل بين دول العالم قاطبة، انطلاقًا من القاعدة التي تقول "العدل أساس المُلك".
لا شك أنَّ تبعية جهاز الرقابة المالية والإدارية لجلالة السلطان مباشرةً، قد مَنَحَ الكادر الوظيفي ثقلاً ومكانة معنوية كبيرة جعلت من هذه المؤسسة تتفنن في خدمة الوطن والسلطان، مُطبَّقة في عملها الوطني معايير الحوكمة والنزاهة والإخلاص. فتحيةً صادقةً لجميع منتسبي هذا الجهاز رئيسًا وموظفًا والذي أصبح موطنًا للتميَّز لرفع راية عُمان خفَّاقة بين الأمم، خاصةً في قيم العدالة والمصداقية والشفافية، وبالفعل نطمح إلى المزيد من الجهد والإنجاز؛ لكوننا في بداية الطريق نحو تحقيق غايات المواطن وخاصة الشباب الذين طال انتظارهم في الحصول على فرص ووظائف تحفظ لهم كرمتهم.
هذا هو المقال الثاني الذي أكتبه عن تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ونجاحاته الملحوظة في العام المنصرم 2023؛ إذ حمل المقال السابق عنوان "عُمان تُعلن الحرب على الفساد"، وتصدره جميع المنصات الإلكترونية من حيث القراءة والتداول؛ وقد حظي- ولله الحمد- بردود أفعال واسعة النطاق.
وفي الختام.. لا يُمكن الانتصار على معركة الفساد في عُمان، إلّا بالمعالجة الصحيحة والوقوف على عدد من مشاريع الطرق والمباني الحكومية التي تعثرت منذ سنوات وتستنزف أموال الخزينة العامة، وقد يستمر ذلك لسنوات طويلة دون رقيب أو حسيب أو حتى تدخُّل في الوقت المناسب من الجهات الرقابية والمعنية، والأهم من ذلك كله تصويب ما يحصل في الشركات الحكومية من هدرٍ وإسنادٍ مُباشِرٍ دون مناقصات، فتلك بمثابة ثقوب مظلمة دخلت فيها المليارات من الأموال العامة بلا رجعة، ولو حافظنا عليها من خلال اختيار قيادات تتمتع بالنزاهة والأمانة والضمير الحي، لكان لنا شأن؛ فيُمكن أن تكون هذه الأموال التي تبخَّرت الملاذ الآمن لتشغيل كل الباحثين عن عمل في السلطنة، فضلًا عن تسديد مديونية البلاد كاملة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير المالية يستعرض المزايا الواردة بمشروعات قوانين حزمة التسهيلات الضريبية التي أقرتها الحكومة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عقده اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، عرض أحمد كجوك، وزير المالية، أهم المزايا الواردة بمشروعات قوانين حزمة التسهيلات الضريبية التي أقرها مجلس الوزراء في اجتماعه اليوم.
وأشار الوزير إلى أن الإجراءات التي تم إقرارها، بدأ بالفعل عددٌ منها في التطبيق بقرارات إدارية، وتطلب بعضها تعديلات تشريعية يتم استيفاؤها، وتبدأ التنفيذ خلال هذا العام.
ولفت أحمد كجوك إلى أنه فيما يخص مشروع قانون بشأن بعض الحوافز والتيسيرات الضريبية للمشروعات التي لا يتجاوز رقم أعمالها السنوي 15 مليون جنيه، فإن الوضع السابق كان يُشير إلى أنه لم يكن لدينا نظام ضريبي مُتكامل للمشروعات الصغيرة وريادة الأعمال والشركات الناشئة، التي يقبل عليها الشباب، ولذا جاءت هذه الحزمة لتستهدف دفع هذه الشركات نحو زيادة النمو، والتوسع في التصدير، حيث تم إيجاد آلية مُتكاملة للدخول في المنظومة بشكل سريع، وتحقيق فائدة كبيرة للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 15 مليون جنيه، كي تنضم لهذه المنظومة الجديدة، وتقديم تيسيرات مثل الإعفاء من ضرائب الدمغة، ورسم التنمية، وغيرها، لهذه المشروعات، مع تبسيط الأرباح التجارية بشكل كبير جداً، لتصبح ضريبة قطعية بحيث يدفع على كل شريحة رقم محدد وبالتالي يعرف التزاماته، كما سيتم دفع ضريبة القيمة المضافة، بشكل مناسب جداً لتلك الشركات، بحيث يدفعها بشكل ربع سنوي، ليكون لديه مساحة وسيولة أفضل، ودفع بعض الالتزامات الأخرى بشكل سنوي، مشيراً إلى أنه سيتم اعتبار لحظة انضمام المشروع إلى هذا القانون والتسجيل في المنظومة بمثابة ميلاد له، حيث لن يتم الالتفات للوراء، بل للأمام، وتشكيل بداية جديدة ودفع المشروعات لزيادة حجم أعمالها.
كما عرض الوزير مزايا مشروع قانون تسوية أوضاع الممولين والمكلفين، مضيفاً أنه تمت الإشارة إلى أمر مهم جداً في القانون، وهو أن ما سيتم تقديمه من جانب الممول لمدة 5 سنوات ماضية، سيتم قبوله دون فحص، لإعادة الثقة بين الطرفين، وكلنا ثقة في الاستجابة مع التسويق الجيد وتوضيح المعلومات وإيجاد الآليات على الأرض، أن هذا القانون سيقدم بمشيئة الله نقلة جيدة.
