في كتابه "ما الذي يخيف إسرائيل من فلسطين؟" الصادر عن منشورات "بروفايل بوكس" في لندن قبل فترة قصيرة يحاول الكاتب الفلسطيني رجا شحادة أن يشرح للقارئ غير العربي الأسباب الحقيقية للحرب التي تدور رحاها الآن في غزة، وفي فلسطين عموما.

ورغم صغر حجم الكتاب (113 صفحة من القطع الصغير) فإنه ينجح في سبر أغوار النزاع الذي لا يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهجوم حماس على المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية الواقعة جنوب غزة، بل أبعد من ذلك، أي منذ صدور وعد بلفور عام 1917 الذي وعد بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل يمكن للعرب والمسلمين تشكيل قوة سياسية مؤثرة في أميركا؟list 2 of 2المسألة اليهودية وحلول بديلة عن مأزق الحل الصهيونيend of list

ويمزج بعض الذكريات الشخصية للكاتب -الذي لجأت عائلته من مدينة يافا عام 1948 إلى مدينة رام الله- بالتحليل السياسي وسرد الوقائع وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين منذ إنشاء دولة إسرائيل حتى لحظة انتهائه من تأليف كتابه في فبراير/شباط الماضي.

الكاتب الفلسطيني رجا شحادة (شترستوك)

وهو يستدل من هذه السردية التي يعيد تشكيلها للقضية الفلسطينية على أن الإسرائيليين لم يغادروا في أي مرحلة من مراحل الصراع سرديتهم القائمة على الدعاية التي روجوا لها، خصوصا في العالم الغربي، وترتكز على القول بوجود "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

ولهذا، فإن السؤال الذي يسأله الكاتب في العنوان "ما الذي يخيف إسرائيل من فلسطين؟" يعثر على جوابه في الصفحات الأخيرة من الكتاب.

إن ما يخيفها وعلى نحو صارخ شديد الوضوح هو:

"وجود الفلسطينيين أنفسهم"

(ص 105)

الخوف والنزاع

يوضح رجا شحادة مقاربته الشخصية والتاريخية من خلال ضرب الأمثلة واستعادة أقوال المسؤولين الإسرائيليين السابقين والحاليين، مركزا على هوس هؤلاء بالأمن والخوف التاريخي وعدم القدرة على العيش دون حروب.

فهم يعتقدون أن ما يشكل اللحمة والرابطة الأساسية التي تجمع هذا الخليط الآتي من جغرافيات كثيرة وثقافات مختلفة ولغات متباعدة ورؤى ومعتقدات دينية وأيديولوجية متخاصمة هو الخوف من المحيط، من الفلسطينيين، ومن العرب في الدول المجاورة.

ولهذا، فإن العقيدة التاريخية المركزية للوجود الصهيوني على أرض فلسطين تتمثل في إقامة "إسبارطة" معاصرة تذهب إلى الحرب كل عدة سنوات، لكي تسد الطريق على ظهور الخلافات بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وتعمق الشقاق بين هذا الخليط الاجتماعي والسياسي والثقافي والأيديولوجي والديني.

ويقتبس شحادة لتوضيح وجهة نظره وزحزحة السردية الرائجة في الغرب عن "إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط شاسع من الدكتاتوريات" كلام أوري أفنيري الصحفي الإسرائيلي وعضو الكنيست السابق (1923-2018) الذي كتب أن:

"كثيرا من الإسرائيليين بدؤوا يتحدثون عن وجود "مجتمعين يهوديين" في إسرائيل، وبعضهم بدأ يقول إن هناك "شعبين يهوديين" ضمن الشعب اليهودي، فما الذي يربط هؤلاء ويشدهم إلى بعضهم بعضا؟

النزاع، بالطبع، الاحتلال، حالة الحرب الدائمة

(ص 51)

ويستكمل أفنيري فكرته عن الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي بين شرقيين وغربيين، متدينين وعلمانيين، أغنياء وفقراء، متسائلا إن كان النزاع قد فُرض على إسرائيل بالفعل، ليجيب -دون التباس- بأن العكس هو الصحيح.

"لقد حافظت إسرائيل على استمرار النزاع، لأنه يشكل جوهر وجودها"

(ص 52)

الصراع كمصدر للتماسك

واستنادا إلى هذا التحليل -الذي يقدمه أفنيري- يمكن فهم السعي المحموم للكيان الصهيوني من أجل صهر الهويات المتعارضة في هوية عبرية واحدة عبر اللغة العبرية بوصفها الشيء الوحيد الذي يمثل بوتقة صهر هذه الهويات واللحمة الوحيدة التي يمكن أن تجعل هذا المجتمع "الخليط" "مجتمعا واحدا".

