النقيب الجامعي: نحتاج إلى وضوح مسطري يساعد القضاء وليس إلى مسطرة مدنية تكون سيف عقاب
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
قال النقيب السابق عبد الرحيم الجامعي، إن مرفق العدالة بات يمر بمحطة خطيرة تتقاذفها الآراء والتوجهات السياسية، على اعتبار أن النقاش الجاري حول مشروع قانون المسطرة المدنية باتت « تحكمه السياسة، أكثر مما تحكمه أهداف تحقيق العدالة »، في إشارة إلى النقط المثيرة للجدل في المشروع.
وشدد النقيب الجامعي، في ندوة نظمها موقع «اليوم 24»، حول «مشروع قانون المسطرة المدنية، رهانات الحقوق وحصانة الدفاع»، بالرباط، على أن مرفق العدالة ينتظر من مجلس المستشارين، أن يتدخل بتعديلات حقيقية على مشروع قانون المسطرة المدنية، وليست مرممة، قائلا: » لا نريد من المجلس أن يرضي خواطر المحامين، بل عليه أن يحقق الأهداف الكبرى للمسطرة المدنية، وفي مقدمتها ضمان المرونة والسرعة والفعالية وحماية حقوق المتقاضين ».
وأضاف الجامعي: « نحن في حاجة إلى عدالة مبتكرة ووضوح مسطري يساعد القضاء، أما أن تكون المسطرة المدنية سيف عقاب، فهذا توجه مرفوض، داعيا إلى تكريس سيادة العدالة. وهي الغائبة بالمغرب، حسب المتحدث.
وأكد النقيب على ضرورة أن يتم البحث عن عدالة تيسر وتضمن الأمن القانوني والقضائي، وأن تطبق المساواة وليس التمييز.
بالنسبة للنقيب الجامعي، هذا وقت الحسم في الاختيارات الكبرى الاستراتيجية، لنضع أهدافا يجب الحسم فيها من دون تهاون، وبنقاش مفتوح ولكن من دون تنازلات.
وتساءل الجامعي في ختام تدخله بندوة « اليوم 24″، « هل تملك الحكومة قرارها السياسي من أجل تمرير مسطرة مدنية عادلة تحمي الأمن القانوني والقضائي وترفع المعاناة عن المتقاضين؟ أم يجب إخضاعهم لمسطرة مدنية لها مرجعيات أخرى غير حقوق الإنسان؟
وأوضح النقيب أيضا، أن عددا من المكتسبات الهامة تحققت في مجال العدالة، منها تكريس استقلال النيابة العامة، وتنظيم العلاقة بين وزارة العدل والنيابة العامة، وإصدار مدونة الأخلاقيات، وإعادة تنظيم المعهد العالي للقضاء، لكن بالنسبة إليه لازالت هناك معضلات متعددة، وفي مقدمتها الدفاع عن التخليق ومكافحة آفة الرشوة، وصعوبة الولوج للعدالة وتدبير القضايا داخل المحاكم، جراء ضعف المكونات البشرية، وتعقيد بعض المساطر وعدم إيلائها التأويلات الحقيقية، وتضارب الاجتهاد القضائي، وعدم وجود المسؤول الحقيقي الذي يمكن أن يتحمل المسؤولية في مواجهة هذه المعضلات، ضمانا لتيسر العمل للقضاة والقاضيات وللمتقاضين أيضا.
واعتبر أن هذا الأمر جعل التقارير الدولية تحكم علينا في مرتبة غير مشرفة في العدالة عند مراكز تقويم القضاء والعدالة في العالم.
كلمات دلالية اصلاح العدالة النقيب الجامعي مشروع قانون المسطرة المدنية ندوةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: اصلاح العدالة النقيب الجامعي مشروع قانون المسطرة المدنية ندوة مشروع قانون المسطرة المدنیة
إقرأ أيضاً:
ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (5-6)
ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (5-6)
عبد الله الفكي البشير
مجتزأ من ورقة: عبد الله الفكي البشير، “ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الانجاز والكبوات (قراءة أولية)”، نُشرت ضمن كتاب: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014.
عبد الله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.com
لقد رسب القادة القانونيون في امتحان محكمة الردة، إذ ليس هناك وضع أمثل للقانونيين والمشغولين بالحقوق، لإسهامهم في بناء دولة القانون وترسيخ الثقافة القانونية وتمكينها ونشرها في المجتمع، من أن يكونوا في مواقع سيادية وفي ظل نظام ديمقراطي، بيد أن هذا لم يحدث.
