تحولت فكرة التنازل عن المكتبات الشخصية الخاصة لصالح المكتبات العمومية إلى ظاهرة في الجزائر، إذ تهافت في الفترة الأخيرة الكثير من المثقفين على التبرع بالمئات من عناوين الكتب التي يملكونها في بيوتهم إلى مكتبات الأحياء أو البلديات، أو حتى المكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، لتكون في متناول القراء.

وكان آخر من قام بهذه الخطوة الباحث الجزائري نور الدين بودقم، الذي أهدى مكتبته الشخصية إلى المكتبة العمومية ببلدية القل، بولاية سكيكدة (شرق الجزائر)، وتضم عشرات العناوين من الكتب، والمجلدات، والإصدارات، والمجلات، في شتى العلوم.

وقد سبق نور الدين بودقم في القيام بهذه الخطوة، العشرات من الكتاب والمثقفين الجزائريّين، لعل أبرزهم أحمد طالب الإبراهيمي الذي خصصت المكتبة الوطنية جناحاً باسمه يضم المئات من العناوين، فضلاً عن جناح آخر لمصطفى بن عمر، وغيرهما من المثقفين ممن سارعوا إلى تزويد المكتبات العامة بعناوين نادرة من الكتب، والمخطوطات.

فكرة غير مقبولة تماماً

لكن فكرة التنازل عن المكتبة الشخصية، لا تحظى بتأييد كل الكتاب والمثقفين، إذ يعدها الروائي ناجي أمين بن بطة "خطوة من الصعب الحكم عليها؛ فالتخلي عن كنز ثمين، مثل المكتبة الشخصية، هو بمثابة تنازل عظيم وجريء، في نفس الوقت، وهذا القرار إما تضحية وإيثار، وإما يعبر عن تخلص من كتب قديمة لتعويضها بأخرى جديدة".

ويضيف ناجي أمين قائلاً: "شخصياً، وبكل صراحة، لا يمكنني، بأي شكل من الأشكال، التبرع بمكتبتي، ولو كان ذلك للمصلحة العامة.. التبرع بكتبي، التي هي من تأليفي.. نعم، وقد اعتدت على فعل ذلك من دون حرج، لكن التبرع بمكتبتي الشخصية، التي أعتبرها مصدر علمي وثقافتي، لا أعتقد أنني سأفعل ذلك يوماً".

فيما ترى الباحثة الدكتورة مريم حمدوش أن التبرع بالمكتبة الشخصية "صدقة جارية"، و"التفاتة حسنة من قبل المتبرع"، وتؤكد قائلة: "على حد علمي، فإن معزة امتلاك مكتبة شخصية، تضاهي معزة الابن في قلب الوالدين، ولكي يصل هذا الشخص، مثقفاً كان أم كاتباً، أو حتى شخصاً بسيطاً، إلى القيام بمثل هذه الخطوة الجريئة، فإن ذلك ينم عن طيبة صاحبها، ورغبته في الإسهام -قدر المستطاع- في انتشار أفكار من شأنها إنارة طريق الباحثين، ومصاحبتهم في مسارهم، ولو بفكرة".

من جهتها، لا تمانع الباحثة الدكتورة حفيظة مريوة في القيام بمثل تلك الخطوة، وهي التبرع بالكتب، لأن ذلك يسهم في تعزيز المقروئية، ويفتح آفاقاً كبيرة للقرّاء لترقية فكرهم في حقول معرفية متعددة التخصصات، ويُعطي الفرصة أيضاً للتعرف على الإنتاجات المعرفية؛ لأن المتبرع -بحسب رأيها- "يهدي كتبه عن اقتناع، ليستفيد منها قارئ آخر". وهذا السلوك -على حد قول هذه الباحثة- "يهدف إلى الانفتاح، وإيجاد فرص للقراء بهدف تنمية القدرات المعرفية، لأن الإنتاجات العلمية الآن أصبحت رقمية، وبالتالي فإن أغلب الكتب هي إلكترونية، غير أن هناك من يفضل التعامل مع الكتاب الورقي، وهناك من يفضل أن يترك مكتبة رقمية على حاسوبه".

أما الروائي علي هجرسي، فيرى أن أغلب الكتاب الذين يهدون كتبهم للمكتبات العمومية، لا تمثل، في الحقيقة، سوى كتب أرادوا التخلص منها، والأغلب أنها أهديت لهم من كتاب احتفوا بأعمالهم الأولى.. لذلك، يقول هجرسي: "أرى أنه إنقاص من قيمة الهدية، كسلوك إنساني، والتخلص من كتاب، كسلوك ثقافي سلبي، ولا أعتقد أن أحداً أهدى كتاب غابرييل غارسيا ماركيز، أو فيكتور هيغو، ولم أر في المكتبات العمومية أن أحد المتبرعين أهدى كتباً أو روايات من تأليف واسيني لعرج، أو الطاهر وطار، أو مرزاق بقطاش، أو عبد الوهاب عيساوي".

من جهة أخرى، يؤكد علي هجرسي أنه لا يفكر في إهداء مكتبته الشخصية، فيقول: "لا يمكن أن أتنازل عن كتبي لمؤسسة عمومية، لأن كل كتاب له حكايا، وله أسرار، ولحظات تعني لي الكثير.. أعتقد أن الكتاب المهم لا يمكن لنا أن نتخلى عنه بهذه السهولة".

بينما تعتقد الروائية إيمان قادري، أن فكرة التنازل عن المكتبة الشخصية، تعبر عن "فكر نبيل يساهم في رفع نسبة المقروئية؛ لأن تنوع الكتب في المكتبات العمومية يشجع على المطالعة، وهي أيضاً مساهمة في رفع عبء اقتناء الكتب بأسعار باهظة، خاصة وأن الكتب أصبحت في غلاء متزايد".

ومع أن هذه الروائية تثمن هذه الفكرة إذا جاءت من غيرها، لكنها لا تفكر في القيام بها يوماً ما، إذ تقول: "كل شخص له نظرته لهذا الموضوع، ومن استطاع أن يفعل هذا فقد وصل إلى درجة عالية من الرقي الثقافي، لكن عن نفسي لا أستطيع التخلي عن الكتب خاصتي، لأنني أعتبرها أصدقاء، وعائلة أتمنى أن تكبر معي باستمرار".

أما الروائية لطيفة بروال، فتقول عن هذه الفكرة "من حيث المبدأ، فإن المكتبات الشخصية تعد أهم مكسب وثروة يمكن للإنسان اكتسابها، والكثيرون يحرصون على المحافظة على هذه الثروة طوال حياتهم، لكن بعد تقدمهم في العمر، وخوفهم على ضياع هذه المكتبات بعد وفاتهم، خصوصاً في حال لم يكن لديهم أبناء أو أحفاد، وأنه لا يوجد من يرثون هذه المكتبات، وقد تصبح عرضة للإهمال والضياع، لهذا فهم يفضلون التبرع بها لصالح المكتبات العمومية ليستفيد منها الناس، والأجيال اللاحقة، كصدقة جارية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن ذلك يعبر أيضاً عن الخوف من ضياع المعلومات الموثقة في الكتب الورقية في ظل انتشار المعلومات عبر وسائل التواصل، والتي لا تسلم من التزييف، وعدم المصداقية".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الجزائر ثقافة التنازل عن

إقرأ أيضاً:

وظائف شاغرة و مدعوون للمقابلة الشخصية

#سواليف

أعلنت عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية ،الخميس، عن دعوة العشرات من المواطنين للمقابلة الشخصية لغايات استكمال اجراءات التعيين .

كما اعلنت مؤسسات أخرى عن حاجتها لملء وظائف شاغرة لديها.

وتاليا الاسماء والتفاصيل:

مقالات ذات صلة الدويري: إسرائيل لا تحقق إنجازا على الأرض رغم قصفها المكثف للبنان 2024/11/07

مقالات مشابهة

  • غدًا.. الانعقاد الثاني للجمعية العمومية العادية لنقابة أطباء الأسنان
  • وظائف شاغرة و مدعوون للمقابلة الشخصية
  • عاجل..طلبة الطب يرفضون عرض الحكومة ويصوتون ضد العودة للدراسة بسبب استثناء طلبة السنة أولى من الدراسة 7 سنوات
  • تعليم كفر الشيخ: تصفيات مسابقة نجوم المكتبة تحت شعار «مفاهيم ومصطلحات»
  • وكيل تعليم كفر الشيخ: تنفيذ تصفيات مسابقة نجوم المكتبة
  • التبرع بالدم.. عمل إنساني نبيل يحث عليه الإسلام وفق شروط محددة
  • محكمة الاستثمار العربية تناقش فى جمعيتها العمومية المسودة النهائية لاتفاقية الاستثمار الموحدة
  • شروط التبرع بالدم في الإسلام .. اعرف الثواب من الله للمتبرع
  • أدب الرافعي في إصدار جديد لدار الكتب والوثائق القومية
  • كيف يقضي مشروع قانون الإجراءات الجنائية على ظاهرة تشابه الأسماء في أوامر الضبط والإحضار؟