مع تواصل استشهاد كبار قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والذين كان آخرهم قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يحيى السنوار، ظهر بشكل لافت من حديث الكثير من العرب والمسلمين في أغلب البلدان وفي المهجر مدى رغبتهم في نيل "المقاومة"، و"الصمود"، و"تحرير الأرض المحتلة".

كما أشاد كثيرون ببيان "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي أكد على استمرار المقاومة رغم توالي استشهاد القادة، بقوله: "واهم هذا العدو المجرم إذا ظن أنه باغتيال قادة المقاومة العظام من أمثال السنوار، وهنية، ونصر الله، والعاروري، وغيرهم، يمكن أن يخمد جذوة المقاومة أو يدفعها للتراجع".




وبعد ظهور "تنظيم الدولة" عقب "ثورات الربيع العربي"، جرى تشويه كلمات مثل "الجهاد" في الإعلام الغربي وإعلام الحكومات العربية، ولكن بدأت تلك المصطلحات تتحول بعض الشيء لتعود لمكانتها الطبيعية في الإعلام وفي نفوس العرب والمسلمين مع "طوفان الأقصى" منذ انطلاقة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ويرى مراقبون ومحللون بينهم الباحث في التربية السياسية يحيى سعد، أنه "لو أجرينا استبيانا عاما هذه الأيام وسط شرائح الشباب لوجدنا طوفانا من المشاعر الفياضة بحب الشهادة"، مؤكدا أنها "نقلة نوعية في التوعية السياسية المأمولة، والتربية السياسية المفقودة".



وتحت عنوان "السنوار مصدر إلهام للمقاومين"، كتب الصحفي المصري ممدوح الولي، في مقال منشور بـ"عربي21"، مؤكدا أن السنوار بعد أن "أدى مهمته النضالية بكل اقتدار، أصبح أيقونة للإنسان المقاوم في أنحاء العالم"، مشيرا إلى أنه نضال "يزيد تعلق الشعوب العربية المتعطشة لحرية فلسطين بالمقاومة".

وفي السياق ذاته يقول الكاتب الصحفي قطب العربي، في مقال له نشره "عربي21": "حالة الحب والانبهار بالشهيد السنوار في مصر هي جزء من حالة عامة عمت ربوع العالمين العربي والإسلامي، بل شملت جميع الأحرار في العالم"، مؤكدا أنه "لا ينبغي أن تتوقف عند حالة الانبهار، أو الدعم المعنوي".

"عربي21"، استطلعت آراء بعض الشخصيات المؤثرة والوازنة حول مدى قبولهم بهذا الطرح، وحجم تأثير صمود المقاومة على الشعوب والشباب وهل هو "واسع أم محدود"؟، وطبيعة هذا التأثير وهل هو "افتراضي أم واقعي"؟، وأهم دوافعه وتداعياته، وهل هي: اجتماعية، دينية، سياسية، أو اقتصادية؟.

كما طرحت التساؤل: هل هو مجرد موجة تعاطف وقتي وينتهي أم قد يتحول لأثر على الأرض؟، وما سيناريوهات تعامل الأنظمة الحاكمة معه إن تحول إلى حراك حقيقي؟.

"مشاعر تعيقها الأنظمة"
وهنا يقول القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، همام علي يوسف، إن "الحقيقة التي يلمسها الجميع أن هناك مشاعر إيجابية حقيقية لدي كثير من شعوبنا العربية والإسلامية نحو ما يحدث في فلسطين عامة وغزة خاصة، لاسيما بعد استشهاد القادة واحدا تلو الآخر".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يضيف أن "الكثير من الشباب والكبار لو أتيحت لهم فرصة المشاركة في الجهاد مع أهلنا في غزة ما تأخروا؛ ولكن تقف الأنظمة عائقا حقيقيا أمام الشعوب".


ويؤكد أن "تلك الأنظمة بمثابة وكلاء عن المستعمر الحقيقي ويقومون بإسكات حتي الكلمة التي تستنكر ما يحدث لأهلنا في غزة وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين".