لكن فشل عمليات الصهر والدمج جعل "الصراع" هو الطريقة الوحيدة التي تؤدي إلى تماسك المجتمع ومنعه من التشقق.

ولعل هذا الخوف "الوجودي" من انهيار الكيان "العبري" هو الذي جعل مؤسسي الدولة بدءا من ديفيد بن غوريون (1886-1973) يسعون إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية ومحو الأسماء الفلسطينية والاستعاضة عنها بأسماء عبرية، وكذلك السعي إلى ترويج سردية كاذبة حول فلسطين: السكان، والتاريخ، والجغرافيا، والذاكرة.

وكما يقول رجا شحادة:

"فمنذ عام 1948 كانت هناك محاولة لإعادة كتابة تاريخ جديد تماما لفلسطين، ولذلك عُدَّ عام 1948 نقطة الصفر التي يبدأ منها هذا التاريخ، حيث يتجمع اليهود في وطنهم التاريخي: إسرائيل"

(ص 7)

ومن هنا، يتضح أن المشروع الصهيوني لم يكن يوفر -لا في سرديته التاريخية أو في تصوره للمستقبل- أي مكان للفلسطينيين.

لقد أزاحهم جانبا بعمليات القتل والطرد عام 1948، وكذلك عام 1967 ومحو الهوية وإخراجهم من الجغرافيا كما من التاريخ، تمهيدا للتعامل مع ما يسميه وزير المالية الإسرائيلي الحالي بتسلئيل سموتريتش "الحل النهائي".

ومن الواضح أن تصور سموتريتش خارج -دون أي لبس- من تصور أستاذه الروحي زئيف جابوتنسكي (1880-1940) الذي تحدث عما سماه "الجدار الحديدي" الذي ينبغي بناؤه للتحكم بالفلسطينيين، فما لا تحصل عليه بالقوة يمكن الحصول عليه بقوة أكبر.

وهذا ما تفعله إسرائيل منذ إنشائها، ويبدو هذا المشروع مأخوذا الآن إلى نهاياته القصوى في ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة جماعية في غزة للشجر والحجر والبشر وللذاكرة والتاريخ والجغرافيا كما الطوبوغرافيا من خلال تسطيح الأرض وجعل الشروط المحيطة غير قابلة للحياة.

معضلة الوجود الفلسطيني

معضلة إسرائيل إذن كما يقول رجا شحادة هي "وجود" الفلسطينيين وعدم تبخرهم من الجغرافيا والتاريخ، فماذا نفعل بهم؟ ما الذي يجعل هذا الكيان الذي رسم لنفسه نقطة بداية تبدأ من طرد الفلسطينيين عام 1948 (رغم بقاء ما يزيد على 100 ألف منهم خلف ما يسمى الخط الأخضر في سنة النكبة) يشعر بالأمان وعدم الانهيار بسبب عدم تجانس مكوناته الاجتماعية والدينية والأيديولوجية، وحتى اللغوية؟ لقد راهنت إسرائيل على نضوج الظروف.

وكانت هناك دائما خطة موضوعة في الأدراج تخرج للعلن عندما تظن النخبة الحاكمة في إسرائيل أنها قابلة للتطبيق، وكما ينقل المؤلف من أحد تصريحات بنيامين نتنياهو فإن القوة هي ما يعوّل عليه هذا الكيان، وهي "الشيء المهم في السياسة الخارجية"، ويضيف:

كلمة "الاحتلال" لا معنى لها، فثمَّة دول قوية احتلت وغيَّرت التركيبة السكانية ولا أحد اهتم بهذا"

(ص 13)

إستراتيجية إسرائيل لكسر الإرادة الفلسطينية

كانت مشكلة إسرائيل وما زالت هي "الوجود الفلسطيني"، ولم تستطع النخب السياسية التي حكمتها منذ عام 1948 تجاهل هذا الوجود، لقد ندم بن غوريون على أنه لم يطرد كل الفلسطينيين في تلك السنة من الأراضي الواقعة خلف الخط الأخضر.

