تتلاحق الآهات، تتوالى زفرات الشهيق، تزداد خفقات القلوب المكلومة وهي ترى الموت يخيّم على سماء الأمة، موت يحصد أرواح الأبرياء دون أن يستثني طفلا أو امرأة، شيخا أو شابا، ودمار لم يبقى حجرا على حجر ولا يستثني حتى الأشجار..
عدوان بربري تواجهه الأمة وإن كانت بدايته (فلسطين) التي هي عنوان وجود الأمة وفيها يكمن وجود الأمة ومستقبلها ومصيرها.
هناك حيث الكل يُستشهد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب والأشجار والأحجار.. هناك حيث يستشهد المكان، ويشهد الزمن عن واحدة من أهم الملاحم البطولية التي يمتد مسرحها من فلسطين إلى لبنان وصولا إلى سوريا واليمن والعراق، مواجهة ملحمية هدفها كسر إرادة جيوب الحرية في الأمة على طريق التطويع والتطبيع وفرض الهيمنة على أمة الضاد.
هناك حيث رائحة الموت تخيم على المكان، وصرخات القهر تدوّي في سماء المكان، وأنين الجوعى الجرحى والثكالي تطغى على ازيز الرصاص ودوي المدافع وهدير الطائرات.. هناك حيث يسجل التاريخ مرة أخرى ملاحم انتصار الدم على السيف.. هناك حيث تتناثر أشلاء الأطفال ومعها تتناثر قيم وأخلاقيات وقوانين العالم التي لم تكن سوى روزنامة من الأكاذيب.
هناك حيث تسقط نصوص القانون الدولي مع سقوط كل طفل وامرأة بسلاح العالم المتحرر من كل القيم الأخلاقية والإنسانية، هناك حيث تحرر المسلمين من دينهم وتحرر العرب من عروبتهم وتخلي البشر عن إنسانيتهم.. هناك حيث ساد قانون الغاب وشرعية المحتل.
هناك حيث انتصبت أقدام المقاوم راسخة ثابتة في مواجهة جحافل الطغيان تواجه الموت بابتسامة العاشق الملهوف للقاء من يحب.
هي ملحمة العجائب ومعركة الأساطير التي كانت مجرد قصص تتلى من (أفواه الحكواتيين في المقاهي)، لكن هناك من جعل من تلك القصص والأساطير حقائق يتابعها العالم مذهولاً غير مصدق ما يرى وما يجري على أرض الملاحم والبطولات من غزة إلى جنوب لبنان وقد تمتد مساحتها إلى ابعد من ذلك.
هناك في غزة ملحمة أسطورية تجاوزت كل ملاحم التاريخ وأساطيره وأبطال يسيطرون في الميدان ويسطرون أساطيرهم التي لم يسبقها إليهم أحد في التاريخ.
هناك حيث المقاومة تواجه التطلع بالتجذر كشجرة الزيتون، هناك (كربلائيات) تسطر ملحمة الخلود ومن الموت تنشئ جسوراً للحياة، حياة الحرية والكرامة، حياة الحق على الباطل، حياة الخلود على أرض الجدود، هذا هو مشروع العربي الفلسطيني وأخيه اللبناني ومعهم بقايا أحرار الأمة الذين يؤمن أن الموت هو الطريق للحياة في أدبيات الشعوب المحتلة التي لا يمكن أن تنتزع حريتها من المحتل دون الإيمان بأن الموت هو طريقها نحو الحرية والاستقلال.
إن ما يحدث في فلسطين شيء لم يشهد له التاريخ مثيلا، أإن جرائم الإبادة التي ترتكب بحق الشعب العربي في فلسطين يخجل منها (هولاكو، وجنكيز خان، وهتلر) وكل طغاة التاريخ يخجلون من الجرائم التي ترتكب في فلسطين ووجهها الآخر لبنان الذي إليه امتدت جرائم (العالم الحر) بزعامة أمريكا زعيمة الإجرام.