ويمضي قائلا: "هناك كثير من الشباب والكبار إذا أُتيحت لهم فرصة المشاركة مع إخوانهم في غزة ما تأخروا؛ فالقلوب تتوق إلى لحظة النصر وتحرير مقدساتنا".

"لن تتركهم الحكومات"
أما الأكاديمي العراقي الدكتور حارث قطان، فيقول لـ"عربي21": "إبتداء أعادت عملية طوفان الأقصى، الحديث عن قضية فلسطين، وأعادتها للواجهة بعد أن تلاشت لسنوات مضت لصالح قضايا أخرى".

ويوضح أنه "خلال صمود غزة البطولي بدأ حراك شعبي كبير متضامن مع القضية الفلسطينية؛ لاسيما لدى الشباب الذين أصبحوا يسمعون بالقضية الفلسطينية، وكذلك عمليات الاستشهاد والمواقف البطولية للمقاومة في غزة".

ويختم حديثه متسائلا: "هل ينفع النفس الشعبي والوقوف مع المقاومة في ظل حكومات رهنت نفسها لأمريكا وإسرائيل؟".

"موجات تسونامي قادمة"
وفي رؤيته يقول السياسي المصري ياسر عبدالعزيز، إن "المقاومة مشروعة ومشرعنة في المواثيق الدولية والشرائع الدينية؛ ولعل العهد الدولي للحقوق المدنية قد شرع حق الشعوب التي تم استعمارها باستخدام كل الوسائل للخروج من وطأة الاستعمار حتى استخدام القوة والمقاومة المسلحة".

القيادي في حزب "الوسط" المعارض، في حديثه لـ"عربي21"، يضيف: "لاشك أن الكيان المحتل دخل غزة وبحسب اتفاقية (أوسلو 1993) فالقطاع جزء مستقل من السلطة الفلسطينية التي تم إقرارها وفقا لهذا الاتفاق في الأمم المتحدة".

ويوضح أنه "من ثم فما يحدث في غزة والضفة من انتهاكات بل مجازر وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني، يجوز لأهل غزة والضفة مقاومة الاحتلال بكل الطرق ومنه المقاومة المسلحة".


يلفت إلى أن "حالة استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار في غزة، بهذا المنظر كان ملهما للشباب الفلسطيني، ورأينا مقطعا مصورا الأحد الماضي، لمقاوم فلسطيني يقاتل حتى الرمق الأخير، كقائده السنوار، حيث كان محاصرا وظل يقاوم حتى آخر طلقة وآخر لحظة".

ويرى أن "هذه الحالة للسنوار، والمشهد الذي أُخرج لاستشهاده أصبح ملهما لكل العرب والمسلمين؛ وأظن أن السنوار نفسه لو أحب أن يخرج مشهدا لمقتله فلن يخرجه بهذه الروعة، وأظن أن الاحتلال لم يكن ليرغب في خروج هذا المشهد بهذا الشكل، وأظن أيضا أن هذا المشهد تم تسريبه على غير رضا قادة الاحتلال".

ويؤكد أن "المشهد في النهاية كان ملهما، وكان دافعا، ولعل عملية الأردن الجمعة الماضية، كانت ردا واضحا نتيجة للمشهد الذي رآه العالم، وعلينا أن نقف مليا أمام أحد المحللين الإسرائيليين الذي أكد أن السنوار لم يكن مختلا كما يدعي الإسرائيليون، ولكنه كان صاحب مبادئ ومقاوما حتى آخر لحظة، وهذه شهادة الأعداء".

لذلك يرى عبدالعزيز، أن "الوضع بفلسطين ولبنان واليمن سيمتد وينتشر، والآن الأردن بعد هذه العملية؛ كموجات تسونامي ستقتلع الكيان، ومشهد السنوار أظنه نسف عمليات التطبيع الجارية منذ كامب ديفيد، ووادي عربة الأردنية، ثم التطبيع الخليجي الإماراتي البحريني، وكل المحاولات لتثبيت جذور الكيان عبر مشهد صغير لم يتعد 30 ثانية".

