المشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي في طريقهما للفشل
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
#المشروع_الإيراني و #المشروع_الإسرائيلي في طريقهما للفشل
أ.د رشيد عبّاس
لنتفق منذُ البداية وكي لا نختلف شيئاً ما, أن هناك مسلمة أو ربما بديهية لا تحتاج إلى برهان, منطوق هذه المسلمة يقول: لم يكن هناك أي مشروع عربي واضح المعالم منذُ انتهاء الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا, ومن هذا المنطلق كان هناك فراغ سياسي كبير, وبيئة خصبة ملائمة لولادة مشاريع أيدولوجية معقدة التركيب تنامت من ذلك الوقت في منطقة الشرق الأوسط.
ومع تضارب المصالح في منطقة الشرق الأوسط وجد العالم العربي نفسه أمام مشروعين بأيدولوجيتين مختلفتين, أحد هذه المشاريع فارسي جهته من الشرق يطمح لنشر فكر التشيع الفارسي في المنطقة, والأخر مشروع صهيوني جهته من الغرب يهدف إلى قيام دولة صهيونية من الفرات إلى النيل, ومع تنامي هذه المشاريع كان الخاسر الأوحد وما زال العالم العربي, فقد سجّل العالم العربي تراجع كبير في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي, وكان لهذا التراجع الأثر الكبير على التكامل الانتاجي بين جميع الدول العربية في ضوء هذه المشاريع.
مقالات ذات صلة لا تلوموا المقاومة 2024/10/24بدأ كل من المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي بالضغط على الأخر من خلال الأوراق السياسية التي يمتلكها كل منهما, حيث أننا وجدنا ثقافة ممنهجة تبناها المشروع الصهيوني هدفها تغيير بوصلة ثقافة الأمة العربية مِن مَن هو العدو الأول للأمة العربية, وقد حقق المشروع الصهيوني مع مرور الزمن نجاحاً كبير في تغيير ثقافة الاجيال العربية لجعل العدو الأول للأمة العربية هم الفرس, وغرس كراهية عميقة تجاه الفرس, وأن الحركة الصهيونية هي الخندق الأول للدفاع عن الأمة العربية تجاه انتشار أيدولوجية التشيع الفارسي في العالم العربي.. كل ذلك من أجل توفير بيئة خصبة لإقامة دولة إسرائيل المزعومة.
في المقابل شكّل المشروع الفارسي مقاومة ممنهجة مسلّحة لصد المشروع الصهيوني الذي عمل ضدهم على أرض الأمة العربية, وبالذات على أرض كل من لبنان واليمن وفلسطين, وبدأ الدعم المادي والمعنوي لجميع ساحات المقاومة من قِبل المشروع الفارسي/ أيران, ضد المشروع الصهيوني/إسرائيل, وفي كل مرة يكون الخاسر الأوحد هي الامة العربية التي تشوّهت هويتها بين المشروعين المتنازعين.
في هذا الإطار أنقسم العالم العربي, أو ربما أخذ بعض أشكال الانحياز والتي بدأ يظهر على السطح السياسي, فالبعض من الدول العربية للأسف الشديد أنحاز للمشروع الصهيوني بطريقة أو بأخرى, والبعض الأخر أنحاز بطريقة أو بأخرى للمشروع الفارسي, وهناك دول عربية محدودة كانت وما زالت متحفظة على موقفها تجاه المشروعين.
