محمد مصباح الديسطي يكتب: الثروة الحيوانية.. فكر ووقاية
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
دائماً وأبداً الحديث عن تطوير الإنتاج الحيوانى وزيادة أعداد رؤوس الماشية هو حديث كل زمان ومكان وهذا أمر يتدبره كل حصيف ينظر إلى المستقبل ويُمعن التخطيط لأجيال تلو أجيال، فإن بناء المستقبل يبتدئ من الحاضر بخبرة الماضى، سواء خبرات سلبية أو إيجابية، فكن على يقين عزيزى القارئ أن بلدنا الحبيب مصر هو بلد زراعى، وهذا ماضينا.
ألا تتذكر قول الصديق يوسف، عليه السلام، وهو يخاطب عزيز مصر بأن يجعله على خزائن الأرض؟ ألا تتذكر السبع سنين العجاف والسبع المخاصيب، لذا فإن الحديث المطول عن الزراعة والإنتاج الحيوانى سيظل مستمراً لمناقشة سلبيات وإبراز الإيجابيات للبحث عن التطوير باستخدام التكنولوجيا الحديثة والأبحاث العلمية التطبيقية التى تواكب مخططات الدولة المصرية لتنمية الاستدامة فى قطاع الإنتاج الحيوانى بزيادة أعداد رؤوس الماشية لزيادة نصيب الفرد من البروتين: 87.6% كجم للفرد سنوياً، منها 10.8 كجم من اللحوم الحمراء فقط و12.7 كجم من الدجاج والباقى من الألبان والأسماك وغيرها.
ولكن حسب الطبيعة المصرية، تظل اللحوم الحمراء هى سيدة الطعام رغم الارتفاع الرهيب فى الأسعار مقارنة بمتوسط دخل الفرد فتظل العملية الحسابية فى غاية التعقيد بين السعى الدؤوب لرفع متوسط استهلاك الفرد من البروتين الحيوانى والارتفاع غير المنضبط للأسعار. والأخطر والأدهى الزيادة السكانية المستمرة، فنحن نزيد طفلاً كل 19 ثانية على أرض مصر وحسب تقارير منظمة الأغذية والزراعة التى تؤكد النمو السكانى فى مصر فى خلال الثلاثة عقود القادمة إلى 65% مع زيادة استهلاك الألبان ومنتجاتها إلى 300% وزيادة استهلاك اللحوم بنسبة 80% بحلول عام 2030 وتزداد إلى 200% بحلول 2050.
إذن، لا بد أن تكون هناك حلول خلاقة مبتكرة تعتمد على دراسات علمية تلائم بيئتنا المصرية بالأخص فى ظل تلك التغييرات المناخية والتحديات الاقتصادية وشراسة الأمراض الوبائية التى تهدد النمو الطبيعى لأعداد رؤوس الماشية، ومن ثم يعزف الكثير من المربين عن مسلسل التربية والإنتاج.
ولا شك أن الاهتمام بتربية الأغنام وزيادة أعدادها أحد الحلول الاستراتيجية لمجابهة الفجوة الغذائية، فالأغنام تتأقلم سريعاً مع التغيرات المناخية وقدرتها التناسلية فى الإنجاب أعلى من الأبقار والجاموس (3 ولدات فى السنتين)، بالإضافة إلى معدل استهلاكها فى الأعلاف أقل بكثير من الأبقار والجاموس ومكوناتها وقدرتها المناعية لمجابهة الأمراض الوبائية.
ولرفع مستوى الإنتاج الحيوانى فى مصر لا بد من التحرك على محورين:
أ- التوسع الرأسى:
- وذلك بتحسين الصفات الوراثية لحيوانات المزرعة لرفع كفاءتها الإنتاجية وكذلك ضرورة رفع مستويات الرعاية والتغذية لتحسين الظروف البيئية التى تعيشها هذه الحيوانات.
- التنبيه على زيادة اسنخدام التلقيح الاصطناعى لزيادة التحسين الوراثى للسلالات المحلية، سواء أبقار، جاموس، أغنام.