ويعتقد أن "الحكومات العربية سيكون لها رد فعل عنيف خلال الفترة القادمة، وأن تكون الأجهزة الأمنية أكثر يقظة؛ ولكن كل هذا سيقف بين الشعوب وحكامها ويزيد الفجوة بينها؛ لأن الشعوب قالت كلمتها بأنه لا مكان لكيان ولا تطبيع، وفي النهاية سيرضخ الحكام شاءوا أو أبوا، وهذا المشهد سيكون له الأثر الكبير والرمزية الأبقى".

"نماذج الصمود الأسطوري"
ويقول الباحث يحيى سعد، في حديثه لـ"عربي21"، إن "الإنسان بطبيعته يتأثر  بالأفعال أكثر الأقوال، لتعبيرها الأكثر صدقا عن مواقف أصحابها؛ وليس هناك فعل يمكن أن يتمتع بالمصداقية أكثر من تضحية الإنسان بنفسه وماله في سبيل مبادئ يؤمن بها، وقضية يدافع عنها".

ويضيف: "كلما كانت تلك المبادئ تتسق مع ما عرفته المجتمعات الإنسانية والقيم المشتركة بين الشعوب كان حجم التعاطف مع أصحابها وحامليها أكبر مهما اختلفت المنطلقات والأيديولوجيات"، ملمحا إلى أن "أبرز تلك المبادئ والقيم: الحرية، والعدل، والمساواة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من الاحتلال".

ويرى أنه "إذا كانت قضية فلسطين اكتسبت تعاطفا شعبيا عالميا واسعا بأوساط الشباب الغربي خاصة بعد حجم الدمار وإبادة المدنيين من نساء وأطفال غزة؛ فإن نماذج الصمود الأسطوري التي يصنعها قادة المقاومة وتنقلها وسائل الإعلام تُحدث تناميا متراكما بوجدان الشعوب الحرة والشعوب المسلمة، لأنها حينئذ تجمع بين دوافع الجهاد النظرية وصورته العملية".


ويعتقد أنه "إذا كانت الأعمال الدرامية المتميزة تؤثر في وجدان المشاهدين حتى درجة البكاء؛ فالصور البطولية الواقعية -تنقلها العدسات لقادة المقاومة وكان آخرها مشهد صمود السنوار- كفيلة بتهشيم حواجز خوف كرستها أنظمة مستبدة بنفوس شعوبها، وقادرة على تغيير ميولهم واهتماماتهم، وتقوية إرادتهم وزيادة رغبتهم بالتضحية والفداء، خاصة الشباب".

"نقطة انطلاق"
وفي إجابته قال عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور وصفي أبوزيد: "أقام الله تعالى الكون على السنن ومن بينها سنة التدافع، وما نراه في (طوفان الأقصى) على أرض فلسطين تجلي واضح لهذه السنة، ولاشك أنه أثناء التدافع يرتقي شهداء وتسيل دماء، ويفوز الشهيد بالمنزلة العظيمة ويترك أثره بالحياة، ويؤجج بدمائه الذكية مشاعر المسلمين".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وباستشهاد القائد المغوار يحيى السنوار ،الذي لقي الله وبيده السلاح، وطوال العام على هذا النحو ينازل الأعداء من مسافة صفر، ولقى الله شهيدا، فهذه الدماء نارا تحرق المحتلين ونورا يضيء طريق المجاهدين وللأمة سبيل المقاومة".

وأكد أن "محاولات تشويه مصطلحات ومفاهيم إسلامية كالجهاد والخلافة ستنتهي، فأين (تنظيم الدولة) الآن في سوريا والعراق؟، لا جسر له، ولكن العالم الآن يذكر القائد السنوار، وبطولته وأسطوريته، ومعركة الطوفان أحيت الجهاد في أسمى معانيه".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية المقاومة السنوار غزة الطوفان غزة المقاومة السنوار الطوفان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین قادة المقاومة طوفان الأقصى فی حدیثه لـ فی غزة

إقرأ أيضاً:

الشعوب تكسر الطوق والنظم تُحكِم المحاصرة والتطويق.. قاموس المقاومة (50)

