إضاءات بهاء طاهر خارج دائرة الإبداع!
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
(1)
هناك نموذجان معروفان في عالم الكتابة والإبداع أظنهما قد سادا في إبداعنا المعاصر على مدى القرن الفائت بأكمله؛ هناك نموذج الكاتب والأديب المتفرغ للكتابة والإبداع والانخراط في العملية الإبداعية بالكلية دون الانزلاق إلى الاشتباك مع هموم الواقع وقضايا المجتمع مكتفيا بما يقدمه من خلال أعماله (قصصه ورواياته، مسرحياته وشعره.
لزمن طويل كان يضرب المثل بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وهما من هما باعتبارهما علمين شامخين من أعلام الإبداع العربي الحديث والمعاصر، وإن كان كلاهما قد تورط حتى النخاع في مواقف "سياسية" و"اجتماعية" لم يتمكنا أبدًا من الفرار ولا من الإدلاء برأيهما صراحة!
ثم جاء جيل جهير الصوت زاعق المواقف، مغموس في الأيديولوجيا حتى النخاع بل ومنهم من خاض تجربة النضال السياسي الحركي، مما أفضى بكثيرين منهم إلى دخول السجن خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. قليل من هذا الجيل (الستينيات) الذي نأى بنفسه عن التورط الكامل في برك السياسة والاستقطاب السياسي، وركز جهده ونشاطه في مسارين لا غير: الكتابة الإبداعية وحدها؛ ونشاط آخر مواز في الكتابة غير الإبداعية وبما تشمل الكتابة النقدية، والقراءة الفكرية والثقافية أو أي إسهام معرفي آخر لا تفارق هذه الدائرة ولا تبعد عنها كثيرا.
(2)
إلى هذه الفئة بالتحديد ينتمي الكاتب والأديب الراحل بهاء طاهر (1935-2022) الذي غادرنا في مثل هذه الأيام قبل عامين (توفي بهاء طاهر في 27 أكتوبر 2022). وبهاء طاهر رغم أنه من المقلين جدا في إنتاجه الأدبي (شأنه في ذلك شأن إبراهيم أصلان وعلاء الديب، على سبيل المثال) إلا أنه حاز مساحة كبيرة جدا من الشهرة والذيوع والقبول، ربما لم يحظ بها من بين أبناء جيله الصاخب سوى كتاب معدودين للغاية ربما لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة!
ترك ست روايات وست مجموعات قصصية جُمعت في مجلد واحد، وليس أكثر من ذلك! هذا كل ما تركه بهاء طاهر من تركة إبداعية (روائية وقصصية) لكنها تركت بصمتها الغائرة عميقًا في مجرى الإبداع العربي المعاصر، وحظيت بمحبة القراء واحترام النقاد على السواء، وقد توقفنا أمام بعضها أكثر من مرة في حياة صاحبها، وبعد رحيله، إضاءة وتحليلًا وقراءة وتفسيرًا.. إلخ...
لكن ربما لم يُلتفت كثيرًا إلى كتابات بهاء طاهر الأخرى في سياقات غير إبداعية خالصة؛ وقد كان بهاء طاهر (وهذه الخصيصة قد ميزته ووضعته في دائرة معرفية رفيعة المقام) مثقفا رفيعا؛ يقرأ بلغتين أجنبيتين ويترجم عن واحدة منهما بطلاقة، أتم دراسته في جامعة القاهرة بكلية الآداب قسم التاريخ في ستينيات القرن الماضي، فأتيح له تكوين معرفي وثقافي أصيل، فضلا على مواهبه الشخصية ونهمه للقراءة وحبه للآداب والكلاسيكيات، كل ذلك أدى به في النهاية إلى أن يكون مثقفا حقيقيا، كون حصيلة ممتازة في عقديه الأولين، وأفاد أيما إفادة من تجربة عمله في البرنامج الثقافي بالإذاعة المصرية الأم في سنوات تألقها وازدهارها وازدحامها بكبار المبدعين والمثقفين والنقاد وكتاب الأدب.. إلخ.
