حين تُشوه حركات التحرر الوطني.. MBC نموذجا
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
أن تخرج أصوات عربية سياسية أو إعلامية أو شعبية تندد بعملية "طوفان الأقصى" لعدم جدواها على صعيد حل القضية الفلسطينية في ظل اختلال موازين القوة العسكرية بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، فهذا رأي في وجاهة ويستحق النقاش دون تخوين أي طرف للطرف الآخر.
وأن تصدر أصوات تدعو إلى نسيان العمل المسلح والالتفات إلى المقاومة المدنية في ظل تغير المزاج العام الدولي منذ ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا رأي فيه وجاهة أيضا ويخضع للنقاش.
لكن، أن تصدر أصوات وجهات إعلامية تصف حركة "حماس" وقادتها بالإرهابيين، فإن هذا خارج المُفكر فيه وخارج أية منظومة معرفية وسياسية وأخلاقية وتاريخية ودينية عربية.
منذ سنوات تقربت مصر والإمارات إلى إسرائيل تقربا بدا مغايرا للإجماع العربي وللثقافة السياسية العربية الرسمية، ثم تحول هذا التقارب إلى تحالف استراتيجي مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
منذ سنوات تقربت مصر والإمارات إلى إسرائيل تقربا بدا مغايرا للإجماع العربي وللثقافة السياسية العربية الرسمية، ثم تحول هذا التقارب إلى تحالف استراتيجي مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.أعقب ذلك بوادر انفتاح سعودي على فكرة التطبيع مع إسرائيل، ما جعل أنظار العالمين العربي والإسلامي يترقبون بحذر ما إذا كانت السعودية هي الدولة الأخرى التي ستتجه نحو إسرائيل بعد الإمارات والبحرين.
ومع الحرب الإسرائيلية على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر العام الماضي، لم يتوقف قطار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بل رفعت الأولى من خطابها السياسي الرسمي ضد سياسة إسرائيل سواء في الحرب القائمة أو في الأسباب الرئيسية للحرب المتمثلة باستمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية.
مناسبة هذا الكلام تقرير تلفزيون بثته قناة "MBC" قبل نحو أسبوع يصف فيه حركة "حماس" وقادتها بالإرهاب، في خطوة أثارت استياء فلسطينيا وعربيا.
وإذا كانت المملكة قد أمرت بسحب التقرير من التداول الإعلامي وحذفته من وسائل التواصل الاجتماعي، وفتحت تحقيقا في ذلك، فإن ما جرى ليس مجرد هفوة أو خطأ في التقدير:
أولا، لا يمكن لمثل هذا التقرير أن يرى النور دون موافقة من إدارة القناة، ما يعني أن التقرير يعبر عن الروح السياسية للجهة المالكة للقناة (السعودية).
ثانيا، بالمقابل، كان الموقف السعودي منذ الحرب الإسرائيلية على غزة ولا يزال داعما للقضية الفلسطينية ومنددا بالحرب الإسرائيلية، ما يتنافى تماما مع لغة التقرير التلفزيون، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك عند إعادة قراءة البيانات الرسمية السعودية خلال العام الحالي، ثم الموقف السعودي الذى نفى تصريحات أميركية تحدثت عن استمرار السعودية في جهودها نحو التطبيع مع إسرائيل.
ثالثا، لكن عند قراءة بيان الخارجية السعودية في السابع من أكتوبر العام الماضي من عملية "طوفان الأقصى"، يمكن فهم خلفيات تقرير قناة الـ "mbc"، فقد جاء البيان عاما ومساويا للجانبين كما أي بيان يأتي من دولة بعيدة جغرافيا عن العالم العربي ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالصراع العربي الإسرائيلي "تتابع السعودية عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عدد من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، مما نتج عنها ارتفاع مستوى العنف..، وتدعو المملكة للوقف الفور للتصعيد بين الجانبين.. وتذكر المملكة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة".
