قمة قازان: محطة في مسار تثبيت بريكس قوة عالمية
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
تنظر روسيا إلى القمة التي نظمتها في قازان، على أنها محطة مفصلية تكتسي طابعا تأسيسيا وتثبت انتقال "بريكس" من "تكتل صاعد" إلى "قوة مؤثرة" على صعيد العلاقات الدولية وتعزيز آليات التبادل التجاري بأدوات مالية واقتصادية جديدة. لذا أطلقت موسكو استعداداتها باكرا منذ مطلع العام الحالي، كي تكون هذه القمة مختلفة في الشكل والمضمون.
رسائل الجغرافيا والتاريخ
من ناحية الشكل، وجهت روسيا دعوات إلى 40 دولة لحضور القمة، حضرت منها قرابة 34، بينها 24 دولة أكدت تمثيلها على مستوى رئيس أو رئيس وزراء.. لتكون بذلك القمة الأكثر حضورا وتمثيلا، وفي ذلك رسالة إلى الغرب بأن "بريكس" تواصل مسار التطور وفق قواعد راسخة وجذابة.
لم يكن اختيار موسكو لمدينة "قازان" لاحتضان القمة اعتباطيا، أو بقصد تعميم الفوائد الآنية، مثل الاهتمام الإعلامي والترويج السياحي والثقافي، بل كانت للإدارة الروسية أهداف أبعد من ذلك.
فقد اكتسبت مدينة "قازان" خبرة تنظيمية كبيرة، نجحت في مراكمتها عبر الأحداث والمناسبات التي استضافتها، وسمعة بارزة على الصعيد الدولي، لا سيما أنّها تتمتع ببنية تحتية متطورة تعكس نجاح السياسات التنموية للحكومات الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين.
علاوة على ذلك، فإن اختيار مدينة "قازان" ذات الإرث التاريخي والثقافي الإسلامي الممتزج بالحضارة الروسية العريقة، يحمل رسالة مزدوجة تعبر عن متانة العلاقات الروسية مع العالم الإسلامي، وعن سعيها لتوطيد وتطوير هذه العلاقات وفق مبادئ المساواة والتعاون والتعددية. وكذلك الحال بالنسبة للشرق الآسيوي، ولا سيما أنّ جمهورية تتارستان تُعد بوابة آسيا نحو أوروبا، والعكس بالعكس.
آليات لتطوير التبادل الاقتصادي
أمّا في المضمون، فقد وضعت موسكو للقمة عناوين شديدة الأهمية تشكل نقلة نوعية وهائلة في مسار تطور التكتل ونمو تأثيره على صعيد العلاقات الدولية.
تنطلق روسيا في مقاربتها السياسية والاقتصادية لـ"بريكس" ودورها من ضرورة تشكيل منصة عالمية وفق أسس جديدة في العلاقات الدولية، تستند على الثغرات البارزة في النظام العالمي الحالي، وتراجع فعالية آليات الإدارة التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية ونظام "بريتون وودز" ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من الهياكل الغربية التي فقدت مصداقيتها، وصار يُنظر إليها على أنّها أدوات لترسيخ هيمنة الغرب
فمنذ قمة "بريكس" 2023 في جنوب أفريقيا، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العمل على آليات عمل لتطبيقها واختبارها خلال الأشهر الفائتة، وأبرزها:
* تطوير ممر الشمال- الجنوب للربط بين مناطق الشمال والخليج العربي والهند.
* طرح آليات للتسوية المالية خارج منظومة هيمنة الدولار الأمريكي، عبر العملات الوطنية، وكذلك عبر منصات للدفع بالعملات الرقمية (جسر بريكس).
* طرح آلية لتبادل المعلومات المالية بين دول "بريكس" تكون بديلا لها عن استخدام نظام "سويفت"، وذلك من أجل ضمان المدفوعات الدولية.
* تشكيل بنية تحتية رقمية موحدة لدول "بريكس" تساعد في التوافق في مجال الأعمال ومجالات الأمن المعلوماتي (السيبراني).
* خلق بنية تحتية مريحة لرواد الأعمال تكون جاذبة للاستثمارات والتقنيات الجديدة.