منحت هذه البدايات بهاء طاهر خبرات إنسانية وثقافية مذهلة، وقد تأنى كثيرا قبل أن يخرج على جمهور الأدب في مصر والعالم العربي بمجموعته القصصية الأولى "الخطوبة" (1972) التي كانت إعلانًا "على ميلاد كاتب لا يقلد أحدا، وذي طريقة مخصوصة في السرد". ثم توالت قصصه ورواياته بعد ذلك كما هو معلوم للجميع من محبي الأدب وعشاق كتابة بهاء طاهر.
(3)
أما ما لم يتوقف عنده الكثيرون حقيقة -لا قراءة ولا تحليلا ولا إضاءة- فكتبه الأخرى غير الإبداعية؛ وهي في العموم ليست كثيرة فهي ثلاثة كتب فقط، وهي كتابه الصغير عن المسرح، وكتابه عن أبناء رفاعة وكتابه الأخير في مديح الرواية، وكل ما صدر بعد ذلك من كتب أو كتيبات وضع عليها اسم بهاء طاهر هي من قبيل الاقتطاع أو الاجتزاء أو استثمار اسم الرجل الذي ظل حتى وفاته يحظى بحضور وافر وعارم في أوساط القراء داخل مصر وخارجها.
هذه الكتب الثلاثة صغيرة الحجم للغاية، لكنها مهمة وضرورية لمن أراد أن يجتلي جانبا من ثقافة هذا الجيل عموما، وبهاء طاهر بالأخص، ويكشف عن العوامل والمؤثرات والقراءات الأولى التي شكلت ذائقة هذا الأديب ووجهته إلى وجهته الإبداعية المختارة كما تجلت في قصصه ورواياته. هذا أولًا.
أما ثانيا؛ فإنها تكشف وفي الوقت ذاته عن حساسية نقدية رفيعة المستوى سواء في الاختيار أو القراءة أو التفسير، كما تكشف من ناحية ثالثة عن تصورات بهاء طاهر للإبداع والكتابة الأدبية ورؤيته للمسرح وأدواره الإنسانية والعالمية، كما يطرح في واحدة منها رؤية مثقف مصري وعربي معاصر لمسيرة التنوير والنهضة منذ الطهطاوي ومرورا بطه حسين وتوفيق الحكيم ويحيى حقي، ووصولا إلى جيل يوسف إدريس وجيل الستينيات الذي كان بهاء طاهر نفسه ينتمي إليه.
(4)
سأبدأ بأخرها صدورًا، وهو كتاب في "مديح الرواية" (صدرت منه طبعتان أو ثلاث طبعات) الذي ضم فصولًا وقراءات وتعليقات على نصوص أدبية، وروايات وقصص وشخصيات، وإن لم تكن كذلك وقت كتابتها كمقالاتٍ وفصول متفرقة، نُشرت على مدى زمني استوعب العقدين الأخيرين أو العقود الثلاثة الأخيرة في حياة بهاء طاهر.
الكتاب الذي يقع في ما يزيد قليلًا على المائتي صفحة (من القطع الأقل من المتوسط في طبعته الأحدث الصادرة عن دار الشروق قبل عدة سنوات) يقدِّم واحدة من أنضج خبرات الكتابة عن الإبداع والمبدعين، وفن الرواية، من خلال تأملات صاحبها الكاتب والروائي والناقد أيضًا الذي يطل بوجهه الهادئ الحكيم المتواضع وبمعرفة غاية في العمق والثقافة والاستيعاب، وعبر معالجات نصية رهيفة ومتأملة.
يقدِّم بهاء طاهر رؤيته وقراءته لعددٍ معتبر من النصوص الإبداعية الروائية والقصصية في مصر والعالم العربي، يقرأها ويقدمها، ويبشر ببعضها، وقد أثبتت الأيام صدق بشراه، وخذلته بعض الأسماء الأخرى التي سرعان ما انطفأ وهجها سريعا، ولم يبق منها إلا ما أشار إليه الكاتب القدير في فصول كتابه "مديح الرواية".