السياسة السعودية الرسمية ثابتة حيال رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، لكن إلى جانب هذا الثابت القديم ـ الجديد، ظهر ثابت آخر خلال الأعوام القليلة الماضية يتمثل في رفض استخدام الفلسطينيين للعنف في الدفاع عن حقوقه وأرضهم.يُلاحظ في هذا البيان حالة التوتر وعدم الانسجام السياسي، فمن جهة بدأ البيان بالفصائل الفلسطينية ومسؤوليتها عن العنف الحاصل، ومن جهة أخرى أكد البيان أن استمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه سبب في انفجار الأوضاع.
رابعا، كيف يمكن حل هذا التناقض؟ تكمن الشيفرة السياسية السعودية بين هذين الحدين لانفجار الأوضاع (عملية طوفان الأقصى، واستمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه).
بمعنى أن السياسة السعودية الرسمية ثابتة حيال رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، لكن إلى جانب هذا الثابت القديم ـ الجديد، ظهر ثابت آخر خلال الأعوام القليلة الماضية يتمثل في رفض استخدام الفلسطينيين للعنف في الدفاع عن حقوقه وأرضهم.
بعبارة أخرى، ظهرت استراتيجية سعودية جديدة تقوم على مبدأ الدبلوماسية بدلا من مبدأ الكفاح المسلح، وهذا هو السبب في أن الرياض اتخذت قرارا بتغيير تعامله مع إسرائيل ضمن سياسة الخطوات الناعمة التدريجية.
هنا نفهم منطوق بيان الخارجية السعودية من عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر العام الماضي عندما حملت الفصائل الفلسطينية مسؤولية الحرب.
خامسا، ضمن ما تقدم أعلاه، يمكن التوصل إلى رأي أن تقرير قناة الـ "MBC" لم يكن خروجا عن السياسة الرسمية السعودية، بقدر ما كان مجرد رفع مستوى الخطاب من جانب القناة في وقت (المقتلة الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان) يضر بالسعودية ويجعلها ليست رافضة للمقتلة الإسرائيلية فحسب، بل شريكا سياسيا معها.
سادسا، هل كشف تقرير الـ "MBC" بهفوته هذه مكنون السياسة السعودية الحقيقية؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال في هذه المرحلة، مرحلة الحرب الشاملة على غزة ولبنان، ولكن الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، وإن كان صاحب هذا المقال وغيره من ملايين العرب يتمنون على السعودية أن تبقى كما عرفناها على الأقل حيال القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية رأي المقاومة غزة الاحتلال احتلال فلسطين مقاومة غزة رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة أفكار سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی القضیة الفلسطینیة استمرار الاحتلال طوفان الأقصى مع إسرائیل من حقوقه
إقرأ أيضاً:
هذا ما فعلته حركات المقاومة في العالم
يعد البحث في خطاب المقاومة بحثًا في أنثروبولوجيا الطغيان والاستبداد اللذين وجدا تجلياتهما التاريخية الصريحة في مقاومة الاستعمار والاحتلال وفي الرأسمالية الاحتكارية، فمن العالم العربي والإسلامي إلى حرب فيتنام، إلى أميركا اللاتينية إلى أيرلندا، مرورًا بجنوب أفريقيا، والهند، والصين شكلت المقاومة جوهر السعي نحو الحرية.
إذ تشكل الأنساق الثقافية باختلاف أنماطها خلفية مرجعية لفكر المقاومة، حيث لم يكن الدين سوى أحد مكونات هذه الأنساق الثقافية، مما يجعل المقاومة الفلسطينية، مثلما هو الحال المقاومة اللبنانية، مقاومة ضد الاحتلال والاستعمار والإمبريالية، وليست عنفًا مسلحًا أو إرهابًا إسلاميًًا، كما يحلو للسردية الإسرائيلية والغربية توصيفها بربط المقاومة بالحرب الإسلامية ضد حق اليهود في الحياة.
