كشف المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك عن مشهد مأساوي يتكشف في شمال قطاع غزة، محذراً من أن الإجراءات الإسرائيلية قد ترقَى إلى "جرائم"، في الوقت الذي سقط فيه 150 قتيلا في جباليا شمال القطاع في يوم واحد.

اعلان

وأشار تورك، في تصريحات له من جنيف، إلى أن عدد الضحايا في غزة تجاوز 150 ألف شخص بين قتيل وجريح ومفقود منذ اندلاع الحرب قبل عام، متوقعاً ارتفاعاً دراماتيكياً في هذا العدد نظراً لحجم وشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال القطاع.

وحذّر المسؤول الأممي من أن السياسات الإسرائيلية في شمال غزة قد تؤدي إلى "إفراغ المنطقة من الفلسطينيين"، داعياً قادة العالم إلى التحرك العاجل والالتزام باتفاقيات جنيف وضمان احترام القانون الدولي الإنساني.

وأوضح تورك أن المنطقة الشمالية تَتَعرّض لقصف متواصل، مع أوامر عسكرية إسرائيلية بإخلاء مئات الآلاف من السكان دون ضمانات للعودة أو توفير ممرات آمنة للمغادرة. وأضاف أن المنطقة تعاني من نقص حاد في المساعدات الإنسانية منذ أسابيع، ما يهدد السكان بالمجاعة.

رجل فلسطيني يحمل طفلًا مصابًا بعد غارة جوية إسرائيلية في دير البلح، قطاع غزة، الخميس، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024. Abdel Kareem Hana/Copyright 2023, The AP. All rights reserved

ولفت إلى استهداف المستشفيات وسقوط ضحايا من الطواقم الطبية والمرضى، مشيراً في الوقت نفسه إلى استمرار الجماعات المسلحة الفلسطينية في العمل بين المدنيين، بما في ذلك أماكن الإيواء، ما يعرض حياتهم للخطر.

إلى ذلك أفاد الدفاع المدني في غزة بسقوط أكثر من 150 قتيلا وجريحاً، مساء الخميس، جراء غارات إسرائيلية استهدفت نحو 10 منازل في جباليا شمال القطاع، المحاصرة منذ 20 يوماً.

جثمان فتاة فلسطينية قُتلت في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يُنقل إلى مستشفى الأقصى في دير البلح يوم الاثنين، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024. Abdel Kareem Hana/Copyright 2024, The AP. All rights reserved

وأوضح الدفاع المدني في بيان له أن "مجزرة مروعة تجري في جباليا مع سقوط أكثر من 150 شهيداً وجريحاً نتيجة القصف الإسرائيلي، ولا أحد يتحرك لإنقاذهم". و تعمّد الجيش الإسرائيلي تعطيل خدمات الدفاع المدني والطواقم الطبية.

Relatedالحرب في يومها الـ384: استمرار قصف لبنان وتشديد حصار غزة وقتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيليالجيش الإسرائيلي يحتجز الطواقم الطبية بمستشفى كمال عدوان وخسائر كبيرة في صفوفه على جبهتي لبنان وغزةغارة جوية إسرائيلية تستهدف نادي خدمات المغازي بغزة وتسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين

فيما ذكرت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن غارة إسرائيلية استهدفت منشأة تأوي عائلات نازحة مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص وإصابة آخرين.

وقد فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً على شمال القطاع قبل نحو ثلاثة أسابيع، مع هجمات جوية وبرية، محاصرة المستشفيات وملاجئ اللاجئين، وأمرت السكان بالتوجه جنوباً.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مسؤول إسرائيلي لـ"واشنطن بوست": حزب الله خصم هائل ويمتلك قدرة صمود ستضع حدًا للعملية البرية محكمة تركية تقرر توقيف الإسرائيلي بوريس ولفمان بتهمة الاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين إسرائيل تؤجل ضربتها لإيران بعد تسريب معلومات استخباراتية أمريكية غزة استعمار- احتلال اعتداء إسرائيل اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. الجيش الإسرائيلي يحتجز الطواقم الطبية بمستشفى كمال عدوان وخسائر كبيرة في صفوفه على جبهتي لبنان وغزة يعرض الآن Next بعد مشاركته في قمة مجموعة بريكس في روسيا.. زيلينسكي يرفض زيارة غوتيريش إلى أوكرانيا يعرض الآن Next وزير الأشغال لـ"يورونيوز": تدمير المنافذ الجوية والبرية يمثل محاولة لمحاصرة الشعب اللبناني بكامله يعرض الآن Next أوربان يتهم بروكسل بتنصيب "حكومة دمى" في بولندا بقيادة توسك يعرض الآن Next نيويورك تايمز: خامنئي طلب من الحرس الثوري والحلفاء بالمنطقة الاستعداد لحرب ضد إسرائيل اعلانالاكثر قراءة اليونيفيل لـ"يورونيوز": الوضع خطر للغاية ولدينا كامل الحق في الدفاع عن النفس إذا لزم الأمر دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما امتثالًا لقوانين طالبان.. ولاية هلمند الأفغانية تحظر عرض صور الكائنات الحية في جميع وسائل الإعلام حب وجنس في فيلم" لوف" اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024إسرائيلغزةروسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني حزب اللهاعتداء إسرائيلهجمات عسكريةدونالد ترامبشرطةحزب العمال الكردستانيرجب طيب إردوغان Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

