انخلع قلبى وأنا أخطو فى ساحة الأوبرا متجهة نحو قاعة المسرح الكبير لمشاهدة عرض «راحت عليك». ما تلك البداية غير المبشرة؟ أردت أن أتجاهل كل شىء وأمضى نحو غايتى. فحاصرنى كل شىء وحرمنى من نعمة التجاهل سيل من الضوضاء والضجيج الممزوج بموسيقى صاخبة تعلو وتهبط بسرعة وعنف آلات الإيقاع والوتريات والنحاسيات، تكاد تمزق طبلة الأذن من فرط ارتفاع صوتها، وصخب هادر يصاحبك من البداية حتى النهاية.
فى واجهة المدخل تلفح وجهى أضواء باهرة ملونة تضىء وتطفأ، كتلك التى تشاهدها بهرجها فى سرادقات الموالد والأفراح، وإذ تبدو تلك الهيصة مبررة هنا بحكم أهدافها الصاخبة بالطبيعة، إلا أنها سقيمة الذوق هناك. ما الذى اعترى مناخ الجمال والذوق الرفيع والهدوء الملازم لرواد الأوبرا فى دخولهم وخروجهم من المكان، وتعاملهم معه بشكل يرقى إلى توجههم صوب الأماكن المقدسة وأين ذهبت تلك الأجواء الراقية المتسمة بالجمال والسمو التى كانت تحيط بمبنى الأوبرا طوال نحو عقدين منذ تاريخ افتتاحها فى العام 1988.
ليست تلك أسئلة عن ماضٍ جميل يرحل، وحاضر يحفل بالنشوة والقيح، بل هى استغاثة لمن بيدهم الأمر، أعيدوا الأمور إلى نصابها كسابق عهدها، ويكفى ندوبا فى الروح وهدما للمعنويات..
انتشلتنى من لحظات التعاسة العابرة تلك، ساعة وربع من البهجة والسمر أمضيتها مع جمهور مهرجان الموسيقى العربية لمشاهدة أوبريت سيد درويش الشهيرة، العشرة الطيبة، وربما هى الأخيرة فى مشروعه الإبداعى. أسطورة شعبية حافلة بالرقص والغناء، والمعانى الإنسانية والوطنية التى تنفذ إلى الروح، وتلتصق بالوجدان، وترد إلى المتلقى بعض لحظاته التاريخية النضرة، ليجد فيها شفاء لجراح روحه وطبطبة على نفسه المكسورة، واستعادة الثقة بالنفس
كادت أن تخبو من فرط أحلامه المهدرة
ظهرت الأوبريت عام 1920 وفى قلب أحداث ثورة 1919، وربما بسببها، فى ظل حكم الملك فؤاد الذى نصبته سلطات الاحتلال البريطانى سلطانا ثم ملكا أثناء الحرب العالمية الأولى لضمان ولائه لمواجهة التحالف التركى العثمانى مع دول المحور. وتحكى الأوبريت قصة حب تقع أحداثها فى إحدى قرى الريف المصرى فتكشف عن ذكاء الفلاح المصرى ومكره وصدق انتمائه لأهله، وتفضح بالزجل والرقص الجماعى والفردى الانتهازيين من بينهم وتسلط الضوء على نهم الحكام المماليك واستبدادهم وتسخر منهم.
قدمت الأوبريت أكثر من مرة منذ أن أخرجها زكى طليمات للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى بدار الأوبرا الملكية وأخرجها لدار الإذاعة المصرية فى بداية الخمسينيات السيد بدير لتصبح واحدة من أجمل الفنون التى ساهمت فى تشكيل وعى الجيل الذى أنتمى إليه. هذه المرة تصل إلى نسختها الراهنة فى دار الأوبرا تحت عنوان «راحت عليك» برؤية فنية للدكتور محمد عبد القادر وإخراج «مهدى السيد» وبمشاركة كورال صوت العاصمة، كانت مفاجأة العرض السعيدة التعرف على جيل جديد من شباب الفنانين الموهوبين فى كل المجالات والغناء والطرب والتمثيل وتصميم الملابس والمشاهد. لوحة فنية شديدة البهجة للعمل الجماعى الناجح والمتألق مجموعة من الموهوبين الشباب جوهرة أضفوا على العرض حيويته وخفة ظله بحضورهم الفنى الآسر.
نسخة الأوبرا المعاصرة من العشرة الطيبة، تغيرت أحداثها، وأتمنى أن يكون ذلك مجرد. اجتهاد وليس تدخلا رقابيا كما هى العادة وفى مدينة هندية تدور الأحداث حيث يهيم ولى عهدها بابنة حاوى المدينة المصرى، التى رفضت طلب رجل أجنبى للزواج منها، متجاهلا حب ابنة عمه له. وبعد أن أخفقت كل المكائد للتفريق بين الحبيين ينتصر حبهما بزواج الأمير من المصرية. سهرة فنية ممتعة تليق بمهرجان الموسيقى العربية وتحيى الآمال بتسليط ضوء ساطع على تراث سيد درويش أحد كبار المجددين فى الموسيقى العربية، وبتقديم جيل جديد من المواهب المصرية يستحق التشجيع والرعاية والمتابعة، ويعلو حضوره باحتضان الأوبرا له.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمينة النقاش على فكرة ساحة الأوبرا
إقرأ أيضاً:
افتتاح معرض ديارنا للحرف التراثية والصناعات اليدوية بالمتحف الزراعى بالدقى
شهد المهندس عادل النجار محافظ الجيزة فعاليات افتتاح معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالمتحف الزراعى بحى الدقى والمقام على هامش معرض زهور الربيع.
وذلك بحضور الدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى يرافقها علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية ، والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة .
وخلال الإفتتاح أكد محافظ الجيزة حرص المحافظة على دعم مختلف المعارض المقامة لدعم الحرف والصناعات اليدوية وغيرها من المنتجات والصناعات والمشاركة بها، والتوسع بإقامتها بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى لكونها أحد ركائز الصناعة الوطنية وعوامل الجذب السياحى والتى تشتهر بها العديد من قرى المحافظة بالمراكز والمدن.
كما أشار المحافظ إلى الدور الهام الذى تلعبه تلك المعارض فى تطوير الصناعات التراثية وتوفير منافذ البيع لرواج مبيعاتها إلى جانب الدور الدعائى الذى تقوم بها لتنمية ذلك المجال ودعم القائمين عليه.
ويقام معرض "ديارنا زهور الربيع" تحت شعار "مصر بتتكلم حرفي" بالشراكة مع بنك الإسكندرية ضمن مبادرة "إبداع من مصر " لدعم الحرف، ويستمر حتي 12 مايو المقبل، حيث يقام على مساحة 2000 متر مربع، ويضم عدد 60 جناحاً من حرف الأسر المنتجة المتنوعة، كما يضم ولأول مرة عدد 2 جناح خاص بالبعثات الدبلوماسية بجمهورية مصر العربية إلى جانب عارضين من مختلف المحافظات.