استوقفني مشهد عملية البحر الميت وكان دافعا لاختيار عنوان هذا المقال، ويؤكد أننا بين مشروعين، أولهما هو مشروع تطويق المقاومة وحصارها، وثانيهما يتعلق بالشعوب وكسر الطوق عنها وفك الحصار عن مقاومتها.. فاستوقفني هذا المشهد بتسلل ثلاثة من المواطنين الأردنيين إلى الأراضي المحتلة ليشكلوا بذلك عملا متراكما ومتواترا في استهداف العدو وأمنه الذي يزهو به، فإذا به يفقده من كل صوب وحدب، فتأتيه هذه الاختراقات من الأردن تارة ومن مصر تارة ومن لبنان وسوريا تارة أخرى رغم أنف الأنظمة. مثل هذه العمليات هي الرد العملي على مخططات الاستيطان ليس فقط لفلسطين، ولكن للمشاريع المفروضة من الخارج مثل مشروع الشرق الأوسط.

وقد كتبنا في مقال سابق عن مفهوم الشرق الأوسط ومفهوم دول الطوق؛ وأكدنا في عدة كتابات أن الشرق الأوسط ليس مجرد مفهوم فقط يرتبط بالمعاني، ولكنه في واقع الأمر مشروع يتعلق بالمباني المقصودة في فك المنطقة وإعادة تركيبها بما يحقق أهداف من أطلقه واصطنعه على عينه؛ هادفا إلى تحقيق استراتيجياته ومقاصده الكبرى ومصالحه الكولونيالية القديمة والجديدة على حد سواء.

وتوترات عدة أحداث خاصة بعد الطوفان لتوضح هوان الحال وفرض المصطلح الخطير في المجال؛ وجرى على ألسنة الزعماء المزعومين غافلين عن عمليات تسميمه وخطورته، وأخطر من ذلك استخدام المجرم "نتنياهو" لخرائط تهدف إلى تصنيف الدول وفقا لهواه؛ من دول وأهل الخير الذين خضعوا واستسلموا لخطة الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية لأهل غزة وفلسطين؛ أما أهل الشر فهم من قاوموه أو لديهم شبهة مقاومة.

الشرق الأوسط سواء كان قريبا أم بعيدا؛ كبيرا أم محدودا صغيرا؛ متسِعا أو مُضَيقا؛ قديما أم جديدا؛ هو مشروع تتجدد طبعاته؛ ويتسع ويضيق وفقا لمصالح من أطلقه، وهو في حقيقته تعتمل في جوفه مفاهيم أخرى تتسلل ثم تقوم بعمليات تسميم كبرى في عالم المعاني وكسر الإرادات، وتمرير نسخة السلام الأمريكي الصهيوني المسمى بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية
الشرق الأوسط سواء كان قريبا أم بعيدا؛ كبيرا أم محدودا صغيرا؛ متسِعا أو مُضَيقا؛ قديما أم جديدا؛ هو مشروع تتجدد طبعاته؛ ويتسع ويضيق وفقا لمصالح من أطلقه، وهو في حقيقته تعتمل في جوفه مفاهيم أخرى تتسلل ثم تقوم بعمليات تسميم كبرى في عالم المعاني وكسر الإرادات، وتمرير نسخة السلام الأمريكي الصهيوني المسمى بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان التسوية.

وقد خاضت الأنظمة شبه المستقلة حروبا نظامية متعددة منذ العام 1948 مع الكيان الصهيوني؛ تفوق فيها ذلك الكيان بدعم الغرب والمحاربة معه، ورغم كل تلك الهزائم لم تفق الأنظمة؛ ولم تكن صحوتها في حرب أكتوبر عام 1973 إلا عملا استثنائيا؛ سرعان ما خسرت تلك النظم ما كسبته عسكريا مطوقة بهزيمة سياسية من العيار الثقيل. وفي ظل توالي النكبات والهزائم العربية خرجت علينا المنظومة العربية والغربية معا بمعزوفة واحدة حول مقولة دول الطوق، وقد تطورت سياسات تلك الدول مع إسرائيل بشكل كبير على مر الزمن، وهذه التطورات يمكن تلخيصها في عدة مراحل رئيسة:

مرحلة الصراعات المسلحة: كانت هذه الدول، مثل مصر وسوريا والأردن، تتبنى سياسات معادية لإسرائيل، مما أدى إلى صراعات مثل حروب 1948 و1967 و1973، وقد كانت هذه الدول تدعم القضية الفلسطينية وقضيتها العادلة.