المصدر: euronews

كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل روسيا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حزب الله الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل روسيا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حزب الله غزة استعمار احتلال اعتداء إسرائيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل غزة روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حزب الله اعتداء إسرائيل هجمات عسكرية دونالد ترامب شرطة حزب العمال الكردستاني رجب طيب إردوغان السياسة الأوروبية یعرض الآن Next شمال القطاع قطاع غزة فی شمال

إقرأ أيضاً:

دماء على الآيفون.. لماذا يشتعل الصراع بين الصين وأميركا على الكونغو الديمقراطية؟

 

"المكوِّن الأهم في السيارة الكهربائية هو البطارية، وما يوجد في البطارية هو أفريقيا".

آموس هوكشتاين، الأميركي الإسرائيلي الذي شغل منصب كبير مستشاري بايدن للطاقة والاستثمار.

إذا كنت قد أعددت عصيرا لذيذا باستخدام خلاط محمول يعمل بالبطارية، قبل أن تمسك بهاتفك أو حاسوبك وتقرأ هذا المقال، فعليك أن تعرف أنه لو لم تكن دولة الكونغو الديمقراطية موجودة على كوكبنا لكان من الصعب جدا أن تقوم بمثل هذه الأنشطة، إذ تُنتج الكونغو مجموعة من أهم المعادن التي تدخل بشكل أساسي في العديد من الصناعات.

مجموعة من الأرقام البسيطة يمكن أن توضح لك الأمر؛ ففي كل هاتف محمول ثمة ما يقرب من 6.5 غرامات من الكوبالت، وفي كل جهاز حاسب آلي يوجد ثلاثة أرطال منه، وفي كل بطارية سيارة كهربائية يوجد ثلاثون رطلا، ومع تحول العديد من الأجهزة الميكانيكية لاستخدام البطاريات الكهربائية مثل الخلاطات المطبخية، سيصبح كل شيء حولنا تقريبا معتمدا على الكوبالت وأمثاله من المعادن، وهذه المعادن مصدرها الأساسي هي الكونغو.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الصين وأميركا في 2025 والصراع الذي قد يغير شكل العالمlist 2 of 2حلم "أساطيل داوود".. ماذا تفعل إسرائيل في شرق أفريقيا؟end of list

أبعد من مساحة الكونغو الديمقراطية، البلد الأفريقي الواقع في غرب أفريقيا جنوب الصحراء، تشهد القوى الكبرى في العالم صراعا على ريادة ما بات يُعرف بـ "الثورة الصناعية الرابعة" التي بدأنا نشهدها الآن، وجوهرها هو الانتقال من الرقمنة البسيطة إلى الرقمنة المتطورة الإبداعية والخوارزميات الذكية، إذ ينتظر العالم اختراقات تكنولوجية ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية، والروبوتات.

إعلان

ومهما تنوعت التقنيات اللازمة لتطوير هذه الصناعات؛ تبقى المعادن الأساسية لكل الابتكارات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة هي الكوبالت والليثيوم والكولتان والنيكل. وفي تقرير للوكالة الدولية للطاقة، توقعت ارتفاعا ضخما في استخدام هذه المعادن، حيث سيزداد الطلب بين عامي 2020 إلى 2040 على النيكل والكوبالت بمقدار 20 مرة، وعلى الليثيوم بمقدار 40 مرة، وعلى الغرافيت بمقدار 25 مرة.

وتُنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 71% من إجمالي إنتاج الكوبالت في العالم، كما أن لديها نصف مخزون الكوبالت المعروف على كوكب الأرض حاليا. ويعتقد الكثير من الخبراء والجهات أن الكونغو ربما تمتلك أكبر احتياطيات من الليثيوم في العالم، إذ يحتوي منجم مانون وحده في البلاد على 6.640.000 طن متري من الليثيوم بحسب تقديرات سبتمبر/أيلول.

فضلا عن ذلك، تقدر شركة استشارات وبيانات تحولات الطاقة "وود ماكنزي" أن الكونغو في عام 2027 ستحتل المركز الثاني بين الدول المنتجة للنحاس، مزيحة دولة بيرو من هذا المركز، ويُعد النحاس مكونا شديد الأهمية في صناعة البطاريات الكهربائية ومنافذ شحن السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح.

يمكن أن يخبرنا كل ذلك بمدى أهمية دولة الكونغو الديمقراطية في خريطة الاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يُشعل منافسة شرسة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين على النفوذ السياسي والاقتصادي في البلاد. منافسة لا يبدو أنها تؤثر بالإيجاب على المواطن الكونغولي، إذ ما زال يعيش واحد من كل ستة مواطنين تقريبا في فقر مدقع، بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة.

صنعت الصين "المجد" إذ كانت أميركا نائمة

في السنوات القليلة الماضية، يمكن للمتابع للشأن الكونغولي أن يلاحظ مبادرات أميركية متعددة تهدف إلى تعميق نفوذها الاقتصادي هناك وملاحقة النفوذ الصيني الذي تنامى بسرعة خلال العقدين السابقين.

إعلان

وربما كانت المبادرة الأميركية الأهم هي تلك التي أعلنت عنها الولايات المتحدة في بيان مشترك مع الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2023 لإحياء وتطوير وتوسيع ممر لوبيتو العابر لأفريقيا، وهو الممر الذي من المفترض أن يتشكل من خط للسكك الحديدية بطول 1300 كيلومتر، ممتدا من ميناء لوبيتو على ساحل المحيط الأطلسي متجها شرقا عبر أنغولا إلى الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى مسافة قريبة من الحدود الزامبية، ويسير المشروع مسافة 400 كيلومتر داخل الكونغو، ويصل في نهاية المطاف إلى مناطق التعدين المهمة.

ويُعد هذا الطريق منافسا لمبادرة الحزام والطريق الصينية في أفريقيا، إذ سوف تستثمر الولايات المتحدة من خلال هذا المشروع 100 مليون دولار في الكونغو الديمقراطية وزامبيا، إضافة إلى 450 مليون في أنغولا، وهو أكبر استثمار للولايات المتحدة في أفريقيا كلها. وباكتمال المشروع سيوفر خط سكة حديد قادرا على التعامل مع 5 ملايين طن سنويا من البضائع ونقلها من الكونغو وزامبيا، في إطار محاولة تضخيم إمكانات الوصول وبناء سلاسل التوريد لما يسمى بالمعادن الحرجة (Critical Minerals) الموجودة في تلك المناطق.

بالتوازي مع ذلك، كثفت الولايات المتحدة حملاتها الدعائية ضد نشاط الصين في أفريقيا، لوصفها بأنها قوة إمبريالية تسعى لاستغلال الكونغو ومص دمائها، وأن أنشطتها هناك تضر بالبيئة والمواطنين وتؤجج الصراعات والعنف، كما تنتهك حقوق الإنسان والعمال، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية الصين باستغلال عمالة الأطفال في الكونغو.

ومنذ عام 2021، يبدو أن الولايات المتحدة قد استفاقت على تمدد النفوذ الصيني، فحاولت مزاحمته عبر مساعدة الكونغو في تسهيل الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لكسب صداقتها، كما منحتها 1.6 مليار دولار على مدى 5 سنوات تحت بند التعاون المشترك، وأرسلت فريقا ممن سمّتهم "الخبراء" إلى مكتب رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2020 لتقديم الاستشارة له فيما اعتبرته "مكافحة الفساد وإرساء الحوكمة".

