صناعة القهوة في رواندا.. جودة عالمية وأدوار مجتمعية
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
كيغالي- في مزرعة صغيرة لإنتاج البن (القهوة) بالمنطقة البركانية شمال غربي رواندا، كانت لنا تجربة أخرى مع قصة نجاح جديدة في بلاد الألف تل.
في هذه المزرعة العائلية المسماة "كيغوفي للقهوة" يعمل 10 موظفين دائمين و12 عاملا مؤقتا لإنتاج قهوة بوربون من صنف أرابيكا، ويمكن لعدد العاملين أن يرتفع خلال موسم الحصاد.
تقع المزرعة على ارتفاع 1510 أمتار وتغطي مساحة 3.7 هكتارات، وتنتج 5 إلى 10 أطنان من القهوة سنويا حسب حالة الطقس ومتغيرات أخرى، ويسعى القائمون لتوسيع المشروع في المستقبل.
"تمارس المزرعة منذ 1999 الزراعة المستدامة وتتعاون مع صغار المزارعين المجاورين لتوسيع زراعة القهوة في الظل والزراعة البيئية، علاوة على إعادة الاستثمار في المنتجات العضوية والمحلية ذات القيمة المضافة"، يقول جون بيير بيزوزا سيباغيني مدير المزرعة.
لا تقتصر مهمة المزرعة في إنتاج البن بل تتعداه إلى أدوار مجتمعية مثل تعزيز الفرص ذات الصلة للتدريب وتطوير مهارات المزارعين، والمهندسين الزراعيين ومربي النحل، وعمال رعي الأبقار، فضلا عن الترويج لشركات السياحة المحلية التي تنشط في مجالات المشي لمسافات طويلة وركوب الدراجات ومراقبة الطيور والتجديف وصيد الأسماك والينابيع الساخنة.
وتقدم بعض التعاونيات الزراعية ومحطات الغسيل جولات للسياح والزائرين تشرح عملية إنتاج البن على مدار العام.
من المزرعة إلى الأسواقيأخذنا سيباغيني في جولة داخل المزرعة حيث أشجار البن تملأ جنبات الطريق، وهي حبلى بحبات صغيرة خضراء.
مئات الأشجار قصيرة القامة تنتظر وقت الحصاد لتبدأ عملية الإنتاج الفعلية لأحد أجود أنواع القهوة في القارة الأفريقية والعالم.
وتزهر نباتات القهوة في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، وفي الفترة ما بين مارس/آذار ويوليو/تموز تصبح ثمار القهوة جاهزة للحصاد.
"الفترة بين عملية البدر إلى الحصاد هي 3 سنوات، ويشمل الحصاد جمع الكرز الأحمر، ووزن وفرز عالي الجودة منه وفصله عن غير الناضج أو الناضج أكثر من اللازم أو ذلك الذي به عيوب، ثم إزالة القشرة ومن ثم غسله والتخمير"، يشرح سيباغيني للجزيرة نت.
وبعد غسل المحصول بالكامل يوضع ليجف تحت أشعة الشمس مع تغطية متوفرة في حالة هطول المطر، ويكون التجفيف بنسبة رطوبة تقارب 12.5%.
وعقب الحصول على حبة البن الجافة وذات القشرة الخارجية الرقيقة، يؤكد مدير المزرعة، تتم إزالة هذه القشرة للحصول على حبة البن الخضراء الجاهزة للتحميص أو التصدير".
تلك كانت نبدة عن مزرعة صغيرة من بين مئات المزارع في رواندا، فماذا عن تاريخ القهوة في البلاد؟
يقول سيباغيني إن الألمان أدخلوا القهوة إلى رواندا عام 1904، لتتحول في ثلاثينيات القرن العشرين تحت الإدارة البلجيكية إلى نبات للزراعة الجماعية، وتشكّل لاحقا دورا رئيسيا في الاقتصاد الزراعي.
