لجريدة عمان:
2025-03-20@16:14:51 GMT

حتى لا ننسى مجلة «السِّراج» الثقافية

تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT

حتى لا ننسى مجلة «السِّراج» الثقافية

في أحد أيام شهر يونيو 2010م، اتصلت هاتفيًا بالأستاذ الباحث سالم بن محمد الغيلاني رحمه الله (ت: 2016م)، ممهِّدًا لإجراء حديث صحفي معه، حول مجلة «السِّراج» الثقافية، باعتباره مؤسسًا ومديرًا لها، فوافق الأستاذ واستقبلني في منزله الواقع في منطقة «الحيل الشمالية»، بمحاذاة الشارع المؤدي إلى مركز مدينة السيب، وكنت معه في الوقت الذي اتفقنا عليه، وكان الغيلاني يتكئ على عصاه في مشيته، ويعتمد عليها في جلوسه، وصحته لا تشفع له بالقيام ببذل مزيد من الجهد، يقول: أنا أمشي الآن على عكاز، وحركتي خارج المنزل محدودة، بين النادي الثقافي، أو المنتدى الأدبي، حتى لا أفوِّت على نفسي حضور الفعاليات الثقافية ما أسعفتني صحتي.

ثم أخذني في زيارة إلى مكتبته الزاخرة بأمهات الكتب، ذات الطبعات القديمة والنادرة، وتصفحت معه أعدادًا من مجلة «السِّراج»، وكان قد ترك مجموعة منها إهداءات لأصدقائه وزواره، كل إضبارة في داخلها اثني عشر عددًا من المجلة، وأهداني ملفا واحدًا منها، وحين تصفحته بعد عودتي وجدته يتضمن الأعداد الصادرة منها في عام 1993م.

في ذلك الحديث الذي أجريته مع الغيلاني، ونشرته في ملحق «شرفات» الثقافي بجريدة "عمان"، بتاريخ 20 يونيو 2010م، أباح عن أمنيته التي خالجت خياله في عمره المبكِّر، وهي إصدار مجلة ثقافية متخصصة، وأسماها «السِّراج»، يقول عنها: إنها أول مجلة أدبية عمانية صدرت في السلطنة، وأول المجلات الأدبية في منطقة الخليج، كان يطبعها في الكويت، ووصلت نسخها المطبوعة إلى القاهرة والعراق، ومختلف قصور الثقافة العربية عبر البريد.

بعد صدور أعداد من «السِّراج» في عام 1975م، توقفت المجلة بسبب انشغال الغيلاني بالعمل خارج السلطنة، فقد عمل سفيرًا للسلطنة في بلدان مختلفة، حتى عادت المجلة للصدور من جديد في بداية الستعينيات، بعد عودته واستقراره الوظيفي في مسقط، وبقيت المجلة متواصلة بصورة شهرية، حتى توقفت بعد ذلك.

في ذلك الحوار مع الأستاذ الغيلاني، أكد أنه أنفق لإصدار مجلته «السِّراج» مالا كثيرًا، وبذل من أجل أن تبقى المجلة جهدا كبيرًا، وقد تعاقب على رئاسة تحريرها شخصيات عمانية مثقفة مثل الشاعر المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي، والأديب المرحوم عبدالله بن صخر العامري (ت: 2001م)، إلى جانب ابنة مؤسس المجلة فاطمة بنت سالم الغيلانية، عملت رئيسة تحرير في سنوات صدورها الثاني، قبل توقفها النهائي.

وأنا أستعيد ذلك الحوار مع الأستاذ الغيلاني، أتذكر لقاءاتي به سابقًا، في مقر «المنتدى الأدبي» بالسيب، حيث عمل في وزارة التراث والثقافة، مستشارًا للتراث الشعبي، ورئيسًا للمنتدى الأدبي حتى عام 1996م، والحديث عن التراث الشعبي يقود إلى اهتمامه البحثي، فقد جمع ديوان والده الشاعر محمد بن جمعة الغيلاني (ت: 1969م)، صدر بعنوان: «من أغاريد البحر والبادية»، كما قام بجمع وتحقيق ديوان شاعر صور الكبير سعيد بن عبدالله الفارسي (ت: 1990م)، والمعروف بلقب «ولد وزير»، وكنت قد التقيته صدفة في مسقط، وهو في سن الشيخوخة عام 1988م، وأبهرني ارتجاله لقصيدة شعرية، صدر ديوان ولد وزير عن دار أخبار اليوم عام 1985م، بعنوان: «الأدب الشعبي في بلاد الشِّراع»، وقد أهداني الأستاذ الغيلاني نسخة منه أحتفظ بها في مكتبتي، وللغيلاني أيضا كتب بحثية في الشعر الشعبي، منها: «أضواء على الشعر الشعبي العماني- دراسة ومختارات»، و«عفية الصَّواري»، وله بحث عن الشاعر «المتنبي» صدر بعنوان: «المتنبي في مرآة النقد الأدبي»، وكتب أخرى ذات صبغة بحثية وروح أدبية.