إعلان

هذا فضلا عن تعاقد الحكومة الكونغولية مع شركة المحاماة الأميركية "بيكر ماكنزي" عام 2019 وتوظيفها خبراء قانونيين أميركيين في الكونغو لإجراء ما يسمى بعمليات التدقيق لمكافحة الفساد، في ظل الدعم المالي المقدم لهذه العملية من وزارتَيْ الخارجية والخزانة الأميركيتين.

ومن ثم دفعت الولايات المتحدة الأميركية الكونغو من ناحية أخرى إلى مراجعة ما يمكن مراجعته من العقود مع الشركات الصينية ذات النفوذ الكبير في البلاد، علما بأن القروض التي تلقّتها الكونغو من المؤسسات الدولية كانت مشروطة بإصلاح قطاع التعدين ومراجعة العقود الصينية، وهو ما حدث بالفعل، وإن كان على نطاق صغير لم يغير شيئا كبيرا من المشهد العام الذي تسيطر عليه الصين.

خريطة الكونغو الديمقراطية (الجزيرة) ضريبة المجيء متأخرا

ولكن يبدو أن استفاقة الولايات المتحدة قد جاءت متأخرة جدا، فالواقع أن الصين باتت تدير بالفعل نحو 80% من مناجم النحاس في الكونغو الديمقراطية، كما سيطرت على أكثر من 70% من قطاع التعدين في البلاد، ومن ثم أصبحت مهيمنة على نحو 60% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية عالميا، وهذا السبق الصيني في مساحات شديدة الأهمية هو ما يحفز تخوفات الغرب من مستقبل تتحكم فيه الصين في الموارد الضرورية للريادة الاقتصادية، إذ تعالج الصين بنفسها الآن 80% من الكوبالت حول العالم تمهيدا لاستخدامه في مختلف الصناعات الجديدة.

وتظهر الولايات المتحدة الأميركية في الصورة العامة متخلفة كثيرا عن الصين في قطاع المعادن الحرجة، إذ لا تمتلك الولايات المتحدة إلا منجما واحدا في ولاية كاليفورنيا لإنتاج تلك المعادن، ومن المتوقع أن يستغرق هذا المنجم نحو 15 عاما حتى يستطيع توفير 15% فقط من الإنتاج العالمي، وهو ما سيظل نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بحجم سيطرة الصين على هذا القطاع.

الواقع أن ما حققته الصين في الكونغو كان نتيجة لعمل دؤوب وتخطيط مسبق واستغلال اللحظات الفارقة، فلطالما ضغط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الكونغو من أجل خصخصة قطاعات التعدين منذ سبعينيات القرن العشرين، وبحلول عام 2002 أصدرت الكونغو الديمقراطية بالفعل قانونا جديدا للتعدين يوفر امتيازات كبيرة للشركات الأجنبية وضرائب منخفضة، بالإضافة إلى حظر قانوني على تعديل أي عقد لمدة عشر سنوات، وقد تربَّحت النخبة السياسية الكونغولية كثيرا من هذا التعديل القانوني، إذ تواطأت مع الشركات الأجنبية من أجل تحقيق مكاسب شخصية صغيرة مقارنة بما حصلت عليه الشركات الأجنبية نفسها.

إعلان

لكن المؤسسات المالية الكبرى، التي ضغطت من أجل الخصخصة وانفتاح مجال التعدين في البلاد، فوجئت بطوفان صيني قادم يستحوذ على الامتيازات الجديدة وينافس الشركات متعددة الجنسيات. وقد دخلت الصين تلك الساحة وبصحبتها عامل قوة مهم يمنحها التفوق على منافسيها الغربيين، فهي لا تُبدي رغبة في التدخل في سياسة البلاد، بمعنى أنها لا تستخدم نفوذها الاقتصادي من أجل توجيه الدولة سياسيا كما تفعل الولايات المتحدة عادة.

وثمة اتفاق بين المهتمين بالشأن الأفريقي على أن الولايات المتحدة الأميركية كانت غافلة عن تصاعد النفوذ الصيني في أفريقيا، ولم تلتفت بجدية لإرساء إستراتيجيات ردع فعالة، وأن الصين تبدو الآن متفوقة بقوة على الغرب في ساحة الكونغو خصوصا والساحة الأفريقية عموما.

