أحمد فشير يكتب: الأسطى.. والأسطورة
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
“حارب السنوار كل هذه الحشود ببندقية آلية ومسدس كاتم للصوت وقطع صغيرة من الحلوى وجدت فى جيبه وبدا أنه يعيش عليها مما أفقده الكثير من وزنه”..
لم أكتفِ بقرأته مرة واحدة، قرأته مرات ورددته في نفسي أكثر، حتى تجدد إيماني بجندية القلم وواجبه في المعركة إلى جانب البندقية ومدى سطوته في التشجيع على الاقتتال والاستبسال، وقديمًا كانوا يأخذون نسائهم وأطفالهم يجلسون في مدرجات المعركة يهتفون وينشدون الشعر لحثّهم على النصر وحتى يكونوا "تذكرة" للذب عنهم من السبي والأسر، هذا ما جدده فينا "أسطى الصحافة" في عصره الأستاذ عادل حمودة.
طلقة حبر من عادل حمودة رثاءًا لـ يحيى السنوار
بطلقات من حبره "النزيه" الذي لم يتنازل يومًا عن مبادئ وكبرياء العظاما وبمهنيته الذي شبّ وشاب فيها حبًا وعملًا وجهدا وتحريرًا للعقول من ظلمات الجهل وبراثن التخلف، أطلق كلماتها الحرة بعنوان عرفت "السنوار"، لينتشل القارئ من الوقوع في هوة المعلومات الكاذبة ووحل الموضة المستحدثة "التريند" التي تُسَخِّف وتبخس الناس أشيائها.
كشف الرجل الذي علمنا السحر، أن مشهد نهاية السنوار الذي كتبه سلفًا في روايته "الشوك والقرنفل" ؛ بدا وكأنه مأخوذ من إلياذة “هوميروس” أو ملحمة “جلجامش” أو “الشاهناما” الهندية حيث البطل لا يموت إلا إذا تذوق جسده طعنات الأسلحة كلها، وهذت ما حدث بعد أن شاركت كل وحداث الجيش الإسرائيلي في اغتياله، لم يختف فى نفق تحت الأرض ولم يتخذ من الأسرى درعا بشريا.
المقال في الفجر
السنوار كان وراء توطيد العلاقات بين مصر وحماس
عندما تقرأ لـ "الأسطى" بجانب البديعيات والحبكة والإيجاز الذي عهدناه في حواراته ومقالاته وخمسين عامًا في الصحافة والسياسة، لا زال يكشف لنا حكاية جديدة حتى وإن كان الحديث غير جديد، بالأدلة والبراهين أكد عادل حمودة حُسن العلاقة بين حماس ومصر منذ 2017 والتي كان ورائها يحيى السنوار والذي قال برواية "حمودة": "لن تكون حماس منطلقًا للشر".. هذه واحدة.
أما الثانية.. روى أيضًا أن السنوار أقسم له أنه كان وراء انفصال حماس عن تنظيم الإخوان عام 2017 حتى تعود القضية إلى مصر، ويسترسل الكاتب الصحفي عادل حمودة: كان السنوار معترضًا على سياسة "التجرؤ" على مصر التى تبنتها قيادات سابقة وجدت من يحرضها ويستغلها ويدفع لها.
عادل حمودة والسنوار
كيف عرف عادل حمودة " السنوار"
"اعترف بأننى لم أعطه حقه"، هكذا كان انطباعه الأول عندما التقى السنوار، رآه موظفًا فى ديوان حكومى لم يكمل الدوام أو معلم فى مدرسة ابتدائية يعانى من صخب التلاميذ أو عاطل عن عمل يبحث عن وظيفة ولو بأجر ضعيف، ويسهل اكتشاف تواضعه من ملابسه البسيطة غير المتجانسة التى تخاصم رباطة العنق، نموذج يصعب اكتشافه من الوهلة الأولى، ويتابع الأستاذ: "أخطأت فى تقديرى كثيرا".
حارب بقطعة صغيرة من "الحلوى"
جسّد عادل حمودة "السنوار" بطلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، اشتدت دهشتي من كلماته عنه ؛ لأنه لم يكن يومًا من كُتاب المديح والرثاء والأهازيج لم يتصنّع حبًا ولم يكتب حرفًا غير راضٍ عنه ولا يعرف طريقة المحاباة؛ ربما تحوّل من شخصية الصحفي المهني إلى شخصية الانسان عندما كتب عن السنوار؟، ربما يسبق قلبه قلمه حينما يكتب عن القضية والأبطال ؛ قال: حارب "السنوارة كل هذه الحشود ببندقية آلية ومسدس كاتم للصوت وقطع صغيرة من "الحلوى" وجدت فى جيبه وبدا أنه يعيش عليها مما أفقده الكثير من وزنه.
