القدس المحتلة- في الوقت الذي يروج فيه الجيش الإسرائيلي أن العملية العسكرية الواسعة في لبنان تهدف إلى إعادة الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم منذ اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى البلدات الحدودية والجليل الأعلى يتضح أن الكثير منهم لا يبدون رغبة بالعودة إلى مسقط رأسهم بعد انتهاء الحرب.

وعلى الرغم من مرور عام ونيف على معركة طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس على مستوطنات "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية في الجنوب فإن نحو 120 ألف إسرائيلي لم يعودوا -ومنهم 70 ألفا من الجليل الأعلى وبلدات حدودية مع لبنان- إلى منازلهم بعد إجلائهم منها بسبب الحرب.

وبالنسبة للكثير منهم فإن العودة إلى منازلهم ليست موجودة بالأفق رغم تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي بأنه سيكون بإمكان سكان المناطق الشمالية العودة في غضون الأسابيع المقبلة، إذ إن لإخلاء البلدات الحدودية دلالات ومعنى اقتصاديا واجتماعيا وعائليا صعبا، وفق ما أفاد تقرير الملحق الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

أفق مظلم

واستعرضت الصحيفة في تقرير لها تجربة عيدو أدلر، وهو أحد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من بلدة كريات شمونة، وأب لـ4 بنات، أكبرهن تبلغ 14 عاما والصغرى 7 أعوام، وكان لديه متجر لمستلزمات الهواتف الخلوية في المدينة، وقد أُغلق خلال أشهر الحرب.

وفي الوقت الحالي، تعيش العائلة في شقة مستأجرة في مستوطنة رمات يشاي قرب بيسان، وبدأت الفتيات في الالتحاق بالمدارس في المستوطنة، لكن عيدو لا يرى في الأفق العودة إلى المدينة المقصوفة.

وقال عيدو "خلال الشهرين الأولين من الحرب كنت لا أزال أعمل في متجري في كريات شمونة، وفي الشهر الثالث كنت أقدّم أكبر قدر ممكن من المساعدة لجنود الاحتياط، ولم أكن أعمل حقا، ثم أدركت أنه لم يكن مربحا بالنسبة لي أن أبقي المتجر مفتوحا، لأنه لا يوجد أشخاص في المدينة، ومنذ ذلك الحين لم أعمل".

وأوضح أنه من الصعب عليه العودة إلى كريات شمونة التي سكنها لمدة 10 سنوات وأسس عائلة وأقام مصلحة تجارية فيها، قائلا "في الحقيقة من أصعب الأمور التي حدثت لي أنني فقدت كل ما أسسته، علي أن أعيد تأسيس نفسي وتأهيل عائلتي من جديد والاندماج في المكان الجديد وإيجاد عمل".

قائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي اللواء رافي ميلو أثناء زيارته المناطق المتضررة في الشمال (شبكة قدس) لا رغبة بالعودة

وتكشفت هذه الانطباعات من خلال استطلاع للرأي أجراه معهد "مأجار موحوت" بأوساط 500 شخص تم إجلاؤهم من منازلهم في الشمال والجنوب، إذ اتضح أن 50% من الأشخاص يمثلون عائلات ممن تم إجلاؤها من "غلاف غزة" لا يفكرون في العودة إلى مستوطناتهم.

وأظهر الاستطلاع أيضا أنه من بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجليل الأعلى والبلدات الحدودية مع لبنان لا ينوي 70% العودة إلى المستوطنات التي تم إجلاؤهم منها حتى لو انتهت الحرب، كونهم لا يشعرون بالأمن والأمان لعائلاتهم.

وادعى معظم الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في الاستطلاع أنهم لم يتلقوا مساعدة توظيف وتشغيل كافية من الحكومة الإسرائيلية، ويمنحون الحكومة درجة سيئة إلى سيئة جدا في التعامل مع العائلات التي تم إجلاؤها من منازلها وفي معالجة احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية وكذلك وضعهم الوظيفي.

وتشير الأرقام إلى أن من بين سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم كان 67% منهم موظفين بدوام كامل، و20% بدوام جزئي، و13% يعملون لحسابهم الخاص، في حين تدهور وضعهم الوظيفي والتشغيلي بشكل كبير.

وفي الوقت الحالي يعمل 39% فقط من هؤلاء السكان عمالا بدوام كامل، و17% يعملون موظفين بدوام جزئي، و10% منهم يعملون لحسابهم الخاص، في حين 32% من سكان الشمال لا يعملون حاليا.

عسكري وسياسي

وتأتي نتائج الاستطلاع خلافا لموقف الجيش الإسرائيلي الذي يعتقد أن سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم سيتمكنون من العودة إليها تدريجيا خلال أسابيع قليلة بعد إعلان انتهاء العملية البرية، والتي يقدر أنها ستستمر بناء على توجيهات المستوى السياسي الإسرائيلي بضعة أسابيع أخرى.

وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإن من المتوقع أن يعلن الجيش الإسرائيلي زوال التهديد للمستوطنات في الشمال، وتدمير قدرات حزب الله على التوغل البري، وأنه غير قادر على العمل كمنظمة عسكرية منظمة بسبب تعرضه لأضرار جسيمة، إذ يقدر الجيش أن نحو ثلثي قدرات الحزب الصاروخية تضررت في بداية العملية العسكرية قبل قرابة 3 أسابيع.

لكن يانيف كوبويتش المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" يقدر أن التوغل البري للجيش في جنوب لبنان لا يمكن أن ينتهي بعملية عسكرية فقط، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية يجب أن تكون مصحوبة بمسار سياسي حتى يكون من الممكن التوصل إلى تسوية مع لبنان، وهو ما من شأنه أن يمكن العائلات الإسرائيلية من العودة إلى بيوتها.

ترميم الضرر

لكن مع استمرار العملية العسكرية لا تعتقد أبناء أغلبية كبيرة من العائلات التي تم إجلاؤها -سواء من الشمال أو الجنوب- أن الإجراءات المختلفة التي تتخذها الوزارات الحكومية ستساعدهم في مجال التوظيف وإيجاد فرص عمل، بحسب المحامية تالي نير الرئيسة التنفيذية لـ"جمعية 121″ التي تقود شراكة تضم 50 منظمة تجارية واجتماعية تعمل على الاستثمار في تنمية فرص العمل للأشخاص الذين تم إجلاؤهم.

ونقل الموقع الإلكتروني "والا" عن المحامية نير قولها إن "إسرائيل تواجه أزمة توظيف حادة بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، ومعظمهم من الشمال، إذ أفاد 32% بأنهم لا يعملون على الإطلاق، وأن مهاراتهم المهنية تتآكل، وهذا يشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد والصحة العقلية لهؤلاء الأشخاص، وأن هذا سينعكس سلبا على سوق العمل والمجتمع الإسرائيلي".

ومن وجهة نظر المحامية الإسرائيلية، فإن الأزمة هي أيضا فرصة، وتقول "من المهم الاستفادة من هذه الفترة لدعم أولئك الذين لا يعملون، وتمكينهم من دراسة دورة مهنية وتأهيل والحصول على دعم نفسي ووظيفي، ولكنهم يحتاجون إلى تمويل من الحكومة لذلك".

وتعتقد أن الاستخدام السليم لهذه الفترة سيسمح بالنمو الاقتصادي والتأهيل الاجتماعي السريع بعد الحرب، قائلة إن "هذه ليست أزمة شخصية فقط بالنسبة لهذه العائلات، ولكنها أيضا قضية اقتصادية وطنية أساسية ستؤثر على الاقتصاد في إسرائيل لعقود قادمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات الذین تم إجلاؤهم من الجیش الإسرائیلی العودة إلى

إقرأ أيضاً:

العودة الإجبارية للجامعات المهاجرة تثير مخاوف طلاب السودان

أثار القرار الذي أصدرته وزارة التعليم العالي السودانية يوم الأربعاء، والقاضي بإلزام الجامعات الحكومية والخاصة التي ظلت تواصل عملها عبر مراكز خارج البلاد، بالعودة الفورية واستئناف عملها من داخل السودان وإغلاق مراكزها الخارجية، مخاوف كبيرة من تعرض الطلاب مجددا لمخاطر أمنية وضياع المزيد من السنوات الدراسية في ظل غياب مؤشرات لنهاية الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
وقبل اندلاع الحرب كان نحو مليون طالب يدرسون في 155 جامعة وكلية متخصصة، يقع 60 في المئة منها في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، والتي شهدت اشتباكات واسعة أدت إلى أحداث دمار هائل في البنى التحتية للجامعات مثل المكتبات والمعامل وغيرها من المنشآت المهمة.
وفي أعقاب اندلاع القتال عملت العديد من تلك الجامعات على فتح مراكز لها في الدول التي تشهد تمركزات كبيرة للسودانيين الفارين من القتال.
وعلى الرغم من التكاليف المالية العالية التي تحمّلها الطلاب، إلا أن تلك المراكز ساعدت عشرات الآلاف على الاستمرار في الدراسة، وتمكنت بعض الجامعات من إكمال 4 فصول دراسية في مراكزها الخارجية.
ويأتي القرار الجديد لوزارة التعليم العالي السودانية على الرغم من استمرار القتال في معظم أنحاء البلاد، وعدم توفر الظروف اللازمة لعودة أكثر من 15 مليون شخص فروا من مناطقهم خصوصا مدن العاصمة الخرطوم ومدن إقليم دارفور وكردفان التي تشكل مركز الثقل السكاني في البلاد، إذ كان يعيش فيها أكثر من 45 في المئة من مجمل سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 48 مليون نسمة.
وإضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بمباني ومنشآت معظم الجامعات الرئيسية، تشتت السبل بالآلاف من أساتذة الجامعات الذين هاجر بعضهم نهائيا إلى دول أخرى بعد اندلاع الحرب.
صعوبات عملية

وصف محمد يوسف الأستاذ في جامعة الخرطوم وأحد مؤسسي تجمع المهنيين السودانيين قرار العودة الإجبارية بأنه “غير مدروس”، وستواجهه مصاعب كبيرة، معتبرا أنه يهدف للإيحاء بأن “الوضع بالداخل آمن و تحت السيطرة”.