لكن احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 أعاد طرح المعضلة الفلسطينية على النخب الحاكمة في الدولة العبرية، وقد اعتقد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان (1915-1981) أن إسرائيل "أصبحت إمبراطورية"، ولذلك رأى أنها يجب أن تبقى هناك. (ص 46)

كما زار أرييل شارون (1928-2014) عام 1981 عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة مناحيم بيغن (1913-1992) دولة جنوب إفريقيا العنصرية، ليتعلم منها تطبيق الفصل العنصري على الفلسطينيين وإنشاء "بانتوستانات" (معازل عرقية) للسكان الذين لا حقوق سياسية لهم. (ص: 26)

لكن الفلسطينيين قاوموا كل المشاريع التي حاولت محوهم وإخراجهم من التاريخ، اندلعت الانتفاضتان الأولى والثانية، وبدأت حماس تمطر إسرائيل بالصواريخ من قطاع غزة، فبدأت إسرائيل في محاولة تجربة ما سمته "كيَّ الوعي الفلسطيني"، بحيث تخمد جذوة المقاومة وتجبر الفلسطينيين على الخضوع والاستسلام.

ويشير رجا شحادة إلى هذه الإستراتيجية الإسرائيلية لكسر الإرادة الفلسطينية بالعودة إلى تصريحات موشيه يعالون عام 2002، وقد كان حينها رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي.

يتحدث يعالون عن "كيِّ الوعي" ورسم "خارطة ألم" من قبل الجيش الإسرائيلي في "وعي الفلسطينيين" بهدف ترهيبهم وجعلهم يرضون بما تقبله إسرائيل لهم.

ويذكر المؤلف أن هذا الأمر ليس جديدا، فقد سبق أرييل شارون خلفه في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي بمحاولة رسم "جغرافيا" جديدة لفلسطين في وعي الفلسطينيين.

لكن الكاتب يستنتج أن كل هذه المحاولات لكسر إرادة الشعب الفلسطيني لم تنجح. (ص 61)

ويمكن القول هنا إن هذا هو بالفعل ما تفعله حكومة نتنياهو والجيش الإسرائيلي الآن في الحرب الشرسة الدائرة على غزة، وكذلك في الضفة الغربية، فهي الإستراتيجية نفسها وإن تبدلت الحكومات وتغيرت النخبة الحاكمة، بغض النظر عن الانتماءات الأيديولوجية والحزبية للمسؤولين الإسرائيليين، فالوجود الفلسطيني -حسب شحادة- هو ما يؤرق الدولة الصهيونية ويجعلها تجرب كل أنواع الخطط من أجل التخلص من الفلسطينيين.

الوجود الفلسطيني ومآلات الإبادة الجماعية

فهل كان ما حدث في عملية "طوفان الأقصى" سببا في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الوجود الفلسطيني؟ هل كان في الإمكان تجنب هذا المصير الذي آل إليه الوضع في قطاع غزة ومنع حدوث كل هذا القتل والتدمير والخراب وجعل الحياة شبه مستحيلة في قطاع غزة المحاصر منذ نحو 20 عاما؟

لا يسأل المؤلف هذا السؤال، ولكنه يجيب عليه ضمنا من خلال استعراض تصريحات نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين، ورفض النخب الإسرائيلية قبول إقامة دولة فلسطينية.

لا يختلف في هذا الرفض معظم المسؤولين الإسرائيليين بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم الحزبية أو الأيديولوجية، سواء كانوا ينتمون إلى اليسار الصهيوني أو اليمين العلماني أو اليمين الديني أو اليمين الديني العلماني أو الديني المتطرف، فكل هذه النخب لا تعترف بشيء اسمه الشعب الفلسطيني وتنكر الوجود الفلسطيني ذاته.

يقتبس رجا شحادة من مقالة كتبها المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس -وهو من دشن ما يسمى في إسرائيل تيار المؤرخين الجدد، ثم ارتد على أطروحاته السابقة- في صحيفة هآرتس في نهاية يوليو/تموز 2014، أي قبل انتهاء الحرب الشرسة على قطاع غزة عام 2014، وقد استمرت 50 يوما.

يقول موريس إن ما على إسرائيل فعله يتطلب الجرأة "والإصرار على إنهاء المهمة، ولن تكون هذه المهمة سهلة وسريعة، ونحن نتحدث هنا عن إعادة احتلال قطاع غزة كله وتدمير حماس كمنظمة عسكرية، وربما كتنظيم سياسي، سوف يتطلب هذا شهورا من العمليات العسكرية، بحيث يتم تنظيف القطاع من أعضاء حماس والجهاد الإسلامي والتخلص من سلاحهم حيا حيا، سوف ندفع بالطبع ثمنا باهظا من أرواح الجنود الإسرائيليين، وكذلك من أرواح المدنيين الفلسطينيين، لكن هذا هو الثمن المطلوب دفعه من أجل أن نعيش كشعب على أرضنا ووسط جيران من هذا النوع. (ص 71)

فماذا تفعل إسرائيل الآن وبعد 10 سنوات من الحرب التي شنتها على غزة عام 2014 ومن زمن كتابة هذه الخطة "العسكرية" والإستراتيجية التي وضعها بيني موريس في مقالة؟

إنها تنفذ الخطة بحذافيرها، لكن لا بهدف التخلص من كل مقاومة فلسطينية، بل من أجل التخلص من الفلسطينيين ومن شبحهم الذي يطاردها كدولة محتلة استيطانية كولونيالية إحلالية لا تشعر بالأمان ولن تشعر به يوما.