وختامًا.. أرتقى درجات على سُلّم المجد دون تَملُقًا أو رياءًا أو مدفوعًا أو بعينٍ مكسورة، أرتقي عندما أكتب عما كتب "أبانا الذي علمنا السحر"، وقتها كان قلبي يرفق وترتعش يدي حينما فكرت وحينما قررتُ أن أُبدي تعليق محبّ قبل أن يكون تلميذ، تعليق قارئ قبل أن يكون كاتبًا عن الأستاذ عادل حمودة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الأستاذ عادل حمودة التشجيع الشوك والقرنفل القرنفل بندقية آلى بندقية آلية حكاية جديدة يحيى السنوار مكسورة مسدس كاتم للصوت قسم عادل حمودة
إقرأ أيضاً:
أنشودة البساطة.. محمود حامد يكتب: في حب يحيى حقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
من أين نبدأ حين يكون الحديث عن يحيى حقى، ونحن نحتفى به فى هذا العدد الذى يصدر قبل أيام من يوم مولده فى يناير ١٩٠٥، وبعد أيام من ذكرى وفاته فى ديسمبر ١٩٩٢؟.. نحن أمام ظاهرة قائمة بذاتها، فهو الروائى وهو مبدع القصة القصيرة، والناقد الأدبى والناقد المسرحى والناقد الموسيقى أيضًا، وهو الكاتب السياسى والدبلوماسى الذى بدأ حياته وكيلًا للنائب العام وعمل لفترة فى المحاماة؟.. وهو، قبل ذلك، الشاب الذى لم يتجاوز عمره أربع عشرة عامًا حين خرج مع المصريين فى ثورة ١٩١٩، وهتف مع الهاتفين لمصر الوطن والأرض والشعب، وظلت تلك الثورة فى مخزون وعيه الذى انعكس بلا شك على كتاباته فيما بعد.
ولعل عمله فى أكثر من وظيفة فى وزارات التجارة والخارجية والثقافة، وفى أكثر من مكان داخل مصر وخارجها، أكسبه القدرة على الكتابة بروح تستلهم الواقع، وبالأخص فى أحيائنا الشعبية بكل ما كان يدور فيها من عادات وتقاليد.. وليس من قبيل المبالغة حين نقول أن يحيى حقى أجاد بتمكن واقتدار التعبير عن الروح المصرية والأجواء الشعبية فى بلادنا وعن مكنون النفس البشرية أصدق تعبير وبدون تكلف أو ادعاء، فاستطاع عبر أدبه وقلمه أن يتواصل مع الرجل البسيط العامى ومع القارىء المتعمق الدارس لفنون الأدب ولكل ألوان الثقافة.
كان حقى تاسع من نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ١٩٦٩، ومنحته فرنسا وسام الفارس من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية (فرع الأدب العربي) عام ١٩٩٠.. لكن كل هذه الجوائز لم تغير من طبيعته التى اشتهر بها، فقد كان قمة فى تواضعه، عاش حياته على الفطرة الطيبة النقية بشكل يزيد عن الحد، وكان فى مسيرته هادئًا لم يًعرف عنه محاربة طواحين الهواء.. ورغم هدوئه هذا، رسم طريقه المستقيم وخط لنا سيرة كاتب فذ احتل عن جدارة ركنًا مهمًا من أركان قوتنا الناعمة التى تفخر بها مصر.
ومن غرائب الطبيعة، أنه وهو من هو، لم يكن من كُتاب «الأهرام» مع أقرانه وأصدقائه الذين جاءوا قبله أو بعده مثل توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ أو الدكتور حسين فوزى.. ولعل هذا الأمر يكشف لنا عن بُعد يؤكد بالفعل مدى تواضعه ومدى ارتباطه بأهل مصر الطيبيين، فقد كان يكتب مقالًا أسبوعيًا فى جريدة «التعاون» المعنية بمخاطبة الفلاحين، وحين دعته «الأهرام» للكتابة، اعتذر بأنه ارتبط بالعمل مع «التعاون»، وأن العمال والفلاحين وقراء «التعاون» يستحقون الاهتمام أيضًا.
وإذا كان يحيى حقى قد اشتهر بين الناس بأنه صاحب «قنديل أم هاشم»، فإن هذا التوصيف كان يضايقه كثيرًا وكان دائمًا ما يقول: «كما لو كنت لم أكتب غير هذه الرواية».. ورغم احتفاء المثقفين والنقاد بهذه الرواية، إلا أن صيتها ذاع عندما تحولت إلى فيلم سينمائى، وهذا يأخذنا إلى مدى تأثير الشاشة الفضية على المتلقى، وهى ظاهرة لا تخص مصر فقط، فالعديد من الأفلام أحدثت ضجة عند عرضها تفوق ما أحدثته الرواية المأخوذ منها الفيلم عند صدورها.. والأمثلة على ذلك كثيرة، لعل أشهرها رواية «الفراشة papillon» التى صدرت عام ١٩٦٩ للكاتب هنرى شاريير، وكانت محل اهتمام أهل الأدب، لكن تأثيرها الحقيقى كان مع تحويلها إلى فيلم عام ١٩٧٣ تناول محاولات الهروب من سجن جزيرة الشيطان المميت وظروف ذلك السجن فى أربعينيات القرن الماضى ومدى العذاب الذى يلاقيه السجناء.
الحديث عن يحيى حقى ذو شجون كما يقولون.. وقد حاولنا بهذا العدد الخاص أن نقدم باقة ورد إلى روحه الخالدة، ذلك أن أمثال يحيى حقى لا يموت ويظل عائشًا فينا من خلال كتبه وآرائه وأفكاره وإبداعاته وروحه المصرية الخالصة، كما يظل دائمًا واحدًا من صناع البهجة لأجيال متعاقبة تنهل من ميراثه الثرى والمرتبط أشد الارتباط بالكون والحياة التى نحياها.