القدوة في واقع التخلف.. المنقذ (2-2)
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
قدوة النهضة:
من مشاكل المصلحين في احتلال مكان القدوة الكلام المباشر والصدق في تقديم الأفكار، ونظرتهم إلى الحقيقة وتفصيل الأفهام وشرحها، ورغبتهم بأن ترتقي الأمة إلى حيث يكونون جزءا من نهضتها لكن بيئة منظومة تنمية التخلف ستسفه وتقتل هؤلاء الأمل كأمر لا تتوقع غيره، فالجهل ليس عدم العلم وإنما رفض التعلم والقناعة بما يملك من الانطباعات والخوف من انكشاف الجهل.
نهضة الأمة كانت بالرسالة، ورأينا النموذج الأقرب للوصف والفهم في سلوك الرسول، فلم تك حياة الرسول في الخوارق وإنما كانت حياة إنسان وأسرة كأي أسرة في عصرها، والله جعل حياة الرسول كذلك ليكون درسا لأمة من عيشه في حصار وعزوف قومه عن الاستجابة فالهجرتين، علاقته مع أزواجه وحبه الذي يجعل خديجة رضي الله عنها قدوة لسلوك النساء وتفانيها لتبقى تسكن فكر الرسول ووفائه، إلى القيادة ومعناها والتعامل الإيجابي مع أصحابه وزعماء المسلمين.. هذه المحطات التي كُتب فيها وقيل الكثير تعرف القدوة، فحياة الرسول تمثل نموذجَ اليقظة في دعوته والنهضة في قيادته، وتحتاج أن تُفهم ليس كتاريخ وإنما كسيرة قدوة تنظف ما ترسب علينا كأمة بعدما رُفع عن الأمة تكليف الاختيار لحاكمها، وأضحى الحكام نموذجا للملوك يُخشى بطشهم وشرهم مع الزمن إلى أن وصلت الأمة إلى وضعنا في زاوية نظر أخرى لما وصفنا في الجزء الأول.
الأمة والمنقذ:
الناس يميلون إلى مداراة عجزهم بالخوارق والمسلمون كغيرهم من الأديان (جميعا) نقلوا الأحاديث التي تتحدث عن ظهور المخلّص وإن اختلفوا في ماهيته وظرفه. ري ابن خلدون متقدم كثيرا لفهمه الإسلام وبُعده عن هذه النظرة، فالإسلام يرتكز على الإنسان وجهده وتفكيره وليس فكرة الخلاص بأنواعه.
هذه الأحاديث والفكرة لا توافق جوهر الإسلام وفكرته في أن الإنسان له فطرة سليمة مهدية للنجدين، وأن الإنسان له أهلية ومنظومة عقلية هي من تمتلك القرار في ماهية خلقها يحاسب الإنسان لمخرجاتها وأن للكون سننا يسير وفقها بذكائه فإن خالفها خسر، فمجيء المخلص استلاب لهذه المنظومة العقلية وتشويه للغايات والذهاب إلى عبادة فكرة وجعلها محور الحياة ومهمة الإنسان في عمارة الأرض. يظهر حاكم في الشرق أو الغرب فيقولون هذا المنقذ ويبنون في أذهانهم صورة له وطاعته، فإن أخفق بخطأ تنقلب تلك الأُمنية إلى انتقام وكأنه خدعهم ولم يخدعوا هم أنفسهم. إن النفوس المهزومة الفاقدة للعقلية السوية هي نفوس محبطة، وعندما يريد الإحباط بطلا فإنه يصف ذهنيا إنسانا خارقا منزها، يسد عجزه وكسله وكل المشاعر السلبية فيه، فإن لم يحقق هذا البطل المزعوم ما يفكر به المحبَط فإنه يتحول إلى أسوأ الناس وصفا ويعد عارا بعد فخر.
تمجيد الفرد القائد وتنزيهه ليس درسا من الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، والناس يعملون لبلدانهم، فمن استثمر وهم الناس به لصالح بلده لم يخن عهده مع الناس لأنهم من وضعوه في صورة رسمها مرضهم، ووعود تنقذهم من هزيمتهم وانكسارهم هو لم ينطق بها أصلا.