في هذا التذكار للباحث الشاعر والدبلوماسي سالم الغيلاني، والتقليب لمجلته الثقافية «السِّراج»، لا تتوفر لديَّ الأعداد الأولى منها، إلا ما أهدانيه مؤسسها، وهي الأعداد الصادرة في عام 1993م، كانت أعدادها الأولى يسيرة، وفي بدايات التجربة، بينما الأعداد التي صدرت في سنوات التسعينيات فتمثل ذروة اشتغالها الثقافي، وتساير زمنها الطباعي مع صدور الأعداد الأولى من مجلة «نزوى» في نوفمبر عام 1994م، كانت «السِّراج» مجلة المثقفين، يسعى لها الكتاب من داخل وخارج البلاد، مع نشرها لنصوص ومقالات لكتاب عمانيين.

من بين المساحات التي نشرتها مجلة «السِّراج» في بعض أعدادها، نقرأ «همسة» عبدالله بن صخر، ومساحة أخرى كتب فيها الأديب حفيظ بن سالم الغساني (ت: 2000م)، ناثرًا خواطره ومقالاته في سطورها، وأذكر لقاءً جمعني به في أحد المقاهي بمسقط، وهو المعلم الأول في المدرسة السعيدية بصلالة، وصاحب الأناشيد الوطنية، ومع أن الشيخوخة كانت تدبُّ في جسمه، إلا أنه كان يتمتع بحضور ذهني، وقدرة على تذكر الأحداث، وروحه مشبعة بالطيبة وحب الحياة والمطالعة والقراءة.

ومن كتَّاب «السِّراج» الدائمين كان قلم الكاتب علي بن محسن بن علي آل حفيظ (ت: 1997م)، يبوح في صفحة خاصة بعنوان: «هموم الخواطر»، كما كان الغيلاني يختم مجلته بمساحة «تأملات»، وفي الفترة التي شغلت فيها ابنته فاطمة الغيلانية منصب رئيسة تحرير للمجلة، كانت افتتاحية «السِّراج» موقعة باسم رئيسة التحرير.

مائة صفحة، تمثل تغذية ثقافية، من مجلة «السِّراج» التي كانت تصدر للقارئ شهريا، وأراها تشبه مجلة «الفيصل» الثقافية السعودية، في إخراجها وحجمها وتعدد مواضيعها، كتبت مواد السِّراج بقلم محررها، وشبكة من المراسلين والموزعين، وبأقلام كبار الكتاب خلال تلك الفترة، من عمان وخارجها، يكفي أن يكون من كتَّابها؛ الغساني وآل حفيظ وعبدالله بن صخر، وغيرهم من الأقلام العمانية، فقد أهدوها لباب أفكارهم، وثمرات عقولهم.

ولم تكن مجلة «السِّراج» ذات أبواب ثابتة، عدا بعض الأقلام التي كانت تُنشَر في كل عدد، إنما لكل عدد تبويبه الخاص، بحسب المواد التي تصل إلى هيئة التحرير من شبكة المراسلين، أو من إعداد مدير التحرير، تعاقب عليها كل من الصحفيَّيْن المصريَّيْن: مجدي العفيفي محمد رضوان، وهذا ما أكسبها صفة التعدد والتنوع، كانت أعداد المجلة لا تشبه بعضها، وفي الغالب يطغى عليها الصفة الثقافية، فهي بين المنوعات الفنية، والاستطلاعات الميدانية المحلية، ونصوص شعرية تتراوح بين القافية والنثر، وفي بعض الصفحات نرى لوحات من فن الكاريكاتير، وصفحات لأقلام القراء بعنوان «منتدى السراج»، وأخرى للشعر الشعبي كان يعدها الشاعر محفوظ الفارسي، ونشرت المجلة مقالات كثيرة لبعض الكتاب المفكرين والنقاد، مثل الناقد التونسي محمد حسن بدرالدين، الذي أقام بيننا في مسقط سنوات طويلة، وكان كثير الكتابة في الصحافة العُمانية، أشهرها جريدة عُمان، وقد قرأت له مقالة نشرها في العدد 18 من «السِّراج»، كتبها عن أعلام الأدب العالمي، ومواد كثيرة لا تسع المساحة إلى تقصِّيها.