ب- التوسع الأفقى:
وذلك بزيادة أعداد الأبقار والجاموس والأغنام وتوسيع رقعة الأراضى الزراعية الصحراوية والعناية بتحسين الخدمات البيطرية والتى تحافظ على حياة الحيوان وتساعده على إعطاء المزيد من الإنتاج.
ومن ثم هناك خطوط عريضة لوضع أسس التوسع الرأسى والتوسع الأفقى:
1- تربية أجيال جديدة من طلاب كليات الطب البيطرى على وعى كامل وخبرة عملية بكيفية التعامل مع الأزمات واختلاق سبل جديدة لتطوير منظومة الإنتاج الحيوانى.
2- العمل المتواصل على زيادة كفاءة الأطباء البيطريين العلمية والعملية.
3- زيادة مراكز التلقيح الصناعى: التلقيح الاصطناعى إحدى الوسائل التى تستخدمها الدولة حالياً ممثلة فى وزارة الزراعة لتحسين سلالات الماشية من الأبقار والجاموس، لرفع إنتاجيتها سواء من اللحوم أو الألبان.
4- إنشاء مراكز لتجميع الألبان:
ويهدف مشروع مراكز تجميع الألبان إلى:
- زيادة فرص العمل لخريجى كليات الطب البيطرى والزراعة وتقليل نسبة البطالة.
- زيادة الرعاية الصحية للماشية والوصول للتعداد الحقيقى للثروة الحيوانية.
- العمل على تقديم حلول عملية لرفع جودة الألبان المنتجة لدى صغار المربين من خلال تطوير عمل نقاط ومراكز تجميع الألبان بمواصفات قياسية للحفاظ على جودة اللبن.
- رفع كفاءة عمليات النقل لمراكز التجميع ومنها للمصانع وكذلك المعاملات التى تتم داخل مراكز التجميع وبالتالى رفع جودة الألبان التى يتم توريدها للمصانع ثم المستهلك النهائى فى حالة مرضية.
- تصريف إنتاج اللبن بسعر مربح للمربى ما يعود عليه بالربح ويشجعه على زيادة الإنتاج من اللبن، سواء بزيادة ما يمتلكه من الماشية بتحسين نسلها لزيادة إدرارها للبن وهذا يؤدى لزيادة الدخل.
- تؤدى هذه المراكز خدمة لمصانع الألبان لتجميع اللبن لها وإعداده بكيفية تصل معها إلى مصانعها فى حالة جيدة وبهذا تحصل مصانع الألبان على كفايتها من اللبن.
- زيادة إنتاج مصر من الألبان ومشتقاته، حتى نحقق أقصى استفادة من إنتاج هذا القطاع الذى يصل إلى 7 ملايين طن سنوياً.
5- وضع منظومة قانونية جديدة تناسب الوضع الوبائى الجديد للأمراض.
6- زيادة سبل التعاون بين الكليات والمعاهد البحثية والهيئة العامة للخدمات البيطرية تحت مظلة النقابة العامة لتطوير الأداء المهنى بأسلوب علمى متطور وجديد.
7- العمل على تطبيق الأبحاث العلمية التى تفيد التطبيق الحقلى لتطوير منظومة الإنتاج الحيوانى.
8- تطوير التصنيع المحلى للحصول على تحصينات محلية ذات كفاءة عالية قادرة على حماية الثروة الحيوانية.
9- المراقبة المستمرة للحيوانات المحصنة للتأكد من كفاءة وقوة التحصين.
10- التوعية المستمرة للمربين ورفع المستوى العلمى لسهولة تطبيق ما هو جديد.