المنقذ هو الفهم:
في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إفهام للناس أن يتكلوا إلى فهم واقعهم ويتعاملوا معه، وإلا لأزال الله أية عقبة تظهر أمام الرسول وصحبه فلا تكون عمليا نموذج قدوة، وعندها سنقول إن ما نواجهه يحتاج معجزة ونبي والظرف أقوى منا، ونستسلم مضحين بإرادتنا وأهليتنا إلى الأبد، لقد جعل الله جل وعلا من سيرة الرسولe نموذجا لمسائل مهمة يتعامل معها الناس:
حمل القضية: فهم الرسول للرسالة، ومعناها أنها تدعم أهلية الإنسان وما تنتجه المنظومة العقلية، يوضحه مدحه لخلف الفضول في الجاهلية وأخذه بأسهل الأمور الصحيحة، كما أن أي باحث عن الحقيقة سواء كان مسلما أو غيره، يحمل فكرا دينيا أو علمانيا أو غيره، سيأتي بأفكار تخالف ما هو موجود لأن فكره بمشكلة مجتمعه قاده لهذا فهو سيواجه الانتقاد والتسفيه وربما التخوين والتكفير، وقد يتعرض للاضطهاد وأصحابه وهذا ما حصل لرسول الله، ويمكن أن يحصل لأي منا فنصبر ونصرّ على الاستمرار لحين تحقيق النصر أو تتبدل القناعات بالمراجعة والاختلاط.
التعامل مع العامة: التنظير وحده لن يخلق الثقة وإنما ما يوافق عقلية الجمهور من الظهور والشهرة وما يخاطب انطباعاتها وغرائزها كل في اتجاه اهتمامه وتكرار البسيط إلى الأبسط، فالأبسط مما يستثير الغريزة ليشعرها بالاكتفاء لاحقا بدعاء أو رجاء أو عرض الأمل من خلال تفصيل الحدث بعاطفية لا بعقلانية؛ لأن العقل للأمور وطرحها دوما هو ضد العقلية الغوغائية التي لديها هدف ما يدور حول العيش والاستقرار واستحصال الأشياء بلا جهد، لهذا فالقدوة ليس بالضرورة له أوصاف الانطباعات عند الجمهور، بل إن حيرتهم عندما حصل خلط الأوراق فيما يسم ى الربيع العربي، ما جعلهم ينادون برأس من أنقذهم ليسومهم فراعنة سوء العذاب، وهذا التيه في البحث عن المنقذ وإحباط من يقومون بالثورات يجعلهم يأكلون بعضهم كما حدث في الثورة الفرنسية، لتنتقل إلى دورات حياة متعددة في مرحلة إعادتها إلى الملكية بعد أن لم يك مانعا عند إمبراطور كنابليون أن يفكر بتوريث حكمه دون وجود هالة الحق الإلهي التي سادت أوروبا الملكية، لكن أسقطته الملكية التي تحولت للدستورية لتعود الجمهورية بنابليون الثالث الذي كأي عسكري يتوجه للحرب فيخسر في ألمانيا.
القدوة هو في المتميز في كل عمل لكن هذا ليس دائما في منظومة تنمية التخلف، إذ عادة ما يزاح المتميز من قبل أناس تحركهم غرائزهم، ولا يجد من يعينه لكل ما ذكرنا في متن المقال، فهو ليس المنقذ دائما في نظر الناس، لكن المنقذ غالبا ما يكون حلما فإن أرادوا تحقيق أوهامهم فإن أحدا ما أو مغامرا يتصدى وسيرون كوابيس خيارهم في الواقع، وهذا لا يحتاج إلى مثال للناظر في عالمنا اليوم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات القدوة التخلف الانسان القدوة التخلف مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
قرأ كتابين.. وأفتى!
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الوصية لطلبة العلم أن يتفقَّهوا في الدين، وأن يتعاونوا على البِرِّ والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن ينشروا العلم بين الناس، أينما كانوا" الشيخ ابن باز.
*****
لا شك أن طلب العلم أمر مفيد للإنسان، والتفكر بالتعلم والدراية والمعرفة، ولعل أهم العلوم التي يحسن البدء بها والتفكر بها ودراستها هي العلوم الشرعية، من خلال الدراسة والقراءة لطلبة العلم ومشايخه الثقات، وفي ذلك خير كثير للمسلم، إذ قال تعالى: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الأنعام: 155)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (مُتفق عليه).
وطالب العلم الشرعي من ذوي الثقة يرجع إليه العديد من الناس للسؤال عما يجهلون من أمور دينهم، وفي هذا فضل عظيم ففيه تيسير للناس ونشر للعلم بطريقة عملية، وبالطبع لن يأتي الناس إلا الموثوق به أخلاقيا و علميا ولا نزكي على الله أحدا، وهنا أركز على المكانة العالية التي يفترض أن يتبوأها طالب العلم الشرعي اجتماعيًا بين عامة الناس، وبما يكلفه ذلك من مسئولية جسيمة؛ حيث العديد من الناس يربط بعض أمورهم الهامة من أحوال خاصة وما يتعلق بالعبادات و كذلك في مسائل المواريث ومصالحهم الدنيوية كأعمال التجارة والتعاملات وفقا لأجوبة الشيخ طالب العلم حول الحلال والحرام في هذه الأمور، وحتى مع تطور وسائل الاتصالات ما تزال مكانة طالب العلم الشرعي راسخة.
