الصهيونية العربية.. نشأتها، مداخلها وخطرها على الأمن القومي
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
إن استشراء موجة التصهين التي اجتاحت بعض المجتمعات العربية لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن عملا عفويا، بل كان تدبيرا مخططا استُعملت فيه أدوات الحرب الناعمة، والنظريات النفسية والإعلامية لغرس هذا الجرثوم الخبيث في جسد الأمة، بعد إثخانه بالأمراض الفكرية والأخلاقية والأزمات المتتابعة، لخفض مستوى المناعة الفكرية فيه، وقد تولى كِبَرَ هذه المهمة، زُمرٌ من الكتاب والمثقفين والإعلاميين والفنانين الوظيفيين والمستأجرين، الذين باعوا ضمائرهم وارتدوا على أعقابهم.
كما عَمَدت الأنظمة المتصهينة لإحكام خطتها في إحلال سردية التطبيع، إلى تكريس نظامٍ متكاملٍ للتفاهة-بحسب تعبير آلان دونو-لإشغال شباب الأمة بالسفاسف وتبليد هممهم واهتماماتهم، وصرفها نحو تمجيد التُّرهات على حساب القضايا المحورية، وفي المقابل قامت بقمع قادة الرأي والفكر من العلماء والمصلحين والكتاب والمفكرين ذوي التأثير الواسع على الشباب، بهدف إنبات جيل منفصل عن قضايا أمته، لا تعظم في عينه سوى أخبار الرياضيين والفنانين والتافهين، فهي تسلب جل وقته، فلا يجد سبيلا للعمل الجاد المؤثر لنصرة المستضعفين ولو بأضعف الإيمان.
إن هذه التراجيديا العربية الساخرة، العابثة برسوم الجغرافيا وحقائق التاريخ، الراقصة على جثث الثكلى ومآسي الأسرى، لهي نتاج طبيعي لموجة “التصهين” التي اجتاحت العالم العربي والإسلامي، وسميت بهتانا بـ”التطبيع”، وإن هذه الموجة الثانية لهي أشد فتكا بالنسيج العربي والإسلامي وبما بقي من ذرَّات الشهامة والشرف، لأن الكيان الصهيوني أدرك أن (تطبيع الأنظمة) الذي تم مع مصر والأردن، لم يحقق له حاضنة اجتماعية آمنة، ولم يفلح في إدماج هذا الجسد الغريب في كيان الأمة، فسعى إلى نوع جديد من التطبيع يقوم على (تطويع الأنظمة والشعوب معا)، مستخدما أدوات ناعمة لأجل إحلال السردية الصهيونية عبر قنوات سياسية وإعلامية وتعليمية وثقافية ورياضية ودينية وفنية وأكاديمية.
وتعود بدايات سردية التطبيع كما يعلم الجميع مع ما سمي بمعاهدات السلام مع مصر والأردن، ثم تكرست بعد رضوخ السلطة الفلسطينية لمؤامرة أوسلو، ورغم أن الكيان الصهيوني كان الرابح الأكبر من موجة التطبيع الأولى، لكنه لم يتقبل حالة الاستعداء الشعبي له في محيطه الجيوسياسي، فانتقل إلى الموجة الثانية من التطبيع في 2020(نسخة أبراهام)التي لم تقف عند مجرد الاعتراف، بل تجاوزته إلى التعاون الاستخباراتي والسياسي والعسكري والسيبراني والتكنولوجي، إضافة إلى التعاون الاقتصادي والثقافي والرياضي، ولهذا فإن هذه النسخة من التطبيع تعتبر أكثر كيدا واختراقا للعمق العربي الإسلامي.
لقد بدأت إرهاصات الموجة الثانية من التطبيع تطفح للعيان منذ العقد الأخير، وتمثلت في مجموعة من الاختراقات التي كانت تمهد لإخراج سيناريو التطبيع إلى العلن، ومن ذلك:
1 – اللقاءات السرية الدورية التي جمعت بين مسؤولين صهاينة وبعض الوزراء والسفراء العرب في العواصم الأوروبية.