إن التأصيل الأنثروبولوجي للمقاومة في المرحلة الحديثة والمعاصرة لا ينفصل عن البحث في التاريخ، ذلك أن كل أشكال المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، أو قبل ذلك في جنوب أفريقيا، أو أيرلندا، أو فيتنام، أو العراق، وسوريا وكل مناطق التوتر في العالم تنحدر من القرن التاسع عشر، حيث نجد في الإمبريالية الغربية الخلفية المرجعية الشارحة لما يحدث في العالم اليوم، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على ألمانيا، سوف تنشط حركات التحرر في العالم، في ظل بروز قطبين عسكريين، أميركا والاتحاد السوفياتي، على قاعدة صراع القطبين ثقافيًا وسياسيًا وعسكريًا.
إعلانوبما أن الدخول في حرب عالمية ثالثة كان أمرًا مستبعدًا جدًا، فقد دخل العالم في حرب باردة، سارع من خلالها كل قطب إلى دعم ومساندة حلفائه، القطب الشيوعي أو الاشتراكي بدعم من الاتحاد السوفياتي، والقطب الرأسمالي الليبرالي بدعم أميركا، حيث بات الصراع بين القطبين عبارة عن حروب بالوكالة، في فيتنام، وفي أفغانستان، وفي أميركا اللاتينية، وفي الشرق الأوسط… إلخ.
وهي الحروب التي أصبحت عبارة عن خلق لمناطق التوتر في العالم من أجل تقوية الرأسمالية الاحتكارية لصالح الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط جدار برلين سنة 1989 وتفكك الاتحاد السوفياتي بداية من سنة 1991، حيث بدأ النظام العالمي الجديد على وقع الأحادية القطبية.
الاستعمار والاحتلال في شمال أفريقيا والمقاومة المغاربيةإذا كان الاستعمار الفرنسي قد ابتدأ في المنطقة المغاربية منذ 1830 تاريخ احتلال الجزائر، وسنة 1881 تاريخ احتلال تونس، و1912 تاريخ الحماية الفرنسية لوسط المغرب وشرقه وغربه، والإسبانية لشماله وجنوبه، فإن حصول هذه البلدان على استقلالها على غرار باقي المستعمرات، سنة 1956 بالنسبة إلى المغرب وتونس وسنة 1962 بالنسبة إلى الجزائر، لم يتم بشكل سلمي، بقدر ما عرفت المقاومة المغاربية أشواطًا ومراحل انتقلت فيها من أشكالها السلمية والسياسية إلى المقاومة المسلحة مخلفة ملايين الشهداء وأمثالهم من الجرحى والمعطوبين، ما يزال متحف الإنسان بفرنسا شاهدًا على جماجم هؤلاء الشهداء، خاصة من الجزائريين، وهو ما يعكس مدى همجية الاستعمار الفرنسي للمنطقة، ولا أقلها ضرب الريف المغربي بالغازات الكيماوية من قبل إسبانيا.
فبعد سقوط الخلافة العثمانية بتونس والجزائر، وما خلفه من فراغ على مستوى الدولة، وجدت الجزائر وتونس نفسيهما في مواجهة استعمار بشع راهن منذ يومه الأول على استيطان الأرض واستغلال ثرواتها وتقتيل سكانها وفق سياسة الأرض المحروقة، وهو ما عرفه المغرب بالرغم من عدم خضوعه للخلافة العثمانية، والذي كان من قبل يخضع للتحرشات الأوروبية – الفرنسية منذ موقعة أسلي سنة 1844، لوضع حد لمساندة المغرب للمقاومة الجزائرية، كما لو كنا أمام سيناريو الغزو الإسرائيلي للبنان بدعوى وضع حد لمساندة المقاومة الفلسطينية، بيد أن الهدف كان هو استعمار فرنسا للمغرب أيضًا.