يستهل بهاء طاهر بالقول إذا كان المتنبي يقول: إنّ خير جليس في الزمان كتاب، فإنّ خير جليس معي يتمثّل في رواية جميلة. فلا متعة تفوق هذه المتعة.. في العادة، وكما يقول، يبدأ قراءة الرواية بنوعٍ من البطء، يقرأ صفحات قليلة في أول يوم ثم يتركها، في اليوم التالي يتسلّل سحر الرواية إلى نفسه وتتغلغل في ثنايا روحه فيقرأ أكثر وأكثر، ثم بعد ذلك يكاد يصل النهار بالليل منغمسًا تمامًا في القراءة إن كانت الرواية طويلة الحجم. تصبح أحداث الرواية وأشخاصها عالمه الحقيقي، ويمسي العالم الخارجي مجرّد شبح وتطفّل مزعج على دنيا الرواية.. "لا أبذل جهدًا لكي أنساه لأنني أنساه بالفعل"
(5)
وهو يعرف أنه في ذلك مثل ملايين في العالم يأسرهم سحر الرواية. وكان ذلك الأسر يجعله، مثلًا، وهو تلميذ صغير ينتظر كل صباح في لهفة حلقات رواية "شهيرة" للكاتب الجميل سعد مكاوي في صحيفة (المصري)، وجعله بعد ذلك في شبابه يستحث الأسبوع أن يمر لكي يقرأ في (الأهرام) الجزء الجديد من رواية نجيب محفوظ، مع انتقاله بين حين وآخر إلى صحيفة (الجمهورية) ليقرأ، مثلًا، حلقاتٍ من رواية "البيضاء" ليوسف إدريس، أو من "خلِّيها على الله" ليحيى حقّي، أو "السائرون نيامًا" درّة سعد مكاوي.. ذلك حقًّا هو عطر الأحباب الباقي...
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بهاء طاهر بعد ذلک
إقرأ أيضاً:
الرواية اليمنية لحادثة سقوط طائرة “F-18”
يمانيون/ كتابات/ علي ظافر
في حادثة غير عادية أعلنت البحرية الأميركية سقوط وغرق طائرة حربية من نوع f18 في البحر الأحمر، وتعد هذه الطائرة من أحدث أنواع الطائرات الأميركية وأكثرها تطوراً وتعدداً في المهام، كما تبلغ قيمتها أكثر من 67 مليون دولار، فإن سقوطها أو إسقاطها على اختلاف الروايات والفرضيات، يمثل في الحقيقة قيمة استراتيجية وتطوراً هو الأهم والأحدث في مسار المعركة البحرية المستمرة منذ أكثر من أربعين يوماً بين القوات الأميركية من جهة والقوات المسلحة اليمنية.
أمام هذا التطور تبرز الكثير من التساؤلات. ماهي الثغرات في الرواية الأميركية تجاه حادثة سقوط طائرة f18 من على متن حاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان؟ وسواء سقطت الطائرة أو أسقطت … لماذا سارعت البحرية الأميركية إلى الاعتراف بتلك الحادثة رغم ما تمثله من فضيحة مدوية لقوة صورت وسوقت نفسها منذ زمن بعيد على أنها “سيدة البحار” من دون منازع أو منافس و”القوة التي لا تقهر”.!
وما دلالة الاعتراف الأميركي بـ “سقوط الطائرة” بعد ساعات من إعلان القوات المسلحة اليمنية عن “عملية اشتباك مشتركة… ضد حاملة الطائرات هاري ترومان والقطع المرافقة لها وإجبارها على التراجع والابتعاد” إلى شمال البحر الأحمر رداً على جريمتي العدوان الأميركي اللتان تسببتا باستشهاد ثمانية مدنيين بينهم نساء وأطفال في بني الحارث بالعاصمة صنعاء، و125 شهيداً وجريحاً في مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات أفريقية في صعدة.
