كلام الناس
نورالدين مدني
إبان قراءتي لكتاب"سنوات في دروب العسكرية والسياسة" الصادر من دار أوراق للنشر والتوزيع بالقاهرة لمؤلفه الجنرال (م)حمدي جعفر محمد عثمان المقيم حالياً في أستراليا استدعت ذاكرتي بعض المحطات الدراسية والمهنية والسياسية والمجتمعية في السودان.
حمدي جعفر تخرج من مدرسة الخرطوم الثانوية والتحق بالكلية الحربية السودانية عام 1971م وتزامن ذلك مع انقلاب هاشم العطا لذلك خص فترة حكم نظام مايو وانقلاب هاشم العطا بمساحة كبيرة من الكتاب.
الكتاب تضمن ذكريات وتجارب حية كان المؤلف قد سجلها على صفحته بالفيسبوك باسم خواطر وذكريات ضمنها جانباً من سنوات عمره الممزوجة بالحب والفرح والدموع والحزن.
إنها رحلة مواطن نوبي سوداني دخل في كثير من التجارب العسكرية والسياسيية وانضم للمعارضة السودانية تحت مظلة الحزب الاتحادي الديمقراطي في عام 1990م وأصبح رئيس التجمع الديمقراطي فرع مصر عام2002م.
في شهادته عن محاكمات قادة انقلاب هاشم العطا قال إنها كانت أيام مريرة في تاريخ الجيش السوداني بصفة خاصة وعلى السودان عامة بسبب أنهار الدم التي سفكت بين أبناء الوطن الواحد ورفقاء السلاح في حرب بالوكالة عن أحزاب ومعتقدات فكرية، وأضاف قائلاً: للأسف لم يتوقف نزيف الدم بين أبناء الوطن ورفقاء السلاح حتى يومنا هذا.
حرص المؤلف على استعراض مشاهد ومواقف في مجمل حياة أهل السودان وخاصة بلاد النوبة "ارض الذهب" وجكى لنا عن زيارته الأولى إلى قريته عبري وأورد أبيات من قصيدة الشاعر السوداني الجيلي عبدالرحمن التي قال فيها:
أحن إليك يا عبري حنيناً ماج في صدري
وأذكر عهدك البسام عهد الظل في عمري.
في ختام الكتاب قال : وهكذا أسدل الستار على خدمتي بالمدرعات بعد سنوات عاصرت فيها بعض الأحداث العسكرية والسياسية التي وضعت بصمات مريرة على جسد القوات المسلحة والسودان.
هكذا جسد الجنرال( م) حمدي جعفر باحترافية وموضوعية مستمدة من المعايشة اللصيقة لبعض الأحداث العسكرية والسياسية في السودان جانبا من أسباب أزمة الحكم في السودان.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ماذا كان يريد حميدتي من الميرغني؟
عندما بدأت عملية "الاتفاق الإطارى" تحاول أن توسع آطارها بضغط من " المسهلين" بعد ورشة لجنة تسيير المحاميين في اغسطس 2022، و وقع بعدها الحسن نجل الميرغني على الإطاري. و بدأ قائد ميليشيا الدعم الطواف على بعض القوى السياسية، و الطرق الصوفية، و أيضا رجال الإدارات الأهلية، بهدف تكوين قاعدة اجتماعية عريضة تدعم " الإتفاق الإطاري" في الظاهر، و لا يستبعد أن يكون يبحث عن ايجاد دعم لأجندة أخرى كان يخبئها لمرحلة قادمة. و لا أريد أن اخوض في كل اللقاءات، اريد حصر المقال في لقاء مهم، بين قائد الميليشيا و "الاتحادي الديمقراطي الأصل" الذي انقسم بين الأخوين " الحسن و جعفر" الأول موقع على الاتفاق الإطاري، و الأخر كان يرأس مجموعة " قحت الديمقراطي".. حيث ذهب حميدتي في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر 2022، لمقابلة السيد محمد عثمان الميرغني لمباركة الأمر الذي جاء من أجله.. حميدتي كان يعلم أن السيد الميرغني عاجز عن أداء أية مهمة سياسية، و غير قادر على الاستيعاب بحكم السن.. و هذا أكده إبراهيم الميرغني في المقابلة التي أجراها معه عزام إبراهيم.. حيث قال أن الميرغني خارج عن التفاعل السياسي منذ خمس سنوات.. و هناك الذين يصدرون بيانات بأسم دون علمه..
يتأكد من الزيارة أن حميدتي كان يريد الأسم فقط " الميرغني" و ليس الأفعال، و الزيارة كانت ذات مضامين غير معلنة.. تؤكدها كلمة حاتم السر الذي قال في كلمة ترحيبه بقائد الميليشيا ( أن الزيارة ذات دلالات و معاني و رسائل لمن يريد أن يفهم لأنها جاءت في مواقيت في غاية الأهمية) لكن حاتم السر لم يفصح عن دلالات الزيارة و رسائلها للذين يريدون معرفة مغذى الزيارة.. لكن التقرير الصحفي الذي كتبه سنهوري عيسى يقول فيه (أن أهداف تحركات حميدتي داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل تكمن في التوسط لطي الخلافات بين نجلي الميرغني " جعفر والحسن" واستمالة الميرغني للحاق بالاتفاق الإطاري، كما تحمل أهدافا "غير معلنة" تعزز طموحات الجنرال حميدتي في بناء تحالفات مستقبلية مع الطائفة الختمية استعدادا للانتخابات المقبلة)... إذا كان حميدتي ذهب في نسق تفكير الانتخابات ما كان الحرب اندلعت مطلقا.. و هذا الذي كان قد أشار إليه الإمام من قبل، عندما قال أن حميدتي إذا هو يريد السلطة عليه أن يخلع البزة العسكرية، و يمارس السياسة كمدني، و لا نمانع إذا أراد أن ينتمي لحزب الأمة.. حميدتي يعرف تماما مقدراته السياسية.. و يعرف أن البندقية هي التي قدمته لمركز السلطة و ليس السياسة..