وتابع وزير المالية: "ما نقدمه عبارة عن شرح بسيط، لتوضيح ما الذي سيقوم الممول بدفعه ضريبياً من أول يوم بعد تحقيق الربح، ولا يحتاج للدخول في أي خلاف أو مشكلة، وتكون الإجراءات مبسطة تتيح له مساحة من الحركة والتخطيط لمستقبله، وفي بداية العرض أشرت إلى أننا نحتاج إلى البساطة والسهولة واليقين، وأعتقد أن هذه المنظومة تتيح هذا الأمر للشركات، ومثلما وضحت، فإن الدفاتر والحسابات المُبسطة، حتى الإقرار المطلوب سيكون بسيطا وبعدد صفحات قليلة ومعلومات قليلة، ولن يكون المطلوب دفاتر تقليدية كبيرة، لتوفير التكاليف على المستثمرين خاصةً أصحاب الشركات الكبيرة، وبالتالي يسهل الدخول في المنظومة بأعباء قليلة جداً، وهذا مشروع متكامل تعاونا فيه مع كل مجتمع الأعمال والمتخصصين، ونعمل على تنفيذ بروتوكولات مع جهاز المشروعات الصغيرة ووزارة الاتصالات بهدف تسهيل الوصول لكل المستفيدين وتوضيح الأمور لهم وتشجيعهم على الاستفادة مما تتيحه الدولة".
وأضاف أحمد كجوك: "ثاني المحاور المهمة كان بشأن كيفية الانتهاء من كل ما هو قديم، والمشاكل والنزاعات والقضايا التي كانت تمثل عبئا على الجميع، سواء على الحكومة أو على الممول، وبالتالي اليوم نقدم مجموعة كبيرة من التسهيلات لكل الممولين الموجودين، وندعو الناس مرة أخرى لمبدأ الثقة، وحتى أننا نتيح أيضاً للممول غير المسجل لدينا إمكانية التسجيل خلال فترة محددة لبدء صفحة جديدة، ونوجه الدعوة للجميع حتى الممولين المنتظمين، فإنه حتى إذا كنت قد نسيت تقديم إقرار أو تود تعديل رقم خلال الفترة من 2020 حتي 2023، سواء بسبب وجود مشكلة في النظام خلال تقديم الإقرار الالكتروني أو حدث خطأ محاسبي لديك، فيمكنك تقديم الإقرار الآن أو أي تعديل ولن يتم التعامل معك إلا بمنتهي الجدية وسنقبله بدون أي عقوبات نهائياً".
وقال الوزير: "أوجدنا حلولا منطقية للمشكلات والنزاعات التي كانت موجودة قبل 2020، واليوم نستطيع التحدث بمنتهى الوضوح أن أي تقديرات جُزافية لم يتم حسمها، أوجدنا لها حلا بسيطا للغاية وهو مبلغ معين يُسدده المُمول، وبموجب ذلك يستطيع إغلاق الملف الخاص به، ويحصل على مُخالصة ضريبيًا عن السنة الضريبية، حيث يصبح معه ورقة تُفيد بأنه سدد كل أنواع الضرائب المُستحقة عليه، وهذا يشمل جميع أنواع الضرائب وليس نوعا واحدا من الضرائب".
وأضاف وزير المالية: :"أمّا لو كان قد تم تقدير حالة المُمول بشكل جيد وتم فحصه، وأقررنا معًا مبلغا معينا تم التوافق عليه، فنرسل إليه أنه إذا قام بسداد هذا المبلغ فسيحصل على مُخالصة، وإذا لم يتم سداد المبلغ نؤكد عليه ضرورة سداده خلال فترة معينة، مع عدم وجود أي غرامات أو عقوبات أو أعباء إضافية؛ وبالتالي أوجدنا حلا كاملا سواء للنزاعات المبنية على تقديرات جُزافية، أو النزاعات المبنية على تقدير حدث فيه توافق بين الطرفين".
وتابع الوزير: "أوجدنا نصًا مهمًا في القانون يؤكد أن الغرامات لا تتجاوز أصل الضريبة وبالتالي مثّل ذلك حافزا لنا كمصلحة ضرائب وهو أن نسرع الخطى من أجل الانتهاء من الملفات وعملية الفحص، وألا يكون هناك عبء كبير على المُمول وتراكم للغرامات بسبب طول المدة".
وأشار الوزير إلى أن القانون السابق كان يتضمن غرامات على التأخر في تنفيذ بعض الإجراءات مثل عدم تقديم الإقرارات في موعدها، أو في حالة لم يتم تقديم الإقرار، ولم يكن هناك فرق في درجة العقوبة، وما حدث في التعديل الجديد أنه تم إقرار تدرج في العقوبة بحيث تكون الغرامة مناسبة، حيث كانت المشكلة في الماضي هي أنه عند عرض قضية معينة على لجنة إنهاء المنازعات أو أمام القضاء، لم يكن لدى القاضي أو رئيس لجنة إنهاء المنازعات مساحة يتحرك فيها غير رقم محدد للعقوبة أو الغرامة. وأضاف أن مسألة تدرج العقوبة هي واحدة من ثلاثة إجراءات وعدنا بها ونعمل على تنفيذها.
وأشار أحمد كجوك إلى أن هذه هي الحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية، ومن المُقرر أن يكون هناك أيضًا حزمة أولى من التسهيلات الضريبية العقارية تحمل نفس الفكر والمزايا التي تتمثل في التسهيل والتيسير وبناء الثقة والشراكة، ونحن على يقين بأن هذا سيعود بالنفع على الجميع، علينا وعلى المُمول وعلى الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن أحد أهم روافد الأفكار التي نعمل عليها تأتي من المجتمع الضريبي، موضحًا أنه من المُقرر أيضًا الإعلان عن عدد من التيسيرات الجمركية، بما يُسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي للدولة.