فورين بوليسي: مقتل السنوار نقطة تحول دراماتيكية في الصراع
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
رأت مجلة "فورين بوليسي" أن التحولات في الحياة بشكل عام وفي السياسة بشكل خاص نادرة للغاية، وأنه لا يوجد مثال على ذلك أفضل من اغتيال زعيم حركة "حماس" يحيى السنوار مؤخرا، حيث يعد هذا الحدث "نقطة تحول" و"مغيرة لقواعد اللعبة" بل يمكن اعتباره "نقطة تحول دراماتيكية".
إسماعيل قاآني يظهر في مراسم تأبين السنوار وينفي مزاعم اغتياله.. فيديو الحوثي: استشهاد السنوار زاد القسام عزما وإلهاما واستبسالا وثباتا
ولكن، بنظرة سريعة إلى الخلف على مدى العام الماضي، فمن الصعب –وفقا للمجلة الأمريكية- أن نرى الآن كيف أدى قتل إسرائيل لمهندس هجوم السابع من أكتوبر 2023 إلى تغيير مسار الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة بشكل أساسي.
وأوضحت المجلة أن السنوار ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حددا مسار الصراع، ورغم أن أحدهما قد رحل الآن، إلا أنه لا يوجد ما يؤشر أن من سيحل محل السنوار سوف يتمتع بالشرعية أو الاستعداد أو القدرة على متابعة نهج أكثر تهدئة أو توافقي.
كما أن صانع القرار الآخر - نتنياهو- يرسل إشارات واضحة بأنه عازم على مضاعفة الجهود، وليس التراجع عن تصميمه على تدمير بقايا الهيكل العسكري المنظم لحماس، ومواصلة القتال لأسباب سياسية خاصة به. لذا، فإن أي جهد جاد لإنهاء الصراع في غزة يتطلب من إسرائيل وحماس أن تستنتجا أن مكاسب خفض التصعيد أكبر بكثير من حجم الألم المرتبط باستمراره.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تؤدي الأحداث في الشمال (لبنان)، والضربة الإسرائيلية ضد إيران إلى تعقيد التركيز على غزة. وفي حين قد يفتح رحيل السنوار بعض الاحتمالات للتغيير في القطاع؛ إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الفرصة باتت وشيكة، أو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لديها خطة لتحقيق إطلاق سراح الرهائن أو خفض التصعيد في غزة، خاصة وأنها لا تملك حاليا النفوذ، قبل أيام على الانتخابات الرئاسية التي قد تكون الأكثر أهمية في تاريخ الولايات المتحدة.
وحول حسابات حركة حماس، ومن قد يحل محل السنوار، أو كيف سيتم إعادة تنظيم حماس وقيادتها في أعقاب اغتيال زعيمها، أشارت المجلة الأمريكية إلى صعوبة معرفة خليفة السنوار الذي يمثل رحيله خسارة كبيرة لحماس، خاصة وأن إسرائيل نجحت في القضاء على معظم الكوادر العليا للحركة، بما في ذلك (محمد الضيف، وصالح العاروري، ومروان عيسى).
والواقع يشير إلى أن الأعضاء الناجين من الرتب العليا إما خارج القطاع أو يفتقرون إلى الشرعية اللازمة لاتخاذ قرارات كبرى. ونظراً لمركزية السنوار في هجمات السابع من أكتوبر، وقيادته في توجيه الحرب على مدى العام الماضي، وهوسه بالسرية، فمن المرجح أنه كان وحده قادرا على الوصول إلى معلومات معينة، بما في ذلك موقع الرهائن.
ولفتت المجلة إلى أن هناك عدة تقارير تفيد بأن شقيق السنوار الأصغر (محمد)، الذي ارتقى بسرعة في صفوف كتائب القسام قد يحل محله. ويقال إن السنوار الأصغر قضى بعض الوقت في السجون الإسرائيلية وأطول بكثير في سجن السلطة الفلسطينية. فيما تشير تقارير أخرى إلى أن نائب السنوار، خليل الحية، سوف يبرز باعتباره زعيما للحركة، خاصة وأنه يُعتقد أنه يتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، الراعي الأكثر أهمية لحماس، وهو ما من شأنه أن يمنحه بوضوح أفضلية على المنافسين الآخرين في سباق الزعامة.