أمريكا التي أبادت أكثر من مائة مليون هندي من سكان أمريكا الأصليين واستعبدت غدرا وخديعة ملايين الأفارقة التي ذهبت لجلبهم من أوطانهم في القارة الأفريقية بزعم أنها ستوفر لهم أعمالا وصدقوها ولم يدركوا مطلقا انهم وهم الأحرار سيتحولون إلى (عبيد) وهم على متن السفن في عرض المحيط، ليقضوا عقودا طويلة في نير العبودية من قبل دولة مجردة من كل القيم والأخلاقيات الإنسانية ويتأكد هذا من مواقفها اليوم من جرائم الإبادة التي تشن على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
في فلسطين تظهر البربرية والهمجية بأنصع صورها.. هناك حيث حوّل العدو البربري والهمجي والمتوحش الماء والغذاء والدواء وحتى حليب الأطفال إلى سلاح، وكأنه لا يكتفي بأحدث الأسلحة الأمريكية والغربية التي يقتل ويدمر بها كل شيء البشر والحجر والشجر، ليزيد من بربريته وتوحشه وهمجيته بتحويل أساسيات الحياة من مياه وأدوية وغداء إلى سلاح ومباركة ما يسمى بـ (العالم الحر) الذي تتزعمه أمريكا ودول الغرب الاستعمارية.
إن ملحمة فلسطين يكفيها وأيا كانت نتائجها أنها أسقطت أقنعة الزيف والخداع عن وجوه العالم، وعرفتنا حقيقة العرب والمسلمين وحقيقة العالم الذي ظل يسوق لنا مفردات عن الحريات وحقوق الإنسان ليظهر أخيرا زيف ادعاءاته كما ظهر زيف ادعاء بعضنا للعروبة والإسلام، أنظمة كانوا ودولا أو أحزابا وأفرادا.. وهذا أعظم إنجاز حققته ملحمة طوفان الأقصى.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: فی فلسطین هناک حیث
إقرأ أيضاً:
اسأل المفتي.. كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
كشف الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أنه حين نظر سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى الكواكب والنجوم والشمس، أدرك بعد تأمل عميق أنها ليست آلهة، لأنها تخضع لقوانين التغيير والتحول، فاستنتج أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير، هو الذي خلق هذه الأجرام وسائر المخلوقات".
وتابع خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، مقدم برنامج اسأل المفتي، المذاع على قناة صدى البلد، أن الإنسان إذا تأمل في ملكوت السماوات والأرض سيدرك النظام البديع الذي وضعه الله في الكون، وسيكتشف الإتقان والإحكام الذي يؤكد الوجود الإلهي، مؤكدًا أن النظر في العالم العلوي والسفلي، وتأمل النفس البشرية.
وشدَّد فضيلة المفتي على أن الإسلام لم يضع العقل في مواجهة مع النصوص الدينية، بل جعله أداة لفهم هذه النصوص، مستشهدًا بما ذهب إليه العلماء من أن العقل والنقل يكمل أحدهما الآخر. وأوضح فضيلته أن بعض الناس قد يروجون لوجود تعارض بين المدرسة العقلية والمدرسة النقلية، وهذا غير صحيح، لأن الإسلام لا يقف ضد العقل، بل إن العقل يعد من مصادر التشريع الإسلامي، ويتجلى ذلك في القياس، وهو عمل عقلي يستند إلى أسس شرعية.
وأضاف فضيلة المفتي أن الفيلسوف الإسلامي ابن رشد أكَّد على العلاقة القوية بين النصوص الدينية والأدلة العقلية، موضحًا أن أي ادعاء بوجود تعارض بينهما يرجع إما إلى سوء الفهم، أو ضعف التأمل، أو الأهواء الشخصية. كما أشار فضيلته إلى أن العلماء اعتبروا أن الله تعالى أرسل نوعين من الرسل للبشرية: الأول هو الرسول الظاهر وهو النبي، والثاني هو العقل الذي يعد أداة داخلية للوصول إلى الحق، ولا يمكن أن يستقيم أحدهما دون الآخر، فكما أن اتباع النبي واجب، فإن استقامة العقل ضرورية لفهم الدين بشكل صحيح.
وأشار إلى أن بعض المغرضين قد يحاولون إحداث قطيعة بين العقل والنقل، عبر اجتزاء القراءة للنصوص الدينية، أو إخراجها عن سياقها، أو الترويج لشبهات قائمة على مغالطات، مستدلًّا بقوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]، مؤكدًا أن التأمل المنهجي في النصوص الدينية وَفْقَ الضوابط المعروفة يقود إلى إدراك أنها لا تتعارض مع العقل السليم، بل تتناغم معه.