إنما وبناءً على ما سبق ونظرًا لأهمية الفتوى أو المشورة الشرعية، فهنا يفترض وجود شيخ أو طالب علم على كفاءة في تقدير الموقف ذو الصلة ببعض الأمور، حتى تكون الفكرة لديه واضحة ومن خلال هذا الوضوح بإمكانه تحديد الصح والخطأ والحلال والحرام، أي يتحرى الصحة فيما يقول، ويقوم بقياس الوضع بشكل دقيق، حتى يتيقن من الإجابة عن أي سؤال أو طلب فتوى، أو يلجأ للاعتذار على طريقة كفى الله المؤمنين القتال، ويقول المثل الشائع: من قال لا أدري فقد أفتى!
طالب العلم الشرعي الموثوق والذي يجتهد لخدمة دينه وخدمة الناس من خلال إبداء المشورة الشرعية، تجده ينفتح على طل جديد من متطورات العلم والتكنولوجيا ووسائل العصر المعاصر، حتى تكون لديه نبذة و فكرة تامة عما يجري من تطورات وذلك من خلال تواصله مع المختصين حتى يستطيع ربط ما يحصل مع مسائل الشرع ويتتبع مُستحداث العلم أيضا من خلال المختصين الثقات، وهذا ديدن طالب العلم الشرعي، حتى تكون الأمور في محلها ومتثبتة وواضحة للجميع وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود عبر البحث العلمي البحث.
يتذكر المتابعون ما حصل عندما تم تحريم "الستالايت" في بداية ظهوره؛ بل ووصم من يضع الستالايت بمنزله بأبشع الصفات، وكذلك الهاتف النقال الذي به الكاميرا، وما حصل بشأنه، وأيضا ما حدث حول قيادة المرأة للسيارة وتبعات ذلك، لك أن تتصور طالب علم يحرم كل ما سبق ثم تجده يحللها بعد ذلك، ليس بسبب فتوى علمية شرعية، إنما بسبب قرارات حكومية أتاحت هذه الأمور للناس وأهمها قيادة المرأة للسيارة!
القصة ليست هكذا فقط؛ بل عندنا في الكويت هناك من يُحرِّم "القرقيعان" وهي عادة تتجدد في رمضان تتعلق بالأطفال؛ حيث يقوم الأطفال بالتجول عبر البيوت القريبة بأهازيج يغنونها حاملين أكياسا حيث يأخذون القرقيعان من أهل البيوت والقرقيعان عبارة عن حلويات ومكسرات متنوعة، وتوقيت هذه العادة في منتصف الشهر الكريم بعد صلاة التراويح. وحدث أنه في السنوات الماضية وحتى الآن على ما اظن أن بعض طلبة العلم الشرعي حرَّموا هذه العادة لأسباب عديدة، وأيضا العديد من طلبة العلم الشرعي اعتبروا الموضوع لا يخرج عن اللهو المباح، وما تزال الاختلافات حول ذلك!
طالب العلم الشرعي يفترض فيه سعة الأفق، وفهم الأمر الواقع وتطورات الحياة، و التيقن من أي مسألة بسؤال المختصين بها علميا حتى تتكون الصورة أمامه كاملة، لأن هناك الكثير من المسائل المعقدة التي تحتاج البحث من خلال مختصيها وعلمائها الثقات الذين يعينون طالب العلم الشرعي بإعطاء نبذة وفكرة واضحة لا لبس فيها، حتى يتمكن من خدمة دينه و تنوير الناس السائلين، ليس معقولا أن يأتي حديث عهد بالعلم الشرعي ويجيب عن المسائل الشرعية ذات الجدل، وبدون أساس علمي فقط بناء على قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد!
لا أن شك بلادنا تفتخر بطلبة العلم الشرعي الثقات، الذين كانوا وما يزالون هم شمعة الأمة ونبراسها، وهم القدوة للذين يقومون بخدمة الناس بمسائل دينهم، ويتعبون على التعامل مع المسائل المعاصرة لخدمة الدين والناس، نفع الله بهم وزادهم علما.
قال العلامة السعدي رحمه الله: "من تعلم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته، وأجره الذي ينمى".
رابط مختصر