وظلت القهوة محصولا رائدا للتصدير بعد الاستقلال عام 1962، وتم التركيز على الكمية بدلا من الجودة، ما أدى إلى تحويل القهوة إلى منتج يُنظر إليه كسلعة أساسية، يضيف سيباغيني.
وفي العام 2000 شهدت زراعة وصناعة القهوة تحولا جذريا، حيث تم اعتماد آليات السوق المفتوحة، كما تم التركيز على إنتاج القهوة المتخصصة عبر إعادة هيكلة القطاع، وتشجيع ودمج التعاونيات وغيرها من هياكل الدعم المجتمعي الأخرى.
بعد جهود كبيرة تم تقديم القهوة الرواندية إلى الأسواق الدولية لتنال اعترافا واهتماما دوليين، وباتت صناعة البن مصدرا رئيسيا للدخل للعديد من المزارعين، ومن أهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد إلى جانب الشاي.
تنتج مجموعة من 450 ألف مزارع صغير البن في مختلف أنحاء رواندا، وتركّز صناعة البن (القهوة) في البلاد على الكيف أكثر من الكم.
وتنتج مزارع القهوة الرواندية 95% من البن من نوع بورون (أرابيكا) عالي الجودة، وتتراوح الكمية السنوية المنتجة في البلاد من 20 ألفا إلى 22 ألف طن، ويتم تصدير حصة الأسد من هذا الإنتاج نحو الأسواق الخارجية.
وتشمل أنواع القهوة المزروعة في رواندا "كاتورا" و"كاتواي" وبوربون، وتعد الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا من أهم الأسواق التي تصلها القهوة الرواندية، بالإضافة إلى سويسرا والمملكة المتحدة وبلجيكا وسنغافورة ودول أخرى، حسب المجلس الرواندي للتنمية.
ووفق بيانات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تبلغ قيمة صادرات القهوة الرواندية 93 مليون دولار، لتحتل مكانة بارزة في بنية الاقتصاد الرواندي.
وفي عام 2018، بدأت تجارة القهوة الرواندية على أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في العالم (علي بابا)، بعد أن دخلت حكومة رواندا في شراكة مع عملاق التجارة الإلكترونية لتداول المنتجات الرواندية في السوق عبر الإنترنت، وقد أدت هذه الشراكة إلى نمو المبيعات بأكثر من 700% على المنصات الإلكترونية التابعة لـ"علي بابا".
وعالميا ارتفع إنتاج القهوة بنسبة 0.1%، ليصل إلى 168.2 مليون كيس قهوة (وزن 60 كيلوغراما) في موسم 2022 / 2023، وتصل أسعار القهوة في الوقت الحالي نحو 2.45 دولار للرطل الواحد (0.453 غراما).
وتعد البرازيل أكبر دولة منتجة للبن في العالم، وتستحوذ على نحو 40% من الإمدادات العالمية من هذه المادة التي تتحول إلى مشروب دائم الصيت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القهوة فی فی رواندا فی البلاد
إقرأ أيضاً:
ناج من إبادة رواندا: ما يحدث في غزة لا يختلف عما عشناه
قال كلاود غيتبوك، أحد الناجين من الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، إنه لا يوجد فرق بين الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة وما حدث في بلاده.
وكانت رواندا على موعد مع يوم حزين في السابع من أبريل/نيسان 1994، عندما بدأت عمليات الإبادة الجماعية التي استمرت حتى 15 يوليو/تموز من العام نفسه، حيث شن متطرفون في جماعة "الهوتو"، التي كانت تمثل الأغلبية في البلاد، إبادة جماعية ضد أقلية "التوتسي"، مما أدى وفقا للتقديرات إلى مقتل نحو 800 ألف شخص.