وفي حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أشار يوسف إلى صعوبات عملية وواقعية كبيرة، أوضحها قائلا: “تعاني الجامعات بالداخل من دمار واسع في بنيتها التحتية الضرورية لأي عملية تعليمية ذات معنى، كما أن الطلاب والأساتذة سيواجهون مشكلة كبيرة في إيجاد السكن المناسب والآمن، إضافة إلى غياب الخدمات الضرورية للمعيشة من مياه و كهرباء”.
وأضاف يوسف: “ستترتب على الجامعات خسائر مادية كبيرة إذا أجبرت على إخلاء مراكزها الحالية في الخارج بهذه الطريقة المتعجلة”.
ويرى خبراء ومختصون أن إصلاح الدمار الذي لحق بالجامعات سيحتاج إلى سنين عديدة بعد انتهاء الحرب، خصوصا أن معظم الجامعات كانت تعاني من شحّ الموارد وضعف التمويل، مما يجعل من الصعوبة بمكان تعويض الأضرار التي لحقت بالمكتبات والمعامل والمنشآت الأساسية والتي ستتطلب مبالغ كبيرة.
كما يتوقع أن تواجه الجامعات أزمة كبيرة في استعادة أعضاء هيئات التدريس وغيرهم من الكوادر المساعدة والذين اضطر نحو 70 بالمئة منهم للهجرة والعمل بجامعات ومؤسسات بحثية في الخارج، وفقا لبيانات غير رسمية.
رفض مهني

أعلن تحالف تجمعات أساتذة الجامعات السودانية رفضه للقرار، وطالب باتخاذ إجراءات تضمن عودة تدريجية ومنظمة تأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والإنسانية والاقتصادية التي تواجه منسوبي الجامعات من طلاب وأساتذة وعاملين.
وقال التحالف إن القرار لم يضع في الاعتبار الواقع الذي فرضته الحرب والتحديات الجسيمة التي تواجه المؤسسات الأكاديمية.
وأكد أن الحرب تسببت في دمار شامل للجامعات السودانية حيث دمرت البنى التحتية لمؤسسات التعليم العالي وأجبرت العديد من الأساتذة والعاملين على الهجرة خارج السودان.
ودعا التحالف إلى إجراء تقييم شامل للوضع الراهن للجامعات وتحديد الاحتياجات الأساسية التي تضمن العودة الآمنة والفعالة، ووضع خطة واضحة لتعويض الأساتذة والعاملين عن الأضرار التي لحقت بهم على المستويين المادي والنفسي، وتوفير بنية تحتية مناسبة تضمن استقرار العملية التعليمية في بيئة آمنة ومجهزة.
مخاوف كبيرة

تقول نهى عثمان إنها عندما اندلع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف أبريل 2023، كانت تستعد لبدء الفصل التاسع في كلية الطب بإحدى الجامعات الحكومية، بينما كان شقيقها محمد عثمان قد بدأ للتو الفصل السابع بكلية الطب أيضا في جامعة خاصة، لكنه اليوم بات على وشك التخرج حيث كانت جامعته من أوائل الجامعات التي نقلت مقارها للخارج في أعقاب القتال.
وأوضحت عثمان لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه “بعد الانتقال المتأخر لجامعتنا إلى الخارج شعرنا ببعض الاستقرار رغم ضياع وقت طويل كان كفيلا بتمكيننا من إنهاء دراستنا، لكننا اليوم نشعر بالقلق من عودة حالة عدم الاستقرار فالعاصمة والمدن الأخرى التي تتركز فيها الجامعات لا تزال تشهد عمليات قتال وهجمات بالقصف الجوي والمسيرات مما يجعل من المستحيل استمرار الدراسة”.
واختتمت حديثها قائلة: “استفاد الطلاب كثيرا من نقل جامعاتهم إلى الخارج حيث أدى ذلك إلى استمرار الدراسة دون انقطاع فشقيقي الذي كنت أتقدم عنه بفصلين دراسيين بات على وشك التخرج ولا يدري حجم العقبات التي قد تواجهه بعد الانتقال إلى السودان”.

سكاي نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • اشتباكات بالكنيست الإسرائيلي بين عائلات قتلى إسرائيليين ورجال الأمن
  • 3 منهم في حالة خطرة.. إصابة 4 أشخاص في عملية طعن شمال كيان الاحتلال الإسرائيلي
  • العودة الإجبارية للجامعات المهاجرة تثير مخاوف طلاب السودان
  • إعلام عبري: رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد يعقد اجتماعا لبحث استعدادات العودة للقتال بغزة
  • هل تعوض قناة السويس خسائرها بعد انتهاء الحرب في غزة؟
  • العودة إلى نقطة الصفر!
  • إعلام إسرائيلي: نتنياهو يدرس خيارين لتطورات الوضع في غزة
  • حماس وإسرائيل.. هل تستأنف المفاوضات أم الحرب؟
  • مسؤولين إسرائيليين: إسرائيل طلبت تمديد الاتفاق بـ42 يومًا دون التطرق في وقف الحرب