واظبت الإدارة الروسية على اختبار تطبيق هذه العناوين والأفكار خلال الأشهر الفائتة، حيث وقع الرئيس بوتين في شهر آب/ أغسطس الماضي على قانون لإطلاق "الروبل" الرقمي، وكذلك إطلاق منصة الكترونية للعملة الرقمية الروسية. كما عملت موسكو على رفع حجم التسوية بالعملة الوطنية في العمليات التجارية مع بكين، والتي وصلت إلى حدود 90 في المئة تقريبا، وذلك من أجل تقديم تأكيد موثوقية هذا النموذج.
نموذج جيوسياسي جذاب
تنطلق روسيا في مقاربتها السياسية والاقتصادية لـ"بريكس" ودورها من ضرورة تشكيل منصة عالمية وفق أسس جديدة في العلاقات الدولية، تستند على الثغرات البارزة في النظام العالمي الحالي، وتراجع فعالية آليات الإدارة التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية ونظام "بريتون وودز" ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من الهياكل الغربية التي فقدت مصداقيتها، وصار يُنظر إليها على أنّها أدوات لترسيخ هيمنة الغرب وسيطرته على الموارد المالية والطبيعية لدول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
تعزيز التعددية والتعاون والانفتاح والمساواة، بالإضافة إلى وضع الأمن العالمي على رأس أولويات التي تطرحها، والذي يشتمل على مفهوم الأمن الغذائي الذي يثير القلق لدى عشرات البلدان التي تكافح للحصول على حاجاتها من الموارد الغذائية
لذا، رفعت موسكو خلال قمة "قازان"، عناوين مثل: تعزيز التعددية والتعاون والانفتاح والمساواة، بالإضافة إلى وضع الأمن العالمي على رأس أولويات التي تطرحها، والذي يشتمل على مفهوم الأمن الغذائي الذي يثير القلق لدى عشرات البلدان التي تكافح للحصول على حاجاتها من الموارد الغذائية في ظل الإشكاليات التي تحيط بسلاسل التوريد العالمية الحالية.
هذه العناوين، تُعد عاملا شديد الجذب بالنسبة لعشرات البلدان حول العالم، الأمر الذي دفع بـ27 دولة إلى الإعراب عن رغبتها في الانضمام إلى "بريكس"، ولا سيما مع تركيز موسكو على الحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
هذه الدول هي: تركيا، الجزائر، أذربيجان، بنغلاديش، بوليفيا، بيلاروسيا، البحرين، فيتنام، هندوراس، فنزويلا، زيمبابوي، إندونيسيا، كوبا، الكويت، كازاخستان، المغرب، نيكارغوا، نيجيريا، باكستان، غينيا الاستوائية، السنغال، أوغندا، تشاد، سوريا، سريلانكا، إرتيريا، جنوب السودان.
بيد أنّ روسيا وشركاءها لا يستعجلون انضمام هذه الدول دفعة واحدة، بل وفق نمط متدرج وهادئ، يراعي شروط "بريكس" وآليات عمله وتطوره والتراكم التاريخي، وكذلك هواجس أعضائه.
وإذا ما نظرنا إلى توزع الدول الراغبة في الانضمام إلى "بريكس" نجد أنها تشمل مختلف كل القارات والأقاليم الجغرافية، الأمر الكفيل بتحويل" بريكس" إلى قوة جيوسياسية ذات تأثير واسع، يتجه بثبات إلى قيادة الصراع بين "الجنوب العالمي" والغرب، والذي يمهد لنشوء نظام عالمي جديد أكثر مساواة وأكثر عدالة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات روسيا بريكس الاقتصادي النظام العالمي اقتصاد روسيا نظام عالمي بريكس مدونات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات الدولیة
إقرأ أيضاً:
ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.
ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.
وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.
الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتوريقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.
ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.
وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".
إعلانواعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.
رسائل وتوضيحاتوأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.
وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.
وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.
من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.
قواعد روسية بليبياواعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.
إعلانومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.
وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.
ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.
ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.
بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.
وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".