مرحلة اتفاقيات السلام: وهي تلك المرحلة التي شهدت توقيع اتفاق كامب ديفيد، وقد ترتب عليها الكثير من الأمور في المنطقة خاصة بعد مقاطعة الدول العربية لمصر، كما زاد من تعقيد هذه المشهد العدوان الإسرائيلي على لبنان مطلع الثمانينيات، واستكملت هذه المرحلة بتوقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، سواء أوسلو أو وادي عربة مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

مرحلة الهرولة نحو التطبيع: حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورات جديدة في العلاقات، مثل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول مثل الإمارات والبحرين والسودان عبر اتفاقات أبراهام 2020، وتراجع الدعم للقضية الفلسطينية، والتماهي مع العربدة الإسرائيلية في المنطقة.

المرحلة الحالية، انحدار ما بعد التطبيع: وفيها تصاعد الصراعات وتفاقمها في معظم دول الطوق، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية وخطورتها، إلا أن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أسس لرؤية جديدة في التعامل مع إسرائيل، وأوقف المشروع الصهيوني؛ سواء فيما يتعلق بترتيب أوضاع المنطقة، أو على مستوى تطوير علاقاتها التطبيعية مع الدول العربية. كما أن هذا الحدث المؤسس يعبّر بدرجة مركزية عن جهود الشعوب العربية في مقاومة ومواجهة الكيان الصهيوني، وكيف أن الشعوب ترفض مسارات النظم الرسمية التي تخضع للرؤى الأمريكية والإسرائيلية، ومن ثم فإن السابع من أكتوبر جاء ليبلور هذا الدور الشعبي ويرمزه، ومن هنا نستطيع أن نلقي نظرة سريعة على المقاومة الشعبية في دول الطوق في مواجهة الكيان الصهيوني.

لا يمكن الوقوف بشكل حصري على كل وقائع وعمليات وأحداث المقاومة الشعبية التي واجهت إسرائيل من دول الطوق العربية، بما في ذلك العمليات التي تمت من داخل الأراضي المحتلة، فهي أكبر من أن يحاط بها في مقال واحد، وإنما الأمر من الممكن أن يُجبر في إطار استعراض أبرز العمليات التي واجهت بها الشعوب العربية الاستيطان الإسرائيلي؛ ووجهت رسائل مباشرة إلى العدو الصهيوني بأنه احتلال غاشم ودخيل ولا يمكن أن يتم استيعابه أو قبوله بين شعوب ودول المنطقة، وأن مسارات التطبيع التي تتم بين الحين والأخر تخص فقط من قام بالتوقيع عليها ولا تعبر عن الشعوب العربية بأي حال من الأحوال.

ومن الممكن أن نبدأ بالانتفاضات الفلسطينية، سواء الانتفاضة الأولى أو الثانية، وصولا إلى عمليات المقاومة الأكثر مباشرة وشجاعة وهي تلك التي يواجه فيها فرد واحد أو اثنان آلة الصلف والغرور الإسرائيلي، إضافة إلى الحروب التي قامت بها المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وصولا إلى ذلك اليوم الذي سيبقى في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الكيان وهو يوم السابع من أكتوبر. ولم تتوقف العمليات الفلسطينية اليومية منذ ذلك التاريخ سواء من غزة أو من الضفة، وهي جميعها علامات فارقة في تاريخ المقاومة والحروب وتؤخذ منها الدروس والعبر في الإقدام والشجاعة والكفاءة القتالية، وليس آخرها الصمود الأسطوري الذي قدمه القائد يحيي السنوار (أبو إبراهيم)، وكذلك مواجهة لبنان للصلف والغرور الإسرائيلي سواء بكسر أنفه عام 2006، أو العمليات المزلزلة التي يتعرض لها في الوقت الحالي خلال محاولاته اقتحام الجنوب اللبناني، حيث تقدم المقاومة اللبنانية أروع الأمثلة في مواجهة هذا الاحتلال وتكبيده الخسائر الكبيرة.