وفي استطلاع أجرته شركة التحليلات الأميركية "غالوب" في عام 2024، شمل أكثر من 130 دولة لتصنيف مقدار القوة الناعمة للدول الكبرى، تبين أن الولايات المتحدة الأميركية قد فقدت مكانتها باعتبارها القوة العالمية الأكثر تأثيرا في أفريقيا لصالح الصين، إذ انخفضت نسبة صورة المكانة القيادية للولايات المتحدة إلى 56% عام 2023، بعد أن كانت 59% عام 2022، في حين ارتفعت نسبة الصين إلى 58% عام 2023 بعد أن كانت 52% فقط عام 2022، متقدمة بنقطتين على الولايات المتحدة.

كذلك بات العديد من القادة الأفارقة ومنهم الرئيس الكونغولي نفسه، فيليكس تشيسيكيدي، يصرحون بأن الصين وروسيا يتعاملون مع البلاد الأفريقية بشكل أفضل وبشفافية اقتصادية أوضح من الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأميركية مع بلادهم، التي تتسم دائما بالتجاهل والاستعلاء وممارسة النفوذ الإمبريالي وليس الشراكة البناءة للطرفين.

ماذا يجني الكونغولي من هذا الصراع؟

إذا لم تكن تعرف شيئا عن الاقتصاد العالمي، وكان عليك أن تتوقع مقدار ثراء الدول من خلال نظرة متجردة لثرواتها، فربما ستعتقد أن الكونغو الديمقراطية واحدة من أغنى دول العالم على الإطلاق، وكيف لا وهي تمتلك احتياطيات معدنية غير مستغلة حتى الآن بقيمة تفوق 24 تريليون دولار أميركي، بالإضافة إلى نصف موارد المياه في أفريقيا، و80 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة قادرة على إطعام قارة أفريقيا بأكملها وليس الكونغو فقط. إنها باختصار دولة متكاملة تمتلك كل مقومات الثراء.

إعلان

لكن الكونغو التي وُهبت ثروات لا تُحصى، لا تلعب حتى الآن في مسرح الاقتصاد العالمي سوى دور أرض المواد الأولية، وفي بعض الأحوال تتسبب ثرواتها الهائلة في ازدياد فقرها، حيث تحفز القوى العالمية الكبرى على استغلالها، وتحفز أيضا النزاعات العكسرية والميليشياوية داخلها، والمحصلة هي أن الكونغو من أغنى دول العالم من حيث الموارد ومن أفقرها من حيث دخل السكان. 

تحتل الكونغو المرتبة 180 بين 193 دولة في مؤشر التنمية البشرية لعام 2022، وبحسب بيانات البنك الدولي فإن نحو 75% من سكان الكونغو الديمقراطية يعيشون على أقل من 2.15 دولار أميركي يوميا، بينما يعيش واحد من كل ستة كونغوليين في فقر مدقع، وتعاني الدولة من ارتفاع معدل وفيات النساء أثناء الحمل والولادة بنسبة تقارب ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

وتعاني الكونغو أيضا من نقص في الطرق المعبدة الصالحة لمختلف الظروف المناخية لا يضاهيه أي نقص في دولة مقاربة لحجمها، ولتوضيح حجم مشكلة الطرق، فإن مساحة دولة أخرى مثل المملكة العربية السعودية هي مساحة الكونغو نفسها تقريبا، ولديها أقل من نصف عدد السكان، لكنها تمتلك طرقا معبدة أكثر بعشرين مرة من الكونغو.

في الواقع، لم يحصل المواطن الكونغولي على عوائد المنافسة الدولية على الثروة المعدنية في بلاده، فعمال المناجم، وهم ما يقرب من نصف مليون رجل وامرأة وطفل، يعملون بدون الحد الأدنى من معدات السلامة، ليستخرجوا المعادن التي لا غنى عنها في أهم الصناعات التكنولوجية العالمية، التي للمفارقة لن يستمتع عامل التعدين الكونغولي البسيط في الغالب بأيٍّ منها.

لم يحصل المواطن الكونغولي على عوائد المنافسة الدولية على الثروة المعدنية في بلاده (رويترز)

وبحسب بحث مطول لمعهد "تراي كونتيننتال" للأبحاث الاجتماعية، فإن ظروف العمل في قطاع التعدين في الكونغو تجعل معدل استغلال العمال الكونغوليين الذين يسهمون بشكل أساسي في إنتاج جهاز "آيفون" أعلى بخمس وعشرين مرة من معدل استغلال عمال المنسوجات في مستعمرات بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، بل إن أسعار المنتجات الرقمية تنخفض عالميا وتحقق الشركات العالمية أرباحا ضخمة بسبب قلة الإيرادات التي تحصل عليها الكونغو ومواطنوها أثناء عملية الإنتاج.