ورجحت "فورين بوليسي" أن يكون للقيادة المفترضة لحركة حماس رأسان أحدهما يقود المنظمة داخل غزة والآخر يمثلها في الخارج.
وعما إذا كانت حماس ستتخذ اتجاها جديدا في أعقاب رحيل السنوار، رأت المجلة الأمريكية أن الأمر ليس واضحا حتى الآن، حيث جاءت التصريحات المبكرة بعد مقتل السنوار قاسية، ولا تعكس أي تغيير في السياسة. فقد قال الحية الذي يعيش في قطر: "نحن نواصل مسار حماس.. وإن شروط الزعيم الراحل لوقف إطلاق النار لن يتم المساومة عليها، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من غزة وإعادة الأسرى الفلسطينيين". ولكن في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس نُشرت في أبريل الماضي، أكد الحية أن حماس قد توافق على هدنة لمدة خمس سنوات مع إسرائيل، وإن الحركة ستحل جناحها العسكري وتصبح حزبا سياسيا إذا تم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على طول حدود عام 1967.
وترى المجلة أنه إذا كان هناك تغيير في الاتجاه، فلن يكون إلا تكتيكيا في محاولة لإعادة البناء، حيث ستظل حماس الفاعل الأكثر قوة في المشهد السياسي في غزة، والقادرة على التأثير على الأحداث هناك من خلال الاستقطاب والترهيب، لاسيما وأن غياب خطة للحكم والأمن بعد انتهاء الصراع يضمن استمرار نفوذ حماس هناك.
وحول حسابات نتنياهو، أوضحت "فورين بوليسي" أن دوافع رئيس الوزراء الإسرائيلي طيلة الحرب كانت مزيجا من الأمن القومي والمصالح السياسية، وأنه لم يكن أمام إسرائيل –وفقا للمجلة- خيار سوى الرد بقوة على هجوم حماس في السابع من أكتوبر؛ لاسيما وأنها كانت في احتياج إلى إضعاف حركة حماس وخلق الظروف الآمنة لسكان المستوطنات المجاورة لقطاع غزة.
ولكن شدة الرد الإسرائيلي والهجوم المطول على سكان غزة خدمت الاحتياجات السياسية لنتنياهو، حيث سمحت له الحرب بإنهاء المظاهرات الشعبية ضد محاولات الإئتلاف الحاكم (الذي يقوده) تمرير مجموعة من التغييرات القضائية، وتأجيل مساءلته (نتنياهو) عن احتمالات إشرافه على سياسة تعزيز حماس على حساب السلطة الفلسطينية، وأخيرا مثوله أمام المحكمة في اتهامات تتعلق بالفساد.
وتؤكد المجلة الأمريكية أنه مع رحيل السنوار، يواجه نتنياهو خيارا لم يضطر إلى اتخاذه حتى الآن، حيث سوف تتزايد الضغوط داخل إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس. ومن المرجح أن تدعم الإدارة الأمريكية مثل هذا الجهد، وهو ما يتفق مع استثمارها الدبلوماسي حتى الآن في محاولة ترتيب وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن.
ولكن نتنياهو يميل حتى الآن إلى مواصلة الحرب، وإضعاف حماس أكثر، والتمسك بغزة. ومن شأن ذلك أن يثير غضب الولايات المتحدة وغيرها من الدول، التي تريد رؤية خطة تنسحب بموجبها إسرائيل وتسمح لسكان غزة بإعادة بناء منازلهم وحياتهم.