"فالوجود الفلسطيني ذاته" -أي كونهم يعيشون هنا والآن في هذه البقعة من الأرض- كما يقول رجا شحادة هو الذي يقض مضاجع سكان هذه "الدولة" ويمنعهم من النوم "قريري الأعين" تلك هي الرسالة التي يحاول الكاتب والمحامي الفلسطيني رجا شحادة إيصالها إلى قرائه في الغرب.

———————————————————————————

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فكر الوجود الفلسطینی إسرائیل من قطاع غزة ما الذی عام 1948 من أجل

إقرأ أيضاً:

إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟

يتّفق المحللون الإسرائيليون على أنّ المذكرةَ التي قدّمها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى المحكمة العليا، (أعلى سلطة قضائية)، وما تضمّنته من اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستعمّق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتنعكس مباشرة على مسار مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزّة.

لا جدال حول ما يعيشه نتنياهو اليوم من لحظة تقييم حقيقية، بعد أن حصل في السابق على تفويض غير مشروط لتصعيد الحرب من أجل استعادة الأسرى، وتحقيق أهداف عسكرية، دون أن ينجح فعليًا في أي منها.

لم تهدأ الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستكن تلك الاحتجاجات الملونة في دعواتها، التي تبدأ بالدفع بالحكومة نحو إبرام صفقة الأسرى مع حركة حماس ووقف النار، ولا تنتهي عند حالات التمرّد داخل المؤسسات العسكرية، والتي شكّلت حالة "توترية" مستحدثة سببتها تلك الرسالة العلنية التي نشرها نحو ألف من أفراد سلاح الجو الإسرائيلي في 10 أبريل/ نيسان الجاري، والتي تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب.

لا شكّ أن الداخل الإسرائيلي يشهد على اهتزازات، لم تعهدها الدولة العبرية في تاريخها، حيث وصلت الحال بزعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، في تصريحات أطلقها، الأحد 20 أبريل/ نيسان الجاري، إلى حدّ التحذير من أن هناك كارثة ستبدأ من الداخل الإسرائيلي "نتيجة التحريض المستمر"، محملًا رئيسَ جهاز الأمن المسؤولية عن "الفشل في التعامل مع هذه التحديات".

إعلان

كما أضاف لبيد، أنه "وفقًا لمعلومات استخباراتية، نحن مقبلون على كارثة وهذه المرة ستكون من الداخل". ما دام أن جميع المعطيات تتقاطع حول موضوع الانهيار الداخلي الإسرائيلي، فلمَ لم يحصل إذًا؟

عقبات كثيرة تقف عائقًا أمام استمرارية حكومة نتنياهو، وإشكاليات تطرح عليها من الداخل والخارج، وهذا ما برزَ بعد استئناف حربه على قطاع غزة، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تصاعد الضغوط داخل الحكومة على رئيسها، لاتخاذ قرار باحتلال كامل قطاع غزة، في ظلّ مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة.

يشير أغلب التقارير إلى أن إطالة أمد الحرب في المنطقة، يصبّ في صالح توفير الحماية لنتنياهو، الذي تحيط به ملفات مشبوهة. هو الذي مثَلَ في مارس/ آذار الماضي أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، للردّ على اتهامه بالتورط في فساد وتلقّي رِشا.

كُشفت نوايا نتنياهو من خلال إفشال مسارات التفاوض، ومن الذهاب إلى الخيار العسكري، ولكن الذي ما يزال غامضًا، هو الموقف الأميركي (اللين) تجاه نتنياهو، ورفضه المقترحات التي قدّمها الأميركي لحلّ الأزمة في المنطقة.

هذا (التراخي) الأميركي تجاه نتنياهو، قابله صرامة وصلت إلى حدّ "البهدلة" بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 فبراير/شباط الماضي.