أما مواقف زعماء الأحزاب التقليدية من محكمة الردة في نوفمبر عام 1968، فقد عبر عنها كل من الصادق المهدي وحسن الترابي. ففي نوفمبر من عام 1968، علَّق الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، على آراء الأستاذ محمود محمد طه ومحكمة الردة الأولى، قائلا: “إن أفكار رئيس الحزب الجمهوري خارجة عن نطاق الدين والشريعة الإسلامية وإن التفكك والانحراف الذي تعيشه بلادنا هو الذي سهل من قبل لدعاوي الكفر والإلحاد أن تتفشى وإذا أردنا حقاً القضاء على الردة والإلحاد فيجب أن نسعى جميعاً لإقامة دولة الإسلام الصحيحة”. وأضاف الصادق المهدي وهو يعلق على آراء الأستاذ محمود: “إن الوضع الحالي كله خارج الشريعة الإسلامية وهذا ما مهد قبلاً لإعلان مثل هذه الأفكار والدعاوي الغريبة دون أن تجد من يردعها”. كما كتب حسن الترابي، الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي، في يوم 29 نوفمبر عام 1968 مقالاً بعنوان: “السياسة الصحيحة نحو محمود محمد طه واضرابه”، يقول فيه: “إن الانحراف الفكري لمحمود يوافق الاتجاه العام للحركات الشاذة في تاريخ الفكر الإٍسلامي وحاضره فهي نزعة للانفساخ من التزامات الدين وواجباته من الصلاة إلى الجهاد وهي جنوح لتحكيم الهوى وجعله فوق الرسالة بإنكار السنة والتصرف بالتفسيرات الذاتية في آيات القرآن. وبها لا يعدو الدين أن يكون أداة لتسخير الاتباع لأهواء القائد وتقديسه بصورة عمياء كما نشاهد”. ثم تناول الترابي في نفس المقال حكم المحكمة الشرعية الذي صدر يوم 18 نوفمبر 1968، بردة الأستاذ محمود عن الإسلام، قائلا: “أما حكم المحكمة الشرعية فقد اقتضاه اختصاص المحاكم بالأحوال الشخصية للمسلمين وضرورة الفصل في الصفة الدينية للمواطن لتنبني على ذلك أوضاعه القانونية الشخصية وهو حكم قد صدر في إجراءات قضائية رسمية”. وأضاف الترابي قائلا: “ولعل ردة الفعل الهوجاء التي ظهرت من محمود خير دليل على أن الحكم قد كان له آثاره الفعالة في حصر المرض الذي يحاول محمود وأشياعه أن ينشروه. والذين تولوا مع محمود الحملة على القضاء الشرعي لا يقصدون أشخاص القضاة وإنما يهدف أغلبهم للنيل من الإسلام في كل مظهر من مظاهره بصورة منافقة ماكرة”.
مثَّلت هذه المواقف أكبر دليل على غياب الورع الأخلاقي والخيانة لمبادئ ثورة أكتوبر. ويكفي أن نلفت انتباه القارئ للاطلاع على رأي الزعيمين المهدي والترابي اليوم بشأن الردة. فالآراء قد تبدلت تماماً، والمواقف قد اختلفت كلية. الشاهد أن في رأي الترابي والمهدي بشأن الردة عام 1968 مقروناً برأيهما اليوم دليل قوي عن أزمة الأخلاق في الفكر الإسلامي ودليل قوي كذلك عن محنة أهل السودان في زعمائهم ومفكريهم. إن تبديل الآراء وتغيير المواقف، كما تجلى في موقفي المهدي والترابي تجاه حكم الردة، يعبر بجلاء عن حالة اليتم الفكري واليتم القيادي التي تعيشها شعوب السودان والإسلام. بيد أن العزاء والمراهنة ستكون على تطور الوعي والذي هو في اندياح الآن، ونمو الحس العدلي لدى الشعوب، الأمر الذي يؤدي إلى بناء الرأي العام الجديد، وبعث المعايير الأخلاقية في قراءة المواقف والوقائع، والمناداة بالحقوق الإنسانية، وتحرير الشعوب من الأوصياء على العقول، عندها سنكون نحن في قلب “الثورة الكبرى، ثورة العقول”.