خلال عقد التسعينيات الماضية، كانت مجلة «السِّراج»، مضيئة ووهاجة، طبعت صفحاتها ملونة، وفي ورق فاخر ومصقول، وحين أقلب بعض أعدادها اليوم، أرى فيها رسالة ثقافية كانت تسكن خيال مؤسسها، قدمتها المجلة لقارئها بأناقة وامتياز، ولعل هذه الكتابة تحفز إدارتها بتحقيق حلم مؤسسها، أن تبقى مجلته بعد رحيله سراجًا ثقافيًا لا ينطفئ، فقد نظرت إليه وهو يتأمل أعدادها في مكتبته المنزلية، وكأنما انهمر على صفحاتها نهر من الذكريات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کانت ت

إقرأ أيضاً:

أمانة الرياض تطلق فعاليات الخيمة الثقافية بواحة التحلية

أطلقت أمانة منطقة الرياض مساء أمس الخيمة الثقافية بواحة التحلية بالعاصمة، وذلك في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى إثراء الحياة الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وشملت الفعالية الهادفة إلى إبراز التراث والثقافة السعودية من خلال تقديم فعاليات متنوعة تجمع بين الأصالة والتجديد، ساعة روائي التي تتيح للزوار لقاءات مع أدباء ومبدعين لمشاركة تجاربهم، إضافةً إلى أنشطة حركية مخصصة للأطفال تسهم في تنمية مهاراتهم وتعزيز روح التفاعل المجتمعي لديهم.
كما تشمل الفعاليات احتفالًا للأطفال، وتوزيع الحلويات وإقامة الألعاب التراثية، بما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ القيم الثقافية.
وتوفر الخيمة الثقافية مساحة ترفيهية متنوعة، من بينها دوري البلايستيشن الذي يتيح لعشاق الألعاب الإلكترونية خوض منافسات حماسية، وركن الرسم على الوجه الذي يمنح الأطفال فرصة التعبير عن إبداعهم الفني, إضافةً إلى معرض للكتب والصور والمخطوطات، يعكس جانبًا من التراث الثقافي والتاريخي للعاصمة، إلى جانب تخصيص ركن للألعاب الإلكترونية يقدم تحديات تناسب مختلف الفئات العمرية، إلى جانب عروض من المطبخ السعودي، وركن المتاجر دعمًا لرواد الأعمال.
وتعد الخيمة الثقافية منصة تحتفي بتنوع المشهد الثقافي والفني في المملكة، تتيح لزوارها فرصة التفاعل مع الأدب والفنون والموروث الشعبي، من خلال الأمسيات الشعرية، والعروض الفنية المتجولة، والمسابقات الثقافية، وغيرها من الأنشطة التي تعزز التواصل المجتمعي وتثري التجربة الرمضانية, والتركيز على توفير حلول مبتكرة ومستدامة في تصميم وإدارة الفعالية لضمان تحقيق استدامة الفعاليات الثقافية في العاصمة.
يذكر أن هذه الفعالية تأتي ضمن جهود أمانة منطقة الرياض في إطلاق مشروعات ثقافية مستدامة، تعزز التواصل الاجتماعي، وتوفر بيئة ثقافية وترفيهية متكاملة تلبي احتياجات سكان وزوار العاصمة، بما يسهم في تحقيق مستهدفات الإستراتيجية الحضرية التي تركز على تحسين جودة الحياة في الرياض.

مقالات مشابهة

  • مليشيا الدعم السريع المتمردة غدرت بقوات الجيش والاحتياطي المركزي التي كانت تؤمّن القصر الجمهوري
  • مجلة TIME الأمريكية تضع فنادق جدة التاريخية ضمن أعظم الأماكن في العالم لعام 2025
  • تعزيز العلاقات الثقافية بين مصر وأرمينيا
  • التقنيات النانوية .. ثورة خضراء جديدة لإنقاذ الزراعة
  • منتجع “شيبارة” ضمن أعظم الأماكن عالميًّا خلال 2025
  • أمانة الرياض تطلق فعاليات الخيمة الثقافية بواحة التحلية
  • منافسات قوية في الجولة الأولى من المسابقة الثقافية بشمال الباطنة
  • مجلة تايم الأمريكية: قصبة تامادوت ضمن أفضل 50 وجهة سياحية في العالم
  • 15 فريقًا في المسابقة الثقافية الرمضانية بشمال الباطنة
  • مجلة أمريكية: قضية محمود خليل تؤكد على معركة ترامب الخاسرة ضد حرية التعبير