* المدير الفنى لمعهد بحوث الصحة الحيوانية بالمنصورة
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الإنتاج الحيوانى زيادة أعداد رؤوس الماشية ارتفاع الأسعار متوسط دخل الفرد الإنتاج الحیوانى الأبقار والجاموس
إقرأ أيضاً:
ناصر عبدالرحمن يكتب : الشخصية المصرية (6) الغواية
«التاريخ والجغرافيا» الزمكان، اجتمعا فى مصر على الغواية، منذ مصر القديمة وإلى الآن.. مصر بلاد الغواية، أرضها الساحرة السهلة البسيطة، المربعة الحديقة، الشخصية المصرية معجون غواية، صمتها غواية، فنها غواية، صعودها غواية، سقوطها غواية، الضعف فى الشخصية المصرية غواية، وقوتها غواية.. شخصية تبدو غير ما تخفى، تبدو للغريب محتاجة، وتبدو للعدو فريسة، لا أبواب ولا متاريس ولا تعاريج، مثل أرضها منبسطة، مثل بيوت فلاحيها وفقرائها أبوابها مفتوحة، يطمع المحتل بسبب الغواية فى الشخصية المصرية.. الهكسوس بدايتهم أغراب سكنوا بالقرب من الشرقية.. تركتهم الشخصية المصرية بتعاطف فطرى مع الأغراب، الغواية جعلت تملك الهكسوس وكثر عددهم حتى حكموا مصر أجيالاً.. منهم فرعون الذى طغى فى البلاد.. الغواية ملكتهم زمام الشخصية المصرية، والغواية نفسها التى سكروا بسببها وتكبروا حتى طردوا.
ومثل الهكسوس كل محتل طمع بفعل الغواية وظن حتى فسق.. المحتل يتبدل والسبب واحد بفعل الغواية التى تجدد ظنونهم وتعبث بأفكارهم، حدث بالإنجليز كما حدث بالفرنساوى كما حدث بالصهيونى أو كما يحدث.. الغواية تفعل السحر بالغريب، وتفعل السحر بالقريب، المرأة المصرية تغوى جديدها بلطف قولها ولين فعلها وبالكثير من عناصر الغواية، دون الانتباه لما تقصده دون فهم طبيعتها، دون علم بقلبها، المرأة مثل الأرض مثل سمائها أمام عينيها، وأرضها حضن بين ذراعيها، المرأة المصرية بسط قولها ولحظ عينها وسهولة رجائها يغوى، يجعل رجلها وابنها وأباها وخالها وعمها وأخاها وجد جدها يطمئن، لكنه بالغواية نفسها يهملها ويتركها تتحمل وتحمل الهم، يتركها تربى وتدبر وتسند جدران البيت.
الكل يقع فى الغواية، كذلك الرجل فى الشخصية المصرية يغوى ويجامل ويتقبل الأدنى ويعبر ويترك بيته بالسنين، يغوى الأيام فتزيده غربة، ويغوى الفقر فيزيده حاجة، ويغوى القهر فيزيده الألم، الغواية فطرية فى سلوك الشخصية المصرية، تجعل القوى يبطش، والمالك يبخل، والغنى يفسد به، والمدير يستخف ليطيعه، الغواية فى الشخصية المصرية تسمح للأم بأن تربى ابنها ثم تقذف به إلى البحر، تسمح للابن بالمسافات التى لا تختصر إلا بالمسافات، الغواية تجعل الأغيار يظنون بنا أننا حشائش سهلة القص، يظن الغير المتربص أننا طرح نهر من حقه أن يتملكه، لكنها الغواية التى هى نفسها تخفى الوجه الآخر منها.
سهولة الشخصية المصرية سهولة خادعة، الغواية تجلب الطامع فيها، حتى تسقطه الغواية وتمحوه، أين الهكسوس؟ أين الجبابرة؟ أين المستبد؟ أين الظالم؟ أين وأين وأين وأين؟! ينقلب بالغواية السحر على الساحر، وتبقى الشخصية المصرية تبتلع البلاء وتشربه، لكنها أبداً أبداً لن تسقط، فالغواية تسبب للمصرى الأمراض وتجلب الطفيليات، لكنها تملك سرها، سر الغواية فى قلب المصرى، يظهر اللين حتى تجور فيظهر الحاد ويدفن، فهى أرض البناء وهى أرض المقابر، ترسم بغواية وعلى جدرانها الأساطير وهى تخفى حقائق الحكايات، ولأنها نموذج العالم ولأنها تتوسط كل متطرف ولأنها تحتوى، يظن اللصوص أنها من حقهم.. الغواية شخصية لا تذهب لأحد، لا تهاجم أحداً، لكنها فى مكمنها، من يتجاسر عليها تتركه حتى يظن بقدرته أنه قدر، لكنه دون أن يدرى أن للغواية سحراً يسقط فى قبرها ودفن.. حمى الله مصر وحمى أهلها، فهى الوطن وهى السكن.