وبالتالي، فإن رحيل السنوار منح نتنياهو دفعة سياسية، ولكن ليس أكثر من ذلك. فحماس لا تزال على قيد الحياة وتقاتل وتطلق الصواريخ؛ وإسرائيل ليست قريبة من إعلان نصر حاسم من شأنه أن يعيد الرهائن إلى ديارهم ويوفر الأمن لسكان غلاف غزة الإسرائيليين للعودة إلى ديارهم بأمان.
أما بالنسبة لإيران، شددت المجلة الأمريكية على أن أحداث العام الماضي أظهرت بشكل مأساوي أن ما يحدث في غزة لا يبقى في غزة، وأن العمليات الإسرائيلية في لبنان والهجوم الإسرائيلي ضد إيران ردا على إطلاق طهران 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل في الأول من أكتوبر الجاري، لا يبشر بالخير لإحراز تقدم في صفقة الرهائن أو وقف إطلاق النار في غزة.
وبينما كان يأمل البعض أن يؤدي الهجوم المدمر على جماعة حزب الله واغتيال زعيمها حسن نصر الله إلى كسر محور المقاومة بطريقة أو بأخرى، وإضعاف الصلة بين حزب الله ولبنان بشكل كبير، وإقناع قيادة حماس بأنها تقاتل الآن بمفردها، إلا أن الواقع يشير إلى أن حزب الله لا يزال على قيد الحياة وقادر على المقاومة على الأرض في جنوب لبنان وعن طريق إطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد إسرائيل.
وإذا أضفنا التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران، والضربة الإسرائيلية ضد إيران، والتصعيد الإيراني المحتمل، فيمكن أن نتخيل تصعيدا إقليميا، واستمرار ما يسمى بحلقة النار.
وتساءلت "فورين بوليسي" عما إذا كان هناك طريق للخروج من هذه الحلقة؟ وأوضحت أنه في ظل غياب هدف سياسي يمكن تحقيقه أو إحساس واضح بالظروف التي قد تنهي القتال، تصبح الحروب مجرد أعمال انتقامية (الوضع القائم في غزة). كما أن إدارة بايدن لم تثبت حتى الآن رغبتها في ممارسة ضغوط كبيرة لإبرام صفقة؛ مما يجعل من غير المرجح أن تفعل ذلك قبل أيام قليلة على انتخابات الخامس من نوفمبر (الانتخايات الرئاسية الأمريكية)، ناهيك عن أن إسرائيل لن تقبل أي اقتراح أمريكي يمنح حماس إحساسا بالنصر.
وبالتالي، فإن الصفقة الأصلية المكونة من ثلاث مراحل أصبحت خارج الطاولة الآن. وهناك تقارير تفيد بأن اقتراحا بالإفراج المحدود عن الرهائن مقابل وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين قيد المناقشة، ولكنه سيكون صعبا؛ مما قد يدفع بالولايات المتحدة لتقديم اقتراح معدل في سياق "الكل مقابل الكل" - أي اقتراح توافق فيه حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، أحياء وأمواتا، وتوافق إسرائيل على وقف إطلاق نار ممتد، وهو ما من شأنه أن تكسب إسرائيل الرهائن؛ وتكسب حماس الوقت لإعادة تنظيم وتسليح نفسها.
ولكن بالنسبة لكل من نتنياهو وحماس، من غير المرجح أن ينجح هذا الاقتراح المحتمل "الكل مقابل الكل"، حيث يريد نتنياهو تدمير حماس كمنظمة وضمان عدم ظهورها من جديد؛ ولن يقبل أي اتفاق يسمح لحماس بإعادة تسليح نفسها. كما أن حماس تريد انسحابا إسرائيليا، ولن تقبل أي ترتيب لا يضمن هذه النتيجة وعودة أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين.
وتشير التقارير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعمل على خطة شاملة واسعة النطاق لتحقيق الاستقرار في غزة تقوم على نشر بعثة دولية في القطاع بمشاركة السلطة الفلسطينية، مع أفق سياسي مرتبط بحل الدولتين.