2 – طباعة خارطة (إسرائيل) بدل فلسطين على الكتب المدرسية، ثم الادعاء بوقوع خطأ(غير مقصود).
3 – حذف الآيات والأحاديث والنصوص التي تكشف صفات اليهود وجرائمهم من المناهج الدراسية.
4 – النشاطات المشبوهة لبعض الجمعيات ذات الصلة بالدوائر الصهيونية كجمعية الروتاري، التي لها نشاطات في العديد من الدول العربية.
5 – الزيارات المكثفة للفنانين والكتاب والمغنين العرب للكيان الصهيوني تحت غطاء السلام والتعاون الثقافي.
6 – التطبيع الرياضي من خلال قبول منازلة الرياضيين الصهاينة.
7 – بث الأفلام والوثائقيات التي تحاول رسم صورة وردية عن تاريخ اليهود وتقديمهم كحمائم سلام.
8- التغاضي عمدا عن دخول العديد من الصهاينة إلى الأراضي العربية غير المطبعة و(الراغبة فيه) والسماح لهم بالنشاط والمشاركة في الفعاليات الشعبية والفكرية.
9 – الترخيص للطائرات الصهيونية بالمرور عبر المجال الجوي.
10 – الإيعاز للعديد من الإعلاميين والكتاب والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة النقاشات الجدلية حول اليهود واتفاقات السلام والطعن في المقاومة، وظهور العديد منهم مع الصهاينة على الأنترنت أو في الواقع.
11 – استضافة المسؤولين والمفكرين الصهاينة على القنوات العربية وفتح المجال لهم لمخاطبة الجمهور العربي.
هذه الخطوات وغيرها لم تكن بريئة طيلة الفترة السابقة، حيث كانت تمهد لخطب جلل، وتسعى بخطوات مرحلية لإعادة تشكيل “وعي” الإنسان العربي المسلم، وتهيئته لاستساغة مثل هذه السجالات والسماح بتعاطيها ولو من باب “الأخطاء” أو “الاختلاف”، ويدرك المهتمون بحقل الإعلام وصناعة الرأي العام أن هذه الأساليب ما هي إلا مداخل لإعادة هندسة وتشكيل الوعي تمهيدا لإحلال وضع جديد، ومن أبرز أدوات تحقيق ذلك: الفن والدراما والإعلام والتعليم والعلاقات الدبلوماسية غير المعلنة. فالكثير ممن يروجون لسردية التطبيع يعتمدون المنهج الباطني اتقاءً لغَضْبَةِ الجماهير، ولأجل التسلل لِوَاذًا إلى مفاصل القرار السياسي والثقافي والتربوي، وغالبا ما تبنى خطواتهم وفق منهجية محكمة بدهاء.
وبهذا ارتسمت معالم مرحلة جديدة بدأت تراسيمها تُخطُّ منذ سقوط العراق، ثم الانقسام الفلسطيني، ثم تدمير سوريا فاليمن وليبيا، ثم نكسة مصر، ومحاولات خنق التجربة التونسية وتوريطها في متاهة الاضطراب والانقسام، وإغراق لبنان والأردن في التيه والعجز السياسي والاقتصادي، أما المغرب فمنذ زمن الحسن الثاني قد اختار لعبة اللوبيهات والعلاقات السرية، وصولا إلى التطبيع المفضوح والانخراط بلا هوادة في(نادي الصهاينة العرب).
وإزاء كل هذه الانتكاسات يبقى الخطر المستقبلي الذي يتهدد الأمة في أمنها القومي، والذي يجب أن تصوب تجاهه الأنظار، وتشتبك في محاربته الأفكار، هو تمدد خطر(الصهيونية العربية) هذا الوباء الذي إذا لم يجابه باستراتيجية مضادة وبتخطيط محكم من الدول المناهضة، سيفتك حتما بالمنظومة العربية والإسلامية بما في ذلك الدول التي بقيت عصية أمام الرياح العاتية لموجة التصهين.