إعلانحيث وجدت الشعوب المغاربية نفسها في مواجهة الاستعمار الفرنسي كآلية من آليات الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية، حيث لم تكتفِ فرنسا باستغلال الثروات الطبيعية للمنطقة، عبر استيطان الأرض وتفويتها ضدًا على الشرعية التاريخية والقانونية لصالح المستوطنات والمعمرين الفرنسيين، وتصدير منتجاتها ومحاصيلها الزراعية والتجارية لفرنسا وعموم أوروبا، بل راهنت على استعباد شعوب المنطقة، حيث صار الإنسان وفق نظام العبودية الفرنسية الجديدة عبارة عن حيوانات وجب ترويضها حتى تلبي رغبة فرنسا في زيادة الإنتاجية الرأسمالية، ويشهد في ذلك تاريخ الاستعمار بالمنطقة على بشاعة الجرائم التي ابتَدأت بالاستعباد واستباحة النساء والتنكيل بالأطفال والشيوخ العزل، وانتهاءً بالتقتيل الجماعي.
على هذا الأساس لم تجد الشعوب المغاربية من حل سوى التوحد في حركات المقاومة المسلحة بعدما فشلت كل مساعي المقاومة السلمية والدبلوماسية والسياسية، وهو ما يشهد عليه بروز هذه المقاومة في سنوات متأخرة من الاستعمار والاحتلال.
فالمغرب لم يؤسس جيش التحرير إلا في سنة 1947، وتونس في سنة 1952، والجزائر لم تؤسس جيش التحرير إلا سنة 1955، بعد أن مرّ على الاستعمار الفرنسي عقود طويلة، حيث غلب على المقاومة الطابع السلمي من احتجاج ومسيرات وعصيان مدني، مقابل حركات مقاومة مسلحة في القرى والأرياف لم تدم طويلًا.
وبعد فشل المسعى السلمي في المقاومة مرّت شعوب المنطقة إلى الخيار العسكري بعد أن أمعن الاستعمار في التنكيل بالمقاومين والرافضين، وهو ما يمكن أن ينطبق على المقاومة في ليبيا مع الاستعمار الإيطالي، حيث تبرز المقاومة المسلحة كحل نهائي بعد فشل المقاومة السلمية.
إن الاستعمار في المنطقة المغاربية لم يكتفِ بالأرض احتلالًا وباستعباد الإنسان سلبًا لحريته وحرمانه من كرامته التي شملت عرضه وشرفه، بل كانت الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية خلفية مرجعية لنهب الثروات وتسخير الشعوب، وبما أن الثقافة ركن أساس من أركان الاستعمار، فقد عمد الاستعمار الفرنسي على شاكلة الاستعمار الإيطالي إلى ممارسة كل أشكال الاستلاب والتفكيك الذي طال الثقافة المغاربية عبر التفريق بين المكون العربي والمكون الأمازيغي، كما كان الشأن في الظهير الفرنسي المسمى بالظهير البربري، والذي حاول من خلاله المستعمر الفرنسي تقسيم المغرب مجاليًا بين المناطق الأمازيغية والمناطق العربية، وهو ما مارسه أيضًا في الجزائر بين شرقها وغربها، وفي تونس بين شمالها وجنوبها الغربي، مثلما راهن عبر دراساته الأنثروبولوجية، وتسخير ضباط الحماية لتفكيك الدين الإسلامي واعتباره مرجع تخلف شعوب المنطقة.
إعلانوهو ما جعل المقاومة تشتد حدتها بالسعي وراء تفنيد مزاعم المستعمر بتقوية صفوفها ووحدة شعوبها، عسكريًا وثقافيًا ودينيًا إلى أن حصلت على استقلالها السياسي، أما الاقتصادي فبقي معلقًا؛ بسبب إستراتيجية نظام التبعية الاقتصادية الذي أسسته الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية الجديدة لاستدامة الاستعمار وفق صيغ جديدة ومستجدة.
الاستعمار والمقاومة في فيتنامبما أن القوى الإمبريالية الكلاسيكية فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، بلجيكا، هولندا… إلخ، قد خبرت المقاومة الموحدة التي تأسست على قاعدة الوحدة التاريخية التي تشكلت من قبل الشعوب المستعمَرة، فإن القوى الإمبريالية المعاصرة، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، وما يدور في فلكها من قوى استعمارية أوروبية قد ابتكرت ما يمكن أن نسميه تفتيت المقاومة بالميز العنصري والطائفي، عبر تقسيم هذه المستعمرات القديمة إلى دولتين أو أكثر، وتشجيع الحروب والصراعات الأهلية.