وفي مقابلة أجرتها معه وكالة الأناضول في ذكرى الإبادة الجماعية براوندا، أعرب غيتبوك، الذي وضع كتابا عن الإبادة في بلاده، عن أسفه لأن الفلسطينيين في غزة اليوم ليسوا محظوظين مثله في النجاة من الإبادة الجماعية.
وانتقد غيتبوك المنظمات الدولية التي تلتزم الصمت تجاه الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب في غزة، مؤكدا أن المبررات التي تقدمها إسرائيل لاستهداف المدنيين الفلسطينيين في غزة لا تتطابق مع الواقع، وأن تل أبيب تستخدم ذرائع مختلفة لإضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية.
واعتبر الناجي الرواندي أن القوى الكبرى لن تتخذ أي إجراء إلا إذا تفاعل العالم مع ما يحدث في فلسطين، مضيفا أن المجتمع الدولي غير جاد في التعامل مع الإبادة الجماعية، فهم "لا يتدخلون إلا عندما يكون ذلك في مصلحتهم. ولكن عندما تحدث إبادة جماعية حقيقية في أماكن مثل فلسطين والكونغو، لا أحد يتدخل. بل على العكس، يُقدم الدعم لمرتكبيها".
إعلانوأردف: "دعمت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا الإبادة الجماعية في رواندا، ويحدث اليوم وضع مماثل مع الإبادة الجماعية في الكونغو، وما يحدث في فلسطين هو نفسه ما حدث في رواندا عام 1994".
وترتكب إسرائيل بدعم أميركي مطلق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
تأثير الاستعماروعن تأثير سياسة الاستعمار في الإبادة الجماعية براوندا، أوضح غيتبوك أنه حين كان طفلا لم يكن يعلم بوجود جماعات عرقية في رواندا، فقد كان الجميع من السود، ويتحدثون اللغة نفسها، ولديهم ثقافة وحدة، وكانوا يعرفون الناس من خلال نسبهم.
وأردف: "لكن حين وزع البلجيكيون (المستعمرون) بطاقات الهوية قديما، كانت تحمل الهوية العرقية. كانت هذه البطاقات تجعل منك هدفا سهلا، لا سيما في الأماكن التي لا يعرفك فيها أحد".
وأشار إلى أنه لم يكن هناك أي توتر عرقي خطير في البلاد حتى عام 1990، "حين عادت الحسابات التاريخية إلى الأجندة مع بداية الحرب".
لا يمكن الصمتوذكر غيتبوك أن آلاف الأشخاص بُترت أطرافهم وتعرض كثير من المدنيين للتعذيب في الفترة من عام 1990 إلى عام 1994 فقط.
وأوضح أنه فقد كثيرا من أقاربه في الإبادة الجماعية، قائلا: "جلست أنا وأمي مؤخرا وبدأنا نحصي عدد من فقدناهم، وتوقفنا عندما وصلنا إلى 79 شخصا.. جدي، أعمامي، أقاربنا".
وأضاف: "في رواندا تُستخدم الإبادة الجماعية لإسكات الضحايا وابتزاز المجتمع الدولي. واليوم، تحدث الإبادة الجماعية، ولا يمكننا الصمت".
ورغم مرور 31 عاما على الإبادة الجماعية العرقية في رواندا، ما زال أكثر من ألف مشتبه بمسؤوليتهم عن ارتكاب مجازر في هذا البلد، يعيشون في بلدان أخرى، طلقاء ودون محاكمة.
ووفقا لبيانات وحدة مراقبة الفارّين من الإبادة الجماعية التابعة لمكتب المدعي العام في رواندا، لا يزال المشتبه في ارتكابهم جرائم إبادة جماعية، يعيشون طلقاء في بلدان مختلفة، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وهولندا وكندا، دون تعرضهم لأي مساءلة قضائية.
إعلانوأعلنت الأمم المتحدة يوم 7 أبريل/نيسان من كل عام، يوما لاستذكار ضحايا الإبادة الجماعية التي دارت فصولها في رواندا.