المقاومة التي تواجه الكيان الصهيوني تضامنا مع طوفان الأقصى من كل من مصر والأردن لها سوابق تاريخية؛ من مثل سليمان خاطر، وأيمن حسن، ومحمد صلاح، وصولا إلى بعض العمليات التي تزامنت مع طوفان الأقصى. وفي الأردن لم تكن عملية البحر الميت أو عملية جسر الملك حسين هما فقط ما قدمه الشعب الأردني للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، فقد سبق هذا العديد من العمليات التي عكست عن وعي الشعب الأردني وإيمانه بقضيته العادلة في مواجهة الكيان الصهيوني.

فقد كشفت السلطات الإسرائيلية خلال العام الماضي توقيفها لعدد من الأردنيين بحوزتهم أسلحة لاستهداف الإسرائيليين، إضافة إلى العملية التي نفذها محمد فيصل السكسك عام 2007، وأحمد الدقامسة عام 1997، وفي العام نفسه عملية سونا الراعي، وعملية مروان عرندس وخليل زيتون ورائد الصالحي عام 1991، وسلطان العجلوني عام 1990، وقد شهد ذلك العام أكثر من عملية سواء باستهداف الإسرائيليين بالسلاح الناري أو السكين.

فقد أكدت مثل هذه العمليات وجود رفض شعبي لهذا الكيان، وأن الشعوب تتشوق لنصف فرصة لمواجهة هذا الكيان، فعملية البحر الميت الأردنية مثّلت استكمالا لعملية جسر الملك حسين، وقد جاءت هذه العمليات لتعبر عن تضامن شباب الأردن المباشر مع ما يحدث في غزة، ورفضهم للصلف والغرور الصهيوني وانتداب أنفسهم لدعم عزة والدفاع عنها، وفي ذلك كانت وصاياهم بضرورة استمرار مواجهة العدو الصهيوني والوقوف في وجهه.

اكسروا الطوق؛ دعوة إلى شعوب دول الطوق، وخطاب لدول الطوق خاصة الأردن ومصر؛ طوق لمن؟! طوق لفلسطين وقضيتها ومقاومتها فتحمونها وتدعموها؟ أم طوق عليها لحصارها وطوق حماية للكيان الصهيوني؟ وإسرائيل لا تزال تقيم الأسوار والجُدر والسواتر وتطوق نفسها حتى تأمن، فيأتيها الاستهداف من كل صوب وحدب؛ نعم لن يأمن الكيان الصهيوني ولن يهنأ بأمن؛ فسيكون يوم تُهدم فيه الجدر والأسوار؛ وسيكون يوم تزحف فيه الشعوب من دول الطوق إلى الحدود؛ وتطوق أنظمة الخنوع والهوان المستأسدة على شعوبها باستبدادها وطغيانها.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • تنافس محموم بين ترامب وهاريس لخطب ود العرب والمسلمين
  • “طوفان الأقصى” من [7] إلى [7]..قُدسِيّة “سيرورة المقاومة”..حَتمِيّة “صيرورة الكيان”
  • شخصنة الحدث.. مثال طوفان الأقصى
  • من طوفان الأقصى إلى العدوان الصهيوني على لبنان: معركة كيّ الوعي
  • افتتاحية: قوة أدب المقاومة
  • الشعوب تكسر الطوق والنظم تُحكِم المحاصرة والتطويق.. قاموس المقاومة (50)
  • الضالع: تخرج دفعة جديدة من دورات طوفان الأقصى
  • أكثر من 11 ألف و500 حالة اعتقال بالضفة والقدس منذ طوفان الأقصى
  • إصابة 12 ألف جندي إسرائيلي منذ اندلاع "طوفان الأقصى"
  • إصابة 12 ألف جندي إسرائيلي منذ "طوفان الأقصى"