فمن حرب فيتنام التي تم تقسيمها إلى شمالية وجنوبية، سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى دعم وتمويل فرنسا في سياق استمرار الحرب الهندو- صينية الأولى، التي تحالفت مع الحكومة في فيتنام الجنوبية، الموالية للغرب ضدًا على دعم الاتحاد السوفياتي لفيتنام الشمالية التي بدورها تحالفت مع الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، لتولد هذه الحرب الاستعمارية مقاومة شرسة من قبل فيتنام حتى لا تنتشر الشيوعية، وهي حرب رأسمالية احتكارية إمبريالية ضد الاشتراكية.
لقد توحدت مختلف أطياف الشعب الفيتنامي ضد العدو الأميركي الذي خاض حربًا تنتفي فيها كل المواثيق الدولية والأخلاقية والحقوقية الإنسانية، ذهب ضحيتها ما يقارب أربعة ملايين معظمهم من المدنيين العزل، وقبل أن تنتهي هذه الحرب الغاشمة التي امتدت منذ 1959 إلى 1973 بانتصار جيش فيتنام الشمالية وتوحيد البلاد من جديد، كانت المقاومة المسلحة ضد العدو الأميركي إحدى أبرز حركات المقاومة المسلحة ضد الاستعمار في العصور الحديثة، حيث شكل ثلاثي الأرض، الإنسان، الثقافة، شعار هذه المقاومة، ومن هذا الثلاثي انبثقت القيم الإنسانية التي حارب من أجلها المستضعفون في الأرض منذ فجر التاريخ، وهي الحرية، الكرامة، الحياة، وهي قيم ميزت كل حركات المقاومة عبر التاريخ.
إعلانوبالرغم من أن هذه القيم كانت جوهر الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صاغته الأمم المتحدة سنة 1948، فإن الغرب برهن وما يزال على عدم إيمانه بها، بل وتوظيفها لاستدامة الاستعمار والاحتلال في صيغ مستجدة، بما يضمن انتصار الغرب والرأسمالية وانفراده بحكم العالم.
المقاومة في أيرلنداومن أجل تفتيت وإضعاف أيرلندا وبقائها تابعة للتاج البريطاني، عملت بريطانيا على دعم أيرلندا الجنوبية وفرض أداء قسم الولاء من قبل كل أعضاء البرلمان الأيرلندي، بوصفه مجرد إقليم يحظى بالحكم الذاتي مقابل تبعيته للتاج البريطاني، حيث أبقت بريطانيا القواعد العسكرية في الجنوب، وهو ما جعل الجيش الجمهوري يعتبر ذلك اعتداء على الأرض وانتزاعًا لقيم الكرامة والحرية والحياة التي من أجلها يحيا الإنسان ويموت، حيث كان شعار الجيش الجمهوري هو الدولة الحرة.
وبالرغم من أن الحرب لم تدم طويلًا 1921- 1923 فإنها أظهرت أن إستراتيجية التقسيم والتفرقة كانت سياسة استعمارية متبعة منذ بداية القرن العشرين. وإذا كانت هذه الحرب قد سميت بحرب الاستقلال التي خاضها الجيش الجمهوري الأيرلندي ضد القوات البريطانية، فإن المقاومة الأيرلندية الشعبية قد ابتدأت منذ 1916 بانتفاضات تطالب بالحرية والاستقلال، بعد أن كانت خاضعة للحكم الذاتي كصيغة من صيغ الاحتلال البريطاني.