لا يوفّر ترامب مناسبة إلا ويتهجم فيها على زيلينسكي، لا بل ذهب بعيدًا في مواقفه، عندما عرض عليه الأربعاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، ورقة "الذل" لإنهاء الحرب، طالبًا منه الموافقة على التخلي عن شبه جزيرة القرم، من خلال أخذ كييف إلى الاعتراف بملكيتها لروسيا. لا يتوقف الموضوع عند فرض الاستسلام على كييف، بل ذهب بعيدًا في المطالبة بالاستيلاء على الموارد النادرة في أوكرانيا. رغم أن ترامب أطلق في حملاته الانتخابية مواقف حاسمة تتعلق بإنهاء حالة الحرب في كل من القطاع وأوكرانيا.

إعلان

لا مصالح لأميركا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس هناك مكاسب لها تستطيع أن تستغلها لصالح سياساتها في الشرق الأوسط. يفتّش ترامب عن صادقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كيف لا وهو يجد في أوكرانيا تسوية كبرى ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط.

إنّ جلّ ما يريده الرئيس الأميركي من روسيا ممارسة المزيد من الضغط على حليفتها إيران للتوصل إلى تسويات في المنطقة، بهدف إبعاد شبح الحرب معها.

أفصح نتنياهو عن "تهديد وجودي" يداهم إسرائيل من خطورة التسوية التي تقودها أميركا مع إيران، ورفع من مستوى خطابه تجاه إيران. فعبّر قائلًا الأربعاء 23 أبريل/ نيسان، إن "إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وخطرًا على مستقبلها"، مؤكدًا عزم حكومته على مواصلة التصدي لما وصفه بـ"الخطر الإيراني" حتى لو اضطرت إسرائيل للتحرك بمفردها".

هذا السقف العالي من التهديدات تحتاجه إدارة ترامب، كي تستغلّه لفرض شروطها في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وبهذا يتبلور ما تخطط له واشنطن في المنطقة، بعيدًا عن التوجّسات الإسرائيلية، مستغلة تهديدات نتنياهو تجاه إيران.

إنّ زيارة وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى الرياض، السبت 19 أبريل/ نيسان الجاري، وإعلانه عن "طريق مشتركة" لاتفاق نووي مدني مع السعودية، دليل واضح على ما تراه الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة في المنطقة، ودليل إضافي على أن النظرة الأميركية تختلف كل الاختلاف عن نظرة نتنياهو.

في السبعينيات، قام نيكسون ووزير خارجيته في حينها "هنري كيسنجر" ببلورة مبادئ ما سُمي "سياسة الركيزتين" ووقتها الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، ووفرة النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفياتي، بينما اليوم تتوجه ضد النفوذ الصيني.

وقعت المملكة مع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 التي تطرق إليها قانون الطاقة النووية الأميركية من العام 1954، والذي يسمح لواشنطن بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى. قد تهدف واشنطن من هذا الاتفاق إلى خلق تقاربات إقليمية تعتمد على ركائز متنافسة، بدل اللجوء إلى خيار الحروب المباشرة، التي يحتاجها نتنياهو.

إعلان

ليس صحيحًا أن يد نتنياهو مطلقة التصرف، بل الأصح هو أن لواشنطن حساباتها في المنطقة، وأن نتنياهو أصبح أداة تدار من قبل الإدارة الأميركية، التي تتصرف بما ينسجم مع مصالحها.

فنتنياهو يدمر غزة لأجل تحقيق الممر الاقتصادي الهندي، وبناء "ريفيرا الشرق"؛ تمهيدًا لفتح الاستثمارات الأميركية تحديدًا الخدماتية والسياحية.

لهذا لن يتخلَّى ترامب في المدى المنظور عن نتنياهو، ولن يُسمح للداخل الإسرائيلي بالتهور وأخذ الأمور نحو الانهيار، ما دام لم تُرسم المنطقة بحسب مع تريده واشنطن، ولم يزل النظام الدولي يرسم أطره العامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الشاب الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد
  • نائب رئيس فلسطين يشكر القيادة المصرية والشعب المصري على موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني
  • مندوب مصر أمام العدل الدولية: إسرائيل تمنع الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير
  • النائب مشوقة يسأل عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لضبط ارتفاع الدين العام
  • ممثلة فلسطين أمام محكمة العدل: “إسرائيل” حولت غزة إلى “جهنم” ودمرت حياة الفلسطينيين
  • عاجل - محكمة العدل الدولية تبدأ جلسات استماع بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية تجاه الفلسطينيين
  • العدل الدولية تستمع إلى التزامات إسرائيل في فلسطين المحتلة الاثنين
  • هآرتس: التحريض على إبادة الفلسطينيين سائد في إسرائيل
  • قصة المحامي فهد بن معيان والقاضي الذي أدّبه وعاقبه بحرمانه وعزله من القضية.. فيديو
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