اعتقد جازماً أن كلا المشروعين.. المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي قد بدءا في الانهيار مع بداية الحرب الأخيرة على كل من غزة ولبنان, وأن تبادل الهجوم والرد المعاكس المتبادل على كل منهما يؤكد دون أدنى شك فشل تلك المشاريع, فالمشاريع الايدولوجية كـ(التشيع) أو (بناء دولة) يحتاج ذلك إلى ساسة ومفكرين كبار يؤمنون بسياسة الفكر أكثر من أن يؤمنوا بسياسة القوة, والايام القادمة ستؤكد وستثبت للجميع أن المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي كانت نهايتهما على يد بعضهما البعض, وهذا يفتح الطريق من جديد للأمة العربية لبناء مشروع عربي واسع غير مسلّح, يقوم على بناء مشاريع تنموي متكاملة ضخمة, قوامها الذكاء الاصطناعي, معتقداً أن الأردن لديه مقومات فكرية عميقة في هذا المجال لوضع العالم العربي على طاولة مستديرة لتعبئة الفراغ الكبير الذي سينتج عن فشل المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي في منطقة الشرق الاوسط. إن بناء المشاريع الإنتاجية وإطارها الذكاء الاصطناعي ممكن بناءها اليوم على ركام مشاريع أُسّست على أصوات الصواريخ والمدافع والطائرات المسيّرة وأنّات الملاجئ تحت الارض, وهذه فرصة كبيرة للأمة العربية كي تنفض الغبار المتراكم على أكتافها منذُ عقود بعيدة لتنهض من جديد.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المشروع الإسرائيلي العالم العربی للأمة العربیة
إقرأ أيضاً:
التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى
مرتضى بن حسن علي
في عصر تتغير فيه الخرائط المعرفية بوتيرة جنونية، وتتحول الجامعات حول العالم إلى مختبرات للأفكار واختراع الغد، وتسوده الثورة التكنولوجية الكاسحة والذكاء الصناعي، لا تزال مُعظم مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي محاصرة في قوالب الماضي، وتواجه تحديات جذرية تُعيقها عن أداء أدوارها كقاطرة للتقدم وابتكار المستقبل لأنها مُثقلة بكثير من المُعوِّقات التي تبعدها عن أداء رسالتها الحقيقية.
الجامعات هي مصادر للفكر والعلم ومراكز للأبحاث، مهمتها التعايش مع الحياة العملية والعلمية وأن تجعل الأجيال الجديدة على دراية بالواقع وتطوراته ودراسة همومه والتعرف على مشاكله الفعلية، وتطوير الطلبة علمياً وفكرياً وبكل ما تملك من قدرة على البحث والتشخيص والتحليل، وتكون على صلة وثيقة بينها وبين دنيا العمل والتكنولوجيا. وحتى تتحول من مجرد مانحة للشهادات إلى حاضنات للإبداع والخريجين قادة للتغير، فهي بحاجة إلى بيئة أكاديمية ورؤساء وعمداء ذوي رؤية واضحة وأكفاء يواكبون الاتجاهات الحديثة في التعليم على المستوى الدولي واختيار الموارد البشرية المؤهلة، واتباع مناهج حديثة، والاهتمام بالبحث العلمي.
والوظيفة الأساسية لمؤسسات التعليم العالي هي تأهيل الشباب علميا وسلوكيا وفكريا وأن تبتكر مع مرور الوقت، مسارات للتقدم ونقل المعرفة إلى مجتمعاتها وأن تكون مشاعل للتقدم. غير أن الأنظمة التي تخضع لها تحد من قدراتها على مواكبة التقدم العلمي الذي يحصل في مثيلاتها من البلدان المتقدمة.
ولعلَّ قدرًا كبيرًا وملحوظًا لذلك يتصل بضعف مرحلة التعليم الأساسي، وافتقار المجتمعات العربية لمؤسسات إنتاج حقيقية من معامل ومصانع ومراكز للأبحاث الجادة. لقد اختزلت أدوار التعليم العالي في مجرد المانح للشهادات التي هي في أغلبها خالية من المحتوى وتعلق داخل البيوت والمكاتب كجزء من الديكور الداخلي الذي يستر عيوبا عديدة في البناء الداخلي، لا تنتج فكرا ولا تبني أُمَّة. وفي ظل هذا الوضع لم يكن غريباً أن يقوم كل من التعليم والعمل بنفي الآخر ومحاصرة أدواره.
التحديات التي تعيق التعليم العربي كثيرة منها:
المناهج البعيدة عن التقدم التكنولوجي:لا تزال العديد من الجامعات العربية تعتمد مناهج قديمة في زمن جديد، نظرية تركز على الحفظ والتلقين، بدلًا من تنمية مهارات التحليل والتفكير النقدي. فمثلا في مجال الهندسة، يفتقد الطلبة إلى مختبرات متطورة أو التدريب العملي في الميدان، وينهون دراستهم دون أن يلمسوا مختبرا متقدما، أو يشاركوا في مشروع عملي واحد تهيئهم لسوق العمل، مما يخلق فجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطالب يدرس نظريات القرن العشرين أو قبله، بينما العالم يتسابق في تطبيقات الذكاء الصناعي وعلوم البيانات.