مقاومة الميز العنصري في جنوب أفريقيامثلما لا يمكن فهم حركات الاستقلال الهندية إلا باستحضار الاستعمار البريطاني، واللعب على وتر الطوائف والأقليات وفق إستراتيجية فرق تسد، لا يمكن فهم حركات مقاومة الميز العنصري بجنوب أفريقيا دون استحضار الاستعمار البريطاني بعد فترة وجيزة من الاستعمار الهولندي، ذلك أن ثقافة الرجل الأوروبي الأبيض المتحضر والمتقدم مقابل باقي الأجناس المتخلفة، وخاصة من ذوي البشرة السوداء تجد تجلياتها المرجعية في الاستعمار البريطاني، وهو ما اتضح مع التيارات الأنثروبولوجية التطورية التي تصورت التقدم والشعوب بشكل خطي يتقدمه الإنسان الغربي الأبيض الذي استمر في التنكيل بالعنصر الأسود منذ 1948 السنة التي فاز بها الحزب الوطني بالانتخابات، وإن كان الميز في الحقيقة يعود إلى سنة 1910 تاريخ استقلال جنوب أفريقيا، ولم ينتهِ هذا الميز العنصري المقيت إلا سنة 1990، وهو ما مهد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة شاركت فيها كل الأطياف السياسية والتي منحت الفوز للمؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1994، حيث أصبح نيلسون مانديلا أول رئيس لجنوب أفريقيا من بشرة سوداء بعد أن قضى أزيد من 27 سنة بالاعتقال، لم تفتر خلالها المقاومة.
إعلانتعددت أشكال مقاومة الميز العنصري بتعدد التيارات السياسية، والتي كان معظمها يحظى بدعم قوى اليسار في العالم، خاصة الاتحاد السوفياتي منذ نهاية الخمسينيات، خاصة أن الحزب الوطني الحاكم منذ 1948 كان مواليًا للغرب، حيث تبنى الحزب الوطني الأفريقي ومؤتمر الأفارقة والحزب الشيوعي على حد سواء عدة أشكال للمقاومة تراوحت بين الإضرابات الشعبية والعصيان المدني والمظاهرات الطلابية والمقاومة المسلحة، خاصة أن الأبارتيد قد ارتكز في سياسته التدبيرية للأرض والإنسان والثقافة على مشاريع استيطانية كولونيالية مشابهة لحد ما للاستيطان الإسرائيلي لفلسطين.
حيث تشكلت مستوطنات قومية للبيض منفصلة عن الدولة على حساب أراضي الفلاحين والمزارعين السود، وهو ما ساهم في سيطرة البيض على مقدرات البلاد في التجارة والصناعة والزراعة، وبقي العنصر الأسود يعاني الاستيطان الاحتلالي إلى حدود 1994، نتيجة كل أشكال المقاومة التي خاضها السود بدعم من بعض الحساسيات والتيارات الديمقراطية والإنسانية والحقوقية من البيض أيضًا في جنوب أفريقيا وفي العالم بشكل عام.
مقاومة الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية في أميركا اللاتينيةبتعميق البحث في نظام الأبارتيد يتضح جليًا أن العنصر المفتقد في التحليلات السياسية المتعارف عليها، وفق السردية الغربية، هو عنصر الرأسمالية الاحتكارية ذات النزعة الإمبريالية، والتي تعود بجذورها إلى بداية القرن التاسع عشر، حيث ميلاد الحركات الاستعمارية التوسعية.
ولعلنا نجد في تجربة أميركا اللاتينية مع فيدل كاسترو وتشي جيفارا بعضًا من عناصر الفهم. فبعد زوال الاستعمار في بلدان أميركا اللاتينية من الاستعمار الإسباني والفرنسي والبريطاني والبرتغالي، مالت بعض الأنظمة المستقلة والأحزاب حديثًا من قبيل الأرجنتين، وكولومبيا، والمكسيك، وكوبا، وبوليفيا، وتشيلي، وبيرو، وفنزويلا… إلخ، إلى القطب السوفياتي، وأصبحت مسرحًا للحرب الباردة خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، مما جعل الولايات المتحدة الأميركية تتدخل بشكل مباشر أحيانًا من خلال الإطاحة بأنظمة وحكومات خصومها، ودعم النزاعات المسلحة، وبشكل غير مباشر عبر دعم ومناصرة حلفائها من الأنظمة والحكومات بالمال والدعاية والسلاح.