وفي المقابل لماذا لم تصدر قوات صنعاء حتى اللحظة أي تعقيب أو رواية بخصوص الأسباب والملابسات التي أدت إلى غرق الطائرة الأميركية في البحر الأحمر؟ وقد أعلنت خلال الأسبوع المنصرم على لسان الرئيس مهدي المشاط “خروج هاري ترومان عن الجاهزية في الأيام الأولى من العدوان الأميركي”.
ارتباك وتناقض في الرواية الأميركية
الرواية الأولى صدر بيان عن البحرية الأمريكية في المنامة عن وقوع حادثة على متن حاملة طائرات، وإن أحد البحارة أصيب بجروح طفيفة، جراء سقوط الجرار وطائرة من نوع f18 في البحر من على متن حاملة طائرات. وفي هذه الرواية المضللة حاولت البحرية الأمريكية فصل وسلخ الحادثة عن سياقها، إذ لم تذكر الحاملة التي سقطت الطائرة من على متنها مع الإشارة السريعة إلى الطائرة غرقت وأنها يجري التحقيق في الحادثة وكأنها حادث عرضي أو حادث مروري!، والملاحظة الأهم أن البحرية الأميركية تعمدت تماماً عدم الإشارة إلى “النيران اليمنية”، وبأن الطائرة سقطت أثناء عملية الاشتباك بين ترومان والقطع المرافقة لها في البحر الأحمر من جهة، والقوات اليمنية من جهة أخرى.
وفي انعطافة حادة على صعيد الرواية، نقلت وسائل إعلام أميركية وأخرى عربية عن مسؤولين أميركيين اعترافهم بأن “الطائرة سقطت من على متن حاملة الطائرات هاري ترومان أثناء مناورتها أو انعطافها الحاد تفادياً لنيران الحوثيين” هذه الرواية كشفت بعضاً مما حاولت البحرية الأميركية إخفاءه، ووضعت الحادثة في سياقها بأنها وقعت أثناء عملية الاشتباك بالإشارة إلى “نيران الحوثيين” وأكدت على خلاف الرواية السابقة بأن الحادثة ليست “عرضية”.
الرواية الثانية وإن كانت لاتزال محاطة ببعض الشكوك، إلا أنها أكثر إقناعاً من سابقتها وأكثر احتراماً لعقول الجماهير والمتابعين في الداخل الأميركي وعلى مستوى العالم، وربما تعكس الخشية من الفضيحة أمام الرواية اليمنية بناء على تجربة مماثلة حصلت في 22 -12 – 2024 حينما سقطت طائرة من النوع ذاته f18، وكانت الرواية حينها أنها “أسقطت عن طريق الخطأ بنيران صديقة، مع إصابة طفيفة لأحد قائدي الطائرة”، لتؤكد الرواية اليمنية حينها على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع بأن الطائرة الأميركية “أسقطت” بنيران يمنية.
أما لماذا سارعت البحرية الأميركية بهذا الاعتراف المنقوص والمجترئ للحقيقة فلأن إدارة ترامب بما فيها البحرية الأمريكية لا تستطيع أن تخفي الحقيقة كاملة عن الرأي العام الأميركي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المسارعة بالاعتراف المنقوص والمرتبك والمضلل، يأتي استباقاً للرواية اليمنية، ويرى البعض أن الاعتراف بهذه الفضيحة بمثابة قنبلة دخانية للتعمية على الجريمة الوحشية التي ارتكبها العدوان الأميركي بحق المهاجرين الأفارقة في صعدة وراح ضحيتها 125 شهيداً وجريحاً، بهدف صرف الرأي العام عن هذه الجريمة، وهذا الرأي محترم إلا أنه لا يمنع من الحديث عن السقوط الأخلاقي والإنساني لواشنطن من خلال التركيز على جريمة العدوان الأميركي بحق المهاجرين الأفارقة وما سبقها من جرائم، إلى جانب الحديث عن السقوط العسكري لأميركا ورهاناتها، ويكون الأمرين والقضيتين ضمن الأجندة الإعلامية والسياسية في آن معاً.