إعلان

ولا يعني هذا أن الصين وحدها هي مَن تصنع هذا المشهد القاتم للعامل الكونغولي، فالواقع أن الشركات متعددة الجنسيات تلعب دورا كبيرا أيضا في ذلك المشهد، إذ يسهم جميع المتنافسين الدوليين في كبت الأجور والحفاظ على انخفاضها بشكل لا يتناسب مع قيمة العمل، على سبيل المثال شركة "جلينكور" البريطانية السويسرية حين كثفت من استخدام عمال المناجم من أجل زيادة الإنتاج من الكوبالت، انخفض الأجر المدفوع للعمال من 40 دولارا لكل رطل إلى 13.50 دولارا.

على جانب آخر، فإن الصراع الدولي على الكونغو ومعادنها يجعل شبح الاقتتال الأهلي الواسع حاضرا بقوة، ففي خطاب حديث لمفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، رسم صورة قاتمة للواقع في الكونغو الديمقراطية، حيث تتدهور الأوضاع بصورة متسارعة بسبب العنف المتصاعد، والمصالح الإقليمية والدولية، والأعمال التجارية الاستغلالية، وضعف سيادة القانون، مؤكدا أنه نتيجة لهذه العوامل المختلفة فإن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تزايد مستمر في شرق البلاد تحديدا، وقد نزح 940,000 مواطن كونغولي إضافي هذا العام بسبب أعمال العنف، ليتخطّى العدد الإجمالي للنازحين داخليا في البلاد إلى 6.4 ملايين شخص.

لكن على جانب آخر، وجَّه المفوض أيضا دعوة يحث فيها الدول التي تدعم الجماعات المسلحة في الكونغو، وتحديدا جماعة "23 مارس"، على أن تُنهي هذا الدور فورا، ويُذكر أن جماعة "23 مارس" المسلحة تسيطر على مناطق تعدين مهمة وتوفر العمالة القسرية من المواطنين هناك، ولذا فعادةً ما تقوم المظاهرات الكونغولية المنددة بالجماعة بإشعال النار في أعلام الدول الغربية إلى جانب رواندا، باعتبارهم الداعمين لتلك الجماعة من وجهة نظر قطاع واسع من الكونغوليين.

وفي الأسبوع الأخير من يناير/كانون الثاني الماضي، شن متمردو حركة شرق الكونغو الديمقراطية في يوم 23 مارس/آذار هجوما أدى إلى مقتل قرابة 1000 مواطن، واستولى المتمردون الذين تقودهم عِرقية التوتسي على غوما، وهي أكبر مدينة في شرق البلاد وعاصمة إقليم شمال كيفو الذي يضم مناجم الذهب والكولتان والقصدير.

إعلان

ترسم صورة الثروة المعدنية في الكونغو ملمحا قاتما من ملامح اختلال توزيع الثورة وتقسيم العمل والأرباح عالميا، إذ لا تزال دول ما بعد الاستعمار في الجنوب العالمي تعاني من صور وأنماط جديدة للاستعمار الاقتصادي، الذي يتبعه الاستغلال السياسي، وضعف نفوذ الدولة، وتصاعد التهديدات الأمنية والاجتماعية إلى مستويات شديدة الخطورة على الأمن الإنساني في بلدان لم تحظَ بعد بالقدر الأدنى من العدالة وحفظ الحقوق.

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي قد يدفع بدبابات إلى شمال الضفة
  • الولايات المتحدة تقترح قرارًا خاصًا في الأمم المتحدة بذكرى الحرب في أوكرانيا
  • دماء على الآيفون.. لماذا يشتعل الصراع بين الصين وأميركا على الكونغو الديمقراطية؟
  • واشنطن تطرح قرارًا "تاريخيًا" بشأن أوكرانيا في الأمم المتحدة الاثنين
  • روبيو: واشنطن ستقدم مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تسوية الصراع الأوكراني
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا شمال الضفة الغربية
  • الأمم المتحدة تحذر من أزمة الخبز في سوريا
  • الأمم المتحدة: 9 من كل 10 سوريين يعيشون في فقر
  • وقفتان رفضا لمشاركة مسؤولة إسرائيلية بمؤتمر دولي في المغرب
  • بعد عملية تفجير الحافلات في تل أبيب.. ماذا يحدث بالضفة الغربية؟