تظل زيارة حميدتي إلي الميرغني مكان تساءل يحتاج إلي إجابة.. و حاتم السر و المجموعة التي معه هم الذين كانوا حول مولانا، و هم وحدهم يستطيعون الإجابة على سبب الزيارة.. خاصة أن حاتم أشار أنها ذات دلالة و مغذى.. أيضا أشار إلي هذه التساؤلات سنهوري عيسى في تقريره الصحفي قال ( تساؤلات عديدة طرحتها زيارة الجنرال حميدتي إلي مولانا الميرغني وتنظيم مأدبة عشاء على شرفه.. في مقدمتها ما الأهداف الظاهرة والخفية للزيارة والمأدبة .. وهل ستغير في مواقف مولانا الميرغني وتلحقه بالاتفاق الإطاري…؟ .. وهل زيارة حميدتي للميرغني وتنظيم مأدبة عشاء على شرفه بحضور البرهان وبعض قيادات الاتحادي الأصل الموقعة على الاتفاق الإطاري تؤشر لقرب لحاق الميرغني بقطار الاتفاق الإطاري .. أم تكتيك مرحلي ومؤشر لتحالف مستقبلي بين "حميدتي والميرغني" .. وما تأثير إنضمام الميرغني الي الاتفاق الإطاري علي المشهد السياسي السوداني…؟) و معلوم أن بيت الميرغني كان متنازع بين ولدي الميرغني الحسن و جعفر.. و قبل ذهاب الحسن للتوقيع على مسودة " الاتفاق الإطاري" كان إبراهيم الميرغني يقف إلي جانب جعفر.. و عند توقيع الحسن على الإطاري تحول إبراهيم من جعفر إلي الحسن، و أصبح المسؤول السياسي.. هل كان لطه عثمان الحسين الذي يدير مع الأمارات مؤامراتها ضد السودان تدخل في أن يقنع إبراهيم الميرغني لكي يتحول إلي جانب الحسن.. لكن ظلت المجموعة التي تقود الحزب إلي جانب جعفر بعيدة عن الإطاري، و مجموعة جعفر هي التي كانت تصدر بيانات بأسم الميرغني.. و المجموعة نفسها هي التي فصلت إبراهيم الميرغني عندما غادرت محطة جعفر.. و بعد فترة غادرت المجموعة نفسها محطة جعفر عندما قرر الأبن الثالث للميرغني عبد الله المحجوب أن يدخل حلبة السياسة، و أيضا استخدمت نفوذها في فصل المجموعة التي حول جعفر خاصة " حاتم السر و معتز الفحل و أخرين" .. هل حدث بسبب أن كل من جعفر و الحسن قد قاما بزيارة سرية للأمارات و مقابلة طه عثمان الحسين لإقناعهم بدعم الميليشيا في حربها.. أم هي أسباب أخرى.. خاصة أن جعفر جعل زيارته للأمارات في طي الكتمان دون حتى أن يبررها، و رجع يواصل رئاسته " قحت الديمقراطي" الذين أيضا كانوا راغبين في الأسم و ليس الفعل..
أن انعقاد اجتماعات نيروبي و ذهاب إبراهيم الميرغني للمشاركة مع المجموعة و هي تعلم أن إبراهيم لا يمثل الحزب بل يمثل نفسه... تؤكد أن زيارة حميدتي للميرغني كان يريده سندا لمشروعه السياسي المدعوم من حزب الأمة.. و الذي ذهب رئيس الحزب و اعضاء من المكتب السياسي للمشاركة بفاعلية و قناعة.. و أن يكون أسم الميرغني موجودا للدلالة على أن المجموعة لها قاعدة اجتماعية سياسية عريضة.. رغم أن مشوار حميدتي للميرغني كان لهذا السبب، رغم تغيير أدوات الصراع لآن حميدتي كان مقتنعا أن انقلابه سوف ينجح بنسبة 99% لأن قواته كانت تحرس أغلبية مؤسسات الدولة المهمة و الكباري و المصارف و حتى القيادة العامة.. كان حميدتي يبحث عن دعومات سياسية.. هل حاتم السر كان مدركا لذلك.. و إذا كان الجواب بنعم ما هو الذي جعله يتخلف عن الجناح السياسي للميليشيا.. و إذا كان الجواب بلا ماذا كان يقصد بمغذى الزيارة و دلالتها و ما هو الذي يريد أن يعرفه الأخرين؟ أن المجموعة التي حول الميرغني كانت تعرف مقاصد حميدتي، و إلي أية جزء كانت مشاركة في مشروع الانقلاب، و متى تخلت عنه؟ نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com