الرواية اليمنية لحادثة “سقوط طائرة f18”
الاعتراف الأمريكي بسقوط الطائرة جاء بعد ساعات من إعلان القوات المسلحة اليمنية عن عملية اشتباك مع حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان والقطع العسكرية المرافقة لها، واستهدافها ضمن عملية مشتركة بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرة وإجبار الحاملة على التراجع والابتعاد عن مكان تمركزها إلى أقصى شمال البحر الأحمر، ووضعت عملية الاشتباك والمطاردة تلك في إطار الرد على جريمتي العدوان الأمريكي في صنعاء وصعدة والتي راح ضحيتهما العشرات معظمهم من المهاجرين الأفارقة.
هذا التزامن وهذا السياق العسكري (الاشتباك) دليل كاف لأي متابع بالربط بين النيران اليمنية وسقوط الطائرة الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر نتيجة حالة الرعب والاجهاد والارهاق الذي يعيشه فريق حاملة الطائرات “ترومان”.
وفي هذا السياق نقلت قناة المسيرة عن مصدر في وزارة الدفاع اليمنية معلومات جديدة عن عملية الاشتباك اليمنية مع ترومان والقطع المرافقة لها في أقصى البحر الأحمر كجزء من الرد على الرواية الأميركية.
المصدر الدفاعي اليمني، لم يستبعد “إصابة ترومان بشكل مباشر في عملية الاشتباك الأخيرة”، ورجح أن “ترومان قد تغادر مسرح العمليات في أي وقت”، وكشف المصدر أن عملية الاشتباك الأخيرة تميزت عن سابقاتها بـ “تكتيكات جديدة” وبزخم ناري كبير استمر لعدة ساعات، وأجبر ترومان “تحت الضغط المتواصل بالصواريخ والمسيرات” على التراجع والابتعاد عن مكان تمركزها السابق.
هذا التصريح يحمل عدة رسائل ضمنية، أولاها، أن حملة الضغط العسكري بالعدوان على المدنيين وتكثيف الجرائم بحقهم، كوسيلة ضغط على القوات المسلحة اليمنية وأدائها، يأتي بنتائج عكسية ضاغطة ومؤلمة ومؤثرة على العدو ضمن الرد على تلك الجرائم كما أشار العميد سريع في بيان الاشتباك.
الأمر الثاني، تكشف حادثة إسقاط الطائرة الأميركية فاعلية وتأثير العمليات اليمنية، بالقدر الذي أجبرت ترومان على “التفحيط في البحر” والإنعطاف الحاد خشية من النيران اليمنية، وهذا اعتراف بقوة التهديد.
كما أن العملية تحمل دلالات واضحة على أن قدرات اليمن لم تتأثر، وأن مفاجآتها تتكشف الواحدة تلو الأخرى، وأن العملية الأخيرة لم تقتصر أضرارها على طائرة واحد، بل على حاملة الطائرات وما حملت، كما تعكس حجم الإرهاق والإعياء والإجهاد الذي وصل اليه طاقم حاملة الطائرات، نتيجة الاستنزاف والضغط على مدى أكثر من أربعين يوماً.
وهذا مؤشر آخر بأن القوات اليمنية تَستنزف ولا تُستنزف، وتَردع ولا تُردع. وعلى إدارة ترامب أن تراجع حساباتها في هذه المغامرة بالنيابة عن “إسرائيل” وتوقف نزيف خسائرها الذي يترواح – على اختلاف الروايات الأمريكية – بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.
وعلى الإدارة الأميركية أن تدرك أن اليمن لن يتوقف، وأن مفتاح الحل كما نكرر دائماً في غزة وهي قادرة عليه بالضغط لوقف العدوان ورفع الحصار، بغير هذا فإن أفق المعركة يبدو طويلاً والخسارة في نهاية المطاف ستكون أميركية.