* كاتب وأكاديمي جزائري
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حزب الأمة القومي يجيز “مشروع الخلاص الوطني” لإنهاء الحرب
أجاز الحزب مشروعه السياسي بعد مراجعة نهائية، مؤكدًا أنه يمثل رؤية متكاملة لنزع مشروعية الحرب ومعالجة تداعياتها، وإطلاق عملية سياسية شاملة لترتيب المرحلة الانتقالية..
التغيير: الخرطوم
عقد مجلس التنسيق بحزب الأمة القومي اجتماعات برئاسة اللواء فضل الله برمة ناصر، الرئيس المكلف، ناقش خلالها مشروع “الخلاص الوطني”، الذي يطرح رؤية لإنهاء الحرب وبناء مستقبل السودان، وسط تأكيد على ضرورة وقف القتال فورًا.
ووفقا لبيان أصدره المجلس الثلاثاء، استهل المجلس اجتماعاته بالترحم على ضحايا الحرب، معلنًا تضامنه مع المدنيين وإدانته للانتهاكات الواسعة بحقهم، مشددًا على ضرورة مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية، ووقف دوامة العنف التي تفاقم الأزمة.
وأجاز الحزب مشروعه السياسي بعد مراجعة نهائية، مؤكدًا أنه يمثل رؤية متكاملة لنزع مشروعية الحرب ومعالجة تداعياتها، وإطلاق عملية سياسية شاملة لترتيب المرحلة الانتقالية.
كما أشار إلى أن المبادرات السابقة، سواء الداخلية أو الخارجية، لم تنجح في تحقيق اختراق حقيقي حتى الآن.
وتركز رؤية الحزب على إطار جديد لإنهاء الحرب عبر التفاوض المباشر، بإشراف هيئة قومية تحظى بدعم وطني واسع، إلى جانب مصالحة وطنية تعزز وحدة السودان وتضمن اندماجه.
كما تتضمن طرح رؤية واضحة لترتيبات الانتقال المدني، تقوم على شرعية توافقية تفضي إلى شرعية انتخابية قائمة على تفويض شعبي، مع الدعوة إلى عقد مؤتمرات وطنية شاملة لوضع أسس بناء الدولة.
وأكد الحزب أن المشروع سيتم عرضه أولًا على تحالفاته السياسية، ثم على الأطراف الوطنية الفاعلة، قبل تقديمه إلى طرفي النزاع والمجتمعين الإقليمي والدولي، لحشد الدعم السياسي والإنساني اللازم.
كما شدد على استعداده لإدارة حوار سياسي مسؤول حول الأطروحة، وخارطة الطريق، ومصفوفة التنفيذ، بهدف تحقيق توافق واسع يمهد لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار.
خطر التقسيمأكد الحزب على أن السودان يواجه خطر الانزلاق نحو التقسيم وحرب أهلية شاملة، مما يستدعي حلًا سياسيًا شاملًا ينهي الصراع ويفضي إلى تحول مدني ديمقراطي يحقق العدالة والاستقرار.
يواجه السودان أوضاعًا معقدة في ظل استمرار النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وسط تعثر المبادرات السياسية المطروحة لإنهاء الحرب.
ومع تزايد معاناة المدنيين نتيجة الانتهاكات الواسعة ونقص الخدمات الأساسية، تسعى القوى السياسية، التي من بينها حزب الأمة القومي لإيجاد حلول تُفضي إلى وقف القتال وتمهيد الطريق لمرحلة انتقالية تضمن الاستقرار والسلام.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 نزاعًا مسلحًا بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
واندلع الصراع في العاصمة الخرطوم، وسرعان ما امتد إلى مناطق أخرى مثل دارفور وشمال كردفان وولاية الجزيرة، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، ونزوح الملايين داخليًا وخارجيًا، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية وتعطيل الخدمات الأساسية.
الوسومحرب الجيش والدعم السريع حزب الأمة القومي مجلس التنسيق