وحيث إن إدارة بايدن، تقترب من نهاية ولايتها وهي لا تملك سوى خيارات قليلة لحل هذه الفوضى، فإن الإدارة يمكنها في أفضل الأحوال أن تحاول حاليا إدارة هذه الصراعات واحتوائها بل وردعها، والعمل على منع تفاقمها. وسوف تضطر الدبلوماسية الجادة إلى الانتظار ليوم آخر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مقتل السنوار السنوار الصراع المجلة الأمریکیة وقف إطلاق النار فورین بولیسی رحیل السنوار من أکتوبر المرجح أن حتى الآن إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
مفاوضات ووقف إطلاق النار.. "حماس" تتهم إسرائيل بـ"المماطلة"
أعلنت حركة حماس، يوم الإثنين، عن استعدادها لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى مع إسرائيل، وسط اتهامات للحكومة الإسرائيلية بالمماطلة في البدء بهذه المحادثات.
وقالت الحركة، في بيان، إن وفدا برئاسة موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي ورئيس مكتب العلاقات الدولية، بحث مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو آخر المستجدات في غزة، بما في ذلك تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والاستعدادات للمرحلة الثانية من المفاوضات.
وقال البيان إن اللقاء تطرق أيضا إلى ما وصفه بـ"الانتهاكات الإسرائيلية"، مشيرا إلى "المماطلة في تنفيذ البروتوكول الإنساني، وعرقلة إدخال الخيام والبيوت الجاهزة والوقود والمعدات الثقيلة، بالإضافة إلى تأخير إعادة بناء المستشفيات والبنية التحتية".
وشدد أبو مرزوق خلال اللقاء وفقا للبيان على "ضرورة توفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة لسكان غزة"، مشيدا بالدور الروسي في تقديم المساعدات ورفض "أي محاولات لفرض واقع جديد من خلال الحصار أو التهجير القسري".
من جانبه، أكد بوغدانوف بحسب البيان دعم بلاده لحقوق الشعب الفلسطيني، مشددا على "ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود"، ورفض موسكو لـ"أي محاولات لفرض حلول قسرية على الفلسطينيين"، مع التأكيد على استمرار الجهود الروسية لدعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وفي السياق ذاته، قال مصدر في المكتب السياسي لحركة حماس، لوكالة الأنباء الألمانية، إن "رفض إسرائيل إرسال وفدها إلى قطر لإجراء محادثات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق يشكل انتهاكا واضحا للتفاهمات التي تم التوصل إليها بوساطة دولية".
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "إسرائيل تماطل في تنفيذ التزاماتها، لكن الواقع على الأرض سيفرض عليها العودة إلى طاولة المفاوضات عاجلا أم جلا"، مؤكدا أن "حماس التزمت بجميع بنود الاتفاق وهي مستعدة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني".
وكان من المقرر أن تستأنف الإثنين المحادثات غير المباشرة بين الجانبين في الدوحة، بوساطة مصرية وقطرية وأميركية، في إطار الجهود الرامية إلى التوصل إلى هدنة طويلة الأمد وتبادل الأسرى.
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غادر إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دون تكليف فريق التفاوض الإسرائيلي بالتوجه إلى قطر، بحسب الإذاعة الإسرائيلية.
وحذر المصدر في حماس من أن "التصرفات الإسرائيلية تعقد المساعي الجارية"، مضيفا: "لا يمكن لإسرائيل التهرب إلى الأبد من الاستحقاقات المترتبة على تصعيدها العسكري، والمجتمع الدولي يدرك أن الحل السياسي لا بد أن يكون جزءا من أي تسوية قادمة".
وكانت حماس وإسرائيل قد توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 15 يناير الماضي، ودخلت الهدنة حيز التنفيذ في 19 يناير، بعد حرب إسرائيلية استمرت 15 شهرا على قطاع غزة.
وينص الاتفاق على ثلاث مراحل، تشمل المرحلة الأولى، التي تمتد لـ42 يوما، وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان، وتبادل الأسرى والرهائن، إضافة إلى تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية وعودة النازحين، فيما يتم التفاوض خلال هذه المرحلة على تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة.