الوطن:
2025-07-04@01:14:05 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: من الإرث العام

تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: من الإرث العام

 تُعرفُ السُّنةُ النبوية بأنها كلُّ ما قالَه سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أو فعلَه، أو أقرهُ (أى ما فُعِل أمامَه فلم يَعترضْ عليه)، أو ما جاءَ فى وَصفِه صلى الله عليه وسلم، الخَلقىِّ والخُلقىِّ.

والسُّنة النبوية باعتبارها تتبعاً دقيقاً لأقوالِ سيدِنا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأفعالِه وإقرارهِ ووَصفِهِ الخَلقىّ والخُلقى فإنها تُعدُّ تأريخاً دقيقاً لم تشهد البشرية له مثيلاً إلى يومِ الناس هذا -كما يقول بعض دارسيها والباحثين فى تدوينها- وهل نقف فى سائر كتب التاريخ على شخص نُقلت أقواله وأفعاله وإقراراته ووصفه بمثل هذه الدقة والشمول اللذين نُقلت بهما السنة المطهرة؟!

وليس الشمول والدقة فقط هما مزية هذا التأريخ، وإنما له مزايا أخرى لم تجتمع لتأريخ آخر، فمن مزاياه أنَّ عدد الناقلين له أكثر من الناقلين لغيره، فقد حملته الأمة جيلاً فجيلاً، ليس باعتباره وحيّاً مقدساً فقط، بل باعتباره الوحى العالَمىّ الخاتم، ومعنى عالميته أنَّه لجميع الناس «وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً»، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، فلا بد إذن من أن يصل إليهم.

ومعنى خاتميته أنه لن يُبعث رسول آخر لمهمة البلاغ، فلا بد إذن من أن تحمل أمته مهمة التبليغ بعده، وقد أمرَ الله تعالى الأُمة بذلك فقال سبحانه: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وكلمة (منكم) فى هذه الآية تحتمل وجهيْنِ، فقد تفيد معنى البعضية، فتكون الآية الكريمة أوجبت على الأمة أن تنهض منها طائفة مؤهلة تحمل الوحى وتدعو إليه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وقد يكون المقصود بكلمة (منكم) عموم الأمة، كما نقولُ مثلاً: أيها الآباء ليُكن منكم قدوةٌ لأبنائكم، فالمعنى هنا أن يكون كل واحد منكم قدوة لأبنائه، وقد وُصف عمومُ الأمة بهذا فى القرآن الكريم «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ».

وإذا نظرنا فى الواقع سنجد أن الأمة قد حققت كلا المعنيين، فقد نهض من الأُمة فى كل جيل علماء لحمل السُّنَّة وتبليغها منذ الجيل الأول، كما أن عموم الأمة نقَلوا عموم السنة، فنقلوا العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج... وبعض الأحكام الشائعة للمعاملات ومكارم الأخلاق جيلاً فجيلاً، نقلاً متواتراً لا يسعُ أحداً أن يُشكّك فيه أو يُنكره.

وطبيعة السنة أكسبتها وثاقة، حيث حرصت الأمة منذ الجيل الأول على نقلها نقلاً دقيقاً، فكان الصحابة يتعاهدون مجالس سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وينقل بعضهم السنة عن بعض بدقة. وصار لها وثاقة من جهة أخرى -كما يقول بعض الباحثين- ألا وهى أن الصحابة الكرام حرصوا على أن تكون حياة كل منهم تطبيقاً عمليّاً لما عرفه من السنة المطهرة.

ولهذا التأريخ الخاص مزية ليست لغيره قطعاً، وهى التأريخ الدقيق لمؤرخيه على كثرتهم، تأريخاً يرصد شيوخ كل مؤرخ وتلاميذه، ومدى سلامة كل منهم مما يطعن فى صحة نقله، ودرجة إتقانه لما ينقله، وعدم مخالفته فى ما نقل لمن هو أدق منه، وعدم مخالفة المنقول للحقائق الثابتة.

وإذا كانت السنة النبوية بالنسبة لنا -نحن المسلمين- مصدراً من مصادر التشريع، فإنها بالنسبة لغيرنا جزء مهمٌّ من الموروث العامّ تُعدُّ المناداة بإهداره أو التكذيب به اعتداءً أثيماً لا يجرؤ على ارتكابه ذو نفس حُرّة تقدّر للعلم قدره، وتعرف للتراث قيمته.

هذا إن كان موروثاً عاديّاً، فكيف الحال وهو موروث أثَّر فى حضارات العالم، ومنها أوروبا التى عاش جنوبها الغربى تحت ظلال رايته ثمانية قرون كانت أزهى عصور الغرب، وأشدها أثراً فى تقدّمه؟!

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القرآن الكريم السنة النبوية الحقوق الواجبات

إقرأ أيضاً:

رئيس الشؤون الدينية يوجّه المسلمين وقاصدي الحرمين حول فضائل صيام يوم عاشوراء

وجّه رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، وصايا إرشادية لعموم المسلمين، وقاصدي وزائري الحرمين الشريفين، حول فضائل وأحكام يوم عاشوراء، مبيّنًا أنّ أفضل أيام هذا الشهر هو يوم عاشوراء، مستدلًا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قَدِمَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم المدينةَ، فوجد اليهودَ يصومون يومَ عاشوراءَ، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليومُ الذي أظهر اللهُ فيه موسى وبني إسرائيل على فِرعونَ، فنحن نصومُه تعظيمًا له، فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: "نحن أَولى بموسى منكم، فأمَرَ بصيامِه.


وأكد رئيس الشؤون الدينية على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتحرَّى صيام يوم عاشوراء، لما له من المكانة والفضل، فقد جاء عن ابن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنه قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ".
وبيّن الشيخ السديس فضل صيام يوم عاشوراء بأنه يكفّر السنة التي قبله، لما رُوي عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "أحتَسِبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه".


وأشار الشيخ السديس إلى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم عزم على أن يصوم يومًا قبل عاشوراء، مخالفة لأهل الكتاب: "فإذا كان العامُ المُقبِلُ إن شاء الله صُمْنا التاسِعَ"، وشرح مراتب صيام عاشوراء، وكلام العلماء -رحمهم الله- فيه، وأنَّ صيام عاشوراء على ثلاث مراتب: الأولى: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذه أكملها. الثانية: صوم التاسع والعاشر، وعليها أكثر الأحاديث. الثالثة: صوم العاشر وحده.


وختم رئيس الشؤون الدينية قوله بذكر سيرة صحابة رسول الله، وكيف أنهم كانوا يصوِّمون فيه صبيانهم، تعويدًا لهم على الفضل، مستدلًا بحديث الربيع أنّ بنت معوذ قالت: "أَرْسَلَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ: مَن أصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن أصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ.

وقالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، ونَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ، أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حتَّى يَكونَ عِنْدَ الإفْطَارِ".

مقالات مشابهة

  • رئيس الشؤون الدينية يوجّه المسلمين وقاصدي الحرمين حول فضائل صيام يوم عاشوراء
  • السديس يوجّه وصايا إرشادية لقاصدي الحرمين حول فضائل صيام يوم عاشوراء
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • السيد القائد يقدم رسالة عالمية ويكشف الحقائق .. العدو يذبح الأمة ولا عذر للساكتين
  • يوم عاشوراء.. اعرف فضله وموعده لهذا العام.. وماذا تفعل فيه؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: وسائل النقل العام "والقدوة" !!
  • شحاتة السيد يكتب: الأسرار المناخية في الأمطار الصيفية
  • إسماعيل الشيخ يكتب: رحيل أحمد عامر.. لحظة صدق مع النفس وعِبرة للأحياء
  • هل ورد ذكر يوم عاشوراء في القرآن الكريم؟.. تعرف الآيات التي أشارت له
  • لماذا نقرأ الفاتحة 17 مرة في الصلاة يوميا؟.. الشيخ الشعراوي يكشف السبب