الشاهد أن محكمة الردة في نوفمبر 1968، والتي تمت في عقد الستينيات، عقب ثورة أكتوبر، بتآمر واضح ومكشوف، مثلت سابقة خطيرة أسست لعدم الاستقرار وغياب الحرية في السودان. فقد تم استدعاء تلك المحكمة، في ظل قوانين سبتمبر 1983 (ما سمي بالشريعة الإسلامية) والتي أدت إلى انهيار اتفاقية أديس أبابا 1972، إلى محاكمة يناير 1985 وتنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود محمد طه في صبيحة يوم الجمعة 18 يناير 1985. لقد ساهمت تلك السابقة وتنفيذ حكم الاعدام فيما بعد، في أن يخسر السودان وحدته واستقراره منذ ذلك الوقت، وحتى يوم الناس هذا.
الكبوة الدستورية: الدستور الإسلامي 1968
على الرغم من أن أشواق الجماهير في ثورة أكتوبر، كانت تُعبر عن الخروج من الذات لملاقاة الآخر، وهي تحمل أماني الوحدة من خلال رفضها للحسم العسكري لقضية الجنوب، كانت الأحزاب التقليدية تعمل على النقيض تماماً، حيث العمل على ما يفتت البلاد من خلال الدعوة للدستور الإسلامي. فقد طرح مشروع الدستور الإسلامي وقد أيدته حينها كل الأحزاب الطائفية وجبهة الميثاق (الإخوان المسلمون)، وتحمست له جميعها. فبعد إجراء الانتخابات العامة في أبريل 1968 أقرت الجمعية التأسيسية الجديدة الاقتراح بتكوين لجنة للدستور من أربعين عضوا من أعضاء الجمعية، يترك لها تحديد اختصاصاتها على أن تكون مسودة الدستور التي تم وضعها سنة 1967 هي الأساس للمناقشة. وإذا ما نظرنا في مداولات اللجنتين كما أوردهما يوسف محمد علي في كتابه: السودان والوحدة الوطنية الغائبة، نجد أن هناك جهوداً كبيرة بذلت من قبل بعض أعضاء اللجنتين في سبيل أن يكون دستور السودان دستورا إسلامياً على النحو الذي أرادته الأحزاب التقليدية. وقد تصدى فيليب عباس غبوش وأبل ألير وعبد الخالق محجوب وغيرهم، لبنود مشروع الدستور الإسلامي وقدموا اقتراحات بتعديل البنود بما يتسق مع مكونات السودان وتركيبته المتنوعة وينسجم مع أشواق الجماهير التي فجرت ثورة أكتوبر، ولكن اقتراحاتهم سقطت، وكان لابد لها أن تسقط أمام الأغلبية التي كانت تمثل الأحزاب التقليدية. أخيرا تم وضع مشروع الدستور الإسلامي، وتم تقديمه للجمعية التأسيسية التي أقرته في القراءة الأولى والثانية. يقول عبد الماجد أبو حسبو، “عندما وُضع مشروع الدستور الدائم وكنت وزيراً للعدل، كانت وزارة العدل بحكم وظيفتها مسئولة عن الصياغة وعن مشروعات القوانين. وقبل تقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية رأيت أن نعرض ذلك المشروع على العالم الدستوري الأستاذ العلامة السنهوري في مصر، وكونت وفدًا يمثل مختلف وجهات النظر من الأساتذة المختصين، والسياسيين والقضاة، لحمل مشروع الدستور وعرضه على العلامة الأستاذ السنهوري الذي درس المشروع وأبدى عليه ملاحظات قيِّمة. عرض الدستور على الجمعية التأسيسية لدراسته ومناقشته وإقراره وتمت بالفعل القراءة الأولى والثانية وأُجيزتا، وقبل القراءة الثالثة والأخيرة وقع انقلاب 25 مايو سنة 1969”.
الشاهد أنه ليس هناك فرصة في مجتمعات التنوع الثقافي كحال السودان سوى اعتماد مبدأ المواطنة، حيث يتساوي جميع المواطنين من حيث هم مواطنون والأخذ في الدستور بالأصول الإنسانية التي يلتقى فيها الناس.
نلتقي في الحلقة السادسة وهي الأخيرة.
الوسومأكتوبر ثورة حركة الحقوق المدنية عبد الله الفكي البشير