بيروقراطية بدون أفق وتمويل بدون رؤية وضعف التمويل وطريقة صرفه:تعاني الجامعات من هياكل إدارية معقدة وترهل إداري وقرارات متضاربة، ولا سيما الحكومية منها، تعيق تبني مشاريع بحثية مبتكرة؛ حيث تُهدر أشهر على إجراءات الموافقة على بحوث طلاب الدكتوراه، بينما تُوجه ميزانيات محدودة إلى فعاليات شكلية بدلًا من دعم الابتكار، أو تبني الأفكار الخلّاقة وموتها في مهدها، كما تفتقد إلى الأموال الأهلية "الوقف والخمس".
الانفصال عن قطاع الإنتاج وسوق العمل:قلة المشاريع الإنتاجية وغياب الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي الموجود يجعل الأبحاث الأكاديمية حبيسة الأوراق، في الوقت الذي نجحت ماليزيا مثلا في تحويل أبحاث جامعاتها إلى منتجات تجارية وصناعية عبر إنشاء "مدن التكنولوجيا" التي تربط بين الباحثين والمستثمرين.
في بيئة واحدة تُحول الأفكار إلى منتجات.
البطالة المُقنَّعة:في مصر- على سبيل المثال- يُشكِّل خريجو الجامعات نحو 30% من الباحثين عن عمل، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بسبب عدم مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل المتغير. وأيضًا بسبب عدم وجود المؤسسات الإنتاجية الكافية.
البطالة والتطرُّف:وجود خريجين عديدين ولمدة طويلة بدون عمل، يدفعهم للهروب إلى العالم الافتراضي. ولجوئهم إلى الجماعات المتطرفة أو الغرق في وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية هربًا من واقعهم، كما حدث مع عدد كبير من الشباب في عدد من الدول العربية الذين تحولوا إلى التنظيمات المُتطرِّفة بعد فشلهم في ايجاد فرص عمل. وهكذا فإن الشهادة الجامعية أصبحت عبئا بدلا من أن تكون جواز مرور إلى العمل.
نماذج نجاح تُلهم الحلول
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية استثمرت في بناء شراكات دولية وإنشاء مراكز متطورة في الطاقة المتجددة، مما جعلها تحتل مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في مجالات الطاقة والمياه والتقنية الحيوية. مبادرة "مليون مبرمج عربي" في الإمارات، والتي ربطت بين التعليم التقني واحتياجات سوق العمل المتبدلة عبر تدريب الشباب على مهارات البرمجة، مما خلق فرص العمل عن بُعد مع شركات عالمية. إنها تجربة ناجحة في ردم الفجوة بين التعليم التقليدي واحتياجات العصر الرقمي. تجربة الجامعة الأمريكية في بيروت؛ فرغم التحديات نجحت الجامعة في دمج البحث العلمي مع قضايا المجتمع، مثل تطوير حلول لمشكلة النفايات في لبنان وتحويلها إلى طاقة.وفيما يلي نوضِّح كيفية الخروج من النفق واعادة بناء التعليم العربي العالي كمنصة للابتكار واعادة الاعتبار للجامعة:
تجديد الدماء في الإدارات الجامعية وتعيين قيادات شابة ذات رؤية استشرافية، كما فعلت جامعة زايد في الامارات بتعيين أكاديميين من خريجي جامعات مرموقة مثل هارفارد وستانفورد، لتطوير برامجها. ربط التمويل بالنتائج، من خلال منح الجامعات ميزانيات وفقا لجودة الأبحاث المنشورة وعدد براءات الاختراع المسجلة، كما يحدث في سنغافورة مثلًا. خلق مسارات مهنية مرنة، عبر متابعة ما يجري في العالم من تطورات علمية وتكنولوجية وادخال التخصصات الضرورية المتعلقة بتلك التطورات مثل "الذكاء الاصطناعي" و"الاقتصاد الرقمي" أو إدخال تخصصات مستقبلية، وتدريسها بمناهج قابلة للتحديث السنوي، كما تفعلها بعض الجامعات في العالم مثل جامعة "CODE" في المانيا مثلًا.التعليم كاستثناء استراتيجي
لا يمكن لمجتمعاتنا أن تبني مستقبلًا دون تعليم عالٍ يُحرر طاقات الشباب ويحوّل أحلامهم إلى مشاريع ملموسة. آن الأوان لنتوقف عن التعامل مع الجامعة كمجرد مبنى أو عنوان على ورقة الشهادة، والتعامل معها كجبهة فكر، ومصنع للقيادات، ومحرك للتنمية. فكما قال نيلسون مانديلا: "التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم".
لقد آن الأوان لنجعل من جامعاتنا منارات للفكر، لا مجرد جدران تُعلَق عليها الشهادات!
رابط مختصر