إعلانضمن هذا السياق الاستعماري الجديد، نشطت حركات المقاومة المسلحة في أميركا اللاتينية، وخاصة في كوبا، وبوليفيا، وغواتيمالا، وبيرو، والإكوادور، وهي بلدان كانت مقسمة بين أنظمة موالية للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، ومعارضات ثورية يسارية في مجملها تشكو ظلم واستغلال الغرب، وتحظى بدعم الاتحاد السوفياتي.
وبما أن الكفة بين الأنظمة والحكومات عسكريًا والمقاومة مختلة، فإن العقل الثوري بأميركا اللاتينية سرعان ما استعار مفهوم حرب العصابات من المقاوم المغربي "محمد بن عبدالكريم الخطابي" ضد الاستعمار الإسباني في شمال المغرب بدايات القرن العشرين، حيث برز اسم "تشي جيفارا" و"فيدل كاسترو" كرمزين لهذه المقاومة المسلحة، إذ كانت المقاومة في الأصل صرخة المظلومين ضد جشع واستغلال القوى الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في صفوف المزارعين، حيث تمثل الأرض رمزًا تلخيصيًا للوجود، وحيث العزة والكرامة لا مكان لهما في ظل هيمنة القوى الإمبريالية في العالم.
ولذلك اعتبر "جيفارا" أن الحل يكمن في مقاومة هذه القوى من خلال ثورة عالمية يتحد فيها كل ضحايا هذه القوى، وهو ما يمكن فهمه من خلال انتقال "جيفارا" بدعم من "فيدل كاسترو" إلى عدد من بلدان أميركا اللاتينية والأفريقية والآسيوية، حيث نسخ علاقات قوية مع رموز المقاومة بهذه البلدان التي شملت الجزائر، مالي، برازافيل، الكونغو، تنزانيا، مصر، وفلسطين نفسها التي زارها سنة 1959 داعمًا نضالات الشعب الفلسطيني.
وقد اعتبرها من ضحايا الإمبريالية والصهيونية العالمية. بما يجعل جوهر كل أشكال المقاومة لا يتحدد بالدين والعرق، بل بمقاومة الظلم، سواء تمثل في الاحتلال أو الاستعمار أو الميز العنصري، وهو ما يعبر عنه "جيفارا" بقوله:" إن مقاومة الظلم لا يحددها الانتماء لدين أو عرق أو مذهب، بل يحددها طبيعة النفس البشرية التي تأبى الاستعباد وتسعى للحرية"، وإذا كان أصل الشرور كلها هو الاستعمار، فإننا نجد في القولة المأثورة لزعيم المقاومة المسلحة في المغرب بالقرن العشرين "محمد بن عبدالكريم الخطابي":" انتصار الاستعمار ولو في أقصى الأرض هزيمة لنا وانتصار الحرية في أي مكان هو انتصار لنا"، خير دليل على شرعية المقاومة في سعيها نحو الحرية.
إعلانإن انتصار الحرية كمعادل موضوعي ورمز وسيليّ للكرامة والاستقلال لا يكتمل إلا بتحرير الأرض من المستعمر والمحتل. ولذلك، فتجربة المقاومة في كل أرجاء العالم تفيد بأن المقاومة المسلحة حق طبيعي للدفاع عن حق الإنسان أيًا كان في أرضه ودفاعًا عن نفسه وذويه، وهي مقاومة تنبثق منها قيم الشجاعة والمروءة والتضحية.
وبالعودة إلى كل البلدان المستعمرة السابقة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم، يتضح أن الإنسان لا ينفصل عن الأرض، مثلما لا ينفصل عن الثقافة. لذلك، فالاختلاف بين أشكال المقاومة بين المسلحة والسلمية، بين العصيان المدني والمظاهرات، هو اختلاف طبيعي بالنظر إلى اختلاف الثقافات والتقاليد والعادات والسياقات، وإن توحدت كل الأشكال في الحق الشرعي في الدفاع المسلح عن الأرض والنفس والكرامة والعرض، والمعتقد، وهو ما يجعل الدفاع عن الأرض والإنسان والثقافة